recent
أخبار عاجلة

شياطين مسجونة في البحر فتقرأ علي الناس قرأناً من هم ؟


شياطين مسجونة في البحرفتقرأعلي الناس قرأناً من هم؟

الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد

عَنْ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ، قالَ: إنَّ في البَحْرِ شَياطِينَ مَسْجُونَةً، أوْثَقَها سُلَيْمانُ، يُوشِكُ أنْ تَخْرُجَ، فَتَقْرَأَ علَى النَّاسِ قُرْآنًا."(صحيح مسلم).

هذا الخبر يحتمل أنه من أخبار أهل الكتاب، التي يجوز التحديث بها، من غير تصديق ولا تكذيب لها. ومعنى: (فَتَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ قُرْآنًا)، أي تتلو على الناس كلاما من كذبها واختلاقها تزعم أنه قرآن، كما حصل من مسيلمة الكذاب وغيره من أدعياء النبوة.
وعبد الله بن عمرو راوي هذا الخبر ممن عرف بروايته عن أهل الكتاب فيحتمل أن يكون هذا الخبر قد أخذه عنهم.
رواه الإمام مسلم في "مقدمة الصحيح" (1/9) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: "إِنَّ ‌فِي ‌الْبَحْرِ ‌شَيَاطِينَ مَسْجُونَةً، أَوْثَقَهَا سُلَيْمَانُ، يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ فَتَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ قُرْآنًا".

وهذا الخبر متعلق بأمر غيبي مستقبلي، والأصل أن الصحابي لا يخبر بأمر غيبي إلا لكونه قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، لكن هذا مقيّد بكون الصحابي لا يروي عن أهل الكتاب؛ لأن بعض الصحابة يروون عن أهل الكتاب الأخبار التي لا يقطع بكذبها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن بالتحديث عنهم.

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" .. ما يحكونه من أقاويل أهل الكتاب التي أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:"بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"(البخاري).

عن عبد الله بن عمرو؛ ولهذا كان عبد الله بن عمرو قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك، ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد، فإنها على ثلاثة أقسام:

أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح.

والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه.

والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه وتجوز حكايته لما تقدم "
انتهى من "مجموع الفتاوى" (13/366).

وقال الشيخ محمد بن علي بن آدم الإتيوبي رحمه الله تعالى:

" شرط كون الموقوف في حكم المرفوع ألا يكون الصحابي الذي وُقِف عليه معروفًا بالرواية عن أهل الكتاب، وأما إذا كان معروف بذلك، فليس لموقوفه حكم الرفع، وهنا كذلك، فإن عبد الله بن عمرو معروف بذلك، فلا يكون هذا الحديث في حكم المرفوع، فتنبه."فَتَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ قُرْآنًا" أي شيئا تزعم أنه قرآن؛ لتَغُرّ به عوام الناس، وليس بقرآن " والله تعالى أعلم " انتهى من "قرة عين المحتاج" (2/22).

وأهل العلم يذكرون مثل هذه الأخبار على سبيل الاستشهاد لا الحجة.

وقد ذكره الإمام مسلم مستشهدا به ضمن أحاديث وأخبار ترشد إلى الإعراض عن أخذ الحديث عن الضّعفاء والكذّابين والمجهولين.

وقوله في الخبر:"فَتَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ قُرْآنًا".

ليس المقصود بالقرآن الكتاب الذي أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كان هو المقصود لورد معرّفا بـ (الـ) "القرآن"، لكنه ورد في الخبر منكرا، أي تقرأ عليهم كلاما تزعم أنه من القرآن، لكنه كذب.

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى:

" فإن كان لهذا ‌الخبر ‌أصل ‌صحيح، فلعله يأتى بقرآن فلا يقبل منه، كما لم يقبل ما جاءت به القرامطة ومسيلمة وسجاح وطليحةُ وشبههم، أو يكون أراد بالقرآن ما يأتى به ويجمعه من أشياء يذكرها، إذ أصل القرآن الجمعُ … فكل شيء جمعته فقد قرأته "
انتهى من "إكمال المعلم" (1/119).

وقال أبو العباس القرطبي، رحمه الله: " والقرآن أصله الجمع؛ ومنه قولُ مَن مدح ناقته فقال وبه سُمِّيَ كتابُ الله قرآنًا؛ لِمَا جمَعَ من المعاني الشريفة، ثم قد يقال مصدرًا بمعنى القراءة؛ كما قال الشاعر في عثمان:"… يُقَطِّعُ اللَّيلَ تَسبِيحًا وَقُرآنَا". أي: قراءةً.

ومعنى هذا الحديث: الإخبارُ بأنَّ الشياطين المسجونَة ستخرُجُ، فتُمَوِّهُ على الجهلة بشيء نقرؤهُ عليهم، وتلبِّس به؛ حتى يحسبوا أنه قرآن، كما فعله مسيلمة، أو تسرُدُ عليهم أحاديث تسندها للنبي صلى الله عليه وسلم كاذبةً، وسميت قرآنًا؛ لما جمعوا فيها من الباطل. وعلى هذا الوجه يستفاد من الحديث التحذيرُ من قَبُول حديث من لا يُعرَفُ" انتهى من "المفهم" (1/121).
 
وفي هذا الأثرِ :"
يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عَمرِو بنِ العاصِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ في البَحرِ شَيَاطينَ مَسجُونَةً رَبَطَها وقيَّدَها سُلَيمانُ عليه السَّلامُ، بما آتَاه اللهُ من المُلكِ، وجَعَلَها في البحرِ بعيدًا عنِ النَّاسِ، وقدِ اقترَبَ الزَّمانُ الذي تَنفَكُّ فيه من حِبالِها ورِباطِها، فتَنطَلِقُ وتقَرَأُ على النَّاسِ كَلامًا وتَزعُمُ أنَّه قُرآنٌ من كِتابِ اللهِ، وهو ليسَ كذلك، ولكنَّه كَذِبٌ. وقيلَ: المَعنى أنَّ الشِّياطينَ تَأتي بقُرآنٍ، فلا يُقبَلُ منهم، كما لم يُقبَل ما جاءت به طائفةُ القرامطةِ ومُسَيلِمةُ وشَبَهُهم. وقيلَ: المُرادُ بالقرآنِ ما تَأتي به وتَجمَعُه من أشياءَ تَذكُرُها؛ إذ أصلُ كلمةِ "القرآنِ" الجَمعُ؛ وسُمِّيَ بذلك لِمَا يَجمَعُه من القَصَصِ والأمرِ والنَّهيِ والوعدِ والوعيدِ. وقد أخبَرَ اللهُ تَعالَى أنَّه حَفِظَ كتابَه وضَمِنَ ذلك، فقالَ:"إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"(الحجر: 9).
؛ فلن يُزادَ فيه حرفٌ ولا يُنقَصُ منه حرفٌ، ولا يُقبَلُ من أحدٍ كائنًا مَن كانَ قرآنٌ يدَّعيه ممَّا ليسَ بينَ دَفَّتَيِ المُصحَفِ.
أعطَى اللهُ نَبيَّه سُليمانَ بنَ داودَ عليهما السَّلامُ مُلكًا عَظيمًا، وسَخَّرَ له الرِّيحَ والجِنَّ تَأتَمِرُ بأمرِه، وقد كَذَبَتِ الشِّياطينُ على سُليمانَ عليه السَّلامُ، وقالوا: إنَّه كفَرَ وعلَّمَ النَّاسَ السِّحرَ، وهؤلاءِ الشِّياطينُ كذَبُوا على اللهِ وعلى أنبيائهِ، وهكذا يفعَلُ كُلُّ كَذَّابٍ أفَّاكٍ على اللهِ في كلِّ عصرٍ.
فالغاية من هذا الخبر التحذير:"
من أخذ الأخبار عمن لا يُعرف ولا يشتهر بالعلم والدين.
أخبار بني إسرائيل التي ما جاء فيها نص مما لا يصدق ولا يكذب، هذه من أخبار بني إسرائيل، النبي ﷺ قال: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج.

فالواجب التثبت؛ لأنه قد يأتي شياطين إنس -ما هم شياطين جن- يتكلمون ويعظون ويذكرون ويحللون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله، يجب الحذر، فلا يؤخذ العلم إلا ممن عرف بالخير والهدى، ما يؤخذ العلم ممن هب ودب ،ولا يعرف حاله، لا.

وعلى أهل الإسلام ألا يأخذوا العلم إلا ممن عرف بالعلم والخير والأمانة، لا يؤخذ العلم من ناس مجهولين لا يدرى عنهم إلا بالدليل، لا بد من الدليل".

وهذا الأثرُ من جُملةِ التَّحذيرِ مِنَ الكذَّابينَ والدَّجَّالينَ الذين يَظهَرُون في آخِرِ الزَّمانِ ويَكذِبون على اللهِ ورسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولعلَّه يُريدُ أن يُوضِّحَ أنَّ الكَذِبَ على اللهِ سيَنتَشِرُ في آخِرِ الزَّمانِ، وأنَّ الجَهلَ سيَنتَشِرُ لدرجةِ أنَّ النَّاسَ لا تَعرِفُ القرآنَ الحَقَّ مِنَ الزائفِ، فإذا قرأت عليهمُ الشياطينُ أيَّ كلامٍ، وزعَمُوا أنَّه مِنَ القرآنِ صدَّقُوهم.

وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم

google-playkhamsatmostaqltradent