recent
أخبار عاجلة

هل حقاً أن لكل إنسان قريناً؟ وهل القرين هو من الجان؟

 هل حقاً أن لكل إنسان قريناً؟ وهل القرين هو من الجان؟

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

هل حقاً أن لكل إنسان قريناً؟ وهل القرين هو من الجان؟ وكيف يمكن السيطرة عليه ليكون طيباً وليس كافراً؟

وكيف لشيطان واحد أن يبول، وأن ينزغ الأطفال وكثير منها في وقت واحد أم إن معناها هو قرين الإنسان

 فقد ثبت شرعاً أن لكل إنسان قريناً من الشياطين، قال سبحانه:"قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ"(قّ:27). ، وقد ذكر القرطبي أن القرين في الآية هو: الشيطان، وحكى المهدوي : عدم الخلاف في هذا.

عَن عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ وَقَدْ وُكّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنّ". قَالُوا: وَإِيّاكَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ "وَإِيّايَ. إِلاّ أَنّ اللّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ. فَلاَ يَأْمُرُنِي إِلاّ بِخَيْرٍ" (.أحمد ومسلم ).

وأخرج مسلم أيضاً عن عائشة رضي الله عنها: "أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلاً. قَالَتْ فَغِرْتُ عَلَيْهِ. فَجَاءَ فَرَأَىَ مَا أَصْنَعُ. فَقَالَ: "مَا لَكِ؟ يَا عَائِشَةُ أَغِرْتِ؟" فَقُلْتُ: وَمَا لِي لاَ يَغَارُ مِثْلِي عَلَىَ مِثْلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ؟" قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَوَ مَعِيَ شَيْطَانٌ؟! قَالَ: "نَعَمْ" قُلْتُ: وَمَعَ كُلّ إِنْسَانٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قُلْتُ: وَمَعَكَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ "نَعَمْ. وَلَكِنْ رَبّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتّىَ أَسْلَمَ"(مسلم) .

 يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بوُجودِ الجِنِّ مِن حَولِنا، وأنَّ منهم مَن وُكِّلَ بالإنسانِ فلا يُفارِقُه، ويَكيدُ له لِيُوقِعَه في الشُّرورِ والآثامِ، وأنَّه ما مِن أحدٍ مَهما بَلغَ منَ العِبادةِ والعِلمِ ما بَلغَ، إلَّا وقدْ وُكِّلَ به قَرينُه مِنَ الجِنِّ، وهو شَيطانٌ سُلِّطَ عليه ليُغوِيَه، ويُسوِّلَ له ويُشَكِّكَه في الدِّينِ ويُوسوِسَ له؛ لِيَصرِفَه عن الطَّاعةِ، ويُوقِعَه في المعصيةِ، فيَنْبغي الحَذَرُ الشَّديدُ منه.

فسَأله الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم قائلِين: «وإيَّاكَ يا رَسولَ اللهِ؟»، أي: هلِ اللهُ عزَّ وجلَّ قدْ قيَّدَ لكَ أنتَ أيضًا -يا رسولَ اللهِ- قَرينًا مِن الجنِّ مِثلَ باقِي البشَرِ؟ قال: «وَإيَّايَ» يَعني: لِي قَرينٌ مِنَ الجِنِّ كَما لكُلِّ إِنسانٍ قَرينُه مِنَ الجِنِّ؛ وذلكَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بشَرٌ، قال تعالَى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف: 110] ، «إلَّا أنَّ اللهَ أَعانَني» على ذلكَ القرينِ وعلى السَّلامةِ مِن شَرِّه ووَساوِسِه، «فأَسلَمَ» -بفتحِ الميمِ- يَعني: صار مُسلِمًا وآمَنَ بدَعوةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورِسالتِه، أو المعنى: استَسْلَمَ وانقادَ، وقدْ ضُبِطَ اللَّفظُ (فأَسْلَمُ) بضَمِّ الميمِ بصِيغةِ المضارعِ، ومعناه: فأسلَمُ أنا منه ومِن مَكرِه ووَسوسَتِه، وأُحفَظُ وأُجارُ مِن شَرِّه وفِتنتِه بعِصمةِ اللهِ تعالَى، فلا يَأمُرُني إلَّا بِخَيرٍ.

وفي روايةٍ أُخرى قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وَقَد وُكِّلَ به قَرينُه مِنَ الجِنِّ وقَرينُه مِنَ المَلائكةِ»، فَكما أنَّه قُيِّضَ له شَيطانٌ يُغويه ويُضِلُّه ويَأمُرُه بالشَّرِّ، كَذلك قُيِّضَ له مَلَكٌ يُسدِّدُه ويُرْشِدُه، فيكونُ آمِرًا له بالخيرِ ومُلهِمًا له في قَلبِه بالخيرِ.

وفي الحديثِ: حِرصُ الشَّيطانِ على إغواءِ بَني آدَمَ، وأنَّه لا يَنفَكُّ عنِ الإِغواءِ.

والمقصود بالقرين شيطان يقترن بابن آدم، ويسعى جاهداً ليضله عن سواء السبيل، ولا يمكن للمسلم أن يسيطر على قرينه ويدخله في الإسلام، لأن الله سبحانه جعل ذلك ابتلاءً للعبد، ليعلم المؤمن من غيره، وقرين النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمن ويصبح مسلماً على الراجح من أقوال أهل العلم، وإنما استسلم له وانقاد، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فأسلم" روي برفع الميم وفتحها، فعلى الرفع فهو فعل مضارع، ويكون المعنى: أسلمُ من شره وفتنته، وعلى الفتح، فهو فعلٍ ماض ويحتمل معنيين:

الأول: أنه أسلم ودخل في الإسلام، وهذا مدفوع كما سيأتي.

الثاني: أن أسلم هنا بمعنى: استسلم وانقاد. وقد جاءت الرواية كهذا في غير صحيح مسلم، كما قال النووي في شرحه.

مدافعة الشيطان

وعلى كلٍ، فعلى المسلم مدافعة هذا الشيطان، وهذا هو المطلوب منه شرعاً، وهو أمر مقدور عليه، وهذا القرين تارة يوسوس بالشر، ولذا جاء الأمر بالاستعاذة من شر وسوسته في سورة الناس:"مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ"(الناس:3-6) .

وتارة ينسي الخير، قال سبحانه:"فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ"(يوسف:42).

وتارة يعدُ ويُمَنِّي، قال تعالى:"يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً"(النساء:120) .

وتارة يقذف في القلب الوسوسة المرعبة، قال سبحانه:"إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ"(آل عمران:175) .

فكيده محصور في ما ذكرنا.

فاستعن بالله على مدافعته، والانتصار عليه، 

أما شيطان الإنس فهوموجود دائماً :"وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ"(الإنعام/112).

فهولاينصرف بالاستعاذة وإنما "خذالعفو وأمربالعرف وأعرض عن الجاهلين "و "وإذاخاطبهم الجاهلون قالواسلاماً"

وفيه: أنَّ اللهَ قَيَّضَ لِلإنسانِ مَلَكًا يُعينُه ويُرشدُه، في مُقابلَةِ إغواءِ الشَّيطانِ وفِتنَتِه.

وفيه: دَليلٌ عَلى عِصمَةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أنْ يُؤثِّرَ فيه الشَّيطانُ بأَذًى في عَقلِه أو قَلبِه بضُروبِ الوَساوسِ.

google-playkhamsatmostaqltradent