recent
أخبار عاجلة

سلامة الصدر من الأحقاد



سَلَاَمَةُ الصَّدْرِ مِنَ الْأَحْقَادِ 

فضل سلامة الصدر ومنزلتها عند الله  

سلامة الصدر طريق إلى الجنة

أثرها على الفرد والمجتمع

الأسباب المعينة على سلامة الصدر


الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له 

 وأشهد أن محمداً رسول الله القائل :"اللهم صل على محمد وآله وأصحابه والتابعين.

أما بعد:"

فيقول الله تعالي:" وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ "(الحشر/10 ).

 عباد الله :"إن الله  ينظر إلى العباد من خلال قلوبهم، فإذا كان المرء نقياً من الغش والضغينة، بريئا من العوج والغل، أقبل عليه برحمته، وضاعف نصيبه من بركته، وكان إليه بكل خير أسرع.

والمسلم حقا مَن تمتد مشاعر حبه فتغمر ما حوله، وتفيض على الآخرين سلاماً وأمناً، والجماعة المسلمة حقاًهي التي تقوم على عواطف الحب المشترك، والود الشائع والتعاون المتبادل.

والمجاملة الرقيقة لا مكان فيها للفردية المتسلطة الكنود بل هي كما وصف القرآن:" وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ "

فقد حرص الإسلام حرصًا شديدًا على تأليف قلوب أبناء الأمة بحيث تشيع المحبة وترفرف رايات الألفة والمودة، وتزول العداوات والشحناء والبغضاء والغل والحسد والتقاطع . ولهذا امتن الله على المؤمنين بهذه النعمة العظيمة فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً"(آل عمران:103)..

 

بل امتن على نبيه صلَى الله عليه وسلم بأن أوجد له طائفة من المؤمنين تألفت قلوبهم: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) [الأنفال:62، 63].

وحتى تشيع الألفة والمودة لابد من سلامة الصدور، ونقصد بسلامة الصدور طهارتها من الغل والحقد والبغي والحسد.

والحديث عن هذه القضية وهذا الخلق حديث مهم وتذكير لابد منه في وقت انشغل أكثر الناس بالظواهر واستهانوا بأمر البواطن والقلوب مع أن الله تعالى لا ينظر إلى الصور ولا إلى الأجساد، ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال، ولأن الله تعالى قد علَّق النجاة يوم القيامة بسلامة القلوب: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88، 89].

والقلب السليم هو القلب السالم من الشرك والغل والحقد والحسد وغيرها من الآفات والشبهات والشهوات المهلكة.

ثم إن رسول الله صَلى الله عليه وسلم يقول: "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام" [البخاري].

 إن الخصومة إذا نمت وغارت جذورها وتفرعت أشواكها شلت زهرات الإيمان الغض وأبلت ما يوحي به من حنان وسلام

وكثيراً ما تطيش الخصومة بألباب ذويها فتتدلى بهم إلى اقتراف الصغائر المسقطة للمروءة وبعض الكبائر الموجبة للعنة وعين السخط تنظر من زاوية داكنة فهي تعمى عن الفضائل وتضخم الرذائل وقد يذهب بها الحقد إلى التخيل وافتراض الأكاذيب وذلك كله مما يسخطه الإسلام ويحذر من وقوعه ومنعه أفضل القربات فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا بلى ، قال: إصلاح ذات البين وفساد ذات البين الحالقة "(أحمد).

وربما عجز الشيطان أن يجعل من الرجل العاقل عابد صنم، ولكنه وهو الحريص على إغواء الإنسان وإيراده المهالك، لن يعجز عن المباعدة بينه وبين ربه، حتى يجهل حقوقه أشد مما يجهلها الوثني المخرف، وهو يحتال لذلك بإيقاد نار العداوة في القلوب، فإذا اشتعلت هذه النار استمتع الشيطان برؤيتها وهي تحرق حاضر الناس ومستقبلهم وتلتهم علائقهم وفضائلهم فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ"(مسلم).

ذلك أن الشر إذا تمكن من الأفئدة فتنافر ودها، وانكسرت زجاجتها ارتد الناس إلى حال من القسوة والعناد، يقطعون فيها ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون فى الأرض.

وقد تيقظ الإسلام لبوادر الجفاء، فلاحقها بالعلاج ، قبل أن تستفحل وتستحيل إلى عداوة فاجرة، والمعروف أن البشر متفاوتون فى أمزجتهم وأفهامهم، وأن التقاءهم فى ميادين الحياة قد يتولد عنه ضيق وانحراف، إن لم يكن صدام وتباعد، ولذلك شرع الإسلام من المبادئ ما يرد عن المسلمين عوادى الانقسام والفتنة وما يمسك قلوبهم على مشاعر الولاء والمودة ، فنهى عن التقاطع والتدابُر.

نعم قد يحدث أن تشعر بإساءة موجهة إليك، فتحزن لها وتضيق بها، وتعزم على قطع

 صاحبها ولكن الله لا يرضى أن تنتهي الصلة بين مسلم ومسلم إلى هذا المصير قال النبى

 صلى الله عليه وسلم " لا تَباغَضُوا، ولا تَحاسَدُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا،

 ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ. "(مسلم عن أنس بن مالك).

والإنسان فى كل نزاع ينشب، أحد رجلين إما أن يكون ظالما، وإما أن يكون مظلوما، فإن كان عاديا على غيره، ناقضا لحقه، فينبغى أن يُقلع عن غيه وأن يصلح سريرته، وليعلم أنه لن يستل الضغن من قلب خصمه، إلا إذا عاد عليه بما يطمئنه ويرضيه وقد أمر الإسلام المرء والحالة هذه أن يستصلح صاحبه ويطيب خاطره فعن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ كَانتْ عِنْدَه مَظْلمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ فَلْيتَحَلَّلْه ِمِنْه الْيَوْمَ قَبْلَ أَلَّا يكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمتِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سيِّئَاتِ صاحِبِهِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ"(البخاري).

وقد اعتبر الإسلام من دلائل الصغار وخسة الطبيعة، أن يرسب الغل فى أعماق النفس فلا يخرج منها، بل يظل يموج فى جوانبها كما يموج البركان المكتوم

وكثير من أولئك الذين يحتبس الغل في أفئدتهم يتلمسون متنفسا له فى وجوه من يقع معهم فلا يستريحون إلا إذا أرغوا وازبدوا، وآذوا وأفسدوا

إن الحقد صفة الطبقات الدنيا من الخلق وأن ذوى المروءات يتنزهون عنه"

لا يَحمِلُ الحِقدَ مَن تَعلو بِهِ الرُتَبُ 

                                  وَلا يَنالُ العُلا مَن طَبعُهُ الغَضَبُ

إن من الوضاعة أن تلتوى الأثرة بالمرء، فتجعله يتمنى الخسارةَ لكل إنسانٍ، لا لشيءٍ، إلا لأنه هو لم يربح ثم إن المسلم يجب أن يكون أوسع فكرةً، وأكرم عاطفةً، فينظر إلى الأمور من خلال الصالح العام، لا من خلال شهواته الخاصة وجمهور الحاقدين، تغلى مراجل الحقد فى أنفسهم، لأنهم ينظرون إلى الدنيا فيجدون ما يتمنونه لأنفسهم قد فاتهم، وامتلأت به أكف أخرى وهذه هى الطامة التى لا تدعُ لهم قرارا

يا صاحب القلب السليم أنت من صفوة الله المختارة

فقد سألوا رسول الله صَلى الله عليه وسلم عن أفضل الناس، فقال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان". قالوا: صدوق اللسان نعرفه؛ فما مخموم القلب؟ قال: "التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد".

ثم نقول: إن سلامة الصدر سببٌ من أعظم أسباب قبول الأعمال الصالحة

قال صلى الله عليه وسلم:

"تعرض الأعمال كل يوم اثنين وخميس، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئٍ لا يشرك بالله شيئًا، إلا امرءً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا". فانظر كم يضيع على نفسه من الخير من يحمل في قلبه الحقد والحسد والغل؟!!

سلامة الصدر طريق إلى الجنة:

فأول زمرة تدخل الجنة: "...لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجل واحد.." [البخاري].

وقصة عبد الله بن عمرو مع ذلك الرجل الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" معروفة فقد عاشره عبد الله ثلاث ليال فلم يجده كثير التطوع بالصلاة أو الصيام فسأله عن حاله فقال الرجل: "ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحدٍ من المسلمين غشًا ولا أحسُد أحدًا على خير أعطاه الله إياه".

فأعلنها ابن عمرو صريحة مدوية :هذه التي بلغت بك...

وقد أخبر الله تعالى عن حال أهل الجنة فقال:

(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ) [لأعراف:43]. (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [الحجر:47].

الله يمدحهم:

( وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:9، 10].

فهيا إخواني وأخواتي نطهر قلوبنا من الحقد والغل والحسد حتى نسعد بصحبة الأبرار الصالحين، ونفوز بالقرب من رب العالمين، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن عبادٍ ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء، على مجالسهم وقربهم من الله، فلما سئل عنهم أخبر أنهم أُناس لم تصل بينهم أرحام متقاربة.. لكنهم تحابوا في الله، وتصافوا..

فهلا سلمت صدورنا للمسلمين وصفت؟

 

أثرها على الفرد والمجتمع:

يفوز صاحب الصدر السليم بكل الفضائل التي سبق الحديث عنها والنتيجة المباشرة هي:

· راحة البال والبعد عن الهموم والغموم.

· اتقاء العداوات.

أما بالنسبة للمجتمع فإنه يكون مجتمعًا متماسكًا متراصًا متكاتفًا ترفرف عليه رايات المحبة والإخاء ويصدق عليهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "مثل المؤمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمى". [صحيح مسلم].

أنا أريد أن تتأمل معي هاتين الآيتين لتعرف قيمة سلامة الصدر بالنسبة للمجتمع: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران:120]، (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا) [الأنفال:46].

فأعداء الأمة لن ينالوا منها مايريدون طالما ظل أبناؤها متحابين متماسكين سليمي الصدور غير متنازعين.

 

أمثلة من حياة الصالحين:

هذا سيد ولد آدم أجمعين عليه صلوات رب العالمين، يذهب إلى الطائف عارضًا نفسه على وجهائها وأهلها، فلم يجبه منهم أحد، فانطق مهمومًا، وإذا هو بسحابة قد أظلته فيها جبريل، ومعه ملك الجبال فناداه ملك الجبال: "إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين [جبلا مكة] فقال صاحب الصدر السليم صَلى الله عليه وسلم: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا".

فأي صبر وسلامة صدر هذا !!!.

ثم تأمل حاله صَلى الله عليه وسلم حين ضربه قومه فأدموه (أسالوا دمه) فمسح الدم وهو يقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".

واستحضر معي حالة المشركين معه صلى الله عليه وسلم في مكة وقد آذوه وسعوا في قتله حتى خرج من بين أظهرهم وكان الأمر كما أخبر الله عز وجل : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال:30)

فلما مكن الله له ودخل مكة فاتحا ما انتقم ولا آذى بل قال لقومه:

"لا تثريب عليكم اليوم".

والأمثلة من حياته صَلى الله عليه وسلم كثيرة، ننصح بقراءة سيرته.

 

نبي الله يوسف عليه السلام:

وقصته مع إخوته أنموذج رائع لسلامة الصدر فبعد أن ألقوه في الجب وفرقوا بينه وبين أبيه ودخوله السجن إلى غير ذلك مما هو معروف مكن الله له وجعله على خزائن مصر فلما ترددوا عليه وعرفوه قالوا:

(تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ). فما كان منه إلا أن قَال: ( لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). ما حمل غلا.

ثم لما جاء أبوه مع اخوته: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (يوسف:100)

فلم يقل أخرجني من الجب كي لا يُخجلهم (وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ)، ولم يقل رفع عنكم الجوع والحاجة حفظًا للأدب معهم. (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) فأضاف ما جرى إلى السبب ولم يضفه إلى المباشر (إخوته).

 

ثم تأمل معي موقف الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه - مع مسطح بن أثاثة إذ كان الصديق ينفق على مسطح فلما كانت حادثة الإفك كان مسطح ممن خاضوا فيها فأقسم الصديق ألا ينفق على مسطح فأنزل الله قوله تعالى: (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور:22)

فما كان من الصديق إلا أن أعاد النفقة على مسطح.

 

وهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه في أوج انتصاراته وهو قائد الجيش يأتيه خبر عزل الفاروق له فما تكلم بما يدل على سخطه ولاترك ساحات القتال بل ظل مجاهدا كجندي من جند المسلمين بعد أن كان قائدهم.

 

ثم استمع إلى ابن عباس رضي الله عنهما وهو يقول :

"إني لأسمع أن الغيث قد أصاب بلدًا من بلدان المسلمين فأفرح به، ومالي به سائمة".

 

أما أبو دجانة رضي الله عنه فقد دُخل عليه وهو مريض فرأوا وجهه يتهلل (منور) فكلموه في ذلك فقال: "ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى كان قلبي سليمًا للمسلمين".

 

أماعُلبة بن زيد

فإنه لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى النفقة ولم يجد ما ينفقه بكى وقال: "اللهم إنه ليس عندي ما أتصدق به، اللهم إني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها من مال أو جسد أو عرض، ثم أصبح مع الناس. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أين المتصدق بعرضه البارحة؟" فقام عُلبة رَضي الله عنه، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم : "أبشر فوالذي نفسُ محمد بيده لقد كُتبت في الزكاة المتقبلة".

 

وانظر إلى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يُضرب ويُعذَّب على يد المعتصم، وحين أخذوه لمعالجته بعد وفاة المعتصم وأحسَّ بألمٍ في جسده قال: "اللهم اغفر للمعتصم".

سبحان الله!! يستغفر لمن كان سببًا في ألمه. إنه منطق عظيم لا تعرفه إلا الصدور التي حملت قلوبًا كبيرة عنوانها: **سلامة الصدر.***

وهل أتاك نبأ الشيخ ابن باز - رحمه الله - مع ذلك الرجل من الخرج؟

فقد تولى الشيخ القضاء في مدينة الخرج وجاءه رجل في قضية فسب الرجل الإمام ابن باز رحمه الله،وشاع الخبر في المدينة وخرج الشيخ إلى الحج ،وبينما كان الشيخ في الحج مرض الرجل ومات، فلما قُدِّم الرجل ليُصلَّى عليه، أبى الإمام الصلاة عليه بسبب سبه للشيخ ابن باز، وصلَّى غيره، فلما رجع الشيخ وأُخبر الخبر عاتب الإمام جدًّا على فعله، ولم يرض ما صنع، ثم إنه سأل عن قبر الرجل فأتاه وصلَّى عليه ودعا له.

فأين نحن من هؤلاء؟!!.

 

الأسباب المعينة على سلامة الصدر:

1- الدعاء

 

فإنه من أعظم الأساب لتحقيق المقصود ، وكان من دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم :(وأسألك قلبًا سليمًا)، فمن رزق الدعاء فإن الإجابة معه. كما أثنى الله على المؤمنين لدعائهم:(وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا).

 

2- حُسن الظن وحمل الكلمات والمواقف على أحسن المحامل:

قال عمر: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً.

وقال الشافعي: من أراد أن يقضي له الله بخير فليحسن ظنه بالناس.

ولما دخل عليه أحد إخوانه يعوده قال: قوّى الله ضعفك ،فقال الشفعي رحمه الله: لو قوى ضعفي لقتلني،قال الزائر :والله ما أردت إلا الخير،فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير.

 

3- التماس الأعذار وإقالة العثرات والتغاضي عن الزلات:

- التمس لأخيك سبعين عذرًا.

- يقول ابن سيرين: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا فإن لم تجد فقل :لعل له عذرًا لا أعرفه.

- يا أخي من المعصوم من الخطأ والزلات؟ قال بعضهم:الفتوة التجاوز عن زلات الإخوان.

- تذكَّر سوابق إحسانه فإنه مما يعين على التماس العذر وسلامة الصدر واعلم أن الرجل من عُدَّت سقطاته.

- استحضر أن المؤمن يلتمس المعاذير، والمنافق يلتمس العثرات.

 

4- ادفع بالتي أحسن..

ليس هذا من العجز، بل من القوة والكياسة قال الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت:34).

 

5- البعد عن الغيبة والنميمة وتجنب كثرة المزاح.

6- معاملة النمام بما يستحقه فهو[فاسق - هماز مشاء بنميم - بريد الشيطان].

7- الهدية والمواساة بالمال فإنها من دواعي المحبة.

8- الإيمان بالقدر ، فإن العبد إذا آمن أن الأرزاق مقسومة مكتوبة رضي بما هو فيه ولم يجد في قلبه حسدا لأحد من الناس على خير أعطاه الله إياه.

9- أخيرا تذكر حال النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يشكر ربه على النعم التي أنعم بها حتى على غيره من الخلق حين يصبح وحين يمسي.

رزقنا الله وإياكم صدورا سليمة لا تحمل غلا ولا حسدا ولا حقد

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله 

أما بعد

عباد الله: لقد أهاب الإسلام بالناس أن يبتعدوا عن الحقد والحسد وأن يسلكوا الحياة نهجا أرقى وأهدأ. وأمر الله رسولَه أن يستعيذ من شرور الحاسدين؛ لأن الحسد جمرةٌ تتقدُ فى الصدر، فتؤذي صاحبهَا وتؤذي الناسَ به.

والإنسان الذي يتمني زوال النعم آفةٌ على المجتمع ، ولا يُطمئن إلى ضميره فى عملٍ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعُ غُبارٌ في سبيل اللهِ و دُخانُ جهنَّمَ في جوفِ عبدٍ أبدًا ، و لا يجتمعُ الشُّحُّ و الإيمانُ في قلبِ عبدٍ أبدًا"( البخاري)

هذا، وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56 وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين اللهم اجعلنا من المنشغلين بإصلاح أنفسنا ومن تحت أيدينا ومن المساهمين في إصلاح المجتمع بأقوالنا وأفعالنا، اللهم اسلل سخائم صدورنا ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ولا تجعلنا حاسدين ولا محسودين واجعلنا صالحين مصلحين محسنين غير مفسدين وآمرين بالمعروف وناهين عن المنكر اللهم طهر قلوبنا من النفاق والرياء والسمعة اللهم عليك بالرافضة وجميع المنافقين اللهم طهر الأقصى من دنس اليهود

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"(البقرة:201).

 وأدخلنا الجنة مع الأبرار واغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.النحل:90. فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

 

google-playkhamsatmostaqltradent