عمرانُ بيتِ المقدسِ ، خرابُ يثربَ"المدينة"
عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :" عمرانُ بيتِ المقدسِ ، خرابُ يثربَ ، وخرابُ يثربَ ، خروجُ المَلحمةِ ، وخروجُ الملحمةِ ، فتحُ قسطنْطينيَّةِ ، وفتحُ القسطنطينيةِ خروجُ الدجالِ . ثم ضربَ بيدِهِ على فخذِ الذي حدَّثَ أو منكبِهِ ثم قال : إن هذا لحقٌّ كما أنَّك هنا ، أو كما أنك قاعدٌ . يعني : معاذَ بنَ جبلٍ"(أبو داود وأحمد).
أخْبرَ
النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بكثيرٍ من عَلاماتِ السَّاعةِ في آخِرِ الزَّمانِ؛
حِرْصًا على أُمَّتِه وحثًّا لها على اتِّباعِ الحقِّ وأهلِهِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم:
"عُمْرانُ بيْتِ المقْدِسِ"، أي: أنْ يُعمَّرَ بيْتُ المقدِسِ؛ بكثْرَةِ النَّاسِ فيهِ، وانتِعاشِ التَّجارَةِ والمالِ، "خَرابُ يثْرِبَ"، أي: المدينةَ دارَ الهِجْرةِ؛ والمعنى أنَّ عُمْرانَ بيْتِ المقدِسِ علامَةٌ ظاهِرَةٌ يُنتظَرُ بعْدها خرابُ المدينَةِ النَّبويَّةِ، وقيل: يتسبَّبُ في خرابِ المدينَةِ، أو أنَّ ذلك وقْتُ خَرابِ المدينَةِ، "وخَرابُ يثْرِبَ خُروجُ الملْحَمَةِ"، أي: إنَّ خُروجَ الملْحَمَةِ علامَةٌ ظاهِرةٌ يُنتَظرُ بَعدَها، وقيل: إنَّ وقْتَ خَرابِها أو بسبَبِ خرابِها يكونُ خُروجُ الملْحَمَةِ، وهي الحربُ العَظيمةُ بين المسلِمين بالشَّامِ والرَّومِ، وقيل: بين المسلِمين بالشَّامِ والتَّتارِ،
"وخُروجُ الملْحمَةِ"، أي: علامَةٌ ظاهِرَةٌ يُنتَظَرُ بَعدها "فتْحُ القُسطنطينِيَّةِ"، وقيل: إنَّ فتحَ القُسطنطينِيَّةِ يكونُ وقْتَ خُروجِ الملْحمَةِ أو بسبَبِها، والقُسطنطينِيَّةُ مَدينةٌ جانِبٌ منها في آسيا، وجانِبٌ في أوربَّا، ويَفْصِلُ الجانبين البحْرُ؛
والمعنى أنَّ فتْحَها مِن قِبَلِ المسلِمين علامَةٌ ظاهِرةٌ يُنتَظَرُ بَعدَها "خُروجُ الدَّجَّالِ"، وقيل: خُروجُ الدَّجَّالِ يكون وقتَ فتْحِها أو بسبَبِه، والدجَّالُ هو الأعْوَرُ الكذَّابُ مُدَّعي الألوهِيَّةِ،
"ثمَّ ضرَبَ
بيَدِه"، أي: ضرَبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بيَدِه، "على فَخِذِ
الَّذي حدَّثَه"، أي: مُعاذٌ "أو مَنْكِبِه"؛ شكٌّ من الرَّاوي،
ثمَّ قال: "إنَّ هذا"، أي: ما حدَّثتُ بهِ ممَّا سيَحدُثُ في
المستقبَلِ، "لحَقٌّ"، أي: كائنٌ لا مَحالَةَ، ثمَّ أوْضَحَ النَّبيُّ
صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مِثالَ وقوعِهِ، فقال: "كما أنَّك هنا"، أو
"كما أنَّك قاعِدٌ"، "يعني: معاذَ بنَ جبَلٍ"، أي: هذا
الكلامُ حَقٌّ واقِعٌ كما أنَّك أَمامي.
وفي الحَديثِ:
مُعجِزةٌ ظاهِرةٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، بإخْبارِه بأشياءَ ستقَعُ.
وفيهِ: تبْيينُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لبعْضِ عَلاماتِ السَّاعَةِ الَّتي ستَعْقُبُ بعْضُها بعْضًا.
أن كُلّ
وَاحِد مِنْ هَذِهِ الْأُمُور أَمَارَة لِوُقُوعِ مَا بَعْده، وَإِنْ وَقَعَ
هُنَاكَ فترة زمنية بينهما..
(عُمْرَان
بَيْت الْمَقْدِس) أَيْ: عِمَارَته بِكَثْرَةِ الرِّجَال وَالْعَقَار وَالْمَال.
(خَرَاب يَثْرِب): أَيْ: سَبَب خَرَاب الْمَدِينَة. وَقَالَ الْقَارِي: أَيْ وَقْت خَرَاب الْمَدِينَة.
وفي الحديث إشكال؛ وهو كون خراب المدينة قبل الدجال، مع ما ورد من أن الدجال يمنع من دخول المدينة، فإنها ترجف بأهلها ثلاث رجفات فيخرج إليه كل منافق ومنافقة.
وقد أجاب ابن كثير عن هذا الإشكال فقال في "النهاية" (1/94):
"وليس المراد أن المدينة تخرب بالكلية قبل خروج الدجال، وإنما ذلك آخر الزمان، بل تكون عمارة بيت المقدس سبباً في خراب المدينة النبوية، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الدجال لا يقدر على دخولها، يُمنع من ذلك بما على أبوابها من الملائكة القائمين بأيدهم السيوف المصلتة." انتهى
ويحتمل أن يكون المراد بعمارة بيت المقدس نزول الخلافة فيه في آخر الزمان. ويدل عليه ما روي عن عبد الله بن حَوَالة الأزدي، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنغنم على أقدامنا فرجعنا، فلم نغنم شيئا، وعرف الجهد في وجوهنا، فقام فينا فقال: اللهم لا تكلهم إليّ فأضعف عنهم ، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها ، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم ثم وضع يده على رأسي أو قال: على هامتي، ثم قال: يا ابن حوالة، إذا رأيت الخلافة قد نزلت أرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل [البلابل: الهموم والأحزان] والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك. "( صحيح أبي داود).
فظاهره أن نزول الخلافة في
الأرض المقدسة سيكون قريباً جداً من الساعة، فقد يكون هذا هو المراد بعمارتها.
والله أعلم.
(وَخُرُوجُ
الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ) يعني : فإذا خرجت الملحمة فبعدها فتح
القسطنطينية ..
(وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ) يعني إذا فتحت القسطنطينية خرج الدجال.