recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة علاقة الإسراء والمعراج بتحقيق الأمن في المجتمع لفضيلة الشيخ عبدالناصربليح



  مِنْ دُرُوسِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ

 علاقة الإسراء والمعراج بتحقيق الأمن في المجتمع 

من هم خطباء الفتنة؟ 

خُطَبَاءُ الْفِتْنَةِ.. عِقَابُهُمْ وَخَطَرُهُمْ


تحميل الخطبة Pdf
تحميل الخطبة word

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين وبعد فإن معجزة الإسراء والمعراج اشتملت علي دروس عديدة وعظيمة من هذه الدروس تحقيق الأمن في المجتمع ولأن الأمن يتحقق بدرء الفتن و الإسلام نهي عن الفتنة: بكل صورها وأشكالها "وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِين ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ"(الأنفال/25).

كما أمر بالتصدي لها فقال تعالي :" وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "(الأنفال /39).

  كما حذر من كفر هذه النعمة وجحودها والتفريط فيها فقال تعالي :"وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ"(النحل/112).     

وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الفتنة دائماَ " اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من عذاب النار وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ."(أحمد وصححه ).

وقال صلي الله عليه وسلم :"إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي قيل أفرأيت إن دخل علي بيتي قال كن كابن آدم"(صحيح الجامع).‌وورد أيضاَ عن أنس رضي الله عنه "الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.(تخريج السيوطي).

وفي ليلة الإسراء رأي الرسول صلي الله عليه وسلم الفتنة متجسدة في صورتها وهم الداعين إليها والمروجون لها قولاً وعملاً فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:"مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِرِجَالٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنَ النَّارِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟"فَقَالَ: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ، يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا يَعْقِلُونَ".(أَحْمَدُ فِي ((مُسْنَدِهِ))، وَ الْبَيْهَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي ((الصَّمْتِ)) بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ).

وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا -أَيْضًا- عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- -بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لِغَيْرِهِ- أَنَّ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- قَالَ: "هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ".

وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: "هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَقْرَؤُونَ كِتَابَ اللهِ وَلَا يَعْمَلُونَ بِهِ".

فِي مَشْهَدٍ مِنْ مَشَاهِدِ الْإِسْرَاءِ رَأَى النَّبِيُّ ﷺ حَالَةً عَجِيبَةً، فَاسْتَفْهَمَ عَنْهَا جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، فَأَخْبَرَ الْمُصْطَفَى ﷺ بِمَا هُنَاكَ، وَوَضَّحَ لَهُ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي يَدَعُ الْحَلِيمَ حَيْرَانَ؛ لِأَنَّ الَّذِي رَآهُ الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارُ ﷺ أَمْرٌ مُفْظِعٌ حَقًّا!!

"أَقْوَامٌ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ"، وَفِي رِوَايَةٍ:"بِمَقَارِيضَ مِنْ حَدِيدٍ"، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُصْنَعُ بِهِمْ ذَلِكَ فِي الْبَرْزَخِ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ إِلَى أَنْ يُقِيمَ اللهُ السَّاعَةَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَعِقَابٌ شَدِيدٌ".

:"ثم أتى على قوم تُقرَضُ شفاهُهم وألسنتُهم بمقاريضَ من حديدٍ، كلما قُرِضَتْ عادَتْ كما كانت، لا يفتُرُ عنهم من ذلك شيءٌ، قال : يا جبريلُ ! ما هؤلاءِ ؟ قال : "خطباءُ الفتنةِ"


من هم خطباء الفتنة؟ 

إنهم الذين يزينون لكل ظالم ظلمه. ويجعلون دين الله عز وجل في خدمة أهواء البشر

إن الدين كلمة تقال. وسلوك يفعل.فإذا انفصلت الكلمة عن السلوك ضاعت الدعوة.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر أصحابه بأمر إلا كان أسبقهم إليه، فكان المسلمون يأخذون عنه القدوة قولا وعملا، 

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه. حين يريد أن يقنن أمراً في الإسلام يأتي بأهله وأقاربه ويقول لهم: لقد بدا لي أن آمر بكذا وكذا، والذي نفسي بيده من خالف منكم لأجعلنه نكالا للمسلمين. وكان عمر بن الخطاب بهذا يقفل أبواب الفتنة، لأنه يعلم من أين تأتي" وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ "(فصلت: 33).

فالشرط الأول هو الدعوة إلى الله. 

والشرط الثاني العمل الصالح. وقوله :"إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ " لم ينسب الفضل لنفسه أو لذاته. ولكنه نسب الفضل إلى الإسلام

هَؤُلَاءِ لَمَّا حَلَّاهُمْ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِلْمُصْطَفَى الْمُخْتَارِ ﷺ كَانَ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنَّهُمْ أَقْوَامٌ انْتَدَبُوا أَنْفُسَهُمْ لِهِدَايَةِ النَّاسِ، وَلِلدَّلَالَةِ عَلَى سَوَاءِ الطَّرِيقِ.

وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَكْتَفُوا بِالدَّلَالَةِ الصَّامِتَةِ وَلَا بِالدَّلَالَةِ الْهَامِسَةِ، وَإِنَّمَا هُمْ جَهِيرُوا الصَّوْتِ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ.

هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ.. وَهَؤُلَاءِ الْخُطَبَاءُ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ مِنْ صِفَاتِهِمْ: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ شَيْئًا وَيَفْعَلُونَ سِوَاهُ.

وَإِذَنْ؛ فَقَدْ قَعَدُوا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ وَعَلَى صِرَاطِهَا، يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى الْجَنَّةِ بِأَقْوَالِهِمْ، وَيَصُدُّونَهُمْ عَنْهَا بِأَفْعَالِهِمْ!!

هَؤُلَاءِ أَقْوَامٌ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَآتَاهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْقُرْآنَ فَهُمْ لَا يَعْمَلُونَ بِهِ، وَلَا يُعَوِّلُونَ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا شَأْنُهُمْ أَنَّهُمْ يَنْتَصِبُونَ فِي الْأُمَّةِ بِجَهَارَةِ صَوْتٍ، وَدَلَالَةٍ عَالِيَةِ الزَّعِيقِ عَلَى شَيْءٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَلَا تُقِرُّهُ قُلُوبُهُمْ عَلَى وَجْهٍ سَوِيٍّ مُسْتَقِيمٍ.

آتَاهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْقُرْآنَ، فَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ بِهِ، وَصِفَاتُهُمُ الَّتِي وَصَفَهُمْ بِهَا جِبْرِيلُ وَالَّتِي اسْتَوْجَبُوا بِهَا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ فِي الْبَرْزَخِ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِهِمْ إِلَى أَنْ يُقِيمَ اللهُ السَّاعَةَ، صِفَاتُهُمْ قَدْ شَارَكُوا فِيهَا الْيَهُودَ؛ لِأَنَّ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- أَنْزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ قَوْلَهُ: "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ"(البقرة: 44).

خُطَبَاءُ الْفِتْنَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَالَّذِينَ لَا يُجِيدُونَ إِلَّا الْإِثَارَةَ وَالتَّهْيِيجَ!!

صَانِعُوا الْفِتَنِ الَّذِينَ يَصْنَعُونَهَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ، وَالَّذِينَ يَطْبُخُونَهَا فِي مَطْبَخِ إِبْلِيسَ، ثُمَّ يَعْرِضُونَهَا شَرَابًا سَائِغًا وَطَعَامًا مُسْتَسَاغًا لِكُلِّ مَنْ كَانَ حَامِضَ النَّفْسِ لَا يَسْتَسِيغُ إِلَّا الْعَفَنَ -نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ-.

لذلك الرسول صلي الله عليه وسلم رأي الكلمة ليلة الإسراء والمعراج وهي متجسدة في ثوبها كماورد:" ثم أتى على جحرٍ صغيرٍ يخرج منه ثورٌ عظيمٌ، فيريد الثَّورُ أن يدخلَ من حيث خرج فلا يستطيعُ، قال :"ما هذا يا جبريلُ ؟ قال :"هذا الرجلُ يتكلَّمُ بالكلمةِ العظيمةِ فيندم عليها فيريد أن يَرُدَّها فلا يستطيعُ"(البزاروابن أبي حاتم والطبري).

فالكلمة لابدأن تكون كَلِمَةٌ مُنْضَبِطَةٌ بِقَانُونِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كِتَابًا وَسُنَّةً، إِذَا خَرَجَتِ الْكَلِمَةُ فَلَنْ تَعُودَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ.

كَلِمَةٌ تَخْرُجُ مِنْ فِيِّ أَخْرَقَ لَا يَعِي مَا يَقُولُ؛ لِأَنَّ لِسَانَهُ لَيْسَ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ، وَإِنَّمَا قَلْبُهُ مِنْ وَرَاءِ لِسَانِهِ، فَلَا يَعْرِضُ مَا يَقُولُ عَلَى قَلْبِهِ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ كَلَامُهُ كَمَا شَاءَ لَهُ هَوَاهُ، ثُمَّ لَا يُبَالِي!!

"وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ".

 "وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَكْتُبُ اللهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَكْتُبُ اللهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ"(البخاري).

كَلِمَةٌ عَظِيمَةٌ؛ لِأَنَّ بِالْكَلِمَةِ يَدْخُلُ الْإِنْسَانُ دِينَ الْإِسْلَامِ، وَبِالْكَلِمَةِ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ مِنَ الدِّينِ، وَبِالْكَلِمَةِ يَسْتَوْجِبُ الْإِنْسَانُ حَدًّا فِي ظَهْرِهِ، وَبِالْكَلِمَةِ يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَوَرَّطَ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ الَّتِي تُغْضِبُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَتُغْضِبُ النَّبِيَّ الْكَرِيمَ ﷺ.

النَّاسُ لَا يَدْخُلُونَ الْإِسْلَامَ ظَاهِرًا إِلَّا بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، فَبِالْكَلِمَةِ -وَبِالْكَلِمَةِ وَحْدَهَا- بَدْءًا يَثْبُتُ عَقْدُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.

وَبِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ مِنَ الدِّينِ -نَسْأَلُ اللهَ التَّثْبِيتَ وَالْعَافِيَةَ-.

:"وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ  لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ"(التوبة: 65-66).

بِكَلِمَةٍ قَالُوهَا، قَالُوا: لَوْ كَانَ نَبِيًّا لَأَخْبَرَهُ رَبُّهُ وَأَوْحَى إِلَيْهِ عَنْ مَكَانِ نَاقَتِهِ إِخْبَارًا، وَلَكِنْ مَا دَامَ قَدْ وَدَعَهُ، مَا دَامَ تَرَكَهُ، فَلَيْسَ بِنَبِيٍّ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ.

وَنُقِلَتْ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، فَلَمَّا نَبَّأَهُمْ أَنْكَرُوا"يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ"( التوبة: 74). 

بِالْكَلِمَةِ يَدْخُلُ الْإِنْسَانُ الدِّينَ، وَبِالْكَلِمَةِ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ مِنَ الدِّينِ، وَبِالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ يُجْلَدُ الْعَبْدُ ثَمَانِينَ جَلْدَة، إِذَا مَا تَخَطَّى حَدَّهُ، وَتَجَاوَزَ قَدْرَهُ، فَاعْتَدَى عَلَى عِرْضٍ بِلِسَانِهِ لَا بِيَدِهِ وَلَا بِجَوَارِحِهِ، فَإِنْ سَبَّ امْرَأً وَجَبَ الْحَدُّ قِصَاصًا فِي ظَهْرِهِ -حَدُّ الْقَذْفِ ثَمَانُونَ جَلْدَةً-، ثُمَّ يُسَمَّى فَاسِقًا، وَلَا تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ التَّوْبَةَ النَّصُوحَ.

فَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يَدُلُّنَا عَلَى عِظَمِ خَطَرِ شَأْنِ الْكَلِمَةِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، فَلْنَحْفَظْ أَلْسِنَتَنَا؛ فَإِنَّ فِي الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ لَعِبَرًا وَآيَاتٍ بَيِّنَاتٍ.

فَعَلَيْنَا أَنْ نَلْتَفِتَ لِتِلْكَ الْعِبَرِ وَلِتِلْكَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ عَسَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَنْفَعَنَا بِهَا فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَمَاتِ, إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

 وقال صلى اللَه عليه وسلم : "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق به أقتابه فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه فيطيف به أهل النار فيقولون يا فلان ما أصابك؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه") أحمد البخاري ومسلم(،
 وقد ورد في بعض الآثار أنه يغفر للجاهل سبعين مرة، حتى يغفر للعالم مرة واحدة، ليس من يعلم كمن لا يعلم. وقال تعالى:"قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب" ،
 وروي عن النبي صلى اللَه عليه وسلم أنه قال: "إن أناساً من أهل الجنة يطّلعون على أناس من أهل النار، فيقولون بم دخلتم النار؟ فواللّه ما دخلنا الجنة إلا بما تعلَّمنا منكم، فيقولون: إنّا كنا نقول ولا نفعل"(ابن عساكر في ترجمة الوليد بن عقبة).

 وجاء رجل إلى ابن عباس فقال يا ابن عباس: إني أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، قال: أبلغْتَ ذلك؟ قال: أرجو، قال: إن لم تخش أن تفتضح بثلاث آيات من كتاب اللّه فافعل، قال: وما هن؟ قال: قوله تعالى: "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم" أحكمت هذه؟ قال: لا، قال: فالحرف الثاني، قال: قوله تعالى: { لم تقولون ما لا تفعلون؟ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} أحكمت هذه؟ قال: لا، قال: فالحرف الثالث، قال: قول العبد الصالح شعيب عليه السلام: { وما أُريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح} أحكمت هذه الآية؟ قال: لا، قال: فابدأ بنفسك “”رواه الضحّاك عن ابن عباس””وقال ابراهيم النخعي: إني لأكره القصص لثلاث آيات قوله تعالى: { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم"وقوله إخباراً عن شعيب: "وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه" .

وقوله :يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ  كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ"(الصف: 2-3).

لماذا..؟ لأن من يراك تفعل ما تنهاه عنه يعرف أنك مخادع وغشاش. وما لم ترتضه أنت كسلوك لنفسك. لا يمكن أن تبشر به غيرك. لذلك نقرأ في القرآن الكريم::" لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً "(الأحزاب: 21).

فمنهج الدين وحده لا يكفي.. إلا بالتطبيق. ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر أصحابه بأمر إلا كان أسبقهم إليه، فكان المسلمون يأخذون عنه القدوة قولا وعملا، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه. حين يريد أن يقنن أمراً في الإسلام يأتي بأهله وأقاربه ويقول لهم: لقد بدا لي أن آمر بكذا وكذا، والذي نفسي بيده من خالف منكم لأجعلنه نكالا للمسلمين. وكان عمر بن الخطاب بهذا يقفل أبواب الفتنة، لأنه يعلم من أين تأتي..

نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ-.

وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم  

google-playkhamsatmostaqltradent