من هو الذكي ؟
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله اما بعد
فياعباد الله حديثنا إليكم اليوم عن من هو الذكي؟
سُئل أعرابي..؟!من هو الذكي؟؟ قال:"هوالفطِنُ
المتغافل، الذي يرى الأخطاء ولايراها.ويرى حاسده فلايهتم به .ويرى عدوه فلا
يلتفت.ويرى الفتنة فلا ينظرها. ومبتعدٌ عن القيل والقال. فيبيتُ وقلبه نقيٌ، ونفسه
راضيةٌ.فلا تعبٌ،ولاهمٌ،ولا نكدٌ،ولا كدرُ.
قال تعالى:"عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ"(التحريم/3).
،وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- لم يخبر حفصة بكل
ما قالت؛ بل أخبرها ببعضه وأعرض عن بعضه،ولم يعاتبها؛لحسن خلقه،وكريم نفسه.
فالذكاءهوالتغافل والتغافل دليل قوي على حسن خلق صاحبه؛ سئل الإمام أحمد بن حنبل أين نجد العافية فقال:"تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل عن الزلات"ثم قال بل هي العافية كلها.
وقال الشافعي رحمه
الله:"الكيّس العاقل هو الفطن المتغافل".
ففَرْقٌ بين أن تقصدالغفلة وبين الغباء؛فالأول
محمود،والثاني مذموم..
وليس التغافل عن الزلات دليلاًعلى غباء صاحبه وسذاجته؛ بل هو العقل والحكمة؛كما قال معاوية:"العقلُ مكيالٌ،ثلثه الفطنة، وثلثاه التغافل"
وكما قال القائل:"
ليس الغبي بسيد في قومه ** لكن سيد قومه المتغابي
ومن أعظم فوائد التغافل أنه يكسب صاحبه راحة في نفسه؛
ولقد أعطانا رسولنا-صلى الله عليه وسلم-مثالاً عظيماً على ذلك؛ روي:"أن
المشركين كانوا يسبون النبي صلى الله عليه وسلم-فيقول لأصحابه:"ألا تعجبون
كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم؟ يشتمون مُذَمَّمَاً،ويلعنون مذمماً،وأنا
محمد!"(البخاري).
.مع أنه يعلم أنهم إنماقصدوه؛ولكن،كما قال القائل:
ولقدأمُرُّعلى السفيهِ يَسُبُّنِي***فَمَضَيْتُ ثُمَّةَ
قُلْتُ لا يعنيني!
أما الذي يقف عند كل كلمة،ويردعلى كل خطأ، ويحاسب على كل
صغيرة وكبيرة،فهو أكثر الناس شقاء، وأشدهم نكداً، كما قال علي بن أبي
طالب:"مَن لم يتغافل تنغصت عيشته".
كم من مشاكل وقعت في المجتمع كان سببها عدم التغافل!كم
وقع بين الزوجين أوبين الأقارب والأصحاب من مشاكل كان سببها تقصي بعضهم على بعض
وتتبع الأخطاء والبحث عن المقاصد!
الزوج يعاتب زوجته على خطأ والزوجة كذلك تتتبع زلات
زوجها وتتصيد عليه الهفوات،وكثير من حالات الطلاق كان هذا سببها.
ولوأنهم رزقواالتغافل لزال عنهم شركثير،كماقال
الأعمش:"التغافل يطفئ شراً كثيراً".
عباد الله:" كم نحن بحاجة إلى التغافل مع أولادنا
وغض الطرف عن أخطائهم! خصوصاً ما يقع منهم عفويا ولم يكن متكرراً.
بل إن ذلك سبب لزوال هيبة الأب من قلوب أولاده وفقد
محبتهم له؛ ولو أنه تغافل عن بعض زلاتهم وتجاوزعن كثير من أخطائهم لسلم من ذلك
كله.
كم نحتاج للتغافل مع أصحابنا فلا نحاسبهم على كل كلمة
خرجت منهم،قال صلى الله عليه
وسلم:"لايُبَلِّغُنِي أحدٌمن أصحابي عن أحدٍ شيئًا، فإنِّي أحبُّ أن أخرج
إليكم وأنا سَلِيم الصَّدر"(أحمد).
فلم يكن –صلي الله الله عليه وسلم يتتبع زلات أصحابه أو يبحث عن أخطائهم؛ بل كان
ينهى عن التجسس وعن تتبع العورات وتفسير المقاصد، ولم يرض أن يخبره أحد عن أحد
شيئا؛حتى يبقى صدره سليماً محباً لهم جميعاً.
وأخيراً؛ يجب أن نعلم أن الحديث عن التغافل والحث عليه
لا يعني ترك النصيحة والتنبيه على المخالفات الشرعية، فهذه لها شأن آخر ليس هذا مجال
الحديث عنها، فكان صلى الله عليه وسلم- لايترك النصح فيقول:"الدين
النصيحة"قلنا:لمن؟قال:"لله، ولكتابه،ولرسوله،ولأئمة
المسلمين،وعامتهم".
ومن لم يفيدمعه التغافل ويظنه ضعف فلا تغافل معه ولاعفو
ولابد من ردعه حتي لايزيد الشيء عن حده فينقلب لضده ..
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم.