نماذج من أخلاق الرسول صلي الله عليه وسلم
لفضيلة الشيخ ثروت سويف
امام وخطيب ومدرس بالأوقاف المصرية
الحمد لله رب العالمين أحمد الله الغني الكريم على إِفضاله، وأشكره على توالي آلائِه، وأشهد له بالإلهية واستحقاق العبادة، فأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا نِد ولا نَظير، وأصلِّي وأسلِّم على أشرف مخلوقاته، وخاتم أنبيائه، وأشهد له بالعبودية والرسالة فأشهد أنَّ محمدًا عبد الله ورسوله إلى العالَمين رحمة، وأُثَنِّي بالصلاة والتسليم على أهل الإيمان مِن آل بيته، ومعهم أصحابه الأئمة الميامين البَررة، وأطلبها مِن الله لنا جمبعًا، فاللهم استجب.
أمَّا بعد
فيا أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم: نختم فيض من مكارم اخلاق الحبيب المصطفى والنبي المجتبي وقد قال ربُّكم ــ جلَّ وعلا – داعيًا لكم ومُرغِّبًا بالتأسي بأخلاقه في سورة الأحزاب:"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ "
مواقف اخلاقية لسيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم ..
عباد الله: ان سيدنا محمد صاحب الخلق العظيم رفَع الله ذكرَه، وأعلى شأنه، معجزاتُه باهرة، ودلائلُه ظاهرة، منصورٌ بالرعب، مغفورُ الذنب، أوّل من ينشقّ عنه القبر، وأوّلُ الناس يشفَع يوم القيامة، وأكثرُ الأنبياءِ تبَعًا، وأوّل من يقرَع بابَ الجنة، وأوّل من يعبر الصراطَ، كان عبدًا لله شكورًا، يقوم من الليلِ حتى تتفطّر قدماه، قرّةُ عينِهِ في الصلاة، يقوم لله مخلِصًا خاشعًا
قال عن نفسه:"والله، إني لأتقاكُم لله"(متفق عليه ).
أشدُّ الناسِ تَواضعًا وأحسنُهم بشرًا، يجالِس الفقراءَ، ويُؤاكل المساكينَ، يخصِف نعلَه، ويخدم أهلَه ونفسَه، وشرَب من القِربة البالية، وحمل مع صحابتِه اللَّبِن في بناءِ المسجد، لا يعيبُ على الخدَم ولا يوبِّخُهم، قال أنس رضي الله عنه: خدمتُ رسولَ الله تسعَ سنين فمَا عابَ عليَّ شيئًا قط."(مسلم).
من موقف حسن خلقه
أنه كان يوقِّر الكبارَ ويتواضَع للصغار، إن مرَّ على صبيانٍ سلَّم عليهم
ورأى أبا عُميرٍ رضي الله عنه وكان صبيًّا فقال مداعِبًا له:"أبَا عمير، ما فعل النّغير؟"(متفق عليه).
يقول أنس رضي الله عنه:"ما رأيتُ أحدًا كان أرحمَ بالعيال من رسول الله"(مسلم).
وكان معظِّما لربّه، رفيق الأدَب مع خالقه، لا يدّعي لنفسِه شيئًا ممّا لا يملكه إلاّ الله، قال سبحانه: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ"(الأعراف:188).
وجَاءَه رَجل فقال له: ما شاءَ الله وشِئتَ، فقال له:"أَجَعلتني لله ندًّا؟! قل: ما شاءَ الله وحده"(النسائي).
ولقد اجتمع الأخنس بن شريق، مع أبي جهل يوم بدر، وكلاهما مخالف له وعدو له، قد أجمع على قتله وقتاله، فقال الأخنس لأبي جهل: يا أبا الحكم ليس هنا غيري وغيرك يسمع كلامنا، فأخبرني عن محمد أصادق أم كاذب؟ فقال أبو جهل: والله إن محمد لصادق وما كذب محمد قط.
فاعترف أعداؤه بمناقبه، ولا يقدرون على إنكار شيء من فضائله
ومن مكارم أخلاقه الكريمة في الإنسانية والاخلاق في التعامل مع المخطئ: ما رواه البخاري عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَامَ أعرَابِيٌّ فَبَالَ في الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ: "دَعُوهُ وَهَرِيْقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَم تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ"(البخاري).
ومن موقفه ما رواه مسلم عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي، لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا ﷺ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ، لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ"(مسلم).
وقد تجلَّت مظاهر الإنسانية والاخلاق في تعامل رسول الله مع الأسرى؛ فعن علِيٍّ قال: لَمَّا أَتَى بِسَبَايَا طَيئ وَقَفَتْ جَارِيَةٌ حَمْرَاءُ لَعْسَاءُ ذَلْفَاءُ عَيْطَاءُ، شَمَّاءُ الأَنْفِ، مُعْتَدِلَةُ الْقَامَةِ وَالْهَامَةِ، دَرْمَاءُ الْعَيْنِ، خَدِلَةُ السَّاقَيْنِ، لَفَّاءُ الْفَخِذَيْنِ، خَمِيصَةُ الْخَصْرَيْنِ، ضَامِرَةُ الْكَشْحَيْنِ، مَصْقُولَةُ الْمَتْنَيْنِ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهَا أُعْجِبْتُ بِهَا وَقُلْتُ: لأَطْلِبَنَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَجْعَلَهَا فِي فَيْئِي، فَلَمَّا تَكَلَّمَتْ أُنْسِيتُ جَمَالَهَا لِمَا رَأَيْتُ مِنَ فَصَاحَتِهَا، فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ، إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُخَلِّيَ عَنَّا وَلا تُشْمِتْ بِي أَحْيَاءَ الْعَرَبِ فَإِنِّي ابْنَةُ سَيِّدِ قَوْمِي، وَإِنَّ أَبِي كَانَ يَحْمِي الذِّمَارَ وَيَفُكُّ الْعَانِيَ، وَيُشْبِعُ الْجَائِعَ، وَيَكْسُو الْعَارِي، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَيُفْشِي السَّلامَ، وَلا يَرُدُّ طَالِبَ حَاجَةٍ قَطُّ، أَنَا ابْنَةُ حَاتِمِ طَيئ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا جَارِيَةُ، هَذِهِ صِفَةُ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا، لَوْ كَانَ أَبُوكِ مُسْلِمًا لَتَرَحَّمْنَا عَلَيْهِ، خَلُّوا عَنْهَا فَإِنَّ أَبَاهَا كَانَ يُحِبُّ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ، وَاللَّهُ يُحِبُّ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ"، فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نيارٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يُحِبُّ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ إِلا بِحُسْنِ الْخُلُقِ"(دلائل النبوة للبيهقي).
لقد عاتَبَ سيد الانسانية جُندَه على قتل رجل مشرك رحمةً بامرأة تحبه، فقد روى الطبراني في الأوسط بسند حسن): أن رسول الله ﷺ بَعَثَ سريةً فغنموا، وأخذوا رجلا منهم، فقال: إني لستُ منهم، إني عشقتُ امرأةً فلحقتها، فدعوني أنظر إليها ثم اصنعوا ما بدا لكم، فلما رآها قال: أسلمي حُبَيْش قبل نفاد العيش. قالت: نَعَمْ فدَيْتُكَ. ثم قدموه وضربوا عنقه. فوقعت عليه وشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت حَزَنًا، فلما قَدِمُوا على رسول الله ﷺ أخبروه بما جرى فقال: "أما كان فيكم رجل رحيم؟!!".
فقد تجاوزت إنسانيته ومكارم أخلاقه ﷺ ذلك كله إلى الحيوان والبهيمة؛ فيروي عبد الله بن جعفر -رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ دخل حائطًا لرجل من الأنصار، فإذا فيه جمل، فلما رأى النبيَّ ﷺ حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه -صلى الله عليه وسلم- فمسح ظفراه فسكت، فقال ﷺ: "مَن رَبُّ هذا الجَمَلِ؟ لمن هذا الجمل؟"، فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال له: "أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا؛ فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ"(أبو داود)، (وَتُدْئِبهُ: أَيْ تُكْرِههُ وَتُتْعِبهُ وَزْنًا وَمَعْنًى).
وقد مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ: "اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُّوهَا صَالِحَةً"(أبو داود، وابن خزيمة بسند صحيح)، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ قَالَ: "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُّ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ"(متفق عليه)، وفي المقابل: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - ﷺ: "بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ"(متفق عليه)، و"المُوقُ: الخف". وَ "يُطِيفُ: يدور حول"، "رَكِيَّةٍ: البئر". بشربة ماء غفرت ذنوبها، وبشربة ماء سترت عيوبها، وبشربة ماء رضي عنها ربها، بل بشربة ماء غفر الله الخطايا للبغايا فكيف بمن يرحم عباد رب البرايا؟!!
وتتجاوز انسانيته واخلاقه البهائم إلى الطيور الصغيرة التي لا يَنتفع بها الإنسانُ كنفعه بالبهائم، ولننظر إلى رحمته بعصفور! حيث يقول رسول الله ﷺ: "مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّ فُلانًا قَتَلَنِي عَبَثًا، وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ"(النسائي وابن حبان).
أيها المسلمون: هذا غيضٌ مِن فيض من صُوَر ونماذج اخلاق وشمائل سيد المرسلين ؛ وما أغفلناه أكثرُ ممَّا ذكرناه، ويكفي القلادةُ ما أحاط بالعنق!!!
عباد الله، إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته المسبحة بقدسه، وثلث بكم من جنه وأنسه، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صل على عبدك ورسولك محمّد صاحب الحوض المورود، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء..
اللهم اهدنا الي محاسن الاخلاق ونجنا يوم التلاق وانصر الاسلام والمسلمين المستضعفين في كل مكان وقهم السوء فانت خير واق
إن الله يأمر بثلاث وينهى عن ثلاث ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) اذكروا الله يذكركم واستغفروه يغفر لكم والله يعلم ما تصنعون واقم الصلاة إن الصلاة كانت علي المؤمنين كتابا موقوتا
جمع وترتيب \ ثروت سويف \ امام وخطيب ومدرس بالأوقاف المصرية