recent
أخبار عاجلة

كنوز الهداية في ثلاثين آية سلسلة التراويح في شهر رمضان 1446 هـ مارس 2025 م

 

كنوز الهداية في ثلاثين آية

جمع وترتيب / ثروت سويف / امام وخطيب

الليلة الثالثة اية الكرسي

‌‌ الْحَمد لله رب الْعَالمين وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على أشرف الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ.

أما بعد:

يقول الله تعالي {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)}.

هذه آية الكرسي، ولها شأن عظيم، وقد صحَّ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنها أفضل آية في كتاب الله

وهذه الآية مشتملة على عشر جمل مستقلة.

فقوله: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} إخبار بأنه المتفرد بالإلهية لجميع الخلائق {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} أي: الحي في نفسه الذي لا يموت أبدًا، المقيم لغيره. وكان عمر يقرأ القيام، فجميع الموجودات مفتقرة إليه، وهو غني عنها، لا قوام لها بدون أمره، كقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ} [الروم: 25]

وقوله: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} أي: لا يعتريه نقص ولا غفلة ولا ذهول عن خلقه، بل هو قائم على كل نفس بما كسبت، عالم بكل جارحة وما اجترحت شهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء، ولا يخفى عليه خافية، ومن تمام القيومية أنه لا يعتريه سنة ولا نوم، فقوله: {لَا تَأْخُذُهُ} أي: لا تغلبه سنة

والسنة هي الوسن والنعاس، ولهذا قال: ولا نوم لأنه أقوى من السنة.

وفي الصحيح عن أبي موسى، قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات، فقال: "إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل النهار قبل عمل الليل، وعمل الليل قبل عمر النهار، حجابه النور أو النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".

وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، أخبرني الحكم بن أبان، عن عكرمة مولى ابن عباس في قوله: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} أن موسى عليه السلام سأل الملائكة: هل ينام الله عز وجل فأوحى الله تعالى إلى الملائكة وأمرهم أن يؤرقوه ثلاثًا، فلا يتركوه ينام، ففعلوا، ثم أعطوه قارورتين فأمسكهما، ثم تركوه وحذروه أن يكسرهما، قال: فجعل ينعس وهما في يده، وفي كل يد واحدة، قال: فجعل ينعس وينبه، وينعس وينبه، حتى نعس نعسة، فضرب إحداهما بالأخرى فكسرهما، قال معمر: إنما هو مثل ضربه الله عز وجل، يقول فكذلك السموات والأرض في يده .وهو من أخبار بني إسرائيل

وقوله: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} إخبار بأن الجميع عبيده وفي ملكه، وتحت قهره وسلطانه، كقوله: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)} [مريم].

وقوله: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} كقوله: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)} [النجم] وكقوله: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]

وهذا من عظمته وجلاله وكبريائه عز وجل، أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحد عنده إلا بإذنه له في الشفاعة، كما في حديث الشفاعة: "آتي تحت العرش فأخر ساجدًا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني. ثم يقال: ارفع رأسك وقل تسمع واشفع تشفع - قال - فيحد لي حدًّا فأدخلهم الجنة".

وقوله: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}

دليل على إحاطة علمه بجميع الكائنات، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، كقوله إخبارًا عن الملائكة {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)} [مريم].

وقوله: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}

أي: لا يطلع أحد من علم الله على شيء إلا بما أعلمه الله عز وجل وأطلعه عليه. ويحتمل أن يكون المراد لا يطلعون على شيء من علم ذاته وصفاته، إلا بما أطلعهم الله عليه، كقوله: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110].

وقوله: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}

عن ابن عباس، قال: علمه، وكذا رواه ابن جرير

وقال السدي، عن أبي مالك: الكرسي تحت العرش، وقال السدي: السموات والأرض في جوف الكرسي، والكرسي بين يدي العرش.

وقال الضحاك: عن ابن عباس: لو أن السموات السبع والأرضين السبع، بسطن ثم وصلن بعضهن إلى بعض، ما كن في سعة الكرسي إلا بمنزلة الحلقة في المفازة

قال ابن وهب : قال ابن زيد: حدثني أبي قال: قال رسول الله: "ما السموات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس"

وعن أبي ذرّ الغفاري، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكرسي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي، إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة".

وقوله: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} أي: لا يثقله ولا يكرثه حفظ السموات والأرض، ومن فيهما، ومن بينهما، بل ذلك سهل عليه، يسير لديه، وهو القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب على جميع الأشياء، فلا يعزب عنه شيء ولا يغيب عنه شيء، والأشياء كلها حقيرة بين يديه متواضعة صغيرة بالنسبة إليه، محتاجة فقيرة وهو الغني الفعال لما يريد، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهو القاهر لكل شيء، الحسيب على كل شيء، الرقيب العلي العظيم، لا إله غيره، ولا ربَّ سواه،

فقوله: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} كقوله: (وهو الكبير المتعال) وهذه الآيات وما في معناها من الأحاديث الصحاح الأجود فيها طريقة السلف الصالح، أمروها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه

وقد ورد في فضلها أحاديث منها حديث أُبي وهو: ابن كعب، أن النبي صلى الله عليه وسلم، سأله: "أي آية في كتاب الله أعظم"؟ قال الله ورسوله أعلم، فردَّدها مرارًا، ثم قال: آية الكرسي، قال: "ليهنكَ العلم أبا المنذر، والذي نفسي بيده، إن لها لسانًا وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش" رواه مسلم

وعن عبد الله بن أُبي بن كعب، أن أباه أخبره أنه كان له جُرْن فيه تمر، قال: فكان أبي يتعاهده، فوجده ينقص، قال: فحرسه ذات ليلة، فإذا هو بدابة شبيه الغلام المحتلم، فسلمت عليه، فردّ السلام، قال: فقلت: ما أنت؟ جنّي أم أنسي؟ قال: جنّي. قال: ناولني يدك، قال: فناولني يده، فإذا يد كلب وشعر كلب، فقلت: هكذا خلق الجنّ. قال: لقد علمت الجنّ ما فيهم أشد مني. قلت: فما حملك على ما صنعت؟ قال: بلغنى أنك رجل تحب الصدقة، فأحببنا أن نصيب من طعامك. قال: فقال له أبي: فما الذي يجيرنا منكم؟ قال: هذه الآية، آية الكرسي، ثم غدا إلى النبي فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق الخبيث"، وهكذا رواه الحاكم في مستدركه

وعن أنس بن مالك، حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل رجلًا من صحابته، فقال: "أي فلان هل تزوجت؟ " قال: لا، وليس عندي ما أتزوج به، قال: "أوليس معك {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1]؟ " قال: بلى، قال: "ربع القرآن". قال: "أليس معكَ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ } [الكافرون: 1]؟ " قال: بلى. قال: "ربع القرآن". "أليس معكَ إذا زلزلت؟ " قال: بلى. قال: "ربع القرآن" قال: "أليس معك إذا جاء نصر الله؟ " قال: بلى. قال: "ربع القرآن". قال: "أليس معك آية الكرسي الله لا إله إلا هو الحي القيوم"؟ قال: لى. قال: "ربع القرآن"

عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فجلست، فقال: "يا أبا ذرٍّ، هل صليت؟ " قلت: لا. قال: "قم فصل". قال: فقمت فصليت، ثم جلست، فقال: "يا أبا ذرّ تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجنّ". قال: قلت: يا رسول الله، أوَ للإنس شياطين؟ قال: نعم، قال: قلت: يا رسول الله الصلاة؟ قال: "خير موضوع، من شاء أقل، ومن شاء أكثر" قال: قلت: يا رسول الله فالصوم؟ قال: "فرض مجزي وعند الله مزيد" قلت: يا رسول الله فالصدقة؟ قال: "أضعاف مضاعفة". قلت: يا رسول الله، فأيها أفضل؟ قال: "جهد من مقل، أو سر إلى فقير" قلت: يا رسول الله، أي الأنبياء كان أول؟ قال: "آدم" قلت: يا رسول الله، ونبي كان؟ قال: "نعم نبي مكلَّم" قلت: يا رسول الله، كم المرسلون؟ قال: "ثلاثمائة وبضعة عشر جمًّا غفيرًا"، وقال مرة: "وخمسة عشر" قلت: يا رسول الله، أيما ما أنزل عليك أعظم؟ قال: "آية الكرسي" {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} ورواه النسائي.

روي مسلم عن أبي هريرة، قال: وكَّلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام، فأخذته وقلت: لأرفعنكَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني محتاج وعليّ عيال ولي حاجة شديدة، قال: فخليتُ عنه فأصبحت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة ما فعل أسيركَ البارحة؟ " قال: قلت: يا رسول الله، شكا حاجة شديدة وعيالًا، فرحمته وخليت سبيله، قال: "أما إنه قد كذبك وسيعود" فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه سيعود" فرصدته، فجاء يحثو الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنكَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعني فأنا محتاج وعليّ عيال، لا أعود. فرحمته وخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ " قلت: يا رسول الله، شكا حاجة وعيالًا، فرحمته وخليت سبيله. قال: "أما أنه قد كذبك وسيعود"، فرصدته الثالثة، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنكَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم أنك لا تعود ثم تعود، فقال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت: وما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح. فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما فعل أسيرك البارحة؟ " قلت: يا رسول الله، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها، فخليت سبيله. قال: "وما هي؟ " قال لي: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وقال لي: لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، وكانوا أحرص شيء على الخير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما صدقكَ وهو كذوب، تعلم من تخاطب من ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ "قلت: لا. قال: "ذاك شيطان". كذا رواه البخاري

وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سورة البقرة فيها آية سيدة آي القرآن، لا تقرأ في بيت فيه شيطان إلا خرج منه: آية الكرسي"، وكذا رواه من طريق آخر عن زائدة، عن حكيم بن جبير، ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، كذا قال، وقد رواه الترمذي

ألا ‌وصلوا ‌وسلموا رحمكم الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين

google-playkhamsatmostaqltradent