ماظنكم برب العالمين
صناعة الأمل منهج نبوي
لا لليأس والقنوط
يولد النور من كبد الظلماء
فما ظنكم بربكم (بشائرقرآنية.)
واخيرا ((.. تساؤلات مهمةتحتاج الي
إجابات..
))
الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد
لم تمرّ الأمة بمحنة على عهد المصطفى
صلى الله عليه وسلم إلا ووظفها النبي توظيفا تربوياً عالياً و ملأ القلوب بالأمل
في وعد الله و اجتث جرثومة الهزيمة النفسية القاتلة .
فلابد أن نرفع رؤوسنا ونمد أبصارنا إلى
خيط الأمل المنسل من بين ثنايا الظلام، ونلقي بأسماعنا إلى نداء شفّاف فيه ما فيه
من الانعطاف والألطاف نداء يمد حبال الأمل منتشلاً قاصديه من براثين اليأس قال الحق جل وعلا:
(حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ
وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ
وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [يوسف: 110].
لقد حاصر المشركون رسولَ اللهِ ﷺ
وصحابتَه وبني هاشم في شِعَبِ مكةَ سنة سبعٍ من البعثة. حاصروهم ثلاث سنوات لا
يُباعُ لهم ولا يُشتَرى منهم ولا يَدَعُوهم يَخرجُون حتى قامَ أحدُ المشركينَ
مِمَنْ حَرَّكَته عاطفةُ الإنسانيةِ ونخوةُ العروبة وهو زهيرُ بن أبي أمية الذي
قال مقولته المشهورة: "يا أهل مكةَ أنأكلُ الطعامَ ونلبسُ الثيابَ وبنو هاشم
هلكَى لا يُبَاع لهم ولا يُبتَاعُ منهم" وأقسم أنه يقومُ إلى هذه الصحيفةِ
الظالمةِ ويَشقُها، فعَرَضَ الأمرَ على آخر فقال انظر لنا ثالثاً حتى اذا بلغوا
خمسةً ذهبوا ولكن ارادةَ اللهِ وعدلَه قد سبقتهم فوجدوا الأرضةَ قد أكلت الصحيفة،
ولكن سجَّل لهم التاريخُ هذا الموقف.. إنه أحبتي موقفٌ من مشركٍ حركته إنساتيتُه
فكيف بنا نحن المؤمنون، أليس حريٌ بنا أن نقفَ موقفاً يتسِق مع إيمانِنا؟ أليس
حريٌ بالشعوبِ الإسلامية أن تُشكِلَ ضغطاً على حُكامِـ.ـها ليقفوا موقفَ زهير بن
أبي أمية.. بل أو ليس أمة الاسلام هي أولى بموقفه هذا؟
إذا حاولنا أن نجدَ أسباباً لهذا
الحصـ.ـار الظالم الذي نحا منحاً جديداً فنجده يتلخص في الاسباب الآتية:
أولاً
القسوة التي كتبها اللهُ تعالى على
قلوبِ اليهـ.ـودِ بسببِ نقضِهم للعهود وكفرِهم بآياتِ الله رغم البيَّنات التي
ظهرت لهم (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ
قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا
ذُكِّرُوا بِهِ ۚ) المائدة ١٣.
ثانيا
خوفهم الشديد من وعدِ اللهِ تعالى بأن
نهايتَهم ستكونُ على يدِ عبادٍ للهِ تعالى كما كانت فيما مضى من قرون (فَإِذَا
جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ
شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (٥) ثُمَّ
رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ
وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (٦) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ
لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ
لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ
مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (٧) الإسراء.
ثالثا..
ازدواجية المعايير لدى النظام الدولي
الذي يَدَّعِي الدفاع عن حقوقِ الإنسان لمجرد إنسانيتِه، فيتدخلون في الدول تحت
ذريعة تهديد السلم الدولي ولكنهم يقفون جامدين أمام الإبـ.ـ.ادة الجماعية وبهذه
الوحشـ.ـ.ية في غـ.ـ.زة..إنه ظلـ.ـمُ النظام الدولي الذي يتدخل عندما تكون القضيةُ
في صالِحه، ويغض الطرف عن القضايا العادلة الأخرى وإن كانت بكل هذه الوحشـ.ـية كما
يحدث في غـ.ـزة..
رابعا..
عدم ربط القوة بالعدل فإنهم يستخدمون
القوةَ والتمكين في الظلـ.ـم وهذا يتنافى والفطرةِ البشرية التي جُبِلت على مقتِ
الظلـ.ـم.. فالجاهليون شعارهم نصرة الضعيف كما قال شاعرُهم
إنما ينصرُ الاقوامَ من كان ضَرَع
خامساً
ما يحصُل لنا بسببِ ضعفِنا الذي جعل الآخرين يطمعون فينا وقد أمرنا اللهُ تعالى بإعداد القوة فقال (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ) التوبة ٥٠؛ ولكنَّا لم نأخذ بهذه الهدايةِ الربانية فتجسّد فينا حديثُ رسولِ اللهِ ﷺ: "يُوشِكُ الأممُ أن تداعَى عليكم كما تداعَى الأكَلةُ إلى قصعتِها. فقال قائلٌ: ومن قلَّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيلِ، ولينزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذِفَنَّ اللهُ
صناعة الأمل منهج نبوي والهجرة المباركة أنموذج
ما هو الأمل؟
الأمل هو انشراح النفس في وقت الضيق
والأزمات؛ بحيث ينتظر المرء الفرج واليسر لما أصابه، والأمل يدفع الإنسان إلى
إنجاز ما فشل فـيه من قبل، ولا يمل حتى ينجح في تحقيقه
إن أخطر ألوان الهزيمة , أن تمتلئ
القلوب باليأس و القنوط من رحمة الله ، وأن تتفرغ القلوب من الأمل في وعد الله و
وعد الصادق رسول الله صلى الله عليه و على آله وصحبه وسلم , وإن بث الأمل منهج
نبوي رائع حتى في وقت المحن و الأزمات و الفتن أيها المؤمنون، فنحن في هذه الأيام
في مسيس الحاجة إلى أن نعيش الحياة وكلنا أملٌ في الله عز وجل؛ حتى نوفَّق للعمل
من أجل مرضاة الله تعالى.
أيها الأحبة الكرام:
لَقدْ جعلَ اللهُ - تعالَى- الحياةَ
الدنيا كثيرةَ التقلُّبِ لا تستقيمُ لأَحدٍ علَى حالٍ ولا تَصْفُو لمخلوقٍ مِنَ
الكَدَرِ، فَفِيها خيرٌ وشرٌّ، وصلاحٌ وفسادٌ، وسُرورٌ وحُزْنٌ، وأملٌ ويأْسٌ،
ويأتِي الأملُ والتفاؤلُ كشُعاعَيْنِ يُضِيئانِ دياجِيرَ الظلامِ، ويشقَّانِ
دُروبَ الحياةِ للأنامِ، ويَبْعَثان في النَّفْسِ البشريَّةِ الجِدَّ والمثُابَرةَ،
ويلقِّنانِها الجَلَدَ والمصُابَرَةَ، فإنَّ الذي يُغْرِي التاجرَ بالأسفارِ
والمخاطرةِ: أَمَلُهُ في الأرباحِ،
والذي يَبْعثُ الطالبَ إلى الجدِّ
والمثُابرةِ: أملُهُ في النجاحِ،
والذي يحفِّزُ الجنديَّ إلى الاستبسالِ
في أرضِ المعركةِ أملُهُ في النصرِ،
والذي يُحبِّبُ إلى المريضِ الدواءَ
المُرَّ: أملُهُ في الشِّفاءِ والطُّهْرِ،
والذي يدعو المؤمنَ أنْ يُخالِفَ
هَواهُ ويُطيعَ مَوْلاهُ: أملُه في الفوزِ بجنَّتِهِ ورِضاهُ، فهوَ يُلاقِي
شدائِدَها بقلبٍ مُطْمَئِنٍ، ووجْهٍ مُسْتبشرٍ، وثَغْرٍ باسمٍ، وأمَلٍ عَريضٍ،
فإذا حارَبَ كانَ واثِقًا بالنصرِ، وإذا أعْسَرَ لم يَنقطِعْ أملُهُ في تبدُّلِ
العُسْرِ إلى يُسْرٍ، وإذا اقترفَ ذنبًا لم يَيْئَسْ مِنْ رحمةِ اللهِ ومغفرَتِهِ
تَعلُّقًا وأملًا بقولِ اللهِ تعالىَ: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا
عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].
فالأمل إذًا هو إكسير الحياة، ودافع
نشاطها، ومُخفف وَيْلاتها، وباعث البهجة والسرور فيها.
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل! والأمل
- قبل ذلك كله - شيء حلو المذاق، جميل المحيَّا في ذاته
........*الأمل عند الأنبياء*.....:
الأمل والرجاء خلق من أخلاق الأنبياء،
وهو الذي جعلهم يواصلون دعوة أقوامهم إلى الله دون يأس أو ضيق، برغم ما كانوا
يلاقونه من إعراض ونفور وأذي؛ أملا في هدايتهم في مقتبل الأيام.
الأمل عند نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:
كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا
على هداية قومه، ولم ييأس يومًا من تحقيق ذلك وكان دائمًا يدعو ربه أن يهديهم،
ويشرح صدورهم للإسلام.
وقد جاءه جبريل -عليه السلام- بعد رحلة
الطائف الشاقة، وقال له: لقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، إن شئتَ أطبقتُ عليهم
الأخشبيْن (اسم جبلين)، فقال صلى الله عليه وسلم: (بل أرجو أن يُخْرِجَ الله من
أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا) [متفق عليه].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
واثقًا في نصر الله له، وبدا ذلك واضحًا في رده على أبي بكر الصديق، أثناء وجودهما
في الغار ومطاردة المشركين لهما، فقال له بكل ثقة وإيمان: {لا تحزن إن الله معنا}
[التوبة: 40].
وفي الهجرة من مكة والنبي خارج من بلده
خروج المطارد المضطهد الذي يغيِّر الطريق، ويأوي إلى الغار، ويسير بالليل، ويختفي
بالنهار، وانظر إليه حينما يلجأ إلى غار ثور في هجرته مع صاحبه الصديق، ويقتفي
المشركون آثار قدميه، ويقول قائفهم: لم يعد محمد هذا الموضع، فإما أن يكون قد صعد
إلى السماء من هنا، وإما أن يكون قد هبط إلى الأرض من هنا.
ويشتد خوف الصديق على صاحب الدعوة
وخاتم النبيين، فيبكي ويقول: لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فيقول له النبي: ((ما
ظنك باثنين الله ثالثهما))، وكانت العاقبة ما ذكره القرآن: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ
فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ
إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ
مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ
تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ
هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 40].
وفي الطريق يلحقه الفارس المغامر سراقة
بن مالك وفي رأسه أحلام سعيدة بمائة ناقة من حمر النعم - جائزة قريش لمن يأتي برأس
محمد حيًّا أو ميتًا - ولكن قوائم جواده تسوخ في الأرض ويدركه الوهن، وينظر إليه
الرسول، ويكشف الله له عن الغيب المستور لدينه، فيقول له: ((يا سراقة، كيف بك إذا
ألبسك الله سواري كسرى؟))، فيعجب الرجل ويبهت، ويقول: كسرى بن هرمز؟ فيقول:
"نعم".
ويذهب الرسول إلى المدينة، ويبدأ في
كفاح دام مرير مع طواغيت الشرك، وأعوان الضلال، وتسير الحرب - كما هي سنة الله -
سجالاً.
حتى تأتي غزوة الأحزاب، فيتألَّب الشرك
الوثني بكل عناصره، والغدر اليهودي بكل تاريخه، ويشتد الأمر على النبي وأصحابه:
قريش وغطفان، ومن يحطب في حبلهما من خارج المدينة، واليهود والمنافقون من الداخل،
موقف عصيب صوَّره القرآن بقوله: ﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ
أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ
الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ
الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 10، 11].
في هذه الساعات الرهيبة التي يذوي فيها
عود الأمل، ويخبو شعاع الرجاء، ولا يفكر المرء إلا في الخلاص والنجاة ... في هذه
اللحظات والنبي يسهم مع أصحابه في حفر الخندق حول المدينة يصدون بحفره الغزاة،
ويعوقون الطامعين العتاة، يُحدِّث النبي أصحابه عن الغد المأمول، والمستقبل المرجو
حين يفتح الله عليهم بلاد كسرى بفارس، وبلاد قيصر بالشام، وبلاد اليمن بالجزيرة،
حديث الواثق المطمئن الذي أثار أرباب النفاق، فقالوا في ضيق وحنق: إن محمدًا يعدنا
كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الخلاء وحده! أو كما قال القرآن: ﴿
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا
اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الأحزاب: 12].
ماذا تسمي هذا الشعاع الذي يبزغ في
دياجير الأحداث من القلوب الكبيرة، فينير الطريق ويبدد الظلام؟ إنه الأمل، وإن شئت
فهو الإيمان بنصر الله: ﴿ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ *
وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم:5، 6].
أمل نوح -عليه السلام-:
ظل نبي الله نوح -عليه السلام- يدعو
قومه إلى الإيمان بالله ألف سنة إلا خمسين عامًا، دون أن يمل أو يضجر أو يسأم، بل
كان يدعوهم بالليل والنهار.. في السر والعلن.. فُرَادَى وجماعات.. لم يترك طريقًا
من طرق الدعوة إلا سلكه معهم أملا في إيمانهم بالله: {قال رب إني دعوت قومي ليلاً
ونهارًا . فلم يزدهم دعائي إلا فرارًا . وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم
في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارًا . ثم إني دعوتهم جهارًا .
ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارًا} [نوح: 5-9].
فأوحى الله -تعالى- إليـه أنه لن يؤمن
معه أحد إلا من اتبعه، فصنع السفينة، وأنجاه الله هو والمؤمنين.
-أمل يعقوب -عليه السلام-:
ابتلى الله -سبحانه- نبيه يعقوب -عليه
السلام- بفقد ولديْه: يوسف وبنيامين، فحزن عليهما حزنًا شديدًا حتى فقد بصره، لكن
يعقوب -عليه السلام- ظل صابرًا بقضاء الله، ولم ييأس من رجوع ولديه، وازداد أمله
ورجاؤه في الله -سبحانه- أن يُعِيدَهما إليه، وطلب يعقوب -عليه السلام- من أبنائه
الآخرين أن يبحثوا عنهما دون يأس أو قنوط، لأن الأمل بيد الله، فقال لهم: {يا بني
اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا
القوم الكافرون} [يوسف: 87]، وحقق الله أمل يعقوب ورجاءه، وَرَدَّ عليه بصره
وولديه.
أمل موسى -عليه السلام-:
ظهر الأمل والثقة في نصر الله بصورة
جليَّة في موقف نبي الله موسى -عليه السلام- مع قومه، حين طاردهم فرعون وجنوده،
فظنوا أن فرعون سيدركهم، وشعروا باليأس حينما وجدوا فرعون على مقربة منهم، وليس
أمامهم سوى البحر، فقالوا لموسى: {إنا لمدركون}
[الشعراء: 61].
فقال لهم نبي الله موسى -عليه السلام-
في ثقة ويقين: {قال كلا إن معي ربي سيهدين} [الشعراء: 62]. فأمره الله -سبحانه- أن
يضرب بعصاه البحر، فانشق نصفين، ومشى موسى وقومه، وعبروا البحر في أمان، ثم عاد
البحر مرة أخرى كما كان، فغرق فرعون وجنوده، ونجا موسى ومن آمن معه.
أمل أيوب -عليه السلام-:
ابتلى الله -سبحانه- نبيه أيوب -عليه السلام- في نفسه وماله وولده إلا أنه لم يفقد أمله في أن يرفع الله الضر عنه، وكان دائم الدعاء لله؛ يقول تعالى: {وأيوب إذ نادى ربه إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} [الأنبياء: 83]. فلم يُخَيِّب الله أمله، فحقق رجاءه، وشفاه الله وعافاه، وعوَّضه عما فقده.
الأمل والعمل:
الأمل في الله ورجاء مغفرته يقترن
دائمًا بالعمل لا بالكسل والتمني، قال تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً
صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا} [_الكهف: 110]. وقال عز وجل: {إن الذين آمنوا
والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم}
[البقرة: 218] و الشدائد
.
ها هو خباب بن الأرت و حديثه في
الصحيحين في و قت اشتدت فيه الأزمة و زاد فيه الاضطهاد و اشتدت فيه صور العذاب و
الابتلاء حتى جاء خباب يحمل على ظهره أوسمة و نياشين تتمثل في هذه السياط التي
تنزلت على ظهره كتنزل حبات المطر و عاد إلى النبي صلى الله عليه و سلم يشكو هذه
الآلام او ان شئت فقل يشكي هذه الدماء بعد الجراح , فقعد النبي و كان مضطجعاً في
ظل الكعبة زادها الله تشريفاً و نظر إلى خباب أنظر إلى هذا التوظيف التربوي النبوي
العالي لهذه الكلمات التي يجسدها صحابي جليل يجسد بها صحابي جليل حجم المعاناة و
شدة البأساء فقعد النبي و قد احمر وجهه , و كان صلى الله عليه وسلم إذا غضب كأنما
فقئ في وجهه حب الرمان و قد احمر وجهه ثم التفت إلى خباب رضي الله عنه و قال و
الله لقد كان يؤتى بالرجل من قبلكم فيحفر له في الأرض إلى منتصفه و يؤتى بالمنشار
فيشق نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون العظم و اللحم, ما يصده ذلك عن دينه, و
الله ليتمن الله هذا الأمر- أي هذا الدين- حتى ليسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت
لا يخاف إلا الله و الذئب على غنمه و لكنكم تستعجلون .
انظروا أحبتي في الله إلى هذه البشرى في هذا الوقت الدماء تنزف من
ظهر خباب و الصحابة مطاردون في مكة ثم بعد ذلك إلى الحبشة و صاحب الدعوة و حامل
رسالتها صلى الله عليه وسلم مضطهد, بل وضع التراب على رأسه ووضعت النجاسة على
ظهره, وخنق حتى كادت أنفاسه أن تخرج, و مع ذلك يبشر بالنصر و يبشر بموعود الله و
بتمكين الله لهذا الدين في هذه الأزمة الحالكة و الفتنة العاتية القاسية.
غزوة الخندق : الأحزاب يحاصرون المدينة
من كل ناحية و رمى المشركون واليهود و المنافقون الاسلام و المسلمين عن قوس واحدة
و أمر النبي الصحابة بحفر الخندق حول المدينة كما تعلمون لكنهم وهم يحفرن الخندق ,
عرضت لهم صخرة صعبة شديدة و الحديث رواه أحمد و النسائي و الترمذي و غيرهم .
جاء من حديث البراء بن عازب أن الصحابة
رضي الله عنهم جميعا شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصخرة فأخد النبي
المعول بنفسه و انطلق إلى هذه الصخرة و قال عليه الصلاة و السلام بسم الله وضرب
الصخرة ضربة فكسر ثلتها فلما تحطم ثلت الصخرة الأول قال المصطفى الله أكبر الله
أكبر أعطيت مفاتيح الشام و الله اني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا – أعطيت
مفاتيح الشام ؟و الله اني أبصر قصورها الحمر؟- ثم ضرب الضربة الثانية و قال بسم
الله فتحطم الثلث الثاني فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس و الله اني لأبصر قصر
المدائن الأبيض من مكاني هذا ثم حطم الثلث الأخير وقال بسم الله فلما تكسر الثلث
الأخير قال الله اكبر أعطيت مفاتيح اليمن و الله اني لأبصر قصور صنعاء من مكاني
الساعة” ,من يتصور مثل هذا الطرح و المنافقون يقولون” ما وعدنا الله ورسوله إلا
غرورا ” سورة الأحزاب ,”يقول الحق جل وعلا :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا
عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ
زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ
الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا
شَدِيدًا (11} الأحزاب
علينا الحذر من المنافقين وأصحاب
القلوب المريضة الذين ملؤوا قلوب الناس بالإرجاف في أن العدو- –
يمتلك قوة لا تقهر و أنه لا ينبغي لهذه الأمة أن ترفع رأسها بعد اليوم أو
أن تصالح هذا النظام الفاجر إلى أخر هذه الكلمات التثبيطية و الانهزامية التي
يريدون أن يهزموا بها الأمة هزيمة نفسية نكراء حتى تبتعد عن طريق العزة والنصر
والتمكين قال سبحانه: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)}
الأحزاب
حتى قال قائلهم “يعدكم محمد بقصور
الشام و قصور فارس و قصور اليمن و ملك هذه البلاد و هذه الأراضي يعدكم محمد بهذا و
لا يستطيع احدكم ان يخرج ليتبرز ” – ليقضي حاجته –
سبحان الله !! في تلك الساعات الرهيبة
والرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة يسهم في حفر الخندق، وفيهم من الخوف والجوع
ما الله به عليم، كان صلى الله عليه وسلم يستشرف النصر من بعيد ويراه رأي العين في
ومضات الصخور على ضرب المعاول، ولم يلتفت لكلمات المثبطين إنه الأمل يملأ به النبي
صلى الله عليه وسلم القلوب في تلك اللحظات
الحرجة
.
وهاهو صلى الله عليه وسلم مرة أخرى
يصنع الأمل من قلب المحنة ، ويصل المطاردون إلى باب الغار، ويُسمَع وقعُ أقدامهم،
ويهمس أبو بكر: يا رسول الله لو أن بعضَهم طأطأ بصَره لرآنا ! فيقول : ((يا أبا
بكر. ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟)).وكان ما كان، ورجع المشركون بعد أن لم يكن
بينهم وبين رسول الله صلى الله الله عليه وسلم
إلا خُطوات! فانظروا عباد الله مرة
أخرى كيف تنقشع عتمة الليل عن صباح جميل. وكيف تتغشى عنايةُ الله عبَاده المؤمنين
وصدق الحق إذ يقول : {إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ} [الحج:38].
وإذا العنايةُ لاحظتك عيونُها ** نم
فالحوادث كلهن أمانُ
ويقول صلى الله عليه وسلم لسراقة بن مالك لما همّ بالرجوع«يا سراقة! كيف
بك وسواري كسرى بيدك»، أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، والله وحده يعلم ما هي
الخواطر التي دارت في رأس سراقة من هذا العرض العجيب ،وتمر الأيام وتتحقق نبوءته
صلى الله عليه وسلم ويلبس سراقة سوار كسرى ثم طاف بالمدينة المنورة كلها متذكرًا
وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
.
إنها الأقدار.. يوم يأذن الله بالفرج
من عنده، يأتي النصر من قلب المحنة، والنور من كبد الظلماء، والله تعالى هو المؤيد
والناصر، والبشر عاجزون أمام موعود الله. فيا أهلنا في فلسطين لا تخافوا ولا
تحزنوا فمهما تكالب الأعداء علينا –
الصفويون ، والنصيريون ، والصليبيون من الشرق والغرب يريدون فلن يستطيعوا بإذن الله الواحد القهار ،ولنعش
على الأمل الذي كان عاشه رسول الله صلى الله عليه وسلم وربى عليه أصحابه وأمته .
لا لليأس والقنوط:
إن المؤمن الحق لا يعرف اليأس إلى قلبه
طريقا أو سبيلا لأنه على ثقة مطلقة في وعد الله و في وعد الصادق رسول الله و قد
حذر النبي من هذه النفسيات القلقة و من هذه الكلمات الخطيرة كما في صحيح مسلم من
حديث أبي هريرة قال الصادق ” اذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكَهم أو فهو أهلكُهم
” .يقول الحق جل وعلا على لسان يعقوب
{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا
مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ
الْكَافِرُونَ (87) } “سورة يوسف
يقول الامام على رضى الله عنه
إذا اشتملتْ على اليأس القلوبُ****
وَضَاْقَ بِمَا بِهِ الصَّدْرُ الرَّحِيْبُ
و أوطنت المكارهُ واستقرت
****وَأَرْسَتْ فِي أَمَاكِنِهَا الخُطُوْبُ
و لم ترَ لانكشاف الضرِّ وجهاً**** و
لا أغنى بحيلته الأريبُ
أتاك على قنوط منك غوث **** يمن به
اللطيف المستجيب
وكل الحادثات إذا تناهت **** فموصول
بها الفرج القريب
إِنَّ حَقِيقَةَ الأَمَلِ لاَ تَأْتِي
مِنْ فَراغٍ، كَما أَنَّ التَّفاؤلَ لاَ يَنشأُ مِنْ عَدَمِ، إِذْ أَنَّهُما
وَلِيدا الإِيمَانِ العَمِيقِ بِاللهِ جَلاَّ وعَلاَ، والمَعْرِفَةِ بِسُنَنِهِ
ونَوامِيسِهِ فِي الكَوْنِ والحَياةِ، فَهُوَ سُبْحانَهُ يُصَرِّفُ الأُمُورَ
كَيفَ يَشاءُ مَتَى شَاءَ، بِعِلْمِهِ وحِكْمَتِهِ، وإِرادَتِهِ ومَشِيئَتِهِ،
((وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ))(سورة الرعد / 8 . )، فَيُبَدِّلُ مِنْ بَعْدِ الخَوفِ أَمْناً،
ومِنْ بَعْدِ العُسْرِ يُسْراً، ويَجْعَلُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، ومِنْ كُلِّ
ضِيقٍ مَخْرَجاً، ☑️ولِهذَا كَانَ المُؤمِنُ عَلَى خَيْرٍ
فِي كُلِّ الأَحْوالِ، لِحُسْنِ ظَنِّهِ بِاللهِ الوَاحِدِ المُتَعالِ،
وَتَفاؤُلِهِ لِبُلُوغِ الآمَالِ، فَهُوَ شَاكِرٌ للهِ فِي السَّرَّاءِ، وصَابِرٌ
عَلَى مَا أَصَابَهُ فِي الضَّرَّاءِ، فَكَانَ أَمْرُهُ كُلُّهُ خَيْرٌ،
ولَيسَ ذَلِكَ إِلاَّ لِلْمُؤمِنِ
المُتَفائِلِ، فَعَنْ صُهَيْبِ بنِ سِنانٍ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((عَجَباً لأَمْرِ المُؤمِنِ، إِنَّ
أَمْرَهُ كُلُّهُ خَيْرٌ، ولَيسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلمُؤمِنِ، إِنْ أصَابَتْهُ
سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وإِنْ أَصابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ
خَيْراً لَهُ))، والمُؤمِنُ دائماً يَضَعُ نُصْبَ عَينَيْهِ قَولَ اللهِ تَعالَى:
((وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا
شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ))( سورة البقرة / 216 .)، وهُوَ عَلَى يَقِينٍ
بِأَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، ومَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ
لِيُصِيْبَهُ كَما قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- : ((لاَ يُؤمِنُ عَبْدٌ
حَتَّى يُؤمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، وحَتَّى يَعلَمَ أَنَّ مَا
أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، ومَا أَخْطأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ))،
وشَتّانَ مَا بَيْنَ حَالِ المُتفائِلِ والمُتشَائِمِ، إِذِ المُتشائِمُ لاَ يَرَى
فِي الوُجُودِ إِلاَّ الظَّلاَمَ والشَّقاءَ، ولاَ يَرَى الحَياةَ إِلاَّ
بِنَظْرَةٍ سَوْداءَ، فَحَكَمَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ مِنَ التُّعساءِ.
عِبادَ اللهِ
:
جَدِيرٌ أَنْ يَلِدَ الإِيمَانُ الأَمَلَ، وأَنْ تُثْمِرَ شَجَرَةُ
اليَقِينِ التَّفاؤلَ، وأَنْ يَكونَ المُؤمِنُ أَوْسَعَ النَّاسِ أَمَلاً،
وأَكْثَرَهُمْ استِبْشَاراً وتَفاؤلاً، إِنَّ الذِينَ يُحْسِنُونُ صِناعَةَ
الحَياةِ، ويَبنُونُ أُسُسَ الحَضارَةِ هُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ تَفاؤلاً وأَمَلاً،
وإِنَّ المُتشائِمينَ لاَ يَصنَعونَ حَضارَةً، ولاَ يَبنُونَ وَطَناً، ولاَ
يَعْمُرونَ دُنْيا، فَكُونُوا -عِبادَ اللهِ- مِنْ أَهلِ الأَمَلِ والتَّفاؤُلِ
تَنالُوا فَضْلَهُ، وإِيَّاكُم واليَأْسَ وأَهلَهُ، فَإِنَّهُ يُطْفِئُ جَذْوَةَ
الأَمَلِ فِي النُّفُوسِ، ويَقْطَعُ خُيوطَ الرَّجاءِ مِنَ القُلُوبِ، فَيُوْرِثُ
الهُمومَ والكُروبَ، ويَقْتُلُ بَواعِثَ الجِدِّ والعَمَلِ، ويُسلِمُ صِاحِبَهُ
لِلْكَآبَةِ والمَلَلِ، ولَيسَ اليأْسُ والقُنوطُ مِنْ صِفاتِ المُؤمِنينَ، كَما
قَالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ فِي كِتَابِهِ المُبِينِ: (( وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ
رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ ))(سورة الحجر / 56 .)، وَقَالَ عَبْدُاللهِ
بنُ مَسْعودٍ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((أَكْبَرُ الكَبائرِ: الإِشْراكُ بِاللهِ،
والأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ، والقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، واليَأْسُ مِنْ
رَوْحِ اللهِ)).
عِبادَ اللهِ
:
إِنَّ الحَياةَ قَصِيرَةٌ فَلاَ تُقَصِّروها بِالهُمومِ والأَحْزانِ،
ولاَ تَحْمِِلوا الأَرضَ فَوقَ رُؤوسِكُم، وقَدْ جَعَلَها اللهُ تَحْتَ
أَقْدامِكُم، ولاَ تَخْشَوا الظَّلاَمَ ولاَ تَذْرِفُوا لَهُ دُمُوعاً، بَلْ
أَوقِدُوا لِتَبْدِيدِهِ أَضْواءً وشُموعاً، ولاَ تُنَغِّصُوا عَيشَ اليَوْمِ
بِالتَّفْكِيرِ والخَوفِ مِنَ المُستَقبَلِ، إِنَّ الحَياةَ هَكَذا خُلِقَتْ، لاَ
تَصفُو لأَحَدٍ مِنَ الكَدَرِ، فَلاَ مُبَرِّرَ لِلْخَوفِ مِنْها والحَذَرِ،
ولَولاَ أَنَّها دَارُ ابتِلاَءٍ واختِبارٍ لَمْ تَكُنْ فِيها الأَمْراضُ والأَكْدارُ،
ولَمْ يَضِقِ العَيشُ فِيها عَلَى الأَنْبِياءِ الأَخْيارِ، واعلَمُوا أَنَّ
بَسْمَةَ الحَياةِ ولَذَّتَها مِنْ نَصِيبِ أَربابِ الأَمَلِ وأَصْحابِ
التَّفاؤلِ، ورُبَّ مِحنَةِ تَلِدُ مِنْحَةً، ورُبَّ نُورٍ يَشِعُّ مِنْ كَبِدِ
الظَّلاَمِ، وإِنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، والفَرَجَ بَعْدَ الكَرْبِ، وإِنَّ
مَعَ العُسْرِ يُسْراً، فَأَبْشِروا وأَمِّلُوا، فَمَا بَعْدَ دَياجِيرِ
الظَّلاَمِ إِلاَّ فَلَقُ الصُّبْحِ المُشْرِق.
فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، وأَحْسِنوا الظَّنَّ بٍاللهِ
وتَفاءلُوا، ولاَ تَجْعلُوا لِليأْسِ طَرِيقاً إِلَيكُم فَتَهلَكُوا وتَفْشَلوا،
وتَذكَّروا قَولَ اللهِ فِي الحَدِيثِ القُدُسيِّ: ((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي
بِي، إِنْ ظَنَّ خَيْراً فَلَهُ، وإِنْ ظَنَّ شَرّاً فَلَهُ)).
معاشر المؤمنين : يقول الحق
سبحانه “قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ
وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ
تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 26} سورة آل عمران
لا تسود دولة و لا يسود حاكم و لا يزول
حاكم إلا بأمر مالك الملك و ملك الملوك لا يقع شيء في كونه إلا بعلمه و تقديره و
تدبيره . قال ابن القيم رحمه الله تعالى :من ظن أن الله لا ينصر دينه و لا ينصر
رسوله و لا ينصر أوليائه فقد أساء الظن بالله فما ظنك بمن أساء الظن في الله أصلا
و ظن أن الله جلا وعلا لا يسمع و لا يرى فترى البعض من المسلمين يتكلم بكلام ربما
يخرجه من الملة – ألا يرى الله هذه الدماء التي تسيل في بلاد المسلمين – لماذا
يسمح الله بهذا القتل والدمار للمسلمين- أو يتهم الله بالظلم والعياذ بالله – والله سبحانه و تعالى سميع بصير تقول ام
المؤمنين عائشة ” تبارك من وسع سمعه الأصوات جاءت المرأة المجادلة تشكو زوجها إلى
رسول الله وأنا في جانب الحجرة لا أسمع كثيرا من قولها فسمع الله قولها من فوق سبع
سموات و انزل قوله تعالى” قد سمع الله …بصير ” فالله يسمع ويرى وليس أحد أرحم
بالمستضعفين في الأرض من الله و ليس أحد أغير على الدين وأهله من الله لكنها الفتن
و الابتلاءات و المحن إن الابتلاء يمحص الصفوف و يصفي القلوب قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ” حين سئل أي الناس اشد بلاء قال الأنبياء فالأمثل ثم الامثل
فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فان كان في دينه صلابة زيد له في البلاء و ان
كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه” قال الله { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ
يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا
وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ 3} سورة العنكبوت
– أحبتي في الله : إنه لا يخالجنا الشك
في نصر الإسلام هذا اليقين نبعه من القرآن والسنة والتاريخ والواقع والسنن الكونية
الربانية وتحتمه طبائع الأشياء وحقائق الوجود والحياة .إن الإسلام أضخم حقيقة
وأصلب عودًا وأعمق جذورًا من أن يجتثه أعداء الحياة من على الأرض، بل هم الذين
يتردون في هاوية الدمار السحيقة ثم يلفظهم التاريخ ،فلابد من التمحيص ، ولابد من
تصفية الصفوف, مَن الذي سيثبت على الطريق من الذي سيحمل المنهج الحق من الذي سيصبر
وهو يرفع راية التوحيد الخالص
.
يولد النور من كبد الظلماء :
معاشر الأحبة اليأْس فيه سوء أدب مع
الله سبحانه وتعالى، فقال تعالى: ﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ
أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا ﴾
[الإسراء: 83].
واليأس سبب لفساد القلب؛ قال ابن القيم
وهو يعدِّد الكبائر: (الكبائر:.. القنوط من رحمة الله، واليأْس من َروح الله..،
وتوابع هذه الأمور التي هي أشد تحريمًا من الزنا، وشرب الخمر وغيرهما من الكبائر
الظاهرة، ولا صلاح للقلب ولا للجسد إلا باجتنابها، والتوبة منها، وإلا فهو قلب
فاسد، وإذا فسد القلب فسد البدن).
ولقد عاب النبي صلى الله عليه وسلم على
الذين ينفِّرون الناس، ويضعون الناس في موقع الدونية والهزيمة النفسية، فقال صلى
الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((إذا
قال الرجل: هلَك الناس، فهو أهلكهم)).
ولقد تعلمنا من سيرة الحبيب المصطفى
صلى الله عليه وسلم في كل فصل من فصولِها كيف نصنعُ الأمل، و نترقب ولادةَ النورِ
من رحم الظلمة، وخروجِ الخير من قلب الشر، وانبثاق الفرج من كبد الأزمات. فما بعدُ
اشتدادِ ألمِ المخاضِ إلا الولادة، وليس بعدُ ظلمةِ الليل إلا انبثاقَ الفجر {
فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً }[الشرح:5، 6]. ولن يغلب
عسرٌ يسرين، فابشروا وعودوا واستغفروا الله…
لقد ضاقت مكةُ برسول الله ومكرت به
فجعل نصرَه وتمكينَه في المدينة.
وأوجفت قبائل العرب على أبي بكرٍ
مرتدة، وظن الظانون أن الإسلامَ زائلٌ لا محالة، فإذا به يمتدُ من بعد ليعم أرجاء
الأرض, وهاجت الفتنُ في الأمة بعد قتل عثمان حتى قيل لا قرار لها ثم عادت المياه
إلى مجراها. وتتوالى الفتوحات ليصل بنو عثمان قلبَ أوربا.
وأطبق التتارُ على أمةِ الإسلام حتى
أبادوا حاضرتَها بغداد سُرّة الدنيا وقتلوا في بغداد وحدها مليوني مسلم وقيل: ذهبت
ريح الإسلام فكسر الله أعداءه في عين جالوت وعاد للأمة مجدها.
قال ابن كثير في تاريخه: إن عدة من
قتلوا في بغداد في ذلك الوقت نحو ثمانمائة ألف نسمة، ويذكر في رواية أخرى أنهم
يزيدون عن ألف ألف، أي عن مليون. ثم ماذا بعد ذلك أيها المؤمنون ؟! بعد عامين
اثنين فقط، في الخامس والعشرين من شهر رمضان، في يوم جمعة أغر للعام الثامن والخمسين
وستمائة للهجرة كانت معركة عين جالوت، عندما عادت الأمة إلى ربها وتوحدت في بعض
صفوفها، وأخلصت في كثير من المعاني لربها، جاءت عين جالوت لتكون نصراً عظيماً
للإسلام والمسلمين، ودحراً وكسراً للتتار المعتدين.
ثم بعد ذلك دخل التتار في دين الله
أفواجاً وصاروا مسلمين، بمقياس العقل والمادة، لا يمكن لأمة هزمت مثل هذه الهزيمة
وحلت بها مثل هذه المصيبة أن تقوم لها قائمة، أو أن ينشط لها أبناؤها في هذه
الفترة الوجيزة من الزمان.
و تمالأ الصليبيون وجيشوا جيوشَهم
وخاضت خيولهم في دماء المسلمين إلى ركبها حتى إذا استيأس ضعيف الإيمان وإذا بصلاح
الدين يظهر فرجحت الكِفةُ الطائشةُ وطاشتِ الراجحة، وابتسم بيت المقدس من جديد.
وقويت شوكةُ الرافضة حتى سيطر
البويهيون على بغداد والعبيديون على مصر وكتبت مسبّة الصحابة على المحاريب ثم
انقشعت الغمة واستطلق وجه السُّنة ضاحكاً.
وهكذا يعقب الفرج الشدة، ويتبع الهزيمة
النصر، ويؤذن الفجر على أذيال ليل مهزوم … فلم اليأس والقنوط؟
اشتـدي أزمة تنفرجي ** قد آذن ليلك بالبلـج
فيا أيها الغيورون على أمة الإسلام..
يا من احترقت قلوبهم لآلامها ، إن الذي أهلك فرعون وعاداً وثمود وأصحاب الأيكة
والذي رد التتار ودحر الصليبين قادر على أن يمزق شمل الروم ، والروس ويبدد
غطرسة النصيرية ، والصهيونية والقوى
العالمية ويحطم أصنام الوثنية المعاصرة.
فيا من ابتلاك الله في رزقك أو صحتك أو
ولدك ويا من جهدك الدَّين والحاجة وانتهكتك العلل وأخذ الموت أحبابَك ..
و يا من أصبحت في مزاولة الدنيا كعاصر
الحجر يريد أن يشرب منه ويا من سُدت في وجهك الأبواب … هل نسيت رحمةُ الله وفضله؟ وأن
الدنيا متقلبٌ بين حزن وسرور، وضيقٍ وحبور، وأن العاقبةَ لمن اتقى، وأن الجنة هي
المأوى ولسوف يعطيك ربك فترضى ، بث شكواك إلى الله، واترك الأمر لله، فإن الله
جاعل لكل أمر ولكل ضيق مخرجاً بإذنه سبحانه وتعالى، ولكن الآمال كما أشرت تحتاج
إلى الأعمال، ولا بد أن نعرف أن العاقبة للمؤمنين : أخي ستبيد جيوش الظلام ويشرق في الكون فجر
جديد
فأطلق لروحك إشراقها ترى الفجر يرمقنا من جديد
بشائر قرآنية :
– من بشائر القرآن الكريم قوله تعالى:
(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ
إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ 32) التوبة. قال ابن
كثير رحمه الله: “يحاولون أن يردوا الحق بالباطل ومثلهم في ذلك كمثل من يريد أن
يُطفئ شعاع الشمس بفيه، وكما أن هذا مستحيل فذلك مستحيل”.
– من البشائر كذلك في كتاب الله (هُوَ
الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) [التوبة: 33] لقد ظهر دين الحق لا
في الجزيرة وحدها، بل ظهر من المعمور في الأرض كلها
– من البشائر كذلك قوله تعالى: (وَعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ
مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ) [النور: 55].
– (إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ
وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] وقد نصر الله عز وجل أهل الإيمان، ووعده لأهل
الإيمان قائم
– {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ
الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:38]، قاعدة مطردة لا تتخلف: ولكنه جعل لذلك شروطاً وجعل
له قواعد وسنناً: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا
مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11].
لقد نصر الله الصحابة بهذا الدين و
بهذا الإيمان نصرا عزيزاً مؤزراً في مدة يسيرة لا تساوي شيئاً في حساب الأمم على الإطلاق ،فرفرفت راية
التوحيد على ثلتي الكرة الأرضية و أوتي بتاج كسرى ليوضع في حجر الفاروق رضي الله
عنه في المدينة المطهرة
.
واخيرا ((.. تساؤلات مهمةتحتاج الي
إجابات..
))
لماذا يجري للأمة كل هذا الآن؟
وهل هناك أمل في النصر؟
ومتى يكون؟
الجواب
فضلا إن كنت تحترق وصدرك يغلى وتريد
الشفاء فاقرأ على مهل وتأمل دون عجلة وتأفف وقنوط
️إعلم أخي الكريم أنه لن يهزم قوم نزل فيهم: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ
تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:139].
فلا يخفى على أحد الفتن التي تحدث كل
يوم في أمتنا الإسلامية من من قتل ومحارق
نارية صهيوصليبية وانتهاك لحرمتها وتدنيسٍ لمقدساتها واستهزاء بها،هذا من ناحية
ومن ناحية أخرى فقد بدأ الوهن ينتشر في
قلوب كثير من الناس وفقدوا الثقة في استعادة مجد تلك الأمة بل ربما فقدوا الثقة في
ربهم (والعياذ بالله) هل تخلى عنهم وتركهم فريسة لاعدائهم ولن ينصرهم؟!
واستبد بهم اليأس من إمكانية التغيير
من وضع الهزيمة إلى نصر.
وقبل الرد على هذه التساؤلات
ولا:
لابد وأن نعلم أن هذا الذي يجري سنة من
سنن الله الكونية التي تتبدل ولا تتغير من
أن الأعداء لايمكن لهم السطو على الأمة الا بما كسبت أيديهم (قل هو من عند أنفسكم)
فهذه عقوبات {فالجريمة يشترك فى مسرحها
الجميع}
وفد قال ربنا (وما أصابكم من مصيبة
فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير)30 الشورى
فشؤم المعاصى يلاحق الأمة بأسرها
قال الله تعالى (ظهر الفساد فى البر
والبحر بماكسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون) 41 الروم
وقوله تعالى :
(وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا بما
كانوا يكسبون)129الأنعام
فاقصر طريق للنصر
{ التصفية والتربية}
أى تصفية النصوص من كل دخيل وغريب وغير
صحيح
ثم تربية الأمة على المنهج الصحيح
منهج النبوة الصافى
الذى تركه لنا رسول الله صل الله عليه
وسلم
المحجة البيضاء
-حتى يكون عندنا جيل منهجه صحيح لا
عصبية فيه ولا حزبية
وعندها سيخرج منهم {ولى الأمر الصحيح
منهجا واعتقادا
}
باختصار لما {نتربى صح ربنا سيولى
علينا الرجل الصح } بالعربى
✍️ ( احنا ناقصين رباية)
على منهج النبى محمد صل الله عليه وسلم
وصحبه الكرام
فسنة الله ماضية فى الأمم كلها لاتحابى
أحدا
{كلما كثرت الذنوب والمعاصى كان العقاب
أشد}
-فبنوا اسرائيل ضرب الله عليهم التيه
اربعين سنه لعصيانهم أمر نبى الله موسى ولم يشفع لهم وجود نبى الله موسى معهم
بل ولما نذهب بعيدا؟
- ألم ينقلب النصر الى هزيمة فى غزوة أحد
بسبب معصية بعض الصحابة ولم يشفع لهم وجود النبى صل الله عليه وسلم فيهم وقال لهم
ربهم:
(أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها
قلتم انى هذا قل هو من عند انفسكم ان الله على كل شىء قدير)165 آل عمران
فانظر أخى فى معاصى الأمة وجرائمها وما
تعاقب به الآن وقارنها بمعاصى الأمم السابقة وماعاقبهم الله به فى الأمم السابقة
خسف ومسخ وقتل وصعق وحرق وغرق
قال تعالى (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من
أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفتا به الارض ومنهم من أغرقنا
وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون)
فهيا بنا نعلن التوبة و نصلح مابأنفسنا
ونتواصي بالحق مع الصبر حتى يمن الله علينا
بالعفو والعافية وصلاح الحال
أرجوا ان تكون قد عرفت اين الداء؟
وعندها تصف الدواء
ثانيا: الأمل لاينقطع ابدا
هذه ليست أسوء مرحلة مرت بها الأمة عبر
التاريخ ولن تكون
نعم وهنا أريد في هذه الأسطر أن أوضح
لك أن مرحلة الضعف التي تمر بها الأمة الآن ليست أولَ مرحلةِ ضعفٍ تمُر بها، وليس
أولَ انهزامٍ تراه الأمة على مر تاريخها وعصورها، ولكنها دائمًا ما حاول أعداؤها
القضاءَ عليها فإذا بها تقوم من جديد، قال أحد المستشرقين على فترة ضعف المسلمين
أيام الغزو التتاري والصليبي: "كانت المقولة في بداية القرن الثاني عشر
الميلادي متى سيموت جيش محمد، وما إن قارب القرن على الإنتهاء حتى تبددت المقولة
أي شيء سيوقف جيش محمد؟".
وأريد أيضًا أن أوضح أن الإسلام لا
يهزم قط وإنما تهزم أجيال؛ لأنها ليست جديرة بالنصر ولا بالتمكين، قال الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ
يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى
المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ
وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:54].
وقال أيضا: {إِلاَّ تَنفِرُوا
يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ
تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة:39].
وهاك بعض مراحل الضعف التي ألمّت
بالأمة على مدى عصورها لترى أن كل هذه المراحل لم تزدها إلا قوة إلى قوتها وكانت
كالأسد في براثنه.
1-
في بداية البعثة واجه المسلمون مِحنًا وضعفًا وانهزامًا كثيرًا
وعظيمًا ولكنَّ روحَهُمْ كانت تطَّلع إلى النصر حتى جاء بعد عشر سنين ـبهجرتهم إلى
المدينةـ قضوها بين آلام التعذيب والمقاطعة المالية والمعنوية التي دامت ثلاث
سنوات، ومع كل ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر عليهم ويقول لهم ـوهذا ما نود
أن نقوله للناس اليوم مؤمنهم وكافرهم، طائعهم وعاصيهم ـ « ليبلغن هذا الأمرُ ما
بلغَ الليلُ والنهارُ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله اللهُ هذا الدينَ
بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام وأهله وذلا يذل الله به الكفر»
(قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح).
2- وعندما طلب منه أصحابه النصرة خاطبهم
بقوله صلى الله عليه وسلم: «والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكبُ من صنعاء
إلى حضرموت لا يخاف إلا اللهَ والذئبَ على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون» (رواه
البخاري).
3-
في غزوة أحد انقلب نصرنا أمام أعيننا إلى هزيمة كادت نهايتها أن تكون
بمقتل رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن الله سلم، فسبب الهزيمة مخالفة
أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وليس قوة الأعداء، وكانت في السنة الثانية للهجرة
يوم السبت، ولكن ونحن مثخنون بجراح الانهزام نودينا من فوق سبع سماوات بقوله
تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم
مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]. حتى ونحن في حال انهزامنا وانكسارنا نحن الأعلون
بنص كتاب الله؛ لأننا ونحن منهزمون لا نزال الطائفة الوحيدة على وجه البسيطة
وربوعها تقول لا إله إلا الله.
ومع تلك الجراحات التي أصابت المسلمين
يوم السبت يؤمروا بأن يخرجوا يوم الأحد لملاقاة المشركين في حمراء الأسد، بل زيادة
في العزة لا يخرج إلا من خرج بالأمس معهم، وتحقق ما أراد الرسول صلى الله عليه
وسلم فلما رأى أبو سفيان هذا تراجع عن مهاجمة المدينة وقفل راجعا إلى مكة المكرمة.
4- وعندما أحيط المسلمون بعشرة آلاف مقاتل
من جُلِّ قبائل العرب واليهود، بل أحيط من خارج المدينة ومن داخلها -أرى أن
التاريخ يعيد نفسه من جديدـ، وانظر إلى الموقف ساعتها، قال تعالى: {إِذْ جَاءُوكُم
مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ
القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ
المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} [الأحزاب:10-11].
في تحالف الأشرار وقتئذ ـكما هو الحال
الآن ـ انقسم الناس إلى أقسام: قسم المنافقين ـ يمثلهم في الوقت الحاضر المنافقين
والضعفاء والعملاءـ قالوا: { وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً . وَإِذْ
قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا
وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا
عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً} [الأحزاب:12-13].
وقسم المؤمنين الثابتين الواثقين بنصر
لله ـيمثلهم في عصرنا المتفائلين العاملين في الدعوة بروح تحمل حلاوة النصر
واستنشاق رياحه من قريب ـ: {وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا
هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا
زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً . مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا
مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن
يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [ الأحزاب: 22-23].
وقسم النبي صلى الله عليه وسلم الذي
مثل أقصى حالات الشموخ في زمن الانكسار والثقة بنصر الله والتفاؤل وأجمل معاني
الأمل، إذ لما استعصت الصخرة على أصحابه استدعوه فكسرها على ثلاث ضربات، كل ضربة
يخرج منها برقة ويبشر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بأنه مع الضربة الأولى فتح
الله لي اليمن، والضربة الثانية فتح الله لي الشام والمغرب، والضربة الثالثة فتح
الله لي المشرق .... [ رواه ابن إسحاق في السيرة والنسائي ]، والمنافقون والمرجفون
يثبطون الهمم ويحبطون الآمال: "يعدنا كنوز كسرى وقيصر ولا يقدر أحدنا أن يذهب
إلى الغائط".
5- ومات القائد والرسول الكريم محمد صلى
الله عليه وسلم وكانت المصيبة العظمى في تاريخ الأمة، وهام الصحابة على وجوههم،
ولكن أبو بكر فهم الأمر فهما عميقًا لذلك صار أكمل الأمة إيمانًا: "من كان
يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت"، ما
كان قوله هذا إلا لإيضاح أن هذا الإسلام ليس مرتبطًا بأحد، وإلا لانتهى بموته صلى
الله عليه وسلم، وإنما هو مرتبط بالله فقط، ورتل الآية التي أنزلها الله يوم أحد
يوم أُعْلِنَ موتُهُ صلى الله عليه وسلم فاتنبه لذلك الصحابة فبين الله لهم أن
محمدًا بشرٌ يجري عليه شئون الكون مجريها، وأن الجهاد يكون لله والنصر بيد لله ليس
بيد أحد من مخلوقاته: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ
الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن
يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ
الشَّاكِرِينَ} [ آل عمران:144].
6- وتكالب الأعداء مرة أخرى على هذه الأمة
من خلال فئات ثلاث:
الفئة الأولى: مانعو الزكاة وأصر أبو
بكر على محاربتهم.
والفئة الثانية: حروب الردة وحاربهم
أبو بكر حتى قضى عليهم.
والفئة الثالثة: الروم على حدود الدولة
وأنفذ لهم أبو بكر جيش أسامة، وعندما دخل عليه الفاروق بأمر من أصحابه بأن يكف عن
إرسال جيش أسامة لحاجة المدينة لمن يحميها قال رضي الله عنه قولته المشهورة:
"والله لو أن الطير تخطفني، وأن السباع من حول المدينة، وأن الكلاب جَرَتْ
بأرجل أمهات المؤمنين ما رددت جيشًا وجّهه رسول الله ولا حللت لواءً عقده، والله
لو لم يكن في القرى غيري لأنفذته، أو أطيعه حيًا وأعصيه ميتًا ؟!" لأنه كان
واثقًا في نصر الله لهذه الأمة مهما تكالب عليها أعداؤها ومهما رأى المثبطون أن
الأمة ضعيفة عن مواجهة كل هذا الكم من الهجمات، لذلك مات رضي الله عنه بعدها بسنتين
وجيوشه تغزو في اليرموك.
7- وفي بدايات القرن الرابع الهجري دخل
القرموطي كما يروي لنا ابنُ كثير بيت الله الحرام يوم التروية، ووقف هو وجنوده في
ساحته يفتكون بالحجيج وبكل من تعلق بأستار الكعبة، وما فتئ يقول: أنا اللهُ أنا
الذي أحي أنا الذي أميت، أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل؟ واقتلع -عليه
من الله ما يستحق ـ الحجر الأسود وأخذه معه إلى خراسان، حتى عاد إلى مكانه بعد
ثلاث وعشرين سنة. هل هزم الإسلام؟ هل وقف الطواف طيلة هذه المدة؟ لأن الإسلام ليس
مرتبطًا بمدينة ما وإنما هو مرتبط بالله لا غير.
8- وفي عام اثنين وتسعين وأربعمائة للهجرة
دخل الصليبيون بيت المقدس، ويصور دخولهم وما فعلوه ابن كثير في كتابه البداية
والنهاية: "استحوذ الفرنج لعنهم الله بيت المقدس شرفه الله وكانوا في نحو ألف
ألف مقاتل ـأي: مليون ـ فقتلوا في وسطه أزيد من سبعين ألف قتيل من المسلمين، وجاسوا
خلال الديار وكان وعدًا مفعولًا.
قال ابن الجوزي وأخذوا من حول الصخرة
اثنين وأربعين قنديلًا من فضة زنة كل واحد منها ثلاثة آلاف وستمائة درهم، وأخذوا
تنورًا من فضة زنته أربعون رطلًا بالشامي، وثلاثة وعشرين قنديلًا من ذهب، وذهب
الناس على وجوههم هازعين من الشام إلى العراق مستغيثين على الفرنج إلى الخليفة
والسلطان ..." ولكن لم ينجدهم أحد.
وتصور كتب الغربيين الموقف من شدة سفك
جنودهم لدماء المسلمين أن خيولهم غاصت في هذا الدماء. وصار المسجد الأقصى مشتى
لخنازيرهم، وظل هكذا المسجد أسيرًا لا تقام فيه الصلاة ولا يرفع فيه الآذان ثنتين
وتسعين سنة ـ عمر اليهود في المسجد الأقصى واحد وستون سنة والصلاة تقام فيه
والآذان يرفع فيه ـ حتى قيض الله لفتحه صلاح الدين الأيوبي رحمه الله. فتأمل كم
جيلًا مر وعاش ومات ولم يرَ المسجد الأقصى حرًا في أيدي المسلمين؛ لأنها أجيال لم
تستحق النصر، ولكن جيل صلاح الدين جيل يستحق أن يتوج بطلًا للملحمة الإسلامية لذلك
فتح الله على يديه القدس، وسيقيض الله لهذه الأمة من هو مثل صلاح الدين لإعادة
مجدها من جديد، ولكنكم قوم تستعجلون.
9- وفي القرن السابع الهجري بدأ التتار
التحرش بالدولة الإسلامية فسفك أعراض المؤمنات في بخارى وسمرقند وترمذ وغيرها من
البلاد، بل كانت النساء يربطن من أثدائهن ويشددن منها، وقتل خلق كثير وغدر وفجر
وبقر بطون الحوامل واستباحت بيضة الإسلام. ثم كانت الفجيعة الكبرى والحدث الضخم
وهو دخوله بغداد، معتقدًا ـكما يعتقد أحفاده اليوم ـ أنه بالقضاء على بغداد دار
الخلافة وقَتْلِ الخليفة يكون قد قضى على الإسلام.
ولكن أريد أن أنقل لك بالنص تصوير ابن
كثير لهذا الموقف: "وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنشاب من كل جانب
حتى أصيبت جارية كانت تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه وكانت من جملة حظاياه وكانت
مولدة تسمى عرفة جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة،
فانزعج الخليفة من ذلك، وفزع فزعًا شديدًا". وقد أحصى ابن كثير عدد القتلى
الذين قتلهم التتار في بغداد فقط من بين ثمانمائة ألف قتيل إلى ألف ألف قتيل إلى
قول بعضهم أنهم ألفا ألف قتيل، حتى ذكر أن الناس في دمشق قد مرضوا بسبب تعفن الجثث
في بغداد مما أفسد الهواء، بل كان الرجل(يستدعى به من دار الخلافة من بني العباس
فيخرج بأولاده ونسائه، فيذهب به إلى مقبرة الخلال تجاه المنظرة فيذبح كما تذبح
الشاة، ويُؤسر من يختارون من بناته وجواريه). وبل كان التتاري إذا مر على المسلم
في بغداد ولم يكن حاملًا سيفه يقول للمسلم انتظر هنا حتى آتي بسيفي وأقتلك فينتظره
المسلم المغلوب على أمره.
وقد أعمل السيف فيها أربعين يومًا،
وجرت أنهار بغداد مرة باللون الأسود لكثرة ما أغرق فيها من الكتب، ومرة باللون
الأحمر لكثرة قتل المسلمين. يقول ابن كثير: "ولما انقضى أمد الأمر المقدر
وانقضت الأربعون يومًا بقيت بغداد خاوية على عروشها ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس
والقتلى في الطرقات كأنها التلول ـجمع تل ـ، وقد سقط عليهم المطر فتغيرت صورهم
وأنتنت من جيفهم البلد وتغير الهواء فحصل بسببه الوباء الشديد، حتى تعدى وسرى في
الهواء إلى بلاد الشام فمات خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح، فاجتمع على الناس
الغلاءُ والوباءُ والفناءُ والطعنُ والطاعونُ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولما نودي ببغداد بالأمان خرج من تحت
الأرض من كان بالمطامير والقني والمغاير كأنهم الموتى إذا نبشوا من قبورهم وقد
أنكر بعضهم بعضًا، فلا يعرف الوالد ولده، ولا الأخ أخاه، وأخذهم الوباءُ الشديدُ
فتفانوا ولحقوا بمن سبقهم من القتلى واجتمعوا في البلى تحت الثرى بأمر الذي يعلم
السر وأخفى الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى. وانطلقوا بعد ذلك إلى الديار
الشامية ـكما يخطط أحفادهم اليوم الذين لم يقرؤوا تاريخناـ يأسرون ويقتلون ويفتكون
بالمسلمين وأحرقوا أسوار قلعة دمشق ودكوها دكًا، وساندوا النصارى على المسلمين في
دمشق فظل النصارى يشربون الخمر في المساجد ويسكبونها على عتبات المساجد.
وبعد هذا الانهزام والانكسار الذي مرت
به الأمة الإسلامية بعده بسنتين في عين جالوت ينتصر المسلمون عليهم بقيادة الملك
المظفر قطز، ويهزمونهم شر هزيمة، بل بدأ التتاريون في الهروب من الديار الشامية
فتتبعهم المسلمون ـكما يقول ابن كثيرـ: "من دمشق يقتلون ويأسرون وينهبون
الأموال فيهم، ويستفكون الأسارى من أيديهم قهرًا ولله الحمد والمنن على جبره
الإسلام ومعاملته إياهم بلطفه الحسن. وجاءت بذلك البشارة السارة فجاوبتها البشائر
من القلعة المنصورة وفرح المؤمنون يومئذ بنصر لله فرحًا شديدًا، وأيد الله الإسلام
وأهله تأييدًا، وكبت أعداء الله النصارى واليهود والمنافقين وظهر دين الله وهم
كارهون، ونصر الله دينه ونبيه ولو كره الكافرون".
10- وفي سنة ستة عشر وستمائة دخل الصليبيون
دمياط وقتلوا أهلها وظلوا يفجرون بالنساء في المساجد ويفتضون العذارى، وأخذوا نسخة
من القرآن وأرسلوها إلى الجزائر. وبعد سنتين استنجد الملك الكامل بأخيه الأشرف
فنجد وحاصروا الصليبيين في دمياط حتى اضطروهم على الصلح وطردوا شر طردة وقتل منهم
عشرة آلاف كافر بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
11- وفي عام سبع وستين وتسعمائة وألف قام
اليهود بضرب مصر وسوريا فدكوا الأراضي المصرية وضربوا المطارات المصرية، وحتى
ضربوا الطائرات على الأرض قبل أن تقلع، وتاه الجنود في الصحراء وضلت أمة قيل أنها
سترمي اليهود ومن ورائهم في البحر. وفي عام ثلاث وسبعين أي بعدها بست سنين ـبما
تبقى منها من إيمان ـ انتصر المسلمون وعبروا خط بارليف واستردت الأمة كرامتها
لتعلم الدرس: {إِنْ تَنْصُروا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبْتَ أَقْدَامَكُمْ}
[محمد:7].
12- وعندما دخل شارون المسجد الأقصى عام
2000 وظن أنه بهذا الصنيع يهزم المسلمين هزيمة روحية انطلقت انتفاضة لم تكن في
حماس والفتح فقط، وإنما ـبحسب تعبير بعض الجرائد الإسرائيليةـ امتدت لتشمل عناصر
لم تشملها من قبل.
اما متى يأتي النصر؟
فستنتصر هذه الأمة بإذن الله تعالى
عندما تؤتى صبر نوح على قومه فقد دعاهم عشرة قرون ولم ييأس ويستعجل النصر حتى أتاه
بعد عشرة قرون ـ عمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم حتى الآن خمسة عشر قرنًاـ وظل
يدعو بين قومه سرًا وجهارًا، يدعو بالصوت والقدوة حتى إذا استغشوا ثيابهم دعاهم
بالإشارة عليه السلام ثم يؤمر ببناء السفينة فيسخر قومه منه فيسخر منهم، وفي نهاية
هذه القصة قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ
نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا
فَاصْبِرْ إِنَّ العَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود:49]. وحاول أن تتأمل ختام هذه
الملحمة.
وتؤتى يقين موسى بنصر ربها في أشد
وأصعب الأوقات، فانظر إلى موقفه مع السحرة وقد جمعوا له سبعين ألف ساحر إذ قال لهم
بعزة المؤمن الواثق بنصر الله: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى
أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ} [يونس:80]، قمة الاستهزاء بمكرهم وألاعيبهم، حتى
إذا ألقوا: {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ
اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ} [يونس:81]
فكانت النتيجة: {وَيُحِقُّ اللَّهُ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ
المُجْرِمُونَ} [يونس:82].
لحقه فرعون فصار فأحاطه من الخلف وأحاطه البحر من الأمام وظن قومه
أنهم هالكون على يد فرعون لا محالة، كان موسى يردد: {قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ
رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] فكانت النتيجة: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى
أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ البَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ
العَظِيمِ}[الشعراء:63].
وتؤتى ابتسامة محمد صلى الله عليه وسلم
وشموخه وثقته بنصر ربه له وهو في الغار مع صاحبه وقريش كلها تطلبه حيًا أو
ميتًا: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما»
(متفق عليه).