
تعرف علي أبواب الجنة الثمانية التي تفتح في رمضان
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أما بعد فياعباد الله
أَلَا وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ عَطَايَا رَمَضَانَ أَنَّهُ شَهْرٌ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجِنَانِ، كَمَا قَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ..".
فَتَعَالَوْا إِلَى حَدِيثٍ مَعَ هَذِهِ الْأَبْوَابِ، نَتَعَرَّفُ أَسْمَاءَهَا، وَحَجْمَهَا، وَحِكْمَةَ تَعَدُّدِهَا، وَشَيْءٍ مِنَ السَّوَانِحِ الْخَاطِرَةِ، وَالتَّأَمُّلَاتِ الْعَابِرَةِ.
يَا طُلَّابَ الْجِنَانِ، أَبْوَابُ الْجَنَّةِ تَنَاهَتْ نَضَارَتُهَا، وَتَلَأْلَأَ بَهَاؤُهَا، يَعْجِزُ الْخَيَالُ عَنِ الْوُصُولِ لِحَقِيقَةِ ذَلِكَ الْجَمَالِ وَالْإِبْدَاعِ.
لَهَا أَسْمَاءٌ مَعْلُومَةٌ، لِكُلِّ بَابٍ مِنْهَا جُزْءٌ مَقْسُومٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
يَصِلُ أَهْلُ الْإِيمَانِ إِلَى تِلْكَ الْأَبْوَابِ بَعْدَ أَهْوَالٍ عَظِيمَةٍ تَشِيبُ لِهَوْلِهَا مَفَارِقُ الصِّبْيَانِ، فَلَا تَسَلْ عَنْ سُرُورِهِمْ وَقَدْ جَاوَزُوا تِلْكَ الصِّعَابَ إِلَى دَارِ الرَّاحَةِ وَالْهَنَاءِ.
لَا تَسَلْ عَنِ الْفَرَحِ كَيْفَ يَلْتَفُّ بِأَهْلِهِ، وَهُمْ مُتَمَاسِكُونَ يَسِيرُونَ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا "وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا"(الزُّمَرِ: 73)،
أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ مُشْرَعَةٌ، لَيْسَ وَرَاءَهَا نَكَدٌ وَلَا نَصَبٌ، وَإِنَّمَا هُوَ النَّعِيمُ الدَّائِمُ الْمُتَجَدِّدُ الَّذِي لَا يُوصَفُ.
وقال تعالي:" هَٰذَا ذِكْرٌ ۚ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ"(ص/49-50).
جَنَّاتِ عَدْنٍ أي: جنات إقامة، لا يبغي صاحبها بدلا منها، من كمالها وتمام نعيمها، وليسوا بخارجين منها ولا بمخرجين.
مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ أي: مفتحة لأجلهم أبواب منازلها ومساكنها، لا يحتاجون أن يفتحوها هم ، بل هم مخدومون، وهذا دليل أيضا على الأمان التام، وأنه ليس في جنات عدن، ما يوجب أن تغلق لأجله أبوابها.
أبواب الجنة ثمانية
وَأَمَّا عَدَدُ تِلْكَ الْأَبْوَابِ، فَهِيَ ثَمَانِيَةٌ، لِكُلِّ بَابٍ اسْمٌ خَاصٌّ، وَأَهْلٌ مَخْصُوصُونَ
أَعْمَالٌ يُحِبُّهَا اللَّهُ، فَسَمَّى بِهَا أَبْوَابَ جَنَّاتِهِ، فَمَنِ اسْتَزَادَ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ وَقُبِلَ مِنْهُ، دُعِيَ بِاسْمِهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ.
الباب الأول:"باب الريان للصوام
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، بَابٌ مِنْهَا يُسَمَّى الرَّيَّانَ، لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ".
والمُكثِرون مِن الصَّومِ تَستقبِلُهم الملائكةُ عندَ بابِ الرَّيَّانِ داعيةً لهم بالدُّخولِ منه، والرَّيَّانُ: مِن الرِّيِّ، وهو نَقيضُ العَطَشِ؛ وسُمِّي بذلك؛ لأنَّه مَن دخَله لم يَظمَأْ أبدًا، وفي تَسميةِ البابِ بذلك مُناسَبةٌ حَسَنةٌ؛ لأنَّه جَزاءُ الصَّائِمينَ على عَطَشِهم وجُوعِهم، واكتُفِيَ بذِكرِ الرِّيِّ عن الشِّبَعِ لأنَّه يَستلزِمُه، أو لكونِه أشقَّ على الصَّائمِ مِن الجُوعِ.
الباب الثاني :"باب الصلاة
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ مَالِهِ دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَلِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصِّيَامِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ عَلَى الَّذِي يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ".
وقدْ جعَل اللهُ عزَّ وجلَّ لكلِّ عِبادةٍ بابًا مَخصوصًا في الجنَّةِ؛ فالمُكثِرون مِن الصَّلاةِ النافلةِ بعْدَ أداءِ الفرائضِ يُنادَون مِن بابِ الصَّلاةِ، ويَدخُلون منه، وهكذا الأمرُ بالنِّسبةِ إلى سائرِ العباداتِ مِن جِهادٍ وصَدَقةٍ.
حَثَّ اللهُ عزَّ وجلَّ عِبادَه على
المُسارَعةِ إلى الخَيراتِ، ووَعَدَ عليها بالثَّوابِ الجَزيلِ في الدُّنيا
والآخِرةِ.
الباب الثالث:" باب الصدقة
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي أبو هُرَيرةَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخبَرَ أنَّ مَن تَصدَّقَ بعَدَدِ اثنَينِ مِن أيِّ شَيءٍ كان صِنفَين أو مُتشابِهَينِ، كبَقَرَتينِ، أو دِرهمَينِ، أو رَغيفَينِ، أو ثَوبينِ، ويَحتمِلُ أنْ يُرادَ به الإنفاقُ مرَّةً بعْدَ أُخرى، أي: جاعلًا الإنفاقَ عادةً له. وقولُه: «في سَبيلِ اللهِ»، أي: في طَلَبِ ثَوابِه، وهو أعمُّ مِن الجِهادِ وغيرِه مِن العِباداتِ؛
فمَن فَعَلَ ذلك نادَتْه الملائكةُ يومَ القِيامةِ مِن أبوابِ الجنَّةِ مُرحِّبةً بقُدومِه إليها، وهي تَقولُ:"يا عبدَ اللهِ، هذا خَيرٌ"، أي: هذا العمَلُ الَّذي عَمِلْتَه خَيرٌ مِن الخَيراتِ، والتَّنوينُ في "خيرٌ" للتَّعظيمِ، أي: خَيرٌ عَظيمٌ، فلَفْظُ "خَيرٌ" بمعْنى فاضِلٍ، لا بمعْنى أفضَلَ، وإنْ كان اللَّفظُ قدْ يُوهِمُ ذلك؛ ففائدتُه زِيادةُ تَرغيبِ السامعِ في طَلَبِ الدُّخولِ مِن ذلك البابِ، أو المرادُ: هذا البابُ الَّذي تُدْعى إليه لِتَدخُلَ منه خَيرٌ، أي: فيه خَيرٌ كثيرٌ، وإنَّما قِيل له هذا تَعظيمًا له وتَشريفًا.
وقولُه: "ومَن كانَ مِن أهْلِ
الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِن بَابِ الصَّدَقَةِ" ليس تَكرارًا لِقولِه: "مَن أنفَقَ
زَوجَينِ"؛ لأنَّ الإنفاقَ ولو بالقَليلِ خَيرٌ مِن الخَيراتِ العَظيمةِ، وذاك
حاصِلٌ مِن كلِّ أبوابِ الجنَّةِ، أمَّا هذا فهو استِدعاءٌ خاصٌّ.
فقال أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه:
أفْدِيك بأبِي وأُمِّي يا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ليس على
الشَّخصِ الَّذي يُدْعى مِن أيِّ بابٍ مِن تلك الأبوابِ ضَرَرٌ يَلحَقُه أبدًا؛
لأنَّ مآلَهُ الفوزُ بنَعيمِ الجنَّةِ. ويَحتمِلُ أنْ يكونَ المعْنى: أنَّ مَن
دُعِيَ مِن بابٍ مِن تلك الأبوابِ لَيستْ له حاجةٌ إلى أنْ يُدْعى مِن جَميعِ
الأبوابِ؛ إذ البابُ الواحِدُ يَكفي لدُخولِه الجنَّةَ.
ثمَّ سَأَلَ أبو بَكرٍ رضِي اللهُ عنه
رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هلْ يُدْعَى أحدٌ مِن تلك الأبوابِ
كلِّها؟ فأجابَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: نَعَم، يُوجَدُ مِن المؤمنِينَ مَن
يُدْعى مِن الأبوابِ كلِّها؛ لكَثرةِ عِباداتِه وتنوُّعِها واختلافِها، ثم قال
النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وأرْجو أنْ تكونَ منهم» يا أبا بَكْرٍ؛
فإنَّه رَضيَ اللهُ عنه كان قدْ جَمَعَ خِصالَ تلك الأبوابِ كلِّها، كما في صحيحِ
مُسلمٍ عن أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه
وسلَّمَ: «منَ أصبَحَ منكم اليومَ صائمًا؟ قال أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه: أنا،
قال: فمَن تَبِعَ منكم اليومَ جِنازةً؟ قال أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه: أنا، قال:
فمَن أطعَمَ منكم اليومَ مِسكينًا؟ قال أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه: أنا، قال: فمَن
عادَ منكم اليومَ مَريضًا؟ قال أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه: أنا، فقال رَسولُ اللهِ
صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما اجتَمَعْنَ في امرئٍ إلَّا دَخَلَ الجنَّةَ".
وفي الحَديثِ: أنَّ الملائكةَ
يُحِبُّون صالحِي بَني آدَمَ، ويَفرَحون بهم.
وفيه: أنَّ الإنفاقَ كلَّما كان أكثَرَ
كان أفضَلَ.
وفيه: أنَّ تَمنِّيَ الخيرِ في
الدُّنيا والآخِرةِ مَطلوبٌ.
وفيه: فَضيلةٌ ظاهرةٌ لأبي بكرٍ
الصِّدِّيقِ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: بَيانُ فَضلِ مَن جَمَعَ بيْن
خِصالِ الخيرِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ مَدْحِ الإنسانِ في وَجْهِه إذا لم يُخَفْ عليه فِتنةٌ مِن إعجابٍ وغيرِه.
الباب الرابع باب الجهاد
باب الجهاد والمرابطة في سبيل الله في الجنة كماوردفي الصحيحين :"وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ"،
الباب الخامس باب الوالد
فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ، وَأَمَّا الْبَابُ الْخَامِسُ، فَهُوَ بَابُ الْوَالِدِ، عن أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ؛ فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوِ احْفَظْهُ"(أحمد)..
الْبَابُ السَّادِسُ، بَابُ: "لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ"،
هَذَا قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ: "أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ"(التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ).
الباب السابع باب المتوكلين
وَبَابٌ سَابِعٌ فِي الْجَنَّةِ خَاصٌّ بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هُوَ بَابُ الْمُتَوَكِّلِينَ، جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: "أَنَّ سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِلَا حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ"، وَجَامِعُ صِفَاتِهِمْ أَنَّهُمْ مُتَوَكِّلُونَ عَلَى اللَّهِ، هَؤُلَاءِ خَصَّهُمُ اللَّهُ بِالْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ.
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الطَّوِيلِ، "فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلِ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ لِلنَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْأَبْوَابِ...".
الباب الثامن باب التوبة
وَأَمَّا الْبَابُ الثَّامِنُ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، بَابَ التَّوْبَةِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مَرْفُوعًا: "لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، سَبْعَةٌ مُغْلَقَةٌ، وَبَابٌ مَفْتُوحٌ لِلتَّوْبَةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ نَحْوِهِ".(أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَجَوَّدَ إِسْنَادَهُ الْمُنْذِرِيُّ، وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ).
وَقَدْ يَكُونُ الْبَابُ الثَّامِنُ هُوَ بَابَ الْحَجِّ، كَمَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ.
وصف أبواب الجنة
عِبَادَ اللَّهِ:
هَذِهِ الْأَبْوَابُ فَسِيحَةٌ عَظِيمَةٌ، جَاءَ وَصْفُهَا فِي النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ، فَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعَ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى".
وَجَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ تَحْدِيدُ مَسَافَةٍ أَطْوَلَ مِنْ هَذَا، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ: "وَلَمَّا كَانَتِ الْجَنَّاتُ دَرَجَاتٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ كَانَتْ أَبْوَابُهَا كَذَلِكَ، وَبَابُ الْجَنَّةِ الْعَالِيَةِ فَوْقَ بَابِ الْجَنَّةِ الَّتِي تَحْتَهَا، وَكُلَّمَا عَلَتِ الْجَنَّةُ اتَّسَعَتْ؛ فَعَالِيهَا أَوْسَعُ مِمَّا دُونَهُ، وَسِعَةُ الْبَابِ بِحَسْبِ وُسْعِ الْجَنَّةِ، وَلَعَلَّ هَذَا وَجْهُ الِاخْتِلَافِ الَّذِي جَاءَ فِي مَسَافَةِ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيِ الْبَابِ؛ فَإِنَّ أَبْوَابَهَا بَعْضُهَا أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ).
هَذِهِ الْأَبْوَابُ لَهَا حَلْقَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، يُقْرَعُ بِهَا الْبَابُ، وَأَوَّلُ مَنْ تُفْتَحُ لَهُ هُوَ سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ، وَحَبِيبُ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
جَاءَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ: "... فَآتِي بَابَ الْجَنَّةِ، فَآخُذُ بِحَلْقَةِ الْبَابِ، فَأَسْتَفْتِحُ...".
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: "وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا حَلْقَةٌ حِسِّيَّةٌ تُحَرَّكُ وَتُقَعْقَعُ".
ذَاكَ -عِبَادَ اللَّهِ- شَيْءٌ مِنْ أَوْصَافِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَطَرَفٌ مِنْ أَخْبَارِهَا، بَلَّغَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ دَارَ كَرَامَتِهِ، وَجَعَلَنَا مِمَّنْ تُفْتَحُ لَهُمْ تِلْكَ الْأَبْوَابُ، وَمِمَّنْ يُهَنَّأُ: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرَّعْدِ: 24].:
تَعَدُّدُ أَبْوَابِ الجنَّةِ وَاخْتِلَافُ مُسَمَّيَاتِهَا كَأَنَّمَا هِيَ تَحْكِي رَحْمَةَ اللَّهِ وَرَأْفَتَهُ بِعِبَادِهِ، حَيْثُ نَوَّعَ لَهُمْ سُبُلَ الْوُصُولِ لِجَنَّتِهِ وَمَرْضَاتِهِ، فَهُوَ سُبْحَانُهُ خَالِقُ الْخَلْقِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ، خَلَقَهُمْ مُتَبَايِنِينَ فِي عِلْمِهِمْ وَبَصِيرَتِهِمْ، مُخْتَلِفِينَ فِي مُيُولِهِمْ وَرَغَبَاتِهِمْ، مُتَفَاوِتِينَ فِي عَزَائِمِهِمْ وَهِمَمِهِمْ.
فَمِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، وَمِنْهُمُ الضَّعِيفُ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ.
مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ الْغَنِيُّ يَشْكُرُ، فَيُجَازَى عَلَى شُكْرِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ الْفَقِيرُ يَصْبِرُ فَيُكَافَأُ عَلَى صَبْرِهِ، وَالْكُلُّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ
هَذَا التَّفَاوُتُ فِي الْخَلْقِ أَدْرَكَهُ سَيِّدُ الْخَلْقِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ وَصَايَاهُ لِلصَّحَابَةِ تَخْتَلِفُ مِنْ رَجُلٍ لِآخَرَ، فَمَرَّةً أَوْصَى أَحَدَهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَى وَقْتِهَا، وَآخَرُ أَوْصَاهُ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَثَالِثٌ بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ، وَرَابِعٌ قَالَ لَهُ: لَا تَغْضَبْ، وَخَامِسٌ أَوْصَاهُ: أَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ.
فَرَحْمَةُ اللَّهِ عَمَّتْ عَلَى عِبَادِهِ وَطَابَتْ، لِيَكُونَ سَبِيلُ الْجَنَّاتِ لَيْسَ مَقْصُورًا فِي بَابٍ ثابِتْ، وَإِنَّمَا عَدَّدَ أَبْوَابَهَا الَّذِي خَلَقَهَا، لِيَدْخُلَ كُلُّ مُؤْمِنٍ مِنَ الْبَابِ الَّذِي يُنَاسِبُهُ.
فَمِنَ الْفِقْهِ فِي طَبَائِعِ الْبَشَرِ أَنْ لَا يُحَجِّرَ الْعَبْدُ وَاسِعًا، وَأَنْ لَا يَقْصُرَ الْخَيْرَ عَلَى بَابٍ وَاحِدٍ، وَيُزَهِّدَ فِيمَا سِوَاهُ.
وَمِنَ الْفِقْهِ أَيْضًا: أَنْ يَلْزَمَ الْعَبْدُ الْخَيْرَ الَّذِي فُتِحَ لَهُ، فَقَدْ يُفْتَحُ لِلْعَبْدِ بَابٌ مِنَ الْعَمَلِ، دُونَ بَابٍ آخَرَ يَكُونُ مُقَصِّرًا فِيهِ.
قَدْ يَأْتِي إِنْسَانٌ سَبَّاقٌ فِي صِيَامِ النَّوَافِلِ، لَكِنَّهُ مُقَصِّرٌ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.
وَقَدْ تَرَى عَبْدًا قَوَّامًا بِالْأَسْحَارِ، لَكِنَّهُ شَحِيحٌ بِيَمِينِهِ إِلَّا مِنَ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ، وَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الشُّعَبِ.
كَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ الْعَابِدُ إِلَى مَالِكٍ يَحُضُّهُ عَلَى الِانْفِرَادِ وَالْعَمَلِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ: "إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ الْأَعْمَالَ كَمَا قَسَمَ الْأَرْزَاقَ، فَرُبَّ رَجُلٍ فُتِحَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ، وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ فِي الصَّدَقَةِ، وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ، وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ فِي الْجِهَادِ، فَنَشْرُ الْعِلْمِ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ الْبِرِّ، وَقَدْ رَضِيْتُ بِمَا فُتِحَ لِي فِيْهِ، وَمَا أَظُنُّ مَا أَنَا فِيْهِ بِدُونِ مَا أَنْتَ فِيْهِ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ كِلَانَا عَلَى خَيْرٍ وَبِرٍّ".
وَلَوْ تَأَمَّلْنَا حَالَ صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوَجَدْنَا أَبْوَابَ الْخَيْرِ مُوَزَّعَةً بَيْنَهُمْ، وَلَمْ يَكُونُوا فِي مَقَامَاتِ الْبِرِّ سَوَاءً
فَمِنْهُمُ الزَّاهِدُ الْمُنْكَفِئُ لِلْعِبَادَةِ كَأَبِي ذَرٍّ.
وَمِنْهُمُ الْمُتَفَرِّغُ لِحِفْظِ السُّنَّةِ وَتَبْلِيغِهَا كَأَبِي هُرَيْرَةَ.
وَمِنْهُمُ الْبَطَلُ الصِّنْدِيدُ؛ كَسَيْفِ اللَّهِ ابْنِ الْوَلِيدِ.
وَمِنْهُمُ التَّاجِرُ الضَّارِبُ فِي الْأَسْوَاقِ كَابْنِ عَوْفٍ.
وَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ اصْطَفَاهُمُ اللَّهُ وَفَضَّلَهُمْ،وَهُمْ فِي اسْتِجَابَتِهِمْ وَعَمَلِهِمْ دَرَجَاتٌ: فَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ، قَائِمٌ بِالْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ، تَارِكٌ لِلْمَعَاصِي وَالْمُحَرَّمَاتِ.
وَصِنْفٌ مُقْتَصِدٌ أَتَى بِالْوَاجِبَاتِ وَتَرَكَ الْمُسْتَحَبَّاتِ.
وَصِنْفٌ ثَالِثٌ أَقَامَ وَاجِبَاتِ إِسْلَامِهِ الْأَسَاسِيَّةَ، لَكِنَّهُ ظَلَمَ نَفْسَهُ بِالْمَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ.
وَمَعَ هَذَا التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمْ فَالْكُلُّ دَاخِلٌ فِي اصْطِفَاءِ اللَّهِ، وَالْجَمِيعُ مَوْعُودٌ بِجَنَّاتِ رَبِّهِ وَمَوْلَاهُ، قَالَ تَعَالَى: "ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا"(فَاطِرٍ: 32-33).
نَعَمْ تَتَفَاوَتُ مَنَازِلُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ، فَمِنْهُمُ الصِّدِّيقُونَ، وَمِنْهُمُ الشُّهَدَاءُ، وَمِنْهُمُ الصَّالِحُونَ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مِنْ أَهْلِ أَحَدِ هَذِهِ الْمَنَازِلِ فَذَلِكَ خَيْرٌ، وَفَضْلٌ مِنَ اللَّهِ، وَإِلَّا فَلْيُكُنْ طَائِعًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، لِيُحْشَرَ مَعَهُمْ، وَيَحْظَى بِصُحْبَتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [النِّسَاءِ: 69].