هل يجوز بيع جلد الأضحية أو إعطاء الجزار الأجرة منها؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
لا يجوز للمضحي أن يبيع جلد أضحيته ؛
لأنها بالذبح تعينت لله بجميع أجزائها ، وما تعيّن لله لم يجز أخذ العوض عنه ،
ولهذا لا يعطى الجزار منها شيئا على سبيل الأجرة .
وعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ : أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا . قَالَ : نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا ": " ولا يبيع جلدها ولا شيئا منها ، بل ينتفع به "(البخاري ومسلم).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ"( الحاكم في المستدرك والبيهقي).
فلا يجوز للمسلم أن يعطي الجزار شيئا من الأُضْحِيَّة على سبيل الأجر، ويمكن إعطاؤه على سبيل التفضل والهدية أو الصدقة، أما كأجر له فيحرم ذلك؛ للحديث السابق، ولأن إعطاء الجزار شيئا من الأُضْحِيَّة يشبه البيع من الأُضْحِيَّة، وهو غير جائز، لأنها خرجت كلها لله، فلا يجوز بيع شيء منها، ولا دفع الأجرة منها
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه: تصدق بجلالها وخطامها ولا تعط أجراً لجزار منها. انتهى.
وحديث من باع جلد أضحيته.. رواه الحاكم والبيهقي وحسنه الألباني، أما حديث علي فقد رواه مسلم وغيره، ولفظ مسلم: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها وأن لا أعطي الجزار منها، قال: نحن نعطيه من عندنا.
وعليه؛ فلا يجوز لكم إعطاء الجلد كأجرة للجزار، كما لا يجوز بيع شيء من الأضحية بما في ذلك الجلد له أو لغيره،
: "ولا يبيع جلدها" بعد الذبح؛ لأنها تعينت
لله بجميع أجزائها ، وما تعين لله فإنه لا يجوز أخذ العوض عليه ، ودليل ذلك حديث
عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أنه حمل على فرس له في سبيل الله ، يعني أعطى شخصاً
فرساً يجاهد عليه ، ولكن الرجل الذي أخذه أضاع الفرس ولم يهتم به ، فجاء عمر
يستأذن النبي صلّى الله عليه وسلّم في شرائه حيث ظن أن صاحبه يبيعه برخص ، فقال له
النبي صلّى الله عليه وسلّم: (لا تشتره ولو أعطاكه بدرهم) ، والعلة في ذلك أنه
أخرجه لله ، وما أخرجه الإنسان لله فلا يجوز أن يرجع فيه ، ولهذا لا يجوز لمن هاجر
من بلد الشرك أن يرجع إليه ليسكن فيه ؛ لأنه خرج لله من بلد يحبها فلا يرجع إلى ما
يحب إذا كان تركه لله عزّ وجل ، ولأن الجلد جزء من البهيمة تدخله الحياة كاللحم
.[يعني لا يجوز بيعه كما لا يجوز بيع اللحم]
وقوله : "ولا شيئاً منها" ،
أي لا يبيع شيئاً من أجزائها ، ككبد ، أو رجل ، أو رأس ، أو كرش ، أو ما أشبه ذلك
، والعلة ما سبق " انتهى .
وبهذا يعلم أن المشروع هو الانتفاع
بالجلد أو التصدق به على مستحقه من فقير أو مسكين .
ولو تصدق المضحي بالجلد على فقير ،
فباعه الفقير ، فلا حرج على واحد منهما .
قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله : " أما إذا كان هناك شركة تشتري الجلد في نفس المسلخ ، وأعطيته الفقير ، ثم ذهب الفقير وباعه لهذه الشركة أو لهذه المؤسسة ، فلا بأس " انتهى من "شرح زاد المستقنع " .
أما بيع الجلد والتصدق بثمنه ، فقد اختلف فيه أهل العلم ،
فمنهم من أجاز ذلك ، وهو مذهب الحنفية ورواية عن أحمد رحمه
الله ، ومنعه الجمهور .
قال في "تبيين الحقائق"
(6/9) : " ولو باعهما بالدراهم ليتصدق بها جاز ; لأنه قربة كالتصدق بالجلد
واللحم ".
وقال ابن القيم رحمه الله في
"تحفة المودود بأحكام المولود" ص 89 : " وقال أبو عبد الله بن
حمدان في رعايته : ويجوز بيع جلودها وسواقطها ورأسها والصدقة بثمن ذلك ، نص عليه
[أي الإمام أحمد]...
قال الخلال : وأخبرني عبد الملك بن عبد
الحميد أن أبا عبد الله [يعني الإمام أحمد] قال : إن ابن عمر باع جلد بقرةٍ وتصدق
بثمنه .
وقال إسحاق بن منصور : قلت لأبي عبد
الله : جلود الأضاحي ما يصنع بها ؟ قال : ينتفع بها ويتصدق بثمنها . قلت : تباع
ويتصدق بثمنها ؟ قال : نعم ، حديث ابن عمر " انتهى .
وينظر : "الإنصاف" (4/93).
وقال الشوكاني رحمه الله في "نيل
الأوطار" (5/153) : " اتفقوا على أن لحمها لا يباع فكذا الجلود. وأجازه
الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو وجه عند الشافعية قالوا : ويصرف ثمنه مصرف
الأضحية " انتهى .
وعلى هذا ؛ فلا حرج في إعطاء الجلود
للجمعيات الخيرية التي تتولى بيعه والتصدق بثمنه ، وهذا من المشاريع النافعة ؛ لأن
أكثر الناس لا ينتفعون بجلد الأضحية ، فبيع الجلد والتصدق به فيه تحقيق للمصلحة
المقصودة ، وهو نفع الفقراء ، مع السلامة من المحذور وهو اعتياض المضحي عن شيء من
أضحيته .
مع التنبيه على أن الأضحية يُعطى منها
للأغنياء على سبيل الهدية ، فلو نوى المضحي أنه أعطى الجلد هدية للجمعية الخيرية
التي تقوم بجمعه ، فلا حرج في ذلك .
ثم تقوم الجمعية ببيعه والتصدق بثمنه فيما شاءت من الأعمال الخيرية .
و قال النووي في المجموع: واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه لا يجوز بيع شيء من الهدي ولا الأضحية نذراً كان أو تطوعاً؛ سواء في ذلك اللحم والشحم والجلد والقرن والصوف وغيره، ولا يجوز جعل الجلد أجرة للجزار... إلى أن قال: قد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يجوز بيع جلد الأضحية ولا غيره من أجزائها لا بما ينتفع به في البيت ولا بغيره؛ وبه قال عطاء والنخعي ومالك وأحمد وإسحاق، هكذا حكاه عنهم ابن المنذر، ثم حكى عن ابن عمر وأحمد وإسحاق أنه لا بأس أن يبيع جلد هديه ويتصدق بثمنه، قال: ورخص في بيعه أبو ثور. انتهى.
وقال الكاساني في بدائع الصنائع: ولا يجوز بيع جلدها وشحمها ولحمها وأطرافها ورأسها وصوفها ووبرها ولبنها الذي يحلبه منها بعد ذبحه بشيء لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاك عينه من الدراهم والدنانير والمأكولات والمشروبات، ولا أن يعطي أجر الجزار والذابح منها؛
ففي المنتقى للباجي: فإن باع من أضحيته شيئاً فقد قال ابن حبيب: من باع جلد أضحيته جهلا فلا ينتفع بالثمن وعليه أن يتصدق به. انتهى.
وكذلك إذا تم بيع الجلد فإنكم تتصدقون بثمنه في أي وقت مع حرمة الإقدام على بيعه ابتداء عند أكثر أهل العلم كما سبق، وإن كان الأولى المسارعة بالتصدق بما ذكر لما يترتب عليه من المبادرة إلى الخير، ولما قد يطرأ على الإنسان من موت أو شغل أو غيرهما،