تركتُ فيكم ما إن تَمَسَّكْتُمْ به فلن تضلو أبداً
الحمد لله رب العالمين وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ
أَيُّهَا
اَلْمُسْلِمُونَ: يَقُولُ الله عَزَّ وجَلَّ:"هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ
بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُشْرِكُونَ"، تبشرنا هذه الآية الكريمة بأن المستقبل للإسلام بسيطرته وظهوره
وعلوه على الأديان كلّها، وقد يظن بعض الناس أن ذلك قد تحقق في عهده ﷺ وعهد
الخلفاء الراشدين والخلفاء الصالحين فحسب، بل ان عصور الإسلام عز ونصر وتمكين ولو
تخلله بعض الضعف والوهن فالنبي ﷺ وضح مبلغ ظهور الإسلام ومدى انتشاره، بحيث لا يدع
مجالاً للشك أن المستقبل للإسلام بإذن الله وتوفيقه ووعده، حيث قال: «إنَّ اللهَ
زوَى (أي جمع وضم) لي الأرضَ فرأَيْتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها فإنَّ أُمَّتي
سيبلُغُ مُلْكُها ما زوَى لي منها» وكذلك قال عندما سُئِلَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: أيُّ
المدينَتينِ تُفتَحُ أوَّلًا: قُسطنطينيَّةُ أو روميَّةُ؟ فقالَ ﷺ: «مَدينةُ هرقلَ
تُفتَحُ أوَّلًا يَعني قُسطَنطينيَّةَ»، فالقُسطَنطينيَّةَ فتحت على يد محمد
الفاتح بعد أكثر من ثمان مئة عام من إخبار النبي ﷺ بالفتح، وسيتحقق فتح روميَّةُ
بإذن الله تعالى حتما، الا ان تحقيق هذا الفتح يستدعي أن تعود الخلافة الراشدة
للأمة المسلمة، وهذا مما يبشرنا به رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «تكونُ النُّبُوَّةُ فيكم
ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم تكونُ خلافةٌ على مِنهاجِ
النُّبُوَّةِ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم تكونُ مُلْكًا
عاضًّا، فتكونُ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم تكونُ
مُلْكًا جَبْرِيَّةً فيكونُ ما شاء اللهُ أن يكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم
تكونُ خلافةً على مِنهاجِ نُبُوَّةٍ، ثم سكت»، هذه الخلافة التي وصفها عبد الله بن
المبارك أحد كبار التابعين بقوله:
إِن
الْجَمَاعَة حَبل الله فَاعْتَصمُوا بعروته الوثقى لمن دانا
كم يدْفع الله
بالسلطان مظْلمَة فِي ديننَا رَحْمَة مِنْهُ ودنيانا
لَوْلَا
الْخَلِيفَة لم تأمن لنا سبل وَكَانَ أضعفنا نهبا لأقوانا
ومما لا شك
فيه أن تحقيق هذه البشريات وهذا الانتشار يستلزم أن يعود المسلمون أقوياء بدينهم
واستعدادهم ليتغلبوا على قوى الكفر والطغيان وليتخلصوا مما هم فيه من تمزق وفتن
وتأخر وهرج وانقسام، وهذا كله راجع إلى بإذن الله فتجمع شملها وتوحد كلمتها،
وتتناسى جراحها، ولا يكون ذلك إلا باعتصامها بمصدر بدينها، كما قال ﷺ: «تركتُ فيكم
أَمْرَيْنِ لن تَضِلُّوا ما تَمَسَّكْتُمْ بهما: كتابَ اللهِ وسُنَّةَ نبيِّهِ ﷺ»،
وهذا يتطلب منا العمل الحثيث ووصل الليل بالنهار لتحقيق البشريات والنصر والتمكين
بوعد ربنا، وبشارة نبينا وقد مرت مرحلة النبوة، ومرحلة الخلفاء الراشدين، ثم العهد
الأموي، فالعباسي فالمماليك، ثم الخلافة العثمانية، ولم يبقى إلا البشارة الأخيرة
بعد الحكم الجبري الذي نعيش فاستبشروا بخلافة على منهاج النبوة، والتي ستتحقق بإذن
الله قريبا رغم انف المنافقين، فالخير لن ينعدم من هذه الامة ولم تمت، كلا والله
لا زالت تعمل وتقاوم وتثبت وجودها رغم الجراح والمآسي، مصداقا لقوله ﷺ: «لَا
تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، وقال ﷺ: «إِنَّ الإِيمَانَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا
بَدَأَ فَطُوبَى يَوْمَئِذٍ لِلْغُرَبَاءِ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ»
ان الامر بيد الله وان امة الإسلام امة مرحومة منصورةوهي التي لا يُدرَى
خيرها في أوّلها أو في آخرها، مصداقا لقول رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ مَثَلَ
أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ، لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَوْ آخِرُهُ»، وإن
الأمة لم تهزم أبدًا طوال تاريخها الطويل باعتبارها أمة، ﴿وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾،
فالآية تبين منطوقاً أننا أمة لا نغلب بل ننتصر أو نموت، وهذه ميزة تنفرد بها أمة
الإسلام، وإن الأمة لم تنتصر في يوم من الأيام بالعدد والعدة لكنها تنتصر بهذا
الدين فاستبشروا خيرا فقد اتخذت امة الإسلام قرارها بالعودة الى دين ربها وحسمت
امرها بعدم العودة حتى النصر والتمكين فقد انتهت مرحلة التراجع والانكفاء إن شاء
الله تعالى، وبدأت بالتصاعد والرفعة وبالابتعاد عن الحضارة الراسمالية وعن كل ما
يخالف دينها، وقد أدركت من هو عدوّها، وأدركت حقيقة حكامها، واستعادت الثقة
بدينها، وتحرص الى العودة للحكم بما أنزل الله، وأصبحت الخلافة مطلباً لها، لذا
نستطيع أن نقول أن الأمة في طريقها إلى الله بنصرة دينه والتزام امره . وهذا حال
سوادها الأعظم، أما ما ينقله الإعلام الأنظمة المأجور الذي يسود هذه الايام فهراء
وتزوير وكذب، فنحن أمّة الاستعلاء رغمَ الجِراح قال تعالى: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ
تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأعْلَوْن إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، أقول ما تسمعون
وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
ورد عن النبي ﷺ انه قال: «وإنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتي أنْ لا يُهْلِكَها بسَنَةٍ عامَّةٍ، وأَنْ لا يُسَلِّطَ عليهم عَدُوًّا مِن سِوَى أنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وإنَّ رَبِّي قالَ: يا مُحَمَّدُ، إنِّي إذا قَضَيْتُ قَضاءً فإنَّه لا يُرَدُّ، وإنِّي أعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أنْ لا أُهْلِكَهُمْ بسَنَةٍ عامَّةٍ، وأَنْ لا أُسَلِّطَ عليهم عَدُوًّا مِن سِوَى أنْفُسِهِمْ، يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، ولَوِ اجْتَمَع عليهم مَن بأَقْطارِها»،
وقد تعرضت هذه الأمة في تاريخها الطويل لهزات عنيفة، فلم تنتهي ولم تتلاشى بل أنها تجاوزتها، بل من أعدائها من ذاب فيها واعتنق دينها, وإن الأمة الإسلامية أمة عريقة وليست امة لقيطة وذات تجارب تاريخية كبرى ابتدأت بالردة بعيد وفاة رسولنا الكريم ﷺ مروراً بالفتنة زمن علي رضي الله عنه، ثم الحروب الصليبية، ثم الغزو المغولي التتري، ثم هدم دولتها واقتسام الكفار المستعمرين لبلادها واحتلال الي.هود لفلسطين، كل هذا لم يقضِ عليها، بل كان دوماً الدافع لها للنهوض وتجديد مسيرتها
أيها
المسلمون: ان تفوق الكفار المادي والعسكري والاقتصادي على الامة، لن يخيفنا وهو
امر ميسور لا يعجزنا الحصول عليه إن كان لنا كيان إسلامية تظهر به احكام الإسلام،
بل إننا نمتلك كل مقوماته من علماء في كافة المجالات، وطاقات شبابية ومواقع
استراتيجية أضف إلى ذلك ما تملكه الامة من ثروة وموارد لا تعدّ ولا تحصى، إن عدونا
قد فشلت حضارته وبان عوارها وأوشكت على الانهيار، وما هي الا ضربة واحدة من امة
الإسلام تسقطها وسترون الناس يدخلون في دين الله أفواجاً منسلخين من مبدأ
الرأسمالية الذي جَرَّ عليهم الويلات، فيكفي أن نقول إن جيوشهم لا تحمل رسالة أو
قضية أو هدفاً يقنعهم بالموت في سبيله، وهذه حال شعوبهم، وها هو العصر الذهبي
لأمر.يكا والغرب الكافر قد بدا بالانهيار لفساد قيمه وحضارته، ولاعتماده على
التشبيح النهب والسلب لتحقيق بعض المكاسب المادية السريعة، وهذا ما يدفع أمر.يكا نحو
الانحدار الحضاري والسياسي السريع، بل قل ان أمر.يكا ستتحطم على يد الفئة المتوحشة
التي تم انتخابها مرتين والتي تعكس حالة الإفلاس الحضاري والسياسي التي وصلت إليها
أمر.يكا خاصة والغرب عامة.
أيها
المؤمنون: إننا على موعد مع نصر الله ونعيش في زمن التحولات التاريخية الكبرى التي
تتجاوز الأشخاص والأحداث, فالمنظومة الغربية تتآكل داخليا وتتقهقر حضاريا رغم
قوتها المادية، وفي المقابل هناك حضارة إسلامية تتقدم بثبات رغم المقاومة الشرسة
والتحديات كي تستعيد دورها في قيادة البشرية بهدي الله وشرعه، فقد غاب عن الكافر
المستعمر ان الحدود المرسومة بين ولايات العالم الإسلامية مصطنعة وأن هذه الأمة قد
تثور مرة واحدة، وتعود امة واحدة من دون الناس فالحدود المرسومة بين مصر والسودان
أو سوريا والعراق ليست كالحدود بين ألمانيا وفرنسا أو قل كالحدود بين اسبانبا
والربتغال وهم يعلمون ان غرور القوة وخذلان الحكام وخيانتهم قد أعمى أبصارهم
وبصائرهم، وان جهل الغرب بأمتنا سيكون عليهم وبالاً بإذن الله،
أيها
المسلمون: ان الانهيار الاقتصادي الذي تسير نحوه أميركا بتسارع كبير لا يتسع
المجال لذكرها، ولا أدل على ذلك من لجوء رئيسهم إلى إعفاء ما يزيد على مائة مليون
مواطن من ضريبة الدخل مبتغياً بذلك تحريك النمو الاقتصادي، إن عدونا قد افتقد
الأمن الداخلي، فيكفي شعوبهم حسرةً أن لا تشعر بالأمن والطمأنينة وهي تمتلك تلك
البوارج والطائرات والأسلحة المتطورة، ويكفيها أن ترى السبب في فقدانها الأمن هو
اعتداءات حكوماتها وجرائم جيوشها