علم الإنسان مالم يعلم
الحمد لله الذي علم بالقلم وعلم الإنسان، وأنعم عليه بالعلم والإيمان والإحسان في كل زمان ومكان
واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك الواحد الديان.
واشهد ان سيدنا محمدا النبي الأمي العدنان الذي فجر من الجزيرة الغبراء العلم للدنيا، ونادى بالعلم والايمان
اللهم صل وسلم وبارك على سيد محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً الي يوم الحق والفرقان.
أما بعد:
إِنَّ العَقْلَ هُوَ الجَوْهَرَةُ الرَّبَّانِيَّةُ الَّتِي مَيَّزَ اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ بِهَا الإِنْسَانَ، وَهُوَ المِنْحَةُ الإِلَهِيَّةُ الَّتِي تَكْشِفُ لَنَا أَسْرَارَ الكَوْنِ، وَلَكِنَّ هَذَا العَقْلَ يَبْقَى كَامِنًا، يَنْتَظِرُ الشَّرَارَةَ الَّتِي تُوقِدُهُ، وَالغِذَاءَ الَّذِي يُنَمِّيهِ وَيُزَكِّيهِ، هَذِهِ الشَّرَارَةَ وَهَذَا الغِذَاءَ هُوَ العِلْمُ، فَإِذَا اسْتَنَارَ العَقْلُ بِالعِلْمِ أَنَارَ الدُّنْيَا، وَإِذَا انْطَلَقَ العَقْلُ نَهمًا، شَغُوفًا، بَاحِثًا، مُتَسَائِلًا؛ تَفَتَّحَتْ لَهُ أَبْوَابُ العِلْمِ؛ فَيَنْقَشِعُ الظَّلَامُ، وَتَتَبَدَّدُ الغُيُومُ، وَتَزْهُو العُقُولُ بِالأَفْكَارِ النَّيِّرَةِ، وَيَرَى الإِنْسَانُ فِي الكَوْنِ آيَاتٍ بَاهِرَاتٍ، وَفي التَّارِيخِ عِبَرًا وَحِكَمًا، قَالَ اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ"وَتِلكَ الأَمثالُ نَضرِبُها لِلنّاسِ وَما يَعقِلُها إِلَّا العالِمونَ"(العنكبوت: ٤٣ ).
أَيُّهَا النَّاسُ، اعْلَمُوا أَنَّ العِلْمَ نُورُ العَقْلِ، وَمِدَادُ الرُّوحِ، بالعلم تنشرح به الصدور وتضاء به العقول وتستنير به القلوب لمعرفة علام الغيوب جل جلاله.
العلم نور، وفرق بين نور العلم و نور الشمس و القمر
فالشمس تغيب ليلا والقمر يخفي نهارا ونور العلم لا يغيب ليلا ولا نهارا
والقمران يفنيان والعلم لا يفني...
والقمران ينكسفان والعلم لا ينكسف....
والقمران تارة يضران وتارة ينفعان ، والعلم ينفع ولا يضر
والقمران في السماء زينة لأهل الأرض ، والعلم في قلب المؤمن وهو في التحت ، ويضيء ما فوقه وما تحته
بنور الشمس والقمر ينكشف وجود الخلق ، وبالعلم ينكشف وجود الخالق.
وضوءالشمس والقمر يقع على الولي والعدو ، والعلم ليس إلا للولي
العِلمُ أَعْلَى وَأَحْلَى مَالَهُ اسْتَمَعَتْ … أَذْن وَأَعُرَبَ عَنْه نَاطِقٌ بِفَمِ
العِلمُ غايته القصوى وَرتبته … العلياءَ فَاسَعُوا إِلَيْهِ يَا ذَوي الْهِمَمِ
العِلمُ أَشْرَفُ مَطْلُوبٍ وَطَالِبُهُ … للهِ أَكَرمَ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمِ
العِلمُ نُورٌ مُبِيْنٌ يَسْتَضِيء بِه … أَهْل السَّعادة وَالْجَهَالِ فِي الظُلمِ
العِلمُ أَعْلَى حَيَاة لِلعِبَادِ كَمَا … أَهْل الْجِهِالِة أَمواتٌ بِجِهَلهِمِ
العِلمُ وَاللهِ مِيراثُ النُبُوةِ لَا … مِيرَاثَ يُشْبَهُه طُوبَى لِمقتَسِمِ
لأَنَّهُ إِرْثُ حَقِّ دَائمٍ أَبَدًا … وَمَا سِواهُ إِلَى الإِفُناءِ وَالعَدمِ
العِلمُ مِيزانُ شِرعِ اللهِ حَيْثُ بِهِ … قِوامُهُ وَبدونِ العِلْمِ لَمْ يقمِ.
أيها المسلمون:
لقد أعلى الإسلام من مكانة العلم
فالعلم من المصالح الضرورية والحاجات الملحة التي عليها تقوم حياة الأمم، وبه تستقيم أحوالها، ويصلح أمرها، وإن شئت فقل إن حاجة الأمم إلى العلم لا تقل شأنا عن حاجتها إلى الطعام والشراب والملبس والمسكن، بل أشد، فقد قال الإمام أحمد (رضي الله عنه): "الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب، فالرجل يحتاج إلى الطعام والشراب مرة أو مرتين، وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه".
من إعلاء الإسلام لمكانة العلم
إن أول آيات نزلت على النبي (صلى الله عليه وسلم) تدعو إلى العلم، وتهتم بوسائله وأدواته، قال تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق: 1-4).
كذلك من أهمية العلم ومكانته وفضله في الإسلام كان تكريم الله لأنبيائه ورسله، فهذا خليل الرحمن إبراهيم (عليه السلام) يقول لأبيه: ( يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا) (مريم: 43)،
وهذا يوسف الصديق (عليه السلام) يقول: (ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) (يوسف: 37).
وهذان نبيا الله، داود وسليمان (عليهما السلام)، يقول عنهما ربنا (جل وعلا): (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) (النمل: 15).
وفي بعثة الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول المولى (جل وعلا): (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (الجمعة: 2).
وما زال الإسلام يؤكد على العلم والتعلم، حتى أنك لن تجد أن الله (تعالى) أمر نبيه (صلى الله عليه وسلم) بالاستزادة من شيء كما أمره بالاستزادة من العلم؛ قال تعالى: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً) (طه: 114)، فلهذا ولغيره الكثير قال الإمام الشافعي (رضي الله عنه): "إِنَّ الاِشْتِغالَ بِطَلَبِ العِلْمِ أَفْضَلُ ما تُنْفَقُ فِيهِ نَفائِسُ الأَوْقاتِ".
ولقد بين القرآن الكريم مكانة من سلكوا طريق العلم، وادخروا أوقاتهم في طلبه، فقال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (المجادلة: 11)، وقال أيضا: )قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الأَلْبَابِ) (الزمر: 9).
وبينت السنة النبوية أن من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة، كما قال رسولنا (صلى اللهُ عليه وسلم)" مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ ".
ويبين لنا الحبيب النبي (صلى اللهُ عليه وسلم) مقام العالم من العابد فيقول: "وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ"، ومع كون هذه المقارنة عظيمة، إلا أن هناك مقارنة أعظم، ذكرها رسول الله (صلى اللهُ عليه وسلم) فَقَالَ: "فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ "، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ" (رواه الترمذي).
أيها المسلمون:
دعوة إلى تعلم العلم من قول سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول سيدنا معاذُ بنُ جبلٍ (رضي اللهُ عنهُ): "تعلمُوا العلمَ فإنَّ تعلمَهُ حسنةٌ، وطلبَهُ عبادةٌ، ومذاكرتَهُ تسبيحٌ والبحثَ عنهُ جهادٌ وبذلَهُ قربةٌ وتعليمَهُ من لا يعلمُهُ صدقةٌ".
وروي عن سيدنا مصعب بن الزبير رضي الله عنه أنه قال لابنه : يا بني تعلم العلم فإنه إن يك لك مال كان لك العلم جمالاًَ ، وإن لم يكن لك مال كان لك العلم مالا.
تَـعَـلَّـمْ فَـلَـيْـسَ الْمَرْءُ يُـولَـدُ عَالِمًا * وَلَـيْسَ أَخُو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهِلُ
وَإِنَّ كَـبِـيـرَ الْـقَـوْمِ لَا عِـلْمَ عِنْدَهُ * صَغِـيرٌ إِذَا الْتـَفَّتْ عَلَيْهِ الْجَحَافِلُ
وَإِنَّ صَـغِـيـرَ الْقَوْمِ إِنْ كَانَ عَـالِمًـا * كَـبِـيـرٌ إِذَا رُدَّتْ إِلَـيْـهِ الْـمَحَافِلُ.
عباد الله:
إِنَّهُ لَا يَلِيقُ بِمَنْ أَنَارَ اللهُ تَعَالَى عَقْلَهُ بِالعِلْمِ أَنْ يَستَسْلِمَ لِأَفْكَارٍ بَالِيَةٍ وَخُرَافَاتٍ وَاهِيَةٍ، لَا تَسْتَنِدُ إِلَى دَلِيلٍ، وَلَا يَقْبَلُهَا مَنْطِقٌ سَلِيمٌ، كَيْفَ بِعَاقِلٍ أَنْ يَسْمَحَ لِلْخُرَافَةِ أَنْ تَتَسَلَّلَ إِلَى حَيَاتِهِ فَتُفْسِدُهَا، تَعْبَثُ بِعَقْلِهِ، وَتُضْعِفُ يَقِينَهُ، وَتَزْرَعُ الوَهْمَ فِيهِ!عِبَادَ اللهِ، إِنَّ العِلْمَ نُورٌ، وَالخُرَافَةَ ظَلَامٌ، دِينُنَا يَدْعُونَا إِلَى العِلْمِ وَالبَحْثِ وَالتّجْرِبَةِ، بَيْنَمَا الخُرَافَةُ تَسْتَغِلُّ الجَهْلَ وَتَنْشُرُ الأَوْهَامَ، الدِّينُ يَبْنِي مُجْتَمَعًا قَوِيًّا مُتَماسِكًا عَلَى أُسُسٍ الإِيمَانِ وَالعَقْلِ والعِلْمِ، بَيْنَمَا الخُرَافَةُ تَنْثُرُ بُذُورَ الفُرْقَةِ وَالضَّعْفِ والجَهَالَةِ!
أَمَّلُوا أَيُّهَا الكِرَامُ فِي عَوَاقِبِ الخُرَافَاتِ الوَخيمَةِ، فَكَمْ مِنْ طَاقَاتٍ عَطَّلَتْهَا؟ وَكَمْ مِنْ عُقُولٍ أَسَرَتْهَا وَعَطَّلَتْهَا؟ إِنَّ الخُرَافَةَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ أَفْكَارٍ سَاذَجَةٍ، بَلْ هِيَ سُمٌّ يَتَسَرَّبُ إِلَى شَرَايِينِ المُجْتَمَعِ، فَيُضْعِفُ مَنَاعَتَهُ، وَيُعِيقُ تَقَدُّمَهُ، فَلْنَتَسَاءَلْ بِصِدْقٍ: هَلْ مَا زَالَ فِينَا أَسِيرٌ لِتِلْكَ الأَفْكَارِ الَّتِي عَفَا عَلَيْهَا الزَّمَنُ؟! هَلْ مَا زَالَ بَعْضُنَا يُؤْمِنُ بِتَأْثِيرِ التَّمَائِمِ وَالأَحْجِبَةِ فِي جَلْبِ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضُّرِّ؟! إِنَّ اللهَ جَلَّ جَلَالُهُ قد أَقَامَ الإِيمَانَ فِينَا، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
أيها المسلمون
لقد أكرمنا الله سبحانه بدينٍ قويم، قائم على العلم واليقين، لا على الظن والجهل، ولا على الخرافات والأساطير. دينٌ يدعو إلى استخدام العقل، ويحذّر من الانجراف وراء الأوهام والمعتقدات الفاسدة التي لا أساس لها من الحق ولا دليل عليها من الشرع.
ولقد انتشرت بين بعض الناس في زماننا أفكار ومعتقدات باطلة، يسمونها "عادات"، أو "تقاليد"، أو "تراثاً"، لكنها في حقيقتها خرافات تهدم التوحيد، وتنافي العقل، وتزرع الجهل والخوف في القلوب.
منها الاعتقاد في العرافين والمنجمين، وتصديق الأبراج، والتطيّر والتشاؤم من الأيام أو الأرقام، وربط المصائب بالأشياء دون سبب شرعي أو عقلي، واللجوء إلى التمائم والطلاسم لرفع البلاء وجلب الحظ، وكل هذا من أعمال الجاهلية التي جاء الإسلام ليهدمها.قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء، لم تُقبل له صلاة أربعين يوماً" [رواه مسلم].
وقال: "من تعلق تميمة فقد أشرك" [رواه أحمد].
أفبعد هذا نصدق بما تنشره وسائل التواصل من خرافات الأبراج، أو نعلّق مستقبلنا على طالع نجم، أو نُسلم عقولنا لمدّعي العلم والكرامة؟
عباد الله،إن الأمة لن تنهض ما دامت خاضعة للخرافة، مستسلمة للجهل، منصرفة عن نور الوحي والعلم. وإن أول طريق الإصلاح هو تطهير العقيدة من كل دخيل، وربط الناس بالله وحده لا شريك له، وتوعيتهم بخطر البدع والخرافات على دينهم ودنياهم.
فلنحرص على تربية أبنائنا على العقل والفهم الصحيح، ولنعلّمهم أن دين الله دين علمٍ ونور، وليس ظناً وتخميناً. ولنكن قدوة في التوكل على الله، لا على الطلاسم والأوهام، وفي طلب الشفاء بالقرآن والأخذ بالأسباب من التدواي والعلاج وطرق باب الطب لا بالسحر والدجل.
الدعاء