recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة تحويل القبلة للكعبة المشرفة لتكون رمزا لوحدة الأمة الإسلامية وكرامتها وعزتها لفضيلة الشيخ عبدالناصربليح



تحويل ويل القبلة إلي الكعبة المشرفة

      لتكون رمزا لوحدة الأمة الإسلامية وكرامتها وعزتها


الكعبة مناراً ورمزاًللتوحيد
تميز الصف المسلم وتوحيده
القدرة على التسليم لأوامرالله
تعريف الأمة بأعدائها

الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد

فياعباد الله :"

سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ۚ قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ"(البقرة/142-143).

عباد الله :" إن تحويل القبلة له معاني كثيرة وفيه دروس وعبرعديدة فالكعبة رمز ومنارة للتوحيد ورمزومنارة للوحدة والاعتصام بحبل الله ..

عباد الله:" في السنة الثانية من الهجرة تحققت للنبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، إحدى أهم الأمنيات، وهي تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، التي أقام دعائمها سيدنا إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام .

وكما ورد في سيرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقد جاء الإذن بهذا التحويل عندما نزل قوله تعالى: قد نرى تقلب وجهك في السماء، فلنولينك قبلةً ترضاها، فول وجهك شطر المسجد الحرام .

ظل رسولنا، صلى الله عليه وسلم، ومعه المسلمون ستة عشر شهراً يتجهون في صلاتهم إلى بيت المقدس، ثم تحققت أمنيته بأن يتجه إلى الكعبة المشرفة، وفي هذا ما فيه من أبعاد مهمة، ومعان كبيرة، منها أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وبين قبلة المسلمين التي هي الكعبة المشرفة، وفي هذا إيحاء لكل عربي ومسلمٍ في أي مكان كان، بأن يعرف واجبه، ويدرك مسؤوليته تجاه مقدساتنا التي دنسها الصهاينة في فلسطين .

فعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده -أو قال: أخواله- من الأنصار، وأنه صلى الله عليه وسلم صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى الله عليه وسلم صلى أول صلاة صلاها، صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن صلى معه، فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله! لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مكة، فداروا كما هم قبل البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم أنه كان يصلي قبل بيت المقدس، وأهل الكتاب، فلـما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك"(البخاري ومسلم).

عن مالك عن عبدالله بن دينار عن عبدالله بن عمر قال: بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت، فقال: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد أُنزِل عليه الليلة، وقد أُمِر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى القبلة: الكعبة"(البخاري ومسلم). وقد نزلت في هذه الحادثة آيات عظيمة، فيها عبر، وحكم ودروس للصف المسلم.

الكعبة مناراً ورمزاً للتوحيد

عباد الله :" الكعبة هي بيت الله الحرام ، وقبلة المسلمين ، جعلها الله سبحانه وتعالى مناراً للتوحيد ، ورمزا للعبادة ، يقول الله تعالى :"جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس"(المائدة/97). ، وهي أول بيت وضع للناس من أجل عبادة الله جل وعلا ، قال تعالى :"إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين"(آل عمران/96) .

إن الأمة التي شاء الله تعالى لها أن تكون الأمة الوارثة المستخلفة في الأرض والتي تحمل الأمانة وتشهد على العالَمين: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمةً وَسَطاً لتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى الناسِ وَيَكُونَ الرسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً "(البقرة: 143).

هذه الأمة أراد لها الله تعالى أن تنفرد بحس إسلامي رباني مميزٍ، وكان اتجاه المسلمين إلى بيت الله الأول تميزاً للمسلمين .

ووقف الرسول عندالكعبة ليذكر المسلمين بعقيدة التوحيد وأصلهم الأول وأكد على "وحدة الجنس البشري"، وحذر من الموازين المجتمعية الظالمة كالتفاضل على أسس لغوية وطائفية وعرقية، فالتفاضل بين الناس يكون بالتقوى والعلم والعمل الصالح. فقال: "أيها النّاسُ إن رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وإنّ أَبَاكُمْ واحِدٌ، كُلكُّمْ لآدمَ، وآدمُ من تُراب، أَكرمُكُمْ عندَ اللهِ أتْقَاكُمْ وليس لعربيّ فَضْلٌ على عجميّ إلاّ بالتّقْوىَ، أَلاَ هَلْ بلَّغْتُ،اللّهُمّ اشْهَدْ".

تميز الصف المسلم وتوحيده

عبادالله :"، إن تحويل القبلة من علامات الأمة الظاهرة في تميز الصف المسلم، وتنقيته من الخبث، تمامًا كما كانت رحلة الإسراء والمعراج، وكما كانت سرية عبد الله بن جحش، رضي الله عنه، وما تبعها من قتلٍ في الشهر الحرام، وكما كانت غزوة أحد، وكما كانت أحداث الحديبية، وكلها تصب في سياق التطهير وتنقية الصف المسلم .
قال عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ . وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"(آل عمران:102-103).
وحدة المسلمين واجتماعهم أن يلتقي المسلمون وينضم بعضهم إلى بعض ولا يتفرقوا، والأمر الذي يجتمعون حوله هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال القرطبي رحمه الله في قوله تعالى:"وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا"(آل عمران من الآية:103)
:"إن الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفُرقَةَ، لأن الفُرقَةَ هَلَكَةٌ، والجماعة نجاةٌ، روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في الآية الكريمة: أن حبل الله هو الجماعة ". وقال ابن كثير رحمه الله: "أمرهم الله عز وجل في الآية الكريمة بالجماعة، ونهاهم عن الفرقة، وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف، وقد ضمن الله لهم (أي للمسلمين) العصمة من الخطأ عند اتفاقهم (واجتماعهم) وخيف عليهم (الخطأ) عند الافتراق والاختلاف، فقد وقع ذلك في هذه الأمة فافترقوا على ثلاثٍ وسبعين فرقةً، ومنها فرقة ناجية إلى الجنة، ومُسَلَّمةٌ من النار، وهم الذين على ما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ".
وقال أبو حيَّان رحمه الله: "نُهي المسلمون (في هذه الآية الكريمة) عن التفرق في الدين والاختلاف فيه كما اختلف اليهود والنصارى، وقيل: عن إحداث ما يُوجِبُ التفرُّق، ويزُولُ معه الاجتماع".

ووقف الرسول عند الكعبة التي هي رمز الوحدة ليلقي بيانا يؤكد
فيه أهمية ووجوب الإعتصام بكتاب الله وسنة نبيه والعمل بما فيهما من أحكام ومقاصد جليلة، لأنهما سبيل العصمة من الضلال.
فقال: "وقد تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فلن تَضِلُّوا أَبَدًا، أَمْرًا بَيِّنًا، كتاب الله وسنة نبيّه". ثم أكد ﷺ على مبدأ الأخوة بين المسلمين وحذر من انتهاك الحرمات وأكل أموال الناس بالباطل والعودة إلى العصبية والتقاتل ونكران نعم الله. فقال: "أَيُّها النَّاس، اسمعوا قولي واعْقِلُوهُ، تَعْلَمُنَّ أَنَّ كل مسلم أخٌ للمسلمِ وأَنَّ المسلمين إخوةٌ، فَلاَ يَحِلُّ لامْرِىءٍ مَالُ أَخيهِ إلاّ عَنْ طِيبِ نفْسٍ منهُ، فلا تَظْلِمُنَّ أنفسكم اللّهمَّ هَلْ بَلّغْتُ؟ وسَتَلْقَوْنَ ربكم فلا تَرْجِعُنّ بَعْدِي كُفاراً يَضرِبُ بَعْضُكُمْ رقابَ بَعْض".
عبادالله :"
إن تحويل قبلة المسلمين إلى المسجد الحرام الذي بناه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، ودعواً له بالأمن والرزق والبركة والحفظ لهو السياق الطبيعي المنطقي لوراثة المسلمين لدين إبراهيم وعهده عليه السلام مع ربه سبحانه، وهو المنهج الذي يميز أمة الشهادة، فيربطها بأصولها وتاريخها وعقيدتها، ويمنحها القيادة التي خُلقت لها وأُخرجت للناس من أجلها، فلها تميز في الجذور والأصول، وفي الأهداف والغايات، وفي الراية والوجهة.

ولذلك أعلنها الرسول صلي اله عليه وسلم مدوية في حجة الوداع ارتقى النبي صلى الله عليه وسلم جبل الصفا فأطل على الكعبة العظمى وهتف معلنا انتهاء الوثنية: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير... لا إله إلا الله أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده..

ولم ينس النبي أن يوضح ولو بشكل عام حقيقة كبرى هي الطريق الذي يتعين على المسلمين سلوكه بعد غياب آخر النبوات في التاريخ
: " أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفسه فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم أعناق بعض فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي.

وذلك التميز هو ما كان يسعى إليه النبي، صلى الله عليه وسلم، ويدعو الله تعالى لأجل الحصول عليه . فعن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: كان أول ما نُسِخ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، أمره الله عز وجل بأن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم عليه السلام، فكان يدعو وينظر إلى السماء، فأنزل الله تبارك وتعالى: قَدْ نَرَى تَقَلبَ وَجْهِكَ فِي السمَاء إلى قوله: فَوَلواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ" (البقرة: 144-150) .

إن الخصوصية والتميز ضروريان للجماعة المسلمة، في التصور والاعتقاد، وفي القبلة والعبادة، وفي كل شيء .
الخطبة الثانية

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أمابعد فياعباد الله

القدرة على التسليم لأوامرالله

وكانت حادثة تغيير القبلة اختباراً لمدى قدرة الأمة المسلمة على التسليم لكل ما يجيء به دينها، ولمدى إمكانية أن تغير ما في نفسها وتطيع وتلتزم، قال تعالى:" وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ التِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَن يَتبِعُ الرسُولَ مِمن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الذِينَ هَدَى اللهُ"(البقرة: 143).

وقد وصف الله تعالى هذه القدرة على تخليص النفوس بأنها كبيرة: وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الذِينَ هَدَى اللهُ، غير أنها ليست كذلك على الذين هدى الله تعالى، فمع الهدى لا مشقة ولا عسر في أن تخلع النفس عنها أي رداءٍ سوى الإسلام، وأن تنفض عنها رواسب الجاهلية، وأن تتجرد لله تعالى تسمع منه وتطيع، وحيثما وجهها الله تعالى تتجه، وهذا التسليم أقسم الله تعالى بنفسه على نفي الإيمان عمن لا يملكه في قوله تعالى: فَلاَ وَرَبكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتىَ يُحَكمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُم لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مما قَضَيْتَ وَيُسَلمُواْ تَسْلِيما"(النساء: 65) .

وقد نجحت الأمة المسلمة في هذا الاختبار، وفي قدرتها على التسليم وعلى تغيير النفس، وتعاملنا اليوم مع هذه الحادثة يجب أن يكون بمنطق التحويل الذي حدث بسببه تحويل القبلة: بأن نخلع عن أنفسنا كل ما يعوق التزامنا بتعاليم ديننا، وهكذا كان لتحويل القبلة آثارٌ كبيرةٌ في حياة الأمة المسلمة في داخلها، وفي علاقاتها مع الآخرين .

لقد ضمن الإسلام للبشرية أعلى أفق في التصور وأقوم منهج في الحياة فهو يدعو البشرية كلها إلى أن تفيء إليه وما كان تعصبا أن يطلب الإسلام وحدة البشرية على أساسه هو لا على أي أساس آخر، وعلى منهجه هو لا على أي منهج آخر، وتحت رايته هو لا تحت أية راية أخرى .

فالذي يدعوك إلى الوحدة في الله ويأبى أن يشتري الوحدة بالحيدة عن منهج الله والتردي في مهاوي الجاهلية ليس متعصباً أو هو متعصب ولكن للخير والحق والصلاح .

والجماعة المسلمة التي تتجه إلى قبلة مميزة يجب أن تدرك معنى هذا الاتجاه وهو أن القبلة ليست مجرد مكان أو جهة تتجه إليها الجماعة في الصلاة، بل هي رمز للتميز والاختصاص: تميز التصور، وتميز الشخصية، وتميز الهدف، وتميز الاهتمامات، وتميز الكيان .

العقيدة الإسلامية منهج حياة كامل وهذا المنهج هو الذي يميز الأمة المستخلفة الوارثة لتراث العقيدة والشهيدة على الناس والمكلفة بأن تقود البشرية كلها إلى الله .

وتحقيق هذا المنهج في حياة الأمة المسلمة هو الذي يمنحها ذلك التميز في الشخصية والكيان وفي الأهداف والاهتمامات وفي الراية والعلامة وهو الذي يمنحها مكان القيادة الذي خلقت له وأخرجت للناس من أجله، وهي من غير هذا المنهج ضائعة في الغمار، مبهمة الملامح، مجهولة السمات مهما اتخذت لها من أزياء ودعوات وأعلام .

تعريف الأمة بأعدائها
عباد الله :"
كان اتجاه المسلمين إلى المسجد الأقصى في صلاتهم لحكمة تربوية أشارت إليها هذه الآية وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه .

فقد كان العرب يعظمون البيت الحرام في جاهليتهم، ويعدونه عنوان مجدهم القومي . . ولما كان الإسلام يريد استخلاص القلوب لله، وتجريدها من التعلق بغيره، وتخليصها من كل نعرة وكل عصبية لغير المنهج الإسلامي المرتبط بالله مباشرة، المجرد من كل ملابسة تاريخية أو عنصرية أو أرضية على العموم، فقد نزعهم نزعاً من الاتجاه إلى البيت الحرام، واختار لهم الاتجاه إلى المسجد الأقصى، ليخلص نفوسهم من رواسب الجاهلية، ومن كل ما كانت تتعلق به في الجاهلية، وليظهر من يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم اتباعاً مجرداً من كل إيحاء آخر، ممن ينقلب على عقبيه اعتزازاً بنعرة جاهلية تتعلق بالجنس والقوم والأرض والتاريخ؛ أو تتلبس بها في خفايا المشاعر وحنايا الضمير .

وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت عنده اليهود فقال" إنهم لم يحسدونا على شيء كما حسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها وعلى قولنا خلف الإمام آمين "(صحيح الترغيب والترهيب).

حتى إذا استسلم المسلمون، واتجهوا إلى القبلة التي وجههم إليها الرسول، صلى الله عليه وسلم، وبدأ اليهود يتخذون من هذا الوضع حجة لهم، صدر الأمر الإلهي الكريم بالاتجاه إلى المسجد الحرام، ولكنه ربط قلوب المسلمين بحقيقة أخرى بشأنه، هي أن هذا البيت بناه إبراهيم وإسماعيل ليكون خالصاً لله، وليكون تراثا للأمة المسلمة التي نشأت تلبية لدعوة إبراهيم ربه أن يبعث في بنيه رسولا منهم بالإسلام، الذي كان عليه هو وبنوه وحفدته . . وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن .

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصا على أن يتوجه في صلاته إلى قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام، فهو أولى الناس به لأنه من ثمرة دعوة أبيه إبراهيم عليه السلام، وحامل لواء التوحيد بحق كما حملها إبراهيم عليه السلام، وهو صلى الله عليه وسلم كان يحرص على أن يكون مستقلا ومتميزا عن أهل الديانات السابقة الذين حرفوا، وبدلوا، وغيروا كاليهود والنصارى، ولهذا كان ينهى عن تقليدهم والتشبه بهم بل يأمر بمخالفتهم، ويحذر من الوقوع فيما وقعوا فيه من الزلل، والخطل، والانحراف، ومقتضى هذا الحرص أن يتوجه في صلاته دائما إلى قبلة أبي الأنبياء، وهو أول بيت وضع للناس.

عباد الله أقول ماتسمعون وأقم الصلاة .
google-playkhamsatmostaqltradent