
وَلْيَسَعُهُمْ منكم بَسْطُ الوجه وحسن
الخلق

الرسول الأسوة ضرب لنا أروع الأمثلة في مكارم الأخلاق
المؤمن يتأسي بأخلاق نبيه صلي اله عليه وسلم
فضائل حسن الخلق
كيف ينال المسلم حسن الخلق ؟
الحمد الله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، القائل:"إِنَّ فِي الجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا) ، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:"لِمَنْ أَطَابَ الكَلَامَ ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ"(الترمذي)" اللهم صلاة وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله أمابعد فياعباد الله:"حديثنا إليكم اليوم عن مكارم الأخلاق
وقد وصف الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم، فأجمل وصفه، أعظم في مدحه؛ فقال:" وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ"(القلم: 4)، ولقد دعا الله عباده المؤمنين إلى التأسِّي به صلى الله عليه وسلم؛ فقال:" لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا"(الأحزاب: 21)،
ومن التأسي به التأسي به في هذا الأمر العظيم؛ ألَا وهو حسن الخلق، فمن كان متأسيًا به صلى الله عليه وسلم في حسن الخلق، كان من أحب الخلق إليه، وأقربهم منه منزلة يوم القيامة؛ فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقًا"( الترمذي).
وإن الله جل وعلا بعث الأنبياء والرسل، ومنهم خاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس في الدعوة إلى حسن الخلق، وجميل الشيم، وكريم الآداب، وقد أجمل صلى الله عليه وسلم البَعثة كلها في مكارم الأخلاق؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما بُعثتُ لأتمم صالح الأخلاق"(أحمد)، ولفظ البزار:"إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وقالت عائشةعنه"كان خلقه القرأن"
المؤمن يتأسي بأخلاق نبيه صلي اله عليه وسلم
عباد الله:"المؤمن حسن الخلق ، طيب المعشر، لين الجانب ، باسم الوجه ، يألف الناس ويألفونه ، يجدون في خصاله الحسنة صفات أهل الإسلام ، وعنوان الالتزام بشرائع الدين ، فلا هو بالفظ الغليظ ، ولا هو بالرخو السخيف ، ولا يرضي الناس بسخط الله ، ولا يخاف في الله لومة لائم ، لا تمنعه الاستقامة من الابتسامة ، ولا تحجزه عن الدعابة والطرفة المليحة ، ولا تدعوه إلى الاعتزال عن الناس وعدم مخالطتهم ، ولكنه يخالط الناس ويسلم عليهم ويبتسم إليهم ويصافحهم ويمازحهم ويحسن معاشرتهم ، ويجعل من ذلك سبيلا إلى دعوتهم ونصحهم وإرشادهم ، فهو قريب من الناس غير بعيد عنهم ، يعايشهم ، ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم ، فتجده لأخيه المسلم أخا معينا ، وصاحبا وفيا ، وصديقا حميما ، يفرح لفرحه ، ويحزن لحزنه ، ويواسيه إذا أصابه مكروه ، فلا تجد أحدا هو أنفع للناس من المسلم المتأدب بأدب الشريعة السمحة .
فضائل حسن الخلق
عباد الله :" ولحسن الخلق فضائل عظيمة وجليلة وقد دلت السنة على جملة هذه الآداب
الكريمة ، والأخلاق الحسنة ، نذكر منها طرفا يسيرا :
حسن الخلق يدعو إلى أن يكون الشخص محبوبًا بين الخلق؛ يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ممتنًّا عليه:"فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ"(آل عمران: 159)، أفادت الآية أن سيئ الخلق ينفض عنه الناس، ولن يقدر المرء استيعاب الخلق كلهم إلا بحسن خلقه، فلو كثُرَ ماله، وعظُم سخاؤه، فلن يسَعَهم؛ ولهذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ"(الحاكم والبزار).
وكما قيل:
أحسِنْ إلى الناس تستعبد قلوبهم
فطالما استعبد الإنسان إحسانُ
ويقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ"(مسلم) .
ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ "(الترمذي).
كمال الإيمان في حسن الخلق
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحَاسِنُهُمْ أَخْلَاقًا، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ"(صحيح).
ومعنى (الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا) أي : اللينون الذين لا يتأذى بهم من يصاحبهم .
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :" إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا" .
قال النووي رحمه الله :
" فِيهِ الْحَثّ عَلَى حُسْن الْخُلُق ،
وَبَيَان فَضِيلَة صَاحِبه ، وَهُوَ صِفَة أَنْبِيَاء اللَّه تَعَالَى
وَأَوْلِيَائِهِ ، قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ : حَقِيقَة حُسْن الْخُلُق بَذْل
الْمَعْرُوف , وَكَفّ الْأَذَى , وَطَلَاقَة الْوَجْه .
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : هُوَ مُخَالَطَة النَّاس بِالْجَمِيلِ وَالْبِشْر ، وَالتَّوَدُّد لَهُمْ ، وَالْإِشْفَاق عَلَيْهِمْ , وَاحْتِمَالهمْ ، وَالْحِلْم عَنْهُمْ , وَالصَّبْر عَلَيْهِمْ فِي الْمَكَارِه ، وَتَرْك الْكِبْر وَالِاسْتِطَالَة عَلَيْهِمْ ، وَمُجَانَبَة الْغِلَظ وَالْغَضَب ، وَالْمُؤَاخَذَة " انتهى .
فما عزمت عليه وشرعت فيه من معاودة
الابتسامة ، واستعادة الثقة ، وحسن العشرة ، وحضور الدعابة ، والاختلاط بالناس ،
في حدود الشرع ، بغير إفراط ولا تفريط ، مع استصحاب النية في ذلك لدعوتهم ونصحهم
وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر : سداد في الرأي ، وحكمة في التعامل ، وخطوة
جادة في طريق الدعوة
.
ومن تحلى بخلق أهل الإسلام ، فخالق
الناس بخلق حسن ، وخالطهم ، وتقرب إليهم ، يفعل ذلك ابتغاء وجه الله ، وليتسنى له
أن يدعوهم وينصحهم ، فهو مأجور من جهتين : من جهة التحلي بالخلق الحسن ، ومن جهة
التقرب إلى الناس وفعل ذلك لدعوتهم ، لا ليصيب منها عرضا ، أو يقضي منها وطرا .
حسن الخلق سبب الفلاح في الدنيا والأخرة
عباد الله:" إن حسن الخلق في المرء سببٌ لفلاحه
وسعادته في الدنيا والآخرة، وما استُجْلِبتِ الخيرات بمثله، ووجوده في الأمم أساس
لقوامها، وعامل من عوامل الحفاظ عليها؛ كما قيل:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
حسن الخلق يثقِّل الميزان، وأكثر ما يجعل العبد يحظى بأعالي الجنان؛ عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق"(أبو دواد)،
حسن الخلق يبني بيت في الجنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أنا زعيم ببيت في رَبَضِ الجنة لمن ترك الْمِرَاء، وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب، وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسُن خلقه"(أبو دواد)،
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، فقال: تقوى الله، وحسن الخلق"(الترمذي).
"جمع النبي بين تقوى الله وحسن الخلق؛ لأن تقوى الله يصلح ما بين العبد وبين ربه، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه، فتقوى الله تُوجِب له محبة الله، وحسن الخلق يدعو إلى محبته".
حسن الخلق يباعد عن النار
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ، عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ"(الترمذي).
حسن الخلق هو الدين كله، تخلَّق مع الله بامتثال أمره، واجتناب نهيه، وتخلَّق مع الخلق كلهم؛ يقول بعض العلماء: "من زاد عليك في الخُلُق، زاد عليك في الدين"، ومن ثَمَّ كان النبي المصطفى، والرسول المجتبى صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس خلقًا؛ لكونه أكملهم إيمانًا، وأعظمهم تدينًا؛ ولهذا روى الترمذي وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلُقًا".
الخطبة الثانية
الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد فلازلنا نواصل الحديث حول حسن الخلق
عباد الله:" كيف ينال المسلم حسن الخلق ؟
حسن الخلق مع علوِّ قدره، وعظم شأنه، ليس بصعب المنال، بل هو يسير على من وفقه الله وسهل عليه؛ روى أحمد في المسند والحاكم، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله قسَّم بينكم أخلاقكم، كما قسَّم بينكم أرزاقكم"، مما يفيده هذا الحديث أن الله جل وعلا هو المتفضِّل بحسن الخلق، كما أنه هو الرازق، ومما هو معلوم أن الرزق يُنال بأمرين:
باللجوء إلى الله في تيسيره، والتوكل على الله في اكتسابه؛ في حديث أبي ذر في مسلم، قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه:"يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أُطْعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكْسُكم"
السعي في طلبه من وجوهه المشروعة؛ قال سبحانه وتعالى:"هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ"(الملك: 15).
وهكذا حسن الخلق يُنال بأمرين:
سؤال الله جل وعلا أن يرزقه حسن الخلق؛ روى مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال"وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمِرتُ وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي، وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت"(مسلم).
عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((اللهم أحسنتَ خَلْقِي فأحْسِنْ خُلُقي"(أحمد)..
الأمر الثاني مما يُنال به حسن الخلق: مجاهدة النفس وترويضها على التحلي بمكارم الأخلاق؛ روى الطبراني وغيره عن أبي هريرة، وأبي الدرداء رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، من يتحرَّ الخيرَ يُعطَهُ، ومن يتَّقِ الشر يُوقَه))، وفي البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم:"ومن يستعفِفْ يُعفَّه الله، ومن يستغْنِ يُغْنِه الله، ومن يتصبَّر يُصبِّره الله، وما أُعطِيَ أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر".
وكما قيل:
والنفس كالطفل إن تتركه شبَّ على
حبِّ الرضاع وإن تفطِمْهُ ينفطمِ
فبالمجاهدة للنفس وترويضها تتحلى بحسن الخلق.
عباد الله:"
حسن الخلق الحديث عنه وعن فضائله، لا يمكن أن نستوعبه في مقام واحد، بل يحتاج لعدة مقامات، فالحديث عنه بحرٌ لا ساحل له، ومن يريد استيعابه في مقام واحد، كمن يريد أن يجعل البحر في إناء.ولابد لنا أن نتأسي بأخلاق نبنا صلي الله عليه وسلم ..