عظات من سورة التكاثر
ألهاكم التكاثر..فضاعت أعماركم
بسم الله الرحمن الرحيم أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ"(التكاثر:1 - 8).
نعيش هذا اليوم مع سورة كريمة:
- محزنة ومبكية، وفيها من اللوعة،
والحرقة ما الله به عليم.
- كان يقرؤها ﷺ متأثراً، ويقرؤها داعية،
ومربياً، ويقرؤها ﷺ عالماً عاملاً بها هو وأصحابه.
- لها أهداف جليلة ومقاصد نبيلة،
- هذه السورة مطلقة الأحاسيس، قوية
البنيان، تهز القلب المسلم هزاً عنيفاً.
- لها وقائع في قلوب الموحدين، ولها صدى
في أنفس العابدين، ولها رجةٌ في أذهان المتوجهين إلى الله
- تحدد مسار العبد، وتفصل بين المسلم
والكافر، وتوجه العبد توجيهاً تربوياً ربانياً.
- تعيش بك بين جو الدنيا الآسن المتخلف العفن، وبين جو الآخرة المشرق الباهر، الرائع البديع، هذه السورة تحددأيامك ولياليك وعمرك وساعاتك وثوانيك.
- فالله (عز وجل) بدأ السورة هكذا ضرباً
عنيفاً، وكأنه يوقظ الغافلين؛ انتبهوا، فكروا تدبروا حاسبوا، وراءكم عقاب، وراءكم
حساب، وراءكم ثواب، وراءكم جنة ونار ففكروا وتدبروا.
ألهاكم التكاثر:
أي شغلكم التفاخر
والتباهي بالأموال والأولاد والأعوان، والاعتناء بكثرتها وتحصيلها، شغلكم عن طاعة
اللَّه والعمل للآخرة، وخلف بكم عن الركب والمسير، فمالكم متخلفين؟ حتى أدرككم
الموت، وأنتم على تلك الحال.
شغلكم حب الدنيا ونعيمها
وزهرتها عن طلب الآخرة وابتغائها ، وتمادى بكم ذلك حتى جاءكم الموت وزرتم المقابر
، وصرتم من أهلها ؟!
سبب نزول السورة
عن ابن بريدة في قوله : ( ألهاكم
التكاثر ) قال : نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار في بني حارثة وبني الحارث ،
تفاخروا وتكاثروا ، فقالت إحداهما : فيكم مثل فلان بن فلان ، وفلان ؟ وقال الآخرون
مثل ذلك ، تفاخروا بالأحياء ، ثم قالوا : انطلقوا بنا إلى القبور . فجعلت إحدى
الطائفتين تقول : فيكم مثل فلان ؟ يشيرون إلى القبر - ومثل فلان ؟ وفعل الآخرون
مثل ذلك ، فأنزل الله : ( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ) لقد كان لكم فيما
رأيتم عبرة وأية..
ما هي أقسام التكاثر؟
أولاً- التكاثر بالعلم،
التكاثر باقتناء الكتب وتأليفها
التكاثر باقتناء الكتب بطبعاتها
المختلفة والمكاثَرة بتأليفها وتكبيرها
ولكن إذا تحول هذا الاقتناء إلى
مكاثَرة ومُفاخَرة ومباهاة مع قلة الاستفادة منها فهذا هو الأمر المذموم، وهذا هو
الذي يدخل تحت قوله تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾.
والعلم إذا لم يرزقك خشية وإنابة، فهو
ضلال، إذا لم يقربك العلم من الله عز وجل، فليتك ثم ليتك ما علمت.
- إذا لم ينفعك ولم يفتح بصيرتك، ولم
يجعلك تحضر الصلوات الخمس متوضئاً طاهراً، وتغض بصرك عن المحارم، أو تسمع أذنك
حراماً، فليتك ثم ليتك ما علمت.
-
إذا لم يوجهك العلم توجيهاً صحيحاً، ويوجه بيتك وأبناءك وزوجتك وأختك
وأمك، فهذه فائدة العلم.
قال تعالي :" مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"(الجمعة/5).
سبحان الله: حمار عليه أسفار ومجلدات,
لكن حمار.
الشهادات العلمية:
التكاثر بالعلم أن تجد البراويز محملة
بالشهادات في البيت؛ لكن تنظر إلى الوجه فلا تجد عليه أثر علم، ما عليه نور ولا
وضوح، تنظر إلى الصلاة فإذا هي مهزوزة، المجلة الخليعة في البيت، مكان المصحف
الأغنية الماجنة تدوي في البيت، والموسيقى مكان القرآن،التبرج والسفور، النظرة
المسئولة وغير المسئولة التي تطلق على محارم الناس، تهتك أعراض الناس، الملبس من
ربا... السيارة من ربا ...الفيلا من ربا أكل الأطفال من ربا التخلف عن الجماعات؛
وهذه الشهادة المعلقة لا تشفع له يوم القيامة.
عن أبي هريرة قال ﷺ " من تعلَّم علمًا
مما يبتغى به وجهَ اللهِ تعالى،لا يتعلَّمُه إلا ليُصيبَ به عرضًا من الدنيا لم
يجِدْ عَرْفَ الجنةِ يومَ القيامةِ.يعني ريحَها "( ابوداود).
وعن كعب بن مالك قال : قال ﷺ :" مَن ابتغَى العِلمَ ليُباهيَ به العُلماءَ، أو يُماريَ به السُّفهاءَ، أو يُقبِلَ أفئدةُ النَّاسِ إليه، فالنَّارُ النَّارُ"(الترمذي).
ثانيا- التكاثر بالأموال:
- أن يكون الإنسان همه في الحياة تزويداً
لدراهمه ودنانيره، تضيع حسناته، تضيع قيمته عند الله ثم عند الناس، ولا يشعر بذلك؛
- يترك كل شيء إلا المال، يسبح بحمد
المال، وبعض الناس يعبد المال من دون الله، يسجد للجنيه، ويركع للجنيه، ويسبح بحمد
الجنيه، لو سألت بعض الناس عن اسمه ربما يغلط فيقول: الجنيه.
- لأن أكبر معنى عندهم في الدنيا هذا
المال، فحديثهم في المجالس في المال، وكلامهم في المال، أخذهم وعطاؤهم ومحبتهم
وبغضهم على المال.
وهذه عبودية من دون الله عز وجل.عن ابي
هريرة قال ﷺ:"تعِس عبدُ الدينارِ ، تعِس عبدُ الدرهمِ ، تعس عبدُ الخميصةِ ، تعس
عبدُ الخميلةِ ، تعِس وانتكَس وإذا شيكَ فلا انتقشَ"(البخاري).
وحدُّ الكثرة في المال أن يشغلك عن
طاعة الله، فإذا أشغلك عن طاعة الله، فاعلم أنه عارٌ ودمارٌ، وشنارٌ ونارٌ في
الدنيا والآخرة.
يقول ابن آدم مالي مالي
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:"يقول ابن آدم: مالي مالي .
انتهَيْتُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يقرَأُ : {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر: 1] قال : ( يقولُ ابنُ آدَمَ : مالي وإنَّما لكَ مِن مالِك ما أكَلْتَ فأفنَيْتَ أو لبِسْتَ فأبلَيْتَ أو تصدَّقْتَ فأمضَيْتَ
يعني: الإنسان حين يتكبر ويفتخر بالمال ويقول: أنا عندي أموال كثيرة، نقول لهذا: من الذي أعطاك هذا المال؟ أليس المال مال الله سبحانه وتعالى، وما مالك؟ يقول: (إنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فأقنى)، وفي الرواية الأخرى: (وهل لك يابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت) فمالك ما اشتريت به طعاماً وأكلته وفني هذا الطعام، أو اشتريت به ثياباً ولبست هذه الثياب فخلقت وبليت، أو أخرجت الصدقة فنفعتك عند الله سبحانه وتعالى.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس)، يعني: مهما ادخرت من مالك تتركه في النهاية لورثتك.
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث وهو يقرأ لهم: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:١]، والتكاثر: هو التفاخر بالكثرة، كأن يقول: أنا معي (مليون) والثاني يقول: أنا معي (مليونان)، أنا معي ألف، أنا معي ألفان، تكاثر وافتخار وزهو وعجب وغرور بالمال، فقوله: {أَلْهَاكُمُ} [التكاثر:١]، يعني: دفعكم عن التذكرة ودعاكم إلى التلهي والنسيان كثرة المال الذي في أيديكم، ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث
ثالثا -التكاثر بالأولاد:
- وبعض الناس لقلة فهمهم يتصور إذا رزق نفراً كثيراً من الأبناء؛ أن ذلك لحظه ولمكانته عند الله، وكذلك المال والعلم، وهذه كلها ابتلاءات من الله، قال تعالى:"فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ"(الفجر/15)
وقال سبحانه:"وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا
أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ
وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ
فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ "(سبأ:37).
والأولاد قد يكونون فتنة، ولعنة،
وسخطا، وغضبا، وشقاء، قد يدخلون عليك البؤس والحسرة واللوعة والحرقة والفتنة،
- ومن كلام أحد الحكماء "في آخر
الزمان لأن يربي أحدكم كلباً أوجرواً خير من أن يربي ولداً " هذا في بعض
الأماكن
يوم يرفع القرآن من البيت، يوم تترك
سنة الرسول ﷺ من البيت، تتربى الأسرة على غير لا إله إلا الله، على الأغنية
الماجنة، على الصورة الخليعة، وعلى السهرة الآثمة، ولذلك ينشأ النشء معوجاً غير
مستقيم، الابن ضال مضل، والبنت فاتنة مفتونة؛ لأن غرساً لا يربى على نهر محمد ﷺ
غرس ميت.
من قصص القرآن:
وذكرالقرآن قصة محزنة عن رجل، ضال مضل،
عميل، كفر بلا إله إلا الله،
إنه الوليد بن المغيرة كان يحضر أندية
قريش، ويدخل الحرم وعن يمينه خمسة أبناء وعن يساره خمسة، فقد كانوا عشرة، كان
يلبسهم الحرير، وأسورة الذهب، وتيجان اللؤلؤ، كان تاجراً، ذهبه يكسر بالفئوس في
مكة، فدعاه ﷺ إلى لا إله إلا الله؛ فكفر بلا إله إلا الله،
وقال: هذا القرآن سحر، فتنزل له الله بآيات وقال:"ذرني ومن خلقت وحيدا"
أتى وحده، وقع أعمى، أصم، أبكم، جائع،
ظمآن على الأرض، والآن يتفلسف في القرآن، يحارب لا إله إلا الله.
:"ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا ۖ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (المدثر/11-17)
أي: مهدت له أموره، أهذا هو الجزاء؟!
وهذا رد المعروف؟! وهذا حفظ الجميل؟! تكبر علينا اليوم، اليوم يعرف شخصيته.
صعود: جبل في جهنم يصعد فيه سبعين سنة
إذا انتهى إلى أعلاه سقط على آخره نعوذ بالله من النار، نعوذ بالله من سقر، نعوذ
بالله من الفجور، نعوذ بالله من عدم الفهم لآيات الله عز وجل، هذا في التكاثر
بالأولاد.
رابعا-التكاثر بالمناصب والزينة:
ومن الناس من يتكثر في الظهور والمناصب
والزينة، ويتكثر بالشهرة، وهي أمور مغروسة في الفطر، محببة إلى النفس لا يوجهها
إلا الإسلام.
أيها الناس! ألهاكم التكاثر، أيها
التجار! ألهاكم التكاثر، أيها النائمون! إلى متى والموت قد حضر؟!
"حَتَّى زُرْتُمُ المَقَابِرَ"(التكاثر:2).
قال المفسرون: حتى جاءكم الموت فأشغلكم
وهذا هو الراجح والظاهر إن شاء الله.
إنها زيارة غير الزيارات، زيارة
اضطرار.يفعلها ويزاولها كل إنسان، الملك والمملوك، الغني والفقير، الكبير والصغير،
الأنثى والذكر. هي الموت؛ زيارة على النعوش، زيارة في الأكفان، زيارة ونحن جثث
نحمل على أكتاف الرجال ,إنك إذا فعلت هذه الزيارة فلن تعود إلى بيتك مرةً ثانية،
قال تعالي في الحديث القدسي:" قال اللهُ : إنِّي قضَيْتُ أنَّهم لا يرجِعونَ "
زيارة تفقد فيها أحبابك، وأصحابك،
وأترابك، وإخوانك، وأخدانك، زيارة لن تعود إلا إلى جنة أو إلى نار، زيارة لن ترى
فيها بيتك مرةً ثانية، ولا طفلك الوليد الحبيب، ولا طفلتك الوديعة الهادئة، ولا
زوجتك الحبيبة، ولا بيتك ولا فراشك، زيارة تنقطع فيها عن أسباب الحياة وعن معالم
الحياة.
ماذا أعددتم للمقابر؟
- يا أيها الذين استبشروا بطلعاتهم،
وخافوا من وهج الشمس أن تغير بشرتهم، سوف تحشرون في المقابر،
- يا أيها الذي تظلل في الظل الهانئ
الوارف؛ سوف تطرح في المقبرة،
- يا من تمتع برؤية أطفاله، والجلوس على
منابره وكنباته، سوف توسد التراب،
- يا من تلذذ بالطعام والشراب؛ سوف يأكلك
الدود.
* مر عمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد
العابد، المجدد الأول بعد الصحابة؛ مرّ بالمقابر في دمشق فقال: يا موت ماذا فعلت
بالأحباب؟ ماذا فعلت بالأحبة؟
ثم بكى حتى جلس، فجلس معه الأمراء
والوزراء وهم يبكون قال:"أتدرون ماذا يقول الموت؟ قالوا: لا.قال: يقول: ذهبت
بالعينين، وأكلت الحدقتين، وفصلت الكفين عن الساعدين، والساعدين عن العضدين، وفصلت
القدمين عن الرجلين، والرجلين عن الساقين"
كلا سوف تعلمون:
سبحان الله! كلمة (كلّا) كأنها صاعقة
في القرآن، لا تأتي إلا في أسلوب وهجوم أدبي، الهجوم الأدبي تستخدم فيه كلا.
.سوف تظهر، لكم أمور ما ظهرت،
"كلاَّ سَوفَ تَعْلمُونَ"(التكاثر:3)
صلوا وصاموا وحجوا؛ لكن رياءً وسمعة، وظنوا أنها رصيد عند الله، فلما حضروا وجدوها
هباءً منثوراً، فبكوا وتضرّعوا ولكن حيث لا ينفع التضرع والبكاء.
"كلَاَّ لوْ تَعلمُونَ عِلْمَ اليَقِينَ"
يقول ابن القيم في مدارج السالكين:
علم اليقين: هو أن تسمع بالشيء ولا
تراه فهذا علم، ولكنك إذا تيقنت منه فهذا علم اليقين؛ فإذا علمت بشيء فتيقنت منه
كان لديك علم اليقين.
لو كان عندكم في الدنيا علم يقين يصل
إلى القلوب ما فعلتم هذه الأفاعيل، بالله
هل يترك الصلاة من عنده علم يقين؟
هل يقضي وقته باللعب واللهو والغناء
والمجون والسفور من عنده علم يقين؟!
لتَروُنَّ الجَحِيمَ"(التكاثر:3 - 6)
قال: الجحيم ترى يوم القيامة. عن بن
مسعود قال ﷺ:"يؤتى بجهنمَ يومئذٍ لها سبعونَ ألفَ زِمامٍ مع كلِّ زمامٍ سبعونَ
ألفَ ملكٍ يَجرُّونَها "( مسلم)
ولها زمجرة ولها تغيظ وزفير تكاد أن
تتميز وتتقطع من الغيظ، وتريد أن تغير على أهل الموقف -نعوذ بالله من ذلك- ولكنها
تصبر حتى يدخل فيها المجرمون.
نعم "ثمَّ لتَرونَّهَا عَينَ اليقِينِ"(التكاثر:7). أتى هنا عين اليقين الرؤية، ويأتي عين اليقين هنا، وهي الدرجة التي
ذكرها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى علم وعين.
ثُمَّ لتُسْألُنَّ يَومئذٍ عَنِ
النَّعيم:
هذه الآية من أعظم الآيات وكل ما أمدنا
الله عز وجل به في الحياة الدنيا فهو نعيم،
- بن تيمية : أجلُّ نعمة نعمة الإسلام،
من وجد الطريق إلى الله فقد وجد كل شيء، ومن فقد الطريق إلى الله فقد فَقَدَ كل
شيء، من نام على الرصيف وما وجد إلا كسرة الخبز وقطعةً يواري بها عورته، ووجد
الإيمان فقد ملك الدنيا،
ابن عمر قال: [تسألون عن الماء البارد].
وقيل النعيم: هو السكن إلى الأهل،
والرضا بالرزق مع الاستقامة.
وقيل النعيم: هو المدد بالجوراح
وبالحواس فلا يطرقك حدث حتى تموت، وهذا من النعيم.
أنواع النعيم
فالنعيم الأعظم
1- هو أن يوصلك إيمانك إلى رضوان الله هو
نعمة الإيمان، والتعلق بالله، وبكتاب الله.
2- ألا تجعل لك إماماً ولا قدوةً ولا
هادياً إلا محمداً ﷺ
3- نعيم النوافل بعد الفرائض، ولا أنعم
ممن وضع وجهه في الأرض ساجداً لله عز وجل.
حين تخرج من عملك، من مكتبك أو من
إدارتك أو من فصلك، فتتوضأ وتصلي ركعتي الضحى في أربع دقائق أو خمس دقائق، أن تأخذ
المصحف تتلو آيات الله، النعيم هو أن تقوم في السحر إن وفقك الله لقيام السحر
والليل، أن ترضى بما أعطاك الله عز وجل من الأرزاق، ومن الأولاد، ومن البيوت،
وتعدَّ نفسك في رغدٍ من العيش.
- ابن تيمية: "إنَّ في الدنيا جنةً
من لم يدخلها؛ لم يدخل جنَّة الآخرة".
العصيمي: "هي جَنَّة الأُنْس
بالله، والاستغناء به عما سواه، وخضوع القلب في محراب رضاه، وصعود النَّفس في
منازل هداه"
- أغلق عليه السجان الباب قال: {فَضُرِبَ
بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ
قِبَلِهِ الْعَذَابُ"(الحديد:13) ثم قال: "ماذا يفعل أعدائي بي؟!أنا جنتي
وبستاني في صدري أنَّى سرت فهي معي أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني
خلوة"
فجنته وبستانه الذكر والعبادة والاتصال
بالله عز وجل.
فإذا عرف ذلك فليعرف النعيم أنه القرب
من الله عز وجل، والعبودية لله، أسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا أن يقرَّ
عيوننا وعيونكم بالنعيم الخالد، وبعبوديته سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وأن يرزقنا
وإياكم الاستقامة.