recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة برالوالدين لفضيلة الشيخ عبدالناصربليح

 بر الوالدين

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في سلطانه القائل:"وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً "(النساء/36).

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه دعانا إلى بر الوالدين ونهانا عن عقوقهما لأن في عقوقهما الشر كله فقال :"ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق لوالديه والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال , والديوث.وثلاثة لا يدخلون الجنة :"العاق لوالديه, والمدمن الخمر, والمنان بما أعطى"(السيوطي)اللهم صلاة وسلاماً عليك يا سيدي يا رسول الله وعلى آلك وصحبك وسلم تسليماً كثيراً.                                                          

   أما بعد فيا جماعة الإسلام : يقول الله تعالي:"وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (الإسراء/23).

أي أمر الله عز وجل أمراً مبرماً وحكم حكماً لا مرد له بأن نخصه بالعبادة وحده لأن العبادة غاية التعظيم فلا تحق إلا لمن له غاية العظمة ونهاية الإنعام وذلك هو الله وحده...

وبالوالدين إحساناً "أي وبأن نحسن إلى الوالدين إحساناً جميلاً لما لهما من فضل وإحسان على الولد "

كما نهى المولى عز وجل أن يقال لهما أدنى كلمة في قاموس اللغة العربية وهي كلمة"أُفٍ" وإذا كان ذلك كذلك فالأولى بك أيها المسلم أن لا تنهرهما .. بل "وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً"(الإسراء/23).قولاً ليناً سهلاً .

وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (الإسراء/24). ثم يذيل المولى عز وجل هذه الآيات بتذييل بليغ لطيف قائلاً :" رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً" (الإسراء /25).

أي :" الله أعلم ما في نفوسنا جميعاً لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء فلو صدر لفظ دون قصد فإن الله يغفره للولد إذا تاب وأناب وأحسن لوالديه..

أيها المسلم :"كما تزرع تحصد وكما تدين تدان فمن يزرع المعروف يحصد الشكر ومن يزرع الشر يحصد الندامة .. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان وهل عاقبة الإساءة إلا الخسران .

إن والديك أحق الناس بحسن معاشرتك وجميل برك وإحسانك لعظم فضلهما عليك وكثرة إحسانهما إليك وشدة رعايتهما بك في الصغر وحرصهما دائماً على راحتك وسعادتك في جميع أطوار حياتك بسببهما خرجت من العدم إلى الوجود وبفضل رعايتهما قوي عضدك واشتد ساعدك حتى صرت إنساناً كاملاً ورجلاً نافعاً قادراً على الجهاد في معترك الحياة لذلك لما سأل الرجل عن حق الوالدين قال  له "هما جنتك ونارك"( ابن ماجة في السنن ج 2 / 389).

أخا الإسلام :

من أجل ذلك وغيره أعطى الإسلام حقوقاً على الأبناء وجعل عقوقهما من أكبر الكبائر ..يقول صلي الله عليه وسلم :"ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً ؟ قلنا بلى يا رسول الله . قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين ، وكان متكئاً فجلس فقال ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت .(البخاري)

كما جعل برهما سبباً في دخول الجنة :فقال :"رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه . فقيل من يا رسول الله ؟ قال :"من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة "(مسلم).

أخوة الإسلام :"إن الله شاءت قدرته جعل حقوق الآباء دين في رقاب الأبناء فإن أدى الولد حق والديه وأكرمهما وأطاعهما وأحسن إليهما فسوف يلاقي الكرم والأدب والطاعة من أبناءه,وإن أساء إليهما وخالفهما وعقهما فلسوف يجد كل ذلك من ذريته وأبناءه وهذا ما يوضحه الحديث الشريف :"بروا آباءكم تبركم أبناءكم وعفوا تعف نساؤكم "(الحاكم)وعن وهب بن منبه قال : إن الله تعالى أوحى إلى موسى :" يا موسى .. وقر والديك  فإن من وقر والديه مددت له في عمره ووهبت له ولداً يوقره ومن عق والديه قصرت له في عمره ووهبت له ولداً يعقه "(الكبائر للذهبي ).

أخا الإسلام :إذا نظرنا نظرة أخري في كتاب الله عز وجل لوجدنا أن الله عز وجل قد فرق في المعاملة بين الوالدين وبين الزوجة .. فلم يجعل المعاملة واحدة فنجد عند الوصية بالوالدين يقول:"وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً"(لقمان/15).

ويقول في معاملة الزوجة :"وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ"(النساء /19).

فهناك فرق بين المصاحبة والمعاشرة .. فالمصاحبة لا تنفك ما دامت السماوات والأرض ... والمعاشرة قد تنفض وتنتهي بالطلاق أو الخلع مثلاً"

لذلك رهب الرسول من تفضيل الزوجة على الأم ففي رواية في (الكبائر للذهبي الدمشقي / 32) وردت عن علقمة وأمه .. ثم قام على شفير قبره  وقال :" يا معشر المهاجرين والأنصار .. من فضل زوجته على أمه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً إلا أن يتوب إلى الله عز وجل ويحسن إليهما ويطلب رضاهما ، فرضا الله من رضاهما وسخط الله من سخطهما "

وفي الحديث الصحيح ..:"رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد"(الترمذي ).

وفي رواية أخري " رضا الرب تبارك وتعالى في رضا الوالدين وسخط الله تبارك وتعالى في سخط الوالدين"(البزار والترغيب والترهيب ).

ورهب الرسول صلي الله عليه وسلم  من عقوق الوالدين والإساءة إليهما فقال " كل الذنوب يؤخر الله فيها ما يشاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات "(الحاكم ).

عباد الله:"وحذر الإسلام :"من غضب الوالدين على الولد والدعاء عليه لأنه دعاء مستجاب .. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم  وصاحب جريج . قيل يا نبي الله وما صاحب جريج ؟ قال :" فإن جريجاً كان رجلاً راهباً فخرجوا يمشون في صومعة له وكان راعي بقر يأوي إلى أسفل صومعته . وكانت امرأة من أهل القرية تختلف إلى الراعي  فأتت أمه يوماً فقالت : يا جريج  وهو يصلي فقال في نفسه أمي وصلاتي,أمي وصلاتي : فرأى أن يؤثر صلاته ثم صرخت به الثانية فقال في نفسه أمي وصلاتي,فرأى أن يؤثر صلاته فلما لم يجيبها قالت : لا أماتك الله يا جرير حتى تنظر في وجه المومسات ثم انصرفت .فأتى الملك المرأة وولدت فقال : ممن ؟ قالت من جرير قال أصاحب الصومعة ؟ قالت نعم قال اهدموا صومعته وأتوني به،فضربوا صومعته بالفؤوس حتى وقعت فجعلوا يده إلى عنقه بحبل ثم انطلق به فمر على المومسات فتبسم وهن ينظرن إليه في الناس فقال للملك ما تزعم هذه ؟ قال تزعم أن ولدها منك ؟ قال أنت تزعمين قالت نعم : أين هذا الصغير ؟ قال هو ذا في حجرها فأقبل إليه العابد فقال من أبوك ؟قال راعي البقر.قال الملك أنجعل صومعتك ذهب ؟ قال لا قال من فضة ؟ قال لا قال فمما نجعلها قال ردوها كما كانت : قال فما الذي تبسمت ؟ قال : أمراً عرفته أدركتني دعوة أمي ، ثم أخبرهم "(البخاري).

نعم أخوة الإسلام : إن الرسول صلي الله عليه وسلم  لم يرضى للرجل أن يخرج للجهاد معه ويترك أبويه يبكيان فعن عبد الله بن عمرو قال :"جاء رجل إلى النبي صلي الله عليه وسلم يبايعه على الهجرة وترك أبويه يبكيان فقال له:"ارجع إليهما أضحكهما كما أبكيتهما "(البخاري).

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أما بعدفيا جماعة الإسلام :إن البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت اعمل ما شئت كما تدين تدان "

أخا الإسلام :"إن بر الوالدين رحمة ورقة تبعد صاحبها عن الجبروت والعصيان لذلك نجد أن  المولى عز وجل نبي الله وصف  يحي  بن زكريا بهذا الوصف القرآني :" وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً (مريم/14). 

" ووصف عيسي عليه السلام  :"وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً"(مريم /32). جاء في هذين المعنيين أن الذي لا يبر والديه يكون جباراً عصياً شقياً"

أخوة الإسلام :وهذا البر واجب ولو خالفنا الأبوان في الملة وكان على غير عهدنا طالما أنهما لا يأمرانا بالشرك بالله قال تعالى :"وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"(العنكبوت /8).

وسبب نزول هذه الآية :"أن سعد بن أبي وقاص قال نزلت فيّ هذه الآية " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم " يقول كنت امرأ براً بأمي فلما أسلمت قالت يا سعد ما هذا الذي أراك ؟ لتعد عن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي فيقال يا قاتل أمك قلت يا أماه لا تفعلي فإني لا أدع ديني هذا لشيء فمكثت يوماً وليلة وقد اشتد جهدها . فلما رأيت ذلك  قلت أماه تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني هذا لشيء فإن شئت فأكلي وإن شئت فلا تأكلي فلما رأت ذلك أكلت فنزلت الآية.(القرطبي ).

أخوة الإيمان والإسلام :هل بقى من بر الوالدين شيء ؟ نعم فقد جاء رجل من بني سلمة إلى رسول الله فقال : يا رسول الله هل بقى من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما ؟ قال نعم الصلاة عليهما أي الدعاء لهما " والاستغفار لهما أي طلب المغفرة "وإنفاذ عهدهما من بعدهما " تنفيذ ما أوصيا به إذا وافق الشرع :"وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما"(أبوداود).

اللهم أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

عباد الله :"أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم وأقم الصلاة

 

google-playkhamsatmostaqltradent