recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة بعنوان من مظاهر رحمة الرسالة والرسول ﷺ

من مظاهر رحمة الرسالة والرسول ﷺ

 


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه ومن وآلاه، وبعد

يقولُ اللهُ تعالى في مُحكمِ التنزيل "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"(الأنبياء ١٠٧).

ويقول النبي ﷺ: "إِنَّمَا بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ"(المعجم الكبير للطبراني).

 في هذه الخطبة إن شاء الله سنتناول مظاهر من رحمة الرسالة الخاتمة، ومظاهر من تجسيد النبي ﷺ لهذه الرحمة.

عباد الله :"

إن رحمةَ الإسلام عامة للبشرية جمعاء قال تعالى"وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"  وليست خاصةً بفئةٍ معينةٍ؛ وتتجاوز هذه الرحمة البشر إلى الكائناتِ الحية والجمادات، فَقَد دخلت امرأةٌ النارَ بسببِ هِرَة لا هي أطعمتها ولا تركتها تأكلُ من خشاشِ الأرض، ودخل رجلٌ الجنةَ لأنه سقى كلباً كان يلهثُ من العطش، ودخل آخر الجنة لأنه أزاح شجرةً عن طريقِ المسلمين عن أبي هريرة أن النَّبيّ ﷺ قَالَ: "لَقَد رأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الْجنَّةِ فِي شَجرةٍ قطَعها مِنْ ظَهْرِ الطَّريقِ كَانَتْ تُؤْذِي الْمُسلِمِينَ"(مسلم).

أما الجماداتُ فقد قال رسولُ اللهِ ﷺ عن جبلِ أُحُد: "إنَّ أُحدًا جَبلٌ يُحِبُّنا ونُحِبُّه"(مسلم).

  فلا يكون جبل أحدٍ مصدر تشاؤمٍ عند المسلمين بسبب هزيمتهم فيه في غزوةِ أُحُد؛ فالنصرُ - قبل وبعد- من عند اللهِ العزيزِ الحكيم.

عباد الله :" من مظاهر الرحمة في  الرسالة الخاتمة أنها:

 رسالةُ تخفيفٍ ويُسرٍ "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ"( البقرة ١٨٥؛).

 وما خُير نبيُ الرحمةِ بين أمرين إلا اختار أيسرَهما ما لم يكن إثماً.

رفعت شريعة الإصر والأغلال

  عباد الله :" ومن مظاهرِها أنها رفعت شريعة الإصر والأغلال التي كانت موجودة عند الأمم السابقة كيف ذلك؟

  كان المسلمُ سيؤدي في اليومِ خمسين صلاةً كما في رسالةِ موسى عليه السلام فخُفِفت لنا إلى خمسٍ تيسيراً بالأمة.

  كان للعبادةِ مكانٌ مخصوصٌ في الأمم السابقة فلا يُصلِى المسلمُ إلا فيه بينما نُصلي نحن في جميعِ أماكن الأرض روى جابر بن عبد الله أنَّ النبي ﷺ قالَ: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، فأيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وأُحِلَّتْ لي المَغَانِمُ ولَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي، وأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وكانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً وبُعِثْتُ إلى النَّاسِ عَامَّةً"(البخاري).

   في بني إسرائيل كانت النجاسةُ لا تُغسَلُ إذا وقعت على الثياب بل يُقطعُ مكانُها من الثوب، بينما تُزالُ النجاسةُ في شريعتِنا بالنضحِ والغَسل بالماء دون الحاجة إلى قطعِ الثوب.

  والغنيمةُ التي يأخذُها المجاهدون بعد النصرِ في المعارك لا يُنتفَعُ بها بل تُحرَق ويُعتبرُ الحرَقُ دليلَ قبولٍ لجهادِهم عند اللهِ تعالى كما عند بني إسرائيل بعد موسى "ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَآ أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍۢ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ ۗ قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِى بِٱلْبَيِّنَٰتِ وَبِٱلَّذِى قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ"(آل عمران ١٨٣)،

 بينما أُحلت الغنائمُ في شريعتِنا قال رسول الله ﷺ "وأُحِلَّتْ لي المَغَانِمُ ولَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي"(البخاري).

  وبعد أن عَبَدَ قومُ موسى عليه السلام العجلَ كانت توبتُهم أن يقتلوا أنفسهم :"وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ"(البقرة/ ٥٤)، 

بينما التوبةُ عندنا هي الإقلاعُ عن الذنب والندمُ على المعصية والعزمُ على عدم العودة إليها مُجدَدا، وإرجاعُ الحقوقِ إلى أهلها.

الحلال  بين والحرام بين

   عباد الله :" من مظاهر الرحمة أن الحلال والحرام في الرسالة الخاتمة قائمٌ على أسسٍ موضوعية؛ فالحلالُ مقصورٌ على الطيبات والحرامُ مقصور على الخبائث:"يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَىٰهُمْ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَٰٓئِثَ"(الأعراف /١٥٧)؛ وليس مقصوداً من التحريم الحرمان فهذا خاصٌ ببني إسرائيل وليس هذه الأمة :"فَبِظُلْمٍۢ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَٰتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيرًا"(النساء/ ١٦٠). بينما أُحلت الطيباتُ في شريعتنا، والمحرمات فقط هي الخبائث.

رفعت الحرج عن الناس 

 عباد الله :"

من مظاهرِ الرحمةِ أن هذه الرسالة رفعت الحرج عن الناس قال تعالى عن مهمة رسول الرحمةِ ﷺ (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) الأعراف ١٥٦. كذلك (رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) البقرة ٢٨٦. وفي رمضان رخصَ اللهُ تعالى لأصحابِ الأعمارِ الكبيرةِ والأمراضِ المُزمنةِ الذين لا يقدرون على الصيام الفدية (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة ٢٩ فرُخِصَ لهم في الفديةِ بدلاً عن الصيام. وفي الصلاة الذي لا يستطيع أن يُصلِي قائماً يُصلِي جالساً، والذي لا يستطيعُ الصلاةَ جالساً يُصلِي متكئاً أو بالهيئة التي يستطيعُ الصلاةَ بها. والزكاة لمن بلغ مالَه النصاب وحال عليه الحول، والحج لمن استطاع إليه سبيلا، والقاعدة الفقهية المشهورة المشقة تجلب التيسير فحيثما وُجدت المشقة فهي حتماً تجلبُ التيسير.

رفع القلم عن النائم والصبي والمجنون

  عباد الله :"من مظاهر الرحمة رفع القلم عن النائم والصبي والمجنون، والعفو عن الناسي والمخطىء والمُكره (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة ٢٨٦ (مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النحل ١٠٦.

الحسنة بعشر أمثالها 

 عباد الله :"من مظاهر الرحمة أن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائةِ ضعف والله يُضاعفُ لمن يشاء؛ والسيئةُ بمثلِها ويغفرُها اللهُ تعالى. ومن هَمَ بالحسنة يُكتب له أجرهُا وإن لم يعملها، ومن هَمَ بالسيئة ولم يعملها كُتبت له حسنة قال رسولُ اللهِ ﷺ: "إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلكَ، فمَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَناتٍ، إلى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، إلى أضْعافٍ كَثِيرَةٍ، ومَن هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَها، كَتَبَها اللَّهُ له سَيِّئَةً واحِدَةً" البخاري عن عبد الله بن عباس.

 اللهَ يغفرُ الذنوبَ جميعا 

  عباد الله :" ومن مظاهر الرحمة أن اللهَ يغفرُ الذنوبَ جميعا فيما يتعلق بحقِه تعالى إذا استغفر العبد؛ وأما حق الناس فلابد من إرجاعِه إلى أهلِه؛ ولكن إذا عَجِز الإنسانُ عن إرجاعِه وفي نيتِه القضاء ومات أدَى اللهُ عنه قال رسولُ اللهِ ﷺ: "مَن أخَذَ أمْوالَ النَّاسِ يُرِيدُ أداءَها أدَّى اللَّهُ عنْه، ومَن أخَذَ يُرِيدُ إتْلافَها أتْلَفَهُ اللَّهُ" البخاري عن أبي هريرة.

يثابُ المسلمُ علي كل أعمال الخير

 عباد الله :" من مظاهر الرحمة أن كل أعمال الخير التي  يُؤدِيها المسلمُ في الحياة يثابُ عليها إذا ابتغى بها وجهَ اللهِ والدارَ الآخرة، فيُثابُ المسلمُ في سعيِه للكسبِ الحلال، وفي إتقانِه للعمل، وفي صدقِه في التجارة، وفي تبسمِه للناس، وفي صلتِه للأرحام والجيران، وفي تربيتِه الصحيحة لأبنائِه، وفي نصرةِ المظلوم، وفي مساعدةِ المحتاجين، وفي إدخالِ السرور على قلوبِ المسلمين كما يُثابُ على إيمانِه باللهِ تعالى وتوكلِه والصلاةِ والذكر، وأمثلةُ ذلك:

حديث "السَّاعِي علَى الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ كالْمُجاهِدِ في سَبيلِ اللَّهِ، أوْ: كالَّذِي يَصُومُ النَّهارَ ويقومُ اللَّيْلَ" البخاري عن صفوان بن سليم.

وحديث "إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ" البيهقي عن عائشة رضي الله عنها.

وحديث "التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ" سنن الترمذي.

وكذلك حديث "أَحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ، تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضِي عنه دَيْنًا، أو تَطرُدُ عنه جوعًا، ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا، ومن كظم غيظَه ولو شاء أن يُمضِيَه أمضاه؛ ملأ اللهُ قلبَه يومَ القيامةِ رِضًا، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يَقضِيَها له؛ ثبَّتَ اللهُ قدمَيه يومَ تزولُ الأقدامُ" الطبراني المعجم الأوسط أو كما قال أقول ما تسمعون واستغفرُ الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

*الخطبة الثانية*

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد

قال تعالى "لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ"( التوبة ١٢٨).

 وقال رسولُ اللهِ ﷺ: "يا أيُّها النَّاسُ إنَّما أنا رحمةٌ مُهداةٌ" المستدرك على الصحيحين.

أيها المسلمون

جسَّد رسول اللهِ ﷺ الرحمةَ تطبيقاً عملياً في كلِ شُعب الحياة فكان رحيماً بالأطفال يتركُ الحسَنَ بن علي وهو طفلٌ في ظهرِه وهو يُصلِي بالناس ولا يقوم حتى يقضي الحسنُ لعبَه على ظهرِه ﷺ. قال الناسُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّكَ سجَدْتَ بينَ ظَهْرَانَيْ صلاتِكَ سجدةً أطَلْتَها، حتَّى ظَنَنَّا أنَّه قدْ حدَثَ أمْرٌ، أو أنَّه يُوحَى إليكَ، قال: كلُّ ذلكَ لم يكُنْ، ولكنَّ ابْني ارْتَحَلَني، فكرِهْتُ أنْ أُعْجِلَهُ حتَّى يَقضيَ حاجتَهُ" أخرجه النسائي.

رحيماً بالنساء وهو القائل (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) متفق عليه. وهو الذي يخففُ في الصلاةِ رحمةً بالمرأة التي يبكي طفلُها "إِنِّي لَأَدْخُل فِي الصَّلَاة أُرِيد إِطَالَتهَا، فَأَسْمَع بُكَاء الصَّبِيّ، فَأُخَفِّف مِنْ شِدَّة وَجْد أُمّه بِهِ" رواه البخاري ومسلم.

رحيماً بالكبار وهو القائل "إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافي عَنْهُ وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ" أخرجه الطبراني في الأوسط. وهو القائل "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا" أخرجه الترمذي وأحمد والحاكم.

وهو القائد المنتصر في فتح مكة ومع ذلك يقول لأبي بكر الذي جاء بأبيه ليُسلِم على يدِه الشريفة ﷺ يوم الفتح "هَلاَّ تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ فِيهِ" أخرجه أحمد وبن حبان والحاكم.

رحيماً بالكائناتِ الحية فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : كنا مع رسول الله - ﷺ - في سفرٍ فانطلق لحاجتِه، فرأينا حُمرَة (طائر صغير) معها فرخان، فأخذنا فَرْخَيْها، فجاءت الحمرةُ فجعلت تُعَرِّشُ (ترفرفُ بجناحيها)، فجاء النبيُ - ﷺ ـ فقال: "من فجع هذه بولدها؟، ردوا ولدها إليها" أخرجه أبو داود. وقصة الجمل الذي أرهقه صاحبُه فنهاه رسولُ اللهِ ﷺ عن ذلك ليست ببعيدة عنَّا.

رحيماً بالمؤمنين قال تعالى (لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) التوبة ١٢٨، وهنا زَكَّى اللهُ تعالى حبيبَه محمد ﷺ بأنه يعزُ عليه الشيء الذي يسببُ لأمته المشقةَ والعنت (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ)، وأنه حريصٌ على هدايةِ المؤمنين أكثر من أنفسِهم (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) وأنه رؤوفٌ بالمطيعين، رحيمٌ بالمذنبين من أمته (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) وهو أولى بالمؤمنين من أنفسِهم (النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ) الأحزاب ٦.

وهو الذي ادْخر دعوتَه شفاعةً لأمتِه يوم القيامة عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: "لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يوم الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا" أخرجه مسلم.

رحيماً بالناس وهو الذي قام لجنازةِ يهوديٍ فقيل له: يا رسول الله إنها جنازةُ يهودي قال: أليست نفساً. فقد كان رسولُ اللهِ ﷺ دائم الحرص على هدايةِ الناسِ جميعاً قال تعالى: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) الشعراء ٣.

رحيماً بالناس وهو الذي جاءت رسالتُه للعالمين رحمة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) الأنبياء ١٠٧. رسالة دعتهم لكلِ ماهو خير ونهتهم عن كلِ ماهو شر. دعتهم للإيمان بربِهم، دعتهم للعدلِ والإحسانِ والبرِ والأمانة وصلةِ الرحم وتوقيرِ الكبير والرحمةِ بالصغير والصدق وإتقان العمل وعِمارة الأرض، دعتهم للسلام والإصلاح والتعاون على البر والتقوى. ونهتهم عن الشرك والظلم وسفك الدماء وأكل أموالِ الناس بالباطل والإثم والعدوان والزنا والفساد في الأرض.

دعتهم لخيري الدنيا والآخرة ولذلك كانت بحق وحقيقة رحمةً للعالمين فلنُجسد هذه الرحمة في حياتنا كلِها حتى ننعم بالفلاحِ في الدنيا والآخرة (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف ١٥٧.

اللهم ارحمنا فأنت بنا راحم ولا تُعذبنا فإنك علينا قادر والطف بنا فيما جرت به المقادير ويسر لنا كل أمرٍ عسير وارحم أهلنا المنكوبين في السودان وغزة وكل المسلمين آمين وأقم الصلاة.

google-playkhamsatmostaqltradent