recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة القادمة يا باغي الخيرأقبل لفضيلة الشيخ عبدالناصربليح

              

                يا باغي الخيرأقبل

                                سجدة شكر لبلوغك شهر رمضان

التوبة والرجوع إلي الله والندم علي مافعل

 الإقبال علي الخير  في رمضان حتي يتعوده 

التخلق بأخلاق الصيام وحال الصائمين   

تحميل الخطبة Pdf

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله صلي الله عليه وسلم أمابعدفياعباد الله 

ونحن نستقبل شهر رمضان المعظم ماذا علينا أن نفعله 

أولاً:" ينبغي أن نسجد لله شكراً علي أن بلغنا الله رمضان فهي نعمة تستوجب الشكرلله فخيركم من طال عمره وحسن عمله وأجررمضان يفوق أجرالشهداء 

وأول شيء ندعو الله بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأَمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ، وَالتَّوْفِيقِ لِمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللَّهُ" (الطبراني ).

أخي المسلم استقبل شهر رمضان بركعتين تخلو فيهما بالله تعالى وتناجيه وتطلب منه أن يغفر لك كل ما مضى، حتى تستقبل الشهر الكريم وصحيفتك نقية بيضاء
أخي المسلم استقبل رمضان بقلب نقي طاهر ليس فيه غل ولاحقد علي أحد

سئل الصحابي عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : كيف كنتم تسقبلون شهر رمضان ؟

قال : ما كان أحدنا يجرؤ أن يستقبل الهلال وفي قلبه مثقال ذرة حقد على أخيه المسلم ..

ويقول العلماء إن رسول الله عليه اطيب الصلاة والسلام كان إذا جاء رمضان استعد لله لا بالمأكل ولا بالمشرب أو بالزينة فقط بل بالطاعة والعبادة والجود والسخاء فإذا هو مع الله العبد الطائع ومع الناس الرسول الجائع، ومع إخوانه وجيرانه: البار الجواد .

ثانياً:"

عباد الله:" ينبغي أن نستقبله بالتوبة والعمل الصالح فالتوبة واجبة في كل وقت وحين 

نتوب من كثرة الذنوب والمعاصى التى لا تنتهى مثل شرب الدخان والتبرج والكسب الحرام والنظر الى المحرمات وإساءة التربية للأولاد، واتباع خطوات الشيطان.

لابد اذا من التحول من هذا الحال الى العكس، بتغيير النفس , والمجاهدة فى الخروج من هذا الأسر، أسر الدنيا, أسر الشهوات وحب المال، قال تعالى:"إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ…."

ولن يكون ذلك الا أن تبدأ بالتوبة , ولا نستخف بعيوبنا وذنوبنا وكأنها شئ هين، فعند البخارى عن الحارث بن سويد حدثنا عبدالله بن مسعود حديثين أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم والآخر عن نفسه قال إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا قال أبو شهاب بيده فوق أنفه.

فلابد من التغيير والهجرة الى الله تعالى دون مكابرة، ولنجعل من رمضان معسكر توبة نتحول فيه من المعاصى والسيئات الى الطاعات وفعل الخيرات.

قال تعالى:"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"(التحريم/8).

وقال تعالى:"وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ"(هود/9).

وقد شدد الله تعالى على من لم يتب فقال تعالى: “وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ"(الحجرات/11).

فيا أخى : إن أردت أن يتوب الله عليك وتنجو من حالك السئ قبل الموت فتب قال تعالى: “إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ"(البقرة/160).

ياأخى الكريم: ان اردت أن يحبك الله فتب قال تعالى:"إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ"(البقرة/222).

يا أخى فى الله: ان أردت أن يأتيك الله الأجر الذى يمكن أن يكون سببا للخلاص من ورطة الذنوب فتب قال تعالى:"إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا"(النساء/146)…

ومع هذا كله فانه جل وعلا يطلب منك الرجوع إليه تعالى , ويفتح لك بابا من أوسع الأبواب لترجع منه , وحتى لاتجد الطريق ضيقا فقد وسع الله  فى باب التوبة وجعله مفتوحا على مصرعيه للعبد طيلة حياته مالم يغرغر , أو تطلع الشمس من مغربها " يعنى وقت الساعة "

وليس هذا فحسب بل ان الغنى عنك وعن العالمين سبحانه, من يفتقر له كل من فى السموات والأرض , يفرح بتوبة عبده التائب ففى الحديث الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:

"لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض فلاة دوية مهلكة، معه راحلته، عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه، فالله تعالى أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته” متفق عليه من حديث ابن مسعود وأنس.

زاد مسلم في حديث أنس “ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح” ورواه مسلم بهذه الزيادة من حديث النعمان بن بشير

أرأيت أخى كيف يفرح الله بتوبة العبد من أن العبد هو المحتاج والله هو الغنى , ياللعجب الفقير العاجز دائم الحاجة لا يفرح بالتوبة وهو فى أشد الحاجة اليها , كن أخى من الفرحين بالتوبة التى لعل وراءها رحمة رب العالمين سبحانه..

قال تعالى :"قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(يونس/58).

فهذا من أول ما ينبغى أن نجعله من أعمالنا فى أستقبال شهر رمضان لنكون ممن يستقبله استقبالا حسنا

   ياباغي الخيرأقبل

ثالثاً:"أن يقبل علي الخير وأعمال الخير في رمضان حتي يتعوده 

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كانت أول ليلة من رمضان، نادى منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر"(ابن ماجه  والحاكم).

وفي رواية أخري عن أنس رضي الله عنه قال: دخل رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هذا رمضان قد جاءكم، شهر مبارك، فَرَضَ الله عز وجل عليكم صيامه، إذا كانت أول ليلة من رمضان، نادى مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر"(ابن ماجه وغيرُه).

وعن عرفجة قال: كنتُ عند عتبة بن فرقد، وهو يُحدِّثُ عن رمضان، فدخل علينا رجل، من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فحدَّث عن رمضان، فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"في رمضان تُغلق فيه أبواب النار، وتفتح فيه أبواب الجنة، وتصفَّد فيه الشياطين، وينادي فيه ملك: يا باغي الخير أبشر، يا باغي الشر أقصر، حتى ينقضي رمضان"(أحمد).

معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"نادى فيه ملك: يا باغي الخير أبشر، ويا باغي الشر أقصر"

قال المناوي رحمه الله في "التيسير" قوله:"نادى منادٍ": أَي: ملك يعْني: يُلقى فِي قلب من يُرد الله بِهِ خيرًا وَيحْتَمل الْحَقِيقَة؛ اهـ

قلت: وحَمْلُه على الحقيقة، وأنه يُنادي بذلك ملك هو الأولى لنص الحديث، ولو لم نسمع ذلك النداء، فقد نلمس الأثر، والله أعلم.

وقال الحافظ السيوطي رحمه الله في "المغتذي على جامع الترمذي" (1/ 254): قوله: "يا بَاغي الخير"؛ أي: طالبه،"أقبل": أي: فهذا وقت تَيَسُّرِ العبادة، وحَبْسِ الشياطين، وَكَثْرَةِ الإعتاق من النَّار، فاغتنِمه.

وقوله:"ويَا باغي الشَّر أقصر" فهذا زمن قبول التوبة والتوفيق للعمل الصَّالح؛ اهـ.

إذا كانَت أوَّلُ ليلةٍ من رمَضانَ صُفِّدتِ الشَّياطينُ ومَردةُ الجِنِّ وغلِّقت أبَوابُ النَّارِ فلم يُفتَحْ منها بابٌ وفُتِحت أبوابُ الجنَّةِ فلم يُغلَقْ منها بابٌ ونادى منادٍ يا باغيَ الخيرِ أقبِلْ ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِر وللَّهِ عتقاءُ منَ النَّارِ وذلِك في كلِّ ليلةٍ"( صحيح ابن ماجه و الترمذي).

أنعَم اللهُ عزَّ وجلَّ على عِبادِه بمَواسِمَ مِن الخيراتِ يَحصُلون فيها بسَببِ الأعمالِ الصَّالحةِ القليلةِ على الثَّوابِ الكثيرِ مِن عندِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ومِن نِعَمِه سُبحانَه أيضًا أنْ سَخَّر الله لهم مِن الأسبابِ ما يُعينُهم على أدائِها على الوجْهِ الأكمَلِ لها.

وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: "إذا كانَت أوَّلُ ليلةٍ مِن رمَضانَ"، أي: إنَّه مَع بَدْءِ شهرِ رمَضانَ تَحدُثُ علاماتٌ على دُخولِه، وهَدايا مِن اللهِ لعِبادِه؛ فأُولى هذه العلاماتِ والهدايا هي ما جاء في قولِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "صُفِّدتِ الشَّياطينُ"، أي: شُدَّتْ عليهِم الأغلالُ والسَّلاسِلُ، "ومَردةُ الجِنِّ"، وكذلك تُشَدُّ الأغلالُ والسَّلاسِلُ على مرَدَةِ الجِنِّ، وهم رُؤساءُ الشَّياطينِ المتجرِّدون للشَّرِّ، أو هم العُتاةُ الشِّدادُ مِن الجِنِّ، والحِكمةُ في تَغْليلِهم حتَّى لا يَعمَلوا بالوَساوِسِ للصَّائِمين ويُفسِدوا عليهم صَومَهم، وقيل: يَعْني كَثرةَ الأجرِ والثَّوابِ والمغفرةِ بأن يَقِلَّ إضلالُ مرَدةِ الشَّياطينِ للمُسلِمين، فتَصيرَ الشَّياطينُ كأنَّها مُسلسَلةٌ عن الإغواءِ والوَسوَسةِ. وقيل: إنَّ الشَّياطينَ إنَّما تُغَلُّ عن الَّذين يَعرِفون حَقَّ الصِّيامِ المعظِّمين له، ويَقومون به على وَجهِه الأكمَلِ، ويُحقِّقون شُروطَه وأخلاقَه وآدابَه، أمَّا الَّذي امتنَع عن الطَّعامِ والشَّرابِ، ولم يَعرِفْ للصِّيامِ حَقَّه، ولم يَأتِ بآدابِه على وجهِ التَّمامِ، فليس ذلك بأهلٍ لِتُغَلَّ الشَّياطينُ عنه؛ فيكون تصفيدهم عن أشياء دون أشياء ولناس دون ناس. ويَحتمِلُ أن يَكونَ المرادُ: أنَّ الشَّياطينَ لا يَخلُصون مِن افتِتانِ المسلِمين إلى ما يَخلُصون إليه في غيرِ شهرِ رمَضانَ؛ لاشتِغالِهم بالصِّيامِ الَّذي فيه قَمعُ الشَّهواتِ، وبقِراءةِ القرآنِ والذِّكرِ.

والهديَّةُ الثَّانيةُ: "وغُلِّقَت أبَوابُ النَّارِ فلم يُفتَحْ منها بابٌ، وفُتِّحَت أبوابُ الجنَّةِ فلم يُغلَقْ منها بابٌ"، وهذا كالتَّأكيدِ لِمَا سبَق مِن أنَّ غَلْقَ أبوابِ النَّارِ هي مَزيدٌ لِغَلقِ كلِّ مَسلَكٍ مِن مَسالِكِ الشَّرِّ، وأنَّ فَتْحَ أبوابِ الجنَّةِ هو مَزيدٌ لفَتحِ كلِّ مَسلَكٍ مِن مَسالِكِ الخيرِ، وقيل: الفتحُ والغلقُ المَذْكورانِ هما على الحَقيقةِ؛ إكْرامًا مِن اللهِ لعِبادِه في هذا الشَّهرِ.

والهديَّةُ الثَّالثةُ: "ونادى مُنادٍ"، أي: مِن عندِ اللهِ عزَّ وجلَّ: "يا باغيَ الخيرِ أقبِلْ"، أي: إنَّ هذا الشَّهرَ يُرغِّبُ في أعمالِ الخيرِ وخاصَّةً عِندَ أصحابِها؛ لِمَا فيه مِن الأسبابِ الَّتي تُعينُه على ذلك؛ فأقبِلوا على اللهِ وعلى طاعتِه، "ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِرْ"، أي: أمسِكْ عنه وامتَنِعْ؛ فإنَّه وقتٌ تَرِقُّ فيه القلوبُ للتَّوبةِ.

والهديَّةُ الرَّابعةُ: "وللهِ عُتَقاءُ مِنَ النَّارِ"، أي: وللهِ عُتقاءُ كَثيرونَ مِن النَّارِ؛ فلْيَحرِصْ كلُّ لَبيبٍ على أنْ يَكونَ مِن زُمرَتِهم، "وذلِك في كلِّ ليلةٍ"، أي: وإنَّ مِن مَزيدِ رَحمةِ اللهِ لعبادِه أن يُعتِقَ مِن النَّارِ عِبادًا له في كلِّ ليلةٍ مِن لَيالي رمَضانَ، وهذا لِلحَضِّ على الاجتِهادِ في هذا الشَّهرِ الفَضيلِ؛ حتَّى يَكونَ العبدُ مِن هؤلاءِ العُتَقاءِ، ويُرزَقَ النجاةَ مِن النِّيرانِ، والفوزَ بالجِنانِ.

وفي الحديثِ: الحثُّ على اغتِنامِ أوقاتِ الفَضلِ والخيرِ بعَملِ الطَّاعاتِ والبُعْدِ عَن المنكَراتِ.

وفيه: إثباتُ الجنَّةِ والنَّارِ، وأنَّهما الآنَ موجودَتانِ، وأنَّ لهما أبوابًا تُفتَحُ، وتُغلَقُ.

وفيه: بيانُ عظَمةِ لُطفِ اللهِ تعالى، وكَثرةِ كرَمِه وإحسانِه على عبادِه، حيث يَحفَظُ لهم صِيامَهم، ويَدفَعُ عنهم أذَى المرَدَةِ مِن الشَّياطينِ.

الخطبة الثانية 

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين وبعد..

 رابعاً:" أن يتخلق بأخلاق الصيام 

فلايجعل يوم صومه كيوم فطره سواء 

 فهناك ثمت حبل سري بين رمضان والأخلاق، فما كانت الغاية الأسمى من هذا الشهر الفضيل -وهذه العبادة- إلا لتحصيل الأخلاق الفضلى، وما كانت هذه الأخلاق لتنمو إلا في ظلال هذا الشهر الكريم؛ فشهر رمضان فرصة عظيمة لتحسين الأخلاق قولاً وفعلاً، فحسّن خلقك فيه؛ وكن ودوداً وليناً مع زوجك وأهلك وأرحامك، وخلوقًا مع أصدقائك ومعارفك، ولطيفًا مع أولادك، وصبورًا مع من يخطئ بحقك، ومتواضعًا مع من هم أقل شأنًا منك، ومحسنًا إلى الناس، ومتسامحًا مع من أساء إليك؛ حتى تنال أجر وثواب من حسّن خلقه في شهر رمضان، وكلما ارتقى الإنسان في أخلاقه أصبح أكثر إنسانية ورقيًا في حسن تعامله مع الناس، فيلين جانبه، ويطيّب كلامه، ويقابل الناس بوجه حسن، ويرتفع عن سفاسف الأمور، ولا يسيء لأحد من خلق الله سواء بالفعل أم القول أو الهمز واللمز، بل يتعامل مع الناس باحترام وأخلاق عالية. ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول النبي ﷺ: «لا تُسابَّ وأنتَ صائِمٌ، فَإِن سَبَّكَ أحَدٌ فَقُل: إنّي صائِمٌ، وإن كُنتَ قائِما فَاجلِس"(صحيح ابن خزيمة ١٩٩٤. إسناده صحيح).

 إن تحويل الأخلاق السيئة وصياغتها -في رمضان- أمرٌ عجيبٌ إنه أشبه ما يكون بإعادة تدوير الأشياء التي هي غير ذي قيمة لتتحوّل إلى شىءٍ ذي قيمة وبال يسر الناظرين.

يدخل المسلم رمضان كما يدخل المعدن إلى قالب المصنع وفرنه يستقر في المصنع شهرًا ليخرج أنقى وأرقى وأبقى مسلمٌ غير الذي دخل رمضان، يختلف كليًّا وجزئيًا عنه قبل رمضان.  

فعلى الصائم أن يدرب نفسه على ضبط انفعالاته، والتحكم في نفسه أمام مهيجات الغضب، وشهر رمضان أفضل وقت لتدريب النفس على ذلك، وتربية الذات على التحمل والصبر؛ فإذا استفزك أحد أو أساء إليك أو أخطأ بحقك فقل له: "اللهم إني صائم". قلها في نفسك وأسمع بها خصمك؛ حتى يعلم أنك لن تبادله سبًّا بسبٍّ وشتمًا بشتمٍ؛ لأنك صائم والصوم يمنعك ذلك فإنَّ الله شرع الصيام تطهيرًا للأرواح، وحفظًا لها من طغيان الجسد وشهواته، ولم يشرعه لنقاسي آلام الجوع والعطش يقول النبي ﷺ: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْجَهْلَ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"(البخاري). 

أيها الإخوة المؤمنين: إن الدنيا عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، وإن الآخرة لوعد صادقٌ يحكم فيها ملك عادل، فطوبى لعبدٍ عمِل لآخرته وحبله ممدود على غاربه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فتوبوا إلى الله واستغفروه وادعوه وأنتم موقونون بالإجابة

google-playkhamsatmostaqltradent