الصائم والبار بوالديه يتسابقان إلي الجنة
الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد
عباد الله حديثنا إليكم اليوم عن الصائم والبار بوالديه يتسابقان إلي الجنة وإذا أردنا أن نعرف ذلك ونعقدمقارنةبين البار بوالديه والصائم فنجد أن
البار بوالديه مستجاب الدعوةوكذا الصائم
فعن أبي هريرة: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"ثلاثُ دعواتٍ مستجابات لا شك
فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم"( صحيح أبي داود ).
دعوة الصائم والمسافر والوالد :
ذكر الله تعالى في ثنايا آيات الصيام قوله:"وَإذَا سَأََلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ"(البقرة: 186)،
فجاء بتلك الآية وسط آيات الصيام ليدلنا على تلك الصلة الوثيقة بين الصيام وبين إجابة الدعوة ليرغب الصائم في كثرة الدعاء، قال صلى الله عليه وسلم ( .. إن لكل مسلم في كل يوم وليله -يعني في رمضان- دعوة مستجابة"( البزار وهو حديث صحيح).
وفى الحديث:"إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد'"
وأفضل الدعاء الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يقول إذا أفطر:" ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ"(أبوداود وحسنه ).
ويتلاحظ غفلة بعض الصائمين عن الدعاء لمن قام بإفطارهم....فقد يغفل بعض الصائمين عن الدعاء لمن قام بدعوته على الإفطار جهلاً منه بتلك السنة، وهذا خطأ، فمما ينبغي أن يحرص عليه الصائم أن يقوم بالدعاء لمن فطَّره أو دعاه للإفطار عنده؛ لما ثبت في السنة من دعائه حين يفطر عند قوم "أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ"(أبوداود).
فيسن الدعاء أثناء السفر...ودعوه الوالد على ولده: وهذا يظهر من الحديث الآنف الذكر، فالوالد إذا دعا بالخير لولده أو بالشر على ولده، استجاب الله له وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [...لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً ــ تعنى لاتصادف من الله ساعة يكون فيها الدعاء مستجابًا فيكون أقرب للإجابة ـــ يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ."(مسلم ).
.يقول الحسن البصري دعاء الوالدين يُثَبِّتُ المالَ والولدَ، ودعوة الوالدين على الولد يستأصل المال والولد البر والصلة لابن الجوزي وروى أبو يعلى أن عمر رضي الله عنه بعث رجالا يسألون عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - بالكوفة، فكانوا لا يأتون مسجدا من مساجد أهل الكوفة إلا قالوا خيرا أو أثنوا خيرا، حتى أتوا مسجدا من مساجد بني عبس ( اسم القبيلة التي ينسب إليها عنترة العبسي، وهي بنج) فسألوا، فقال رجل منهم: أما إذ نشدتمونا بالله فإنه كان لا يعدل في القضية ولا يقسم بالسوية ولا يسير بالسرية، فقال سعد: اللهم إن كان كاذبا فأعم بصره وأطل عمره وعرضه للفتن، فكان بعد يتعرض للإماء في السكك،فى فتنة وامتهان وبذل بعد عز... فإذا سئل: كيف أنت؟ يقول: كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد) .
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا …
فالظلم آخره يأتيك بالندم
تنام عيناك والمظلوم منتبه … يدعو عليك وعين الله لم تنم
الباربوالديه ينجيه الله دنيا وأخرة وكذا الصوم وقاية دنيا وأخرة
فعن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما - من حديث أصحاب الغار -: أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: "فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت
لا أغبِقُ قبلهما أهلًا ولا مالًا، فنأى بي في طلب شيءٍ يومًا فلم أُرِحْ عليهما
حتى ناما، فحلبت لهما غَبوقهما (أي اللبن عند العشاء)، فوجدتهما نائمين، وكرهت أن
أغبق (أشرب) قبلهما أهلًا أو مالًا، فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى
برق الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما،اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك، ففرِّجْ
عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئًا لا يستطيعون الخروج منه" (البخاري و مسلم).
والصوم جنة أي: وقاية وستر من عذاب الآخرة، فقد أخرج البخاري في صحيحه:"عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: الصيام جنة، فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم مرتين والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها». وفي الموطأ: «والحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به".
والجنة بضم الجيم بعدها نون مشددة مفتوحة بمعنى: الوقاية والستر، فهو وقاية من عذاب النار، ومما يدل على ذلك الحديث الذي أخرجه النسائي بلفظ: «الصيام جنة من النار» وفي رواية له أيضا بلفظ: «الصيام جنة كجنة أحدكم من القتال»، ولأحمد من طريق أبي يونس عن أبي هريرة: «جنة وحصن حصين من النار»، وله من حديث أبي عبيدة بن الجراح: «الصيام جنة ما لم يخرقها»، زاد الدارمي: «ما لم يخرقها بالغيبة». ذكر هذا ابن حجر العسقلاني في شرح الحديث وفي كلامه: وقال صاحب النهاية معنى كونه جنة أي: يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات،
وقال القرطبي: جنة أي: سترة يعني: بحسب مشروعيته،
فينبغي للصائم أن يصونه مما يفسده وينقص ثوابه، ويصح أن يراد أنه سترة بحسب فائدته
وهو إضعاف شهوات النفس؛ لأن الصائم يدع شهوته، ويصح أن يراد أنه سترة بحسب ما يحصل
من الثواب وتضعيف الحسنات، وقال عياض في الإكمال: معناه سترة من الآثام أو من
النار أو من جميع ذلك، وبالأخير جزم النووي، وقال ابن العربي: إنما كان الصوم جنة
من النار؛ لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات. فالحاصل أنه إذا كف
نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساترا له من النار في الآخرة. انتهى كلام ابن
حجر باختصار.
ما رواه أبوسعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا"(متفق عليه).
الصيام وبرالوالدين عبادة يستأذن فيها برالوالدين وصيام التطوع
روى أبو داود عن أبي سعيدٍ الخدري: أن رجلًا هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن اليمن، فقال: ((هل لك أحد باليَمن؟))، قال: أبواي،قال:"أَذِنا لك؟"، قال: لا،قال: "ارجِعْ إليهما فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهِدْ، وإلا فبَرَّهما"؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود).
حديث: «لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ
تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ» يفهم منه أنَّ اشتراط استئذان
المرأة لزوجها في الصيام، مختص بصيام التطوع أو قضاء ما فاتها من صيام رمضان، فإن
كان الزوج مسافرًا أو مريضًا أو صائمًا مثلها، أو أنها إذا استأذنته أذن لها -بما
سبق إليه علمها من طباع زوجها وأحواله- لم يتعين عليها الاستئذان، أما إذا كان
الصيام للواجب الذي تعين وقته، لم يلزمها الاستئذان منه لصومه أيضًا، كما أنه ليس
في الحديث تغليب لطاعة الزوج على طاعة الله تعالى؛ إذ إن طاعة الزوج هي امتثالٌ
لأمر الله تعالى: فهي طاعة لله في المقام الأول، ثم المشاركة في تنظيم الحقوق
والواجبات بحسب وقت وجوبها واستحقاقها؛ حتى تنال المرأة أجر ذلك كله.
بيان المعنى المراد من الحديث الشريف
المراد بالحديث النبوي الشريف: نهي المرأة في حال حضور زوجها عن صيام النافلة، وهو من الطاعات التي لا تتقيد بوقتٍ، وكذا صيام الواجب الذي يتسع وقته كقضاء رمضان إلا بإذن مِنه؛ لوجوب طاعته شرعًا في غير معصية؛ وذلك حتى لا يتزاحم عليها عدد من الحقوق في وقت واحد: حقُّ زوجها منها، وحقُّ ما شرعتْ فيه من الصيام، فيشق ذلك عليها، فيكون إذن زوجها لها بالصيام مُعَطِّلًا لحقِّه منها في وقت صيامها، حتى لا تتزاحم عليها الحقوق.
قال الإمام الخطابي في "أعلام الحديث" (3/ 2001- 2002، ط. إحياء التراث الإسلامي): [قوله: «لَا تَصُومَ المرأةُ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ»، إنما هو التطوع دون صيام الفرض في شهر الصوم، فإن كان ذلك قضاء للفائت من فرض الشهر، فإنها تستأذنه أيضًا في ذلك ما بين شوال إلى شعبان.. وهذا يدل على أن حقَّ الزوج محصور الوقت، فإذا اجتمع مع سائر الحقوق التي تدخلها المهلة؛ كالحجّ ونحوه: قُدِّم عليها] اهـ.
وقال الإمام النووي في "شرحه على مسلم" (7/ 115، ط. دار إحياء التراث): [هذا محمول على صوم التطوع والمندوب الذي ليس له زمن معين] اهـ
البار بوالديه يدخل الجنة من أوسط أبوابها باب الوالد وكذا الصائم من باب الريان
عباد الله :" إن من أعظم القربات وأرفع الدرجات عند خالق الأرض والسموات بر الوالدين والإحسان إليهما في حياتهما وبعد موتهما، وقد جمعَ الله تعالى بين عبادتِه وبين الإحسان إلى الوالدينِ، فقال سبحانه:"وقضى رَبّك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالِدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما"( الإسراء/23).
وقال لقمان لابنه: يا بني، إن الوالدينِ بابٌ من أبواب الجنة، إن رضيَا عنك مضيتَ إلى الجنة، وإن سخِطا حُجِبت؛ (كتاب البر والصلة لابن الجوزي - ص- 80).
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:" الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه"(الترمذي وابن ماجه).
وقوله:"الوالد أوسط أبواب الجنة" أي طاعته سبب لدخول الولد من ذلك الباب، وهو يشمل الأم أيضا، بل هي أولى لكثرة الحث على برها، والحديث مسوق لذلك والمراد من الأوسط الخيار.
بهذا يظهر لك أخي أن الوالد أوسط أبواب الجنة، فاحرص على تحقيق برهما والإحسان إليهما، وعدم مخالفة أمرهما مالم يكن في ذلك معصية لله ورسوله
وفي الجنة باب الريان للصائم
فإن الحديث المذكور متفق عليه ولفظ البخاري:"إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد"(البخاري).
وهذا الباب هو أحد أبواب الجنة الثمانية وليس باباً آخر، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرح هذا الحديث: قوله إن في الجنة باباً قال الزين بن المنير إنما قال في الجنة ولم يقل للجنة ليشعر بأن في الباب المذكور من النعيم والراحة في الجنة فيكون أبلغ في التشوق إليه، قلت وقد جاء الحديث من وجه آخر بلفظ أن للجنة ثمانية أبواب منها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون أخرجه هكذا الجوزقي من طريق أبي غسان عن أبي حازم وهو للبخاري من هذا الوجه في بدء الخلق لكن قال في الجنة ثمانية أبواب.
البار بوالديه لايعذب في قبره وكذلك الصائم
وهكذا الصائم يقف الصيام عن يمينه يدافع عنه مع الصلاة والزكاة واعمال البر- فعن أبي هريرة عن رسول اله صلي اله عليه وسلم :" إنَّ المَيِّتَ إذا وُضِعَ في قبرِه إنَّه يسمعُ خفقَ نِعالِهم حين يُولونَ مُدبرينَ ، فإنْ كان مؤمنًا كانتِ الصَّلاةُ عند رأسِهِ ، وكان الصِّيامُ عن يمينِهِ ، وكانتِ الزَّكاةُ عن شمالِهِ وكان فعلُ الخَيراتِ مِن الصَّدقةِ [والصلة] والمَعروفِ والإحسانِ إلى النَّاسِ عندَ رجلَيْهِ فيُؤتَى مِن قِبَلِ رأسِهِ فتقولُ الصَّلاةُ ما قِبَلي مَدخلٌ ، ثمَّ يُؤتَى عن يمينِهِ فيقولُ الصِّيامُ ما قِبَلي مَدخلٌ ، ثمَّ يُؤتَى عن يسارِهِ فتقولُ الزَّكاةُ : ما قِبَلي مَدخلٌ ، ثمَّ يُؤتَى من قِبَلِ رجلَيْهِ فيقولُ فِعلُ الخَيراتِ من الصَّدقةِ والصَّلاةِ والمعروفِ والإحسانِ إلى النَّاسِ : ما قِبَلي مَدخلٌ"(صحيح الترغيب).
عباد الله:"
الابن إن لم ينتهزفرصة بروالديه ليدخل الجنة خاب وخسر وكذا من أدرك رمضان
فإدراك الوالدين أو أحدهما كنز عظيم، وفرصة ثمينة لتحقيق رضا الله تعالى ودخول الجنة، ففي الحديث عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه، قيل من يا رسول الله قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة"(مسلم).
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :"رغِمَ أَنفُ رجلٍ ذُكِرتُ عندَهُ فلم يصلِّ عليَّ ، ورَغِمَ أنفُ رجلٍ دخلَ علَيهِ رمضانُ ثمَّ انسلخَ قبلَ أن يُغفَرَ لَهُ ، ورغمَ أنفُ رجلٍ أدرَكَ عندَهُ أبواهُ الكبرَ فلم يُدْخِلاهُ الجنَّةَ "(الترمذي).
والرغام: التراب ، وإلصاق الأنف به في قولهم رغم أنفه كناية عن إذلاله وإهانته.
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَدُلُّ أُمَّتَه على جَوامِعِ
الخيرِ وأبوابِه، ويُرغِّبُهم فيما يُقرِّبُهم مِن الجنَّةِ ويُباعِدُهم عن
النَّارِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم:
"رَغِم أنفُ رجُلٍ ذُكِرتُ عِندَه، فلم يُصَلِّ علَيَّ"، أي: خاب وخَسِر
وذَلَّ وعجَز ولَصِق أنفُه بالتُّرابِ كلُّ مَن ذُكِر عِندَه النَّبيُّ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم، فلم يَقُلْ: صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "ورَغِم أنفُ
رَجُلٍ دخَل عليه رمَضانُ، ثمَّ انسَلَخ قبلَ أن يُغفَرَ له"، أي: خاب وخَسِر
وذَلَّ وعَجَز ولَصِق أنفُه بالتُّرابِ كلُّ مَن أدرَك شَهرَ رمَضانَ، فكَسِلَ عن
العِبادةِ ولم يَجتَهِدْ ويُشمِّرْ حتَّى انتَهى الشَّهرُ فلم يَظفَرْ ببرَكةِ
الشَّهرِ الكريمِ ولم يُغفَرْ له، "ورَغِم أنفُ رجُلٍ أدرَك عِندَه أبَواه
الكِبَرَ فلم يُدخِلاه الجَنَّةَ"، أي: خاب وخَسِر وذَلَّ وعَجَز ولَصِق
أنفُه بالتُّرابِ كلُّ مَن بلَغ أبَواه سِنَّ الكِبَرِ فلم يَجتَهِدْ في بِرِّهما
ويَسْعَ في إرضائِهما حتَّى يُدخِلَه بِرُّهما الجنَّةَ.
وفي الحديثِ: الحَثُّ على الصَّلاةِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه
وسلَّم كلَّما ذُكِر اسمُه.
وفيه: الحثُّ على الاجتِهادِ والتَّشميرِ للعِبادةِ في شهرِ رمَضانَ.
وفيه: الحثُّ على الاجتِهادِ في بِرِّ الوالِدَينِ وإكرامِهما، خصوصًا عِندَ الكِبَرِ
الخطبة الثانية
الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد
البار بوالديه لايموت ميتة السوء وكذا الصائم
عباد الله :"ورد في تاريخ ابن معين برواية الدوري عن سعيد بن المسيب -وهو من أكابر التابعين- أنه قال: البار لا يموت ميتة سوء.
وزاد ميتة السوء بيانا في المرقاة فقال: هي الْحَالَةُ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا الْإِنْسَانُ فِي الْمَوْتِ، وَالسَّوْءُ بِفَتْحِ السِّينِ وَيُضَمُّ، وَالْمُرَادُ مَا لَا تُؤْمَنُ غَائِلَتُهُ وَلَا تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ؛ كَالْفَقْرِ الْمُدْقِعِ وَالْوَصَبِ الْمُوجِعِ وَالْأَغْلَالِ الَّتِي تُفْضِي بِهِ إِلَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ وَنِسْيَانِ الذِّكْرِ، وَقِيلَ: مَوْتُ الْفَجْأَةِ وَالْحَرْقِ وَالْغَرَقِ وَالتَّرَدِّي وَالْهَدْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَفِي حَاشِيَةِ مِيرَكَ قَالَ الشَّارِحُ الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ بِالْمِيتَةِ السَّوْءِ الْحَالَةُ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْمَوْتِ؛ كَالْفَقْرِ الْمُدْقِعِ وَالْوَصَبِ الْمُوجِعِ وَالْأَلَمِ - الْمُرَادُ الْمُفْلِقُ - وَالْأَغْلَالِ الَّتِي تُفْضِي إِلَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ وَالْأَهْوَالِ الَّتِي تَشْغَلُهُ عَمَّا لَهُ وَعَلَيْهِ، وَمَوْتِ الْفَجْأَةِ الَّتِي هُوَ أَخْذَةُ الْآسِفِ وَنَحْوِهَا، وَقَالَ الطِّيبِيُّ نَقْلًا عَنِ الْمُظْهِرِ: أَرَادَ بِهِ مَا تَعَوَّذَ مِنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دُعَائِهِ ""اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَدْمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي وَمِنَ الْغَرَقِ وَالْحَرْقِ وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِرًا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغًا". انتهى.
وقد يقول قائل :" عمروعثمان كلاهما قتل والقتل ميتة سوء؟
ونقول فميتة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وغيرهم من الصحابة والصالحين من أشرف الميتات وأكرمها وأحبها إلى الله تعالى، فإنهما شهيدان بنص خبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقتلهما شهادة لهما، والشهداء من أحب الخلق إلى الله وأكرمهم عليه، ولهم من الكرامة عنده، وعظيم المنزلة لديه ما تواترت به النصوص، فظنك أن ما حصل لهما ولغيرهما من الأكابر كعلي والحسين ونحوهم من ميتة السوء وَهْمٌ قبيح منك، بل هي كما ذكرنا أشرف الميتات وأحبها إلى الله تعالى.
وأما ميتة السوء فقد فسرت بخلاف حال هؤلاء الأكابر رضوان الله عليهم، وقد جنبهم الله هذه الميتات بلطفه وكرمه، قال المناوي في فيض القدير: الميتة الحالة التي يكون عليها الإنسان من موته وميتة السوء أن يموت على وجه النكال والفضيحة؛ ككونه سكران، أو بغير توبة، أو قبل قضاء دينه، أو غير ذلك. انتهى.
والصوم يقي مصارع السوء
فهو شهر الجودوالمواساة والبر وقضاء الحوائج والإحسان وصناعة المعروف دليل على نفس زكية تتسم بالبذل والعطاء والسخاء والجود والكرم إلى غير ذلك كثير، وهو ما يجب أن نقوم بتنشئة الأجيال عليه، أن مما ينبغى أن يكون عليه المسلم عمومًا التكافل والتراحم مع الفقراء، فيراعى غيره ممن هم فى حاجةٍ وضيق، خاصة أن صنائع المعروف تقى مصارع السوء.
وعن أبي قتادة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ"(مسلم).
فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضُه بعضًا، وأحب الخَلْق إلى الله أنفعهم لعباده، وصنائع المعروف تقي مصارع السوء، والجزاء من جنس العمل، فكما تعامل الخَلْقَ في الدنيا يعاملك الخالق سبحانه في الآخرة، فاختر لنفسك
وعن أم سلمة أم المؤمنين قالت قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"صَنائعُ المعروفِ تَقِي مَصارعَ السُّوءِ، والصَّدَقةُ خَفِيًّا تُطفئُ غضبَ الرَّبِّ، وصِلةُ الرَّحِمِ زيادةٌ في العُمُرِ، وكلُّ معروفٍ صدَقةٌ، وأهلُ المعروفِ في الدُّنيا هُمْ أهلُ المعروفِ في الآخِرةِ، وأهلُ المُنكَرِ في الدُّنيا هُمْ أهلُ المُنكَرِ في الآخِرةِ"(صحيح الجامعأخرجه الطبراني في (المعجم الأوسط).
أمَرَ الإسلامُ بالتَّعاوُنِ والبِرِّ والتَّقْوى بيْنَ النَّاسِ، وحثَّ على عَمَلِ ما أمَرَ اللهُ تَعالى، وشدَّدَ على الانتِهاءِ عمَّا نَهى اللهُ عنه.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "صَنائِعُ المَعْروفِ"، وهي ما اصْطَنَعتَهُ من خَيرٍ وأسْدَيتَهُ لِغَيرِكَ، كصدقة وصيام وتلاوة القرأن وغيرها "تَقي مَصارِعَ السُّوءِ"، أي: يُجازيهم اللهُ تَعالى على مَعْروفِهِم، فيُنجِّيهم من السُّقوطِ في الهَلَكاتِ، ومَواطِنِ الزَّلَلِ، "والصَّدَقةُ خُفْيا" في السِّرِّ دونَ العَلَنِ، وهي أفضَلُ من صَدَقةِ العَلَنِ؛ وذلِكَ لِسَلامَتِها من الرِّياءِ والسُّمْعةِ؛ فهي "تُطفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ"؛ لأنَّها تكونُ سببًا لذلِكَ، فيَحتَمِلُ ممَّن أغضَبَ ربَّهُ بمَعْصيةٍ أنْ يَتَدارَكَ ذلِكَ بصَدَقةِ السِّرِّ؛ لأنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ؛ فإنَّ المَرءَ قد يَستحِقُّ بالذُّنوبِ قَضاءً من العُقوبةِ، فإذا هو تَصَدَّقَ دفَعَ عن نَفسِهِ ما قدِ استحَقَّ من ذلِكَ، وإطْلاقُ لَفظِ (الصَّدَقةِ) يَشمَلُ الفَرْضَ مِن الزَّكاةِ، والمُستحبَّ من مُطلَقِ الصَّدَقاتِ.
قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "وصِلةُ الرَّحِمِ زيادةٌ في العُمْرِ" وَصلُ الأقارِبِ الفُقَراءِ، ذُكورًا وإناثًا بالمالِ والنَّفَقةِ، أمَّا الأغنياءُ منهم فصِلتُهُم تكونُ بالهَدايا، والتَّزاوُرِ، وبَشاشةِ الوجهِ، والنُّصحِ للجميعِ، ومَعْنى زيادةِ العُمرِ، هو الزِّيادةُ بِالبَرَكةِ فيه، والتَّوفيقِ لِلطَّاعاتِ، وعِمارةِ أوقاتِهِ بما يَنفَعُهُ في الآخِرةِ، وصيانتِهِ عَنِ الضَّياعِ في غَيرِ ذلِكَ.
"وكُلُّ مَعْروفٍ صَدَقةٌ"، والمَعْروفُ هو ما تَقبَلُهُ الأنفُسُ، ولا تَجِدُ منه نَكيرًا من كُلِّ عَمَلٍ صالِحٍ، فهو صَدَقةٌ على فاعِلِهِ وله أجْرُهُ، ولكِنَّه ليس من صَدَقةِ الأمْوالِ، ولكِنَّه من صَدَقةِ الأفْعالِ الصَّالحةِ، "وأهْلُ المَعْروفِ في الدُّنيا هُم أهْلُ المَعْروفِ في الآخِرةِ"، وهذا تَنْويهٌ عَظيمٌ بفَضلِ المَعْروفِ وأهْلِهِ، فأهْلُ المَعْروفِ، وأهْلُ الإحْسانِ في الدُّنيا هُم أهْلُ الجَزاءِ الحَسَنِ الَّذي يُعرَفُ لهم عِندَ اللهِ تَعالى، "وأهْلُ المُنكَرِ في الدُّنيا هُم أهْلُ المُنكَرِ في الآخِرةِ"، والمَعْنى أنَّ أصْحابَ الأعْمالِ المُنكَرةِ في الدُّنيا، وأهْلَ التَّكْذيبِ باللهِ ورُسُلِهِ في الدُّنيا يكونون هُم أهْلُ العَذابِ المُنكَرِ والوَبالِ في الآخِرةِ.
وفي الحَديثِ: الحثُّ على عَمَلِ المَعْروفِ مُطلَقًا، وتَجنُّبُ المُنكَرِ.
وفيه: بيانُ فضْل صُنعِ المعروفِ وعمَلِ البِرِّ في وِقايةِ صاحبِه مِن الآفاتِ والهَلَكاتِ المستقبليَّةِ، ومَصارِعِ السُّوءِ