recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة ولوكنت فظاًغليظ القلب لانفضوا من حولك لفضيلة الشيخ عبدالناصربليح

 


 ولوكنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك

 دعوة الإسلام إلى الرفق في كل مجالات الحياة

تفوائد الرفق وثماره

تحميل الخطبة Pdf

تحميل الخطبة word

 الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد 

" فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ"(آل عمران:159).

عباد الله حديثنا إليكم اليوم عن الرفق واللين في أخلاق الإسلام

ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم هو المثلُ الأعلى والأسوةُ الأولى في أفعالِه وأقوالِه ومعاملاتِه رِقّةً وحُبًّا وعطفا ورِفقًا.

فلقد امتنّ ربنا جلّ وعلا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأن جَبَله على الرفق ومحبة الرفق، وبأن جنّبه الغلظة، والفظاظة، فقال عز وجل: " فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ"(آل عمران:159).

وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا تَقَاضَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ـ أي بعيرا كان له عليه ـ فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ:"دَعُوهُ، فَإِنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالًا، وَاشْتَرُوا لَهُ بَعِيرًا فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ" وَقَالُوا: لاَ نَجِدُ إِلَّا أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ، قَالَ:"اشْتَرُوهُ، فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ، فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً".

عباد الله:"لقد كانت سيرته عليه الصلاة والسلام حافلةً بهذا الخلق الكريم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم رفيقاً هيناً ليناً سهلاً في تعامله وفي أقواله وأفعاله، وكان يحب الرفق، ويحث الناس عليه، ويرغّبهم فيه... يقول أنس رضي الله عنه: «خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ، وَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَهُ، وَلَا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ لِمَ تَرَكْتَهُ». وعنه رضي الله عنه قال: قَالَ:"كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ»، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حَتَّى «نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ البُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ»، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، "فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ"(متفق عليه).

عبادَ الله؛ ما أحسنَ الإيمان يزينُه العلم! وما أحسَن العلم يزينه العمَل! وما أحسن العمَل يزينه الرفق! وما أضيفَ شيء إلى شيء مثل حِلم إلى عِلم، ومَن حَلُم ساد، ومَن تفهَّم وتأنَّ ازداد، ومن زرَع شجرةَ الرفق حصَد ثمرة السلامة. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ؟ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ؟ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ"(الترمذي والطبراني).

فعلى المسلم أن يكون رفيقاً بإخوانه، رحيماً بهم، يغفر زلاتهم، ويعفو عن إساءتهم، يرحم ضعيفهم، ويوقر كبيرهم، ولا يشق عليهم...

  دعوة الإسلام إلى الرفق في كل مجالات الحياة:

لعلنا نتخلق بهذا الخلق الكريم، ولعلنا نتخلى عن خلق العنف والقسوة والغلظة؛ فإن مشاكل المجتمع ما تفاقمت وتكاثرت إلاّ بسبب انتشار العنف والقسوة، وغياب خلق الرفق واللين. فأصبح الكل يشتكي من العنف المنتشر في كل ميدان؛ الأستاذ يشتكي، والأبناء يشتكون، والآباء يشتكون، والأزواج يشتكون، والجار يشتكي، والتجار يشتكون، والعمال يشتكون... فأين الرفق؟ وأين اللين؟ وأين الصبر؟ وأين الحكمة في معالجة الأمور؟..

فما أجمل الرفق، وما أجمل أهله. وما أحوج الناس اليوم إلى التعامل فيما بينهم برفق ولين في كل شؤون الحياة؛ فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى"( البخاري).

فالرفقِ ليست له حدودٌ تقيِّده، ولا مجالٌ يحصُره، فالإسلام يدعو إلى الرفق في كل مجالات الحياة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ». دين يدعو إلى الرفق في مجال التربية والتعليم، ويدعو إلى الرفق بالمسيء، يدعو إلى الرفق بالأقارب، ويدعو إلى الرفق بالأباعد، يدعو إلى الرفق بالإنسان، ويدعو إلى الرفق بالحيوان.

الإسلام يدعو إلى الرفق في مجال الدعوة والتربية والتعليم:

فما أحوج الدعاةَ والمربّين إلى أن يلتزموا بالرفق في مجال الدعوة والتربية والتعليم.

ولقد رسم القرآن الكريم منهج الإسلام في الدعوة إلى الله بقوله تعالى:"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ "(النحل: 125).

فبالرفق والتيسير واللين والسماحة تُفتَح مغاليق القلوب، وتكون التربية ويكون التعليم، لا بالعنف والتعسير والشدة والمؤاخذة، ولكن بالتيسير والتبشير؛ وهذا هو هدي نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهذه هي وصيته. ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ: «بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا».

ولما أرسل الله عز وجل موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون وهو من هو في ظلمه وطغيانه وتجبره ومعاداته الحق وأهله، قال عز وجل:"اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى "(طه: 43، 44).

ذلك أن الناس ينفرون بطبائعهم من الفظاظة والخشونة والعنف، ويألفون الرقة واللين والرفق، ولذا قال ربنا سبحانه وتعالى لنبيه الكريم:"وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ "(آل عمران: 159).

فمُحال أن يأتي الإصلاح بعنف، ومحال أن يكون التغيير إلى الخير بالشدة والعنف؟ فالدعوة تحتاج إلى رفق، والنصيحة تحتاج إلى رفق، والتعليم يحتاج إلى رفق، والتربية تحتاج إلى رفق، وهذا هو منهج حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم في معالجة الأمور، ومواجهة الأحداث، وتهذيب النفوس، وتربية الأجيال، وتعليم الجاهل، وتنبيه المسيء..

 عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي المَسْجِدِ، فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ"(البخاري).

وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي - أيْ: مَا نَهَرَنِي - وَلاَ ضَرَبَنِي وَلاَ شَتَمَنِي، قَالَ: « إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ"(مسلم).

وعن أنس رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا؛ فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ أَذْهَبُ. وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي - قَالَ - فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: «يَا أُنَيْسُ؛ أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ؟». قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ"(مسلم).

و عن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ أَصُومُ الدَّهْرَ، وَأَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ، - قَالَ - فَإِمَّا ذُكِرْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَيَّ، فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ لِي: «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ الدَّهْرَ وَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ؟». قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَلَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إِلاَّ الْخَيْرَ. قَالَ: «فَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ». قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: «فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا. - قَالَ - فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ؛ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّهُ كَانَ أَعْبَدَ النَّاسِ». قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَمَا صَوْمُ دَاوُدَ؟ قَالَ: «كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا». قَالَ: «وَاقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ». قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: «فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عِشْرِينَ». قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: «فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشْرٍ». قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: «فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ وَلاَ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْرِكَ ـ أي زائرك ـ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا». قَالَ: فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ. قَالَ: وَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكَ لاَ تَدْرِي لَعَلَّكَ يَطُولُ بِكَ عُمْرٌ». قَالَ: فَصِرْتُ إِلَى الَّذِي قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا كَبِرْتُ وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ قَبِلْتُ رُخْصَةَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم"(مسلم).

الإسلام يدعو إلى الرفق بالأهل والأبناء:

أحق الناس برفقك: أبوك وأمك؛ فوصية الله إليك ﴿ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا"(الإسراء: 23، 24).

وأحق الناس برفقك: زوجتك؛ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لك «استوصوا بالنساء خيرا».

وأحق الناس برفقك: أبناؤك وبناتك؛ ففي الصحيحين عن عُمَرَ بْن أَبِي سَلَمَةَ، يَقُولُ: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي في تربيته وتحت رعايته - وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. أي صفة أكلي وطريقتي فيه بعد أن علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكم منا من يحفظ هذا الحديث ويتعمد أن يأكل أو يشرب بشماله. فأين السنة؟ وأين الاقتداء؟..

فمن الواجب على الآباء والمربين أن يغرسوا خلق الرفق في نفوس الأبناء والتلاميذ، فهم في حاجة إلى الرفق في مؤسساتهم، وبيوتهم، وشوارعهم... مع الوالدين والأساتذة، والجيران، والأصحاب، والكبار والصغار... فظاهرة العنف قد انتشرت في صفوف الشباب، فلم يسلم من عنفهم قريب ولا بعيد، ولا صغير ولا كبير..

الإسلام يدعو إلى الرفق بالمَدِين المعسر:

قال سبحانه:" وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون"(البقرة:280).

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ، فَتَوَارَى عَنْهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ فَقَالَ: إِنِّي مُعْسِرٌ. فَقَالَ: آللَّهِ ؟ قَالَ: آللَّهِ. قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ"(مسلم).

فوائد الرفق وثماره:

عليكم بالرفق فإنه خلق عظيم، نتائجه عظيمة، وفوائده كثيرة: ففي صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ ».

الرفق زينة كل شيء؛ ما حل في شيء إلا زانه وجمله وحبّبه إلى النفوس والأبصار، وما نزع من شيء إلا شانه ونفر منه القلوب والأرواح: ففي صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ».

بالرفق بالعباد يُنال الرفقُ والتجاوز من الله؛ ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت مِن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في بيتي هذا: «اللهمّ مَن وليَ مِن أمر أمّتي شيئا فشقّ عليهم فاشقق عليه، ومَن وليَ مِن أمر أمّتي شيئا فرفق بهم فارفق به».

وفي صحيح مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَلَقَّتِ الْمَلاَئِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَقَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لاَ. قَالُوا: تَذَكَّرْ. قَالَ: كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ، فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ، وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ، - قَالَ - قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَجَوَّزُوا عَنْهُ».

الرفق هو الخير كله؛ من أوتيه فقد حاز الخير كله، ومن حرمه حرم الخير كله: فقد أخرج الترمذي والبيهقي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ».

وفي صحيح مسلم عَنْ جَرِير بن عبد الله البجلي عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ".

وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: «يَا عَائِشَةُ؛ ارْفُقِي، فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْراً دَلَّهُمْ عَلَى بَابِ الرِّفْقِ». وفي رواية: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ"(أحمد).

الرفق طريق إلى الفوز بالجنة والنجاة من النار؛ فقد أخرج الترمذي في سننه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ، أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ؟ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ".

و عن عياض بن حمار المجاشعيّ رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «أَلاَ إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ... ثم قال: «وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسطٌ متصدّقٌ موفّقٌ، ورجلٌ رحيمٌ رقيقُ القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال"(أحمد ومسلم).

google-playkhamsatmostaqltradent