
إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق
دين الإسلام دين متين صلب شديد
دين الإسلام هودين اليسر
ماالمراد بالتيسير في الدين ؟
ما هو الفرق بين التشدد والمغالاة في الدين والتنطع؟
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين وبعد فياجماعة الإسلام
:"يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر"(البقرة/185).
عباد الله:" حديثنا إليكم اليوم عن :"إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق"
وهذا نص حديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم رواه أحمد في "المسند" وقال المحدثون حديث حسن..
ومعني الحديث الشريف؟
كما شرحه العلامة المناوي فقال: "إن هذا الدين متين" أي: صلب شديد، فأوغلوا: أي سيروا فيه برفق، ولا تحملوا على أنفسكم ما لا تطيقونه، فتعجزوا وتتركوا العمل.
وقال الغزالي: أراد بذلك أن لا يكلف نفسه في أعماله الدينية ما يخالف العادة، بل يكون بتلطف وتدريج، فلا ينتقل دفعة واحدة إلى الطريق الأقصى في التبدل، فإن الطبع نفور، ولا يمكن نقله عن أخلاقه الرديئة إلا شيئا فشيئا حتى تنفصم الأخلاق المذمومة الراسخة فيه، ومن لم يراع التدريج وتوغل دفعة واحدة، ترقى إلى حالة تشق عليه فتنعكس أموره فيصير ما كان محبوبا عنده ممقوتا، وما كان مكروها عنده مشربا هنيئا لا ينفر عنه.
وفي رواية أخري يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تبغضوا إلى أنفسكم عبادة الله، فإن المنبت لا أرضا قطع ولاظهرا أبقي"."(البيهقي وغيره).
والمنبتُّ هو الذي انقطع به السير في السفر وعطلت راحلته ولم يقض وطره، فلا هو قطع الأرض التي أراد، ولا هو أبقى ظهره، أي دابته التي يركبها لينتفع بها فيما بعد. وهكذا من تكلف من العبادة ما لا يطيق، ربما يملُّ ويسأم، فينقطع عما كان يعمله.
دين الإسلام هودين اليسر
عباد الله:" ومع متانة هذا الدين وصلابته وشدته فهودين اليسر
يقول صلي الله عليه وسلم:"إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وقَارِبُوا، وأَبْشِرُوا، واسْتَعِينُوا بالغَدْوَةِ والرَّوْحَةِ وشيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ"(البخاري ومسلم).
فدِينُ الإسلامِ هو دِينُ اليُسرِ، وقدْ حثَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على مُلازمةِ الرِّفقِ في الأعمالِ، والاقتصارِ على ما يُطيقُه العاملُ، ويُمكِنُه المداوَمةُ عليه،
وأنَّ مَن شَادَّ الدِّينَ وتعمَّقَ انقطَعَ، وغلَبَه الدِّينُ وقهَرَه.
وقد أسَّس صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أوَّلِ الحديثِ هذا الأصلَ الكبيرَ، فقال:"إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ"، فهو مُيسَّرٌ مُسهَّلٌ في عَقائدِه وأخلاقِه، وفي أفعالِه وتُروكِه.
ثمَّ وصَّى بالتَّسديدِ والمقارَبةِ، وتَقويةِ النُّفوسِ بالبِشارةِ بالخيرِ، وعدَمِ اليأسِ، والتَّسديدُ: هو العملُ بالقصدِ، والتَّوسُّطُ في العِبادةِ، فلا يُقصِّرُ فيما أُمِرَ به، ولا يَتحمَّلُ منها ما لا يُطِيقُه، مِن غيرِ إفراطٍ ولا تَفريطٍ. وقولُه: «وقارِبوا»، أي: إنْ لم تَستطيعوا الأخْذَ بالأكملِ، فاعمَلوا بما يَقرُبُ منه. وقولُه:"وأبشِروا"، أي: بالثَّوابِ على العملِ وإن قَلَّ.
ثمَّ أرشَدَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى ما يُساعِدُ على السَّدادِ والمقارَبةِ، فقال: "واستعِينوا بالغَدْوةِ والرَّوْحةِ، وشَيءٍ مِن الدُّلْجةِ"؛ فهذه الأوقاتُ الثَّلاثةُ أوقاتُ العملِ والسَّيرِ إلى اللهِ؛ فالغَدوةُ: أوَّلُ النَّهارِ، والرَّوحةُ: آخِرُه، والدُّلجةُ: سَيرُ آخرِ اللَّيل، وسَيرُ آخرِ اللَّيل مَحمودٌ في سَيرِ الدُّنيا بالأبدانِ، وفي سَيرِ القُلوبِ إلى اللهِ بالأعمالِ.
وقال: وَشيءٍ مِن الدُّلجةِ، ولم يقُلْ: والدُّلجة؛ تَخفيفًا؛ لمَشقَّةِ عمَلِ اللَّيل. وصَدَرَ هذا الكلامُ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كأنَّه يُخاطِبُ مُسافرًا يَقطَعُ طَريقَه إلى مَقصدِه، فنَبَّهَه على أوقاتِ نَشاطِه التي يَزْكو فيها عَمَلُه، فشَبَّهَ الإنسانَ في الدُّنيا بالمسافرِ، وكذلك هو على الحَقيقةِ؛ لأنَّ الدُّنيا دارُ انتقالٍ وطَريقٌ إلى الآخرةِ، فنَبَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُمَّتَه أنْ يَغتنِموا أوقاتَ فُرصتِهم وفَراغِهِم.وفي الحديثِ: تَنشيطُ أهلِ الأعمالِ، وتَبشيرُهم بالخيرِ والثَّوابِ المُرتَّبِ على الأعمال..
ماالمراد بالتيسير في الدين ؟
عبادالله :" وجب علينا بيان المراد بالتيسير، أو اليسر في الدين، هل يعني ترك التكاليف وإهمال الشرع والسعي خلف ملذات الدنيا ومُلهياتها؟ أم للأمر ضابط يحكمه، وقاعدة تضبط مساره؛ حتى لا يمتهن الدين، ويضيع كما ضاع غيره من الأديان؟
فاليسر في حقيقته لا يعني إطلاق الإنسان من كل قيد شرعي، وإعفائه من كل تكليف ومشقة، بل هو "رحمة من الله بعباده فلم يكلّفهم بما لا يطيقون، وهو أيضاً يسدّ الذرائع ويقطع الطريق على المتهاونين، حيث لابد من امتثال أمر الله، فمن لم يستطع أن يصلي قائماً صلّى جالساً أو مضطجعاً، وبذلك يتحقق الإتيان بالمأمور به، ولكن بالكيفية التي لا مشقة فيها، فالتيسير إذاً يلغي عذر من يحاول التضييع، ويقطع أسباب التملّص والإهمال، ولا يدع للمتهاون حجّة، وأمامه الرخصة بدلاً من العزيمة، فالتيسير إذاً هو من باب الحرص على أداء الفرائض، ولا يعني رفعُ الحرج الإعفاء من بذل أي جهد، وإنما الإعفاء مما في بذله مشقة وجهد غير عادي"
وعلى هذا فاليسر في الإسلام هو: "تشريع الأحكام على وجه روعيت فيه حاجة المكلف، وقدرته على امتثال الأوامر واجتناب النواهي، مع عدم الإخلال بالمبادئ الأساسية للتشريع".
ولنضرب لذلك مثالاً بالصيام، وهو الفريضة التي نزلت فيها أية اليسر: "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسرَ ولَا يُرِيدُ بِكُم العُسرَ"(البقرة: 185).
فقد رخَّص الله للمريض والمسافر الفطر في رمضان بشرط القضاء؛ فعلى الرغم مما في الصيام من مشقة إلا أنه فريضة يعاقب تاركها بلا عذر، وعليه فليس المقصود باليسر نفي كل مشقة، بتعطيل الفرائض، وإنما يراد به حقيقة "فـعل ما يحقق الغاية بأدنى قدر من المشقة"
.يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر
قال القرطبي: "قول ابن سيرين أعدل شيء في هذا الباب، إن شاء الله تعالى".قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره لآية اليسر:"يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسرَ.."
"إنما رخَّصَ لكم في الفطر في حال المرض وفي السفر، مع تحتمه في حق المقيم الصحيح، تيسيرًا عليكم ورحمة بكم"
وقال الشيخ السعدي -رحمه الله- في تفسيره: "أي: يريد الله تعالى أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير، ويسهلها أشد تسهيل، ولهذا كان جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في أصله. وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله، سهَّله تسهيلاً آخر، إما بإسقاطه، أو تخفيفه بأنواع التخفيفات. وهذه جملة لا يمكن تفصيلها، لأن تفاصيلها، جميع الشرعيات، ويدخل فيها جميع الرخص والتخفيفات".
عباد الله:" مما سبق يُعلم أنَّ اليسر غاية عليا من غايات الشريعة، ومقصد كريم من مقاصدها، وهو أساس وقاعدة لكل أمر شرعي تكليفي، ولهذا تكثر الإشارات الدالة على ذلك في كتاب ربنا وسنة نبيِّنا -صلى الله عليه وسلم.
فمن الإشارات القرآنية على أن اليسر مقصد شرعي، قوله تعالى:"ومَا جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدِّين مِن حَرَجٍ"(الحج: 78)؛
وقوله عز وجل:"يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُم وخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا"(النساء: 28)؛
وقوله سبحانه:"لَا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفساً إِلاَّ وُسعَهَا" (البقرة: 286).
الخطبة الثانية
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين
ما هو الفرق بين التشدد والمغالاة في الدين والتنطع؟
معني المغالاة في الدين
يعني: عدم التَّكَلُّف وعدم التَّنَطُّع،
يؤدي ما شرع الله من دون تنطع، لا يزيد في الدين ما لم يشرعه الله..
وأما التنطع فقال النووي: المتنطعون المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم، وقال الخطابي: المتنطع المتعمق في الشيء المتكلف للبحث عنه على مذاهب أهل الكلام الداخلي فيما لا يعنيهم، الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم..
وقد ذكر أهل العلم أمثلة للتشدد والتنطع،
منها تكلف الشخص من العبادة ما لا يستطيع فيؤدي به ذلك إلى فوات الأفضل أو إلى
السآمة فينقطع الشخص. وذلك كمن يتكلف في قيام الليل ويطيل فيه حتى يتعب من السهر،
فتغلبه عيناه عن صلاة الفجر في الجماعة، أو عن أدائها في وقتها المختار أو
الضروري، ومن ذلك الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة كمن يترك رخصة الفطر في حال السفر
أو المرض، أو يترك التيمم فيستعمل الماء وهو يضره..... ومن التنطع كثرة الأسئلة
والتفريعات، وقد كان السلف الصالح يكرهون الأسئلة عما لم يقع، فإذا سئلوا عن شيء لم
يقع يقولون: دعوه حتى يقع.
قال الحافظ في الفتح: وأشد من ذلك في كثرة السؤال البحث عن أمور مغيبة ورد الشرع
بالإيمان بها مع ترك كيفيتها