recent
أخبار عاجلة

خطبة الاسراء والمعراج فرج بعد كرب لفضيلة الشيخ ثروت سويف

الاسراء والمعراج  فرج بعد كرب

لفضيلة الشيخ ثروت سويف

تحميل الخطبة pdf
تحميل الخطبة word

أولا: ما الإسراء والمعراج ؟

ثانياً : ما الحكمة من رحلة الإسراء والمعراج ؟

ثالثاً: فضل ومكانة سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم في تلك الرحلة :

رابعاً: ما الدروس المستفادة من الرحلتين وما المشاهد التي راها ؟


الحمدُ للهِ الذي أسرَى بعبدِهِ ورسولِه المبعوثِ رحمةً للعالمينَ، وأراهُ مِنْ آياتِه ما يزدادُ به الإيمانُ ويقوَى به اليقين

 

وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له الملكُ الحقُّ المبينُ، الذي فضَّلَ نبيَّنا محمدا ًعلى جميعِ الأنبياءِ والمرسلينَ، وجعلَ دينَه ظاهِراً علَى كلِّ دينٍ

 

وأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمداً سيد المرسلين وحبيب رب العالمين ارسله ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً

 

واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المعلم الجليل، والهادي النبيل، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

 

اما بعد

 

فقد اقتضت حكمة الله سبحانه إرسال الأنبياء مؤيَّدين بمعجزات لتكون تصديقًا لهم فيما يبلغون من رسالاته، فأعطي سيدنا محمد صاحب المعجزات الخالدات، ‏وكرمه سبحانه برحلة لم يسبق لبشرٍ أن قام بها وقد ذكرهما الله في كتابه

 

فقال في شأن الإسراء : بسم الله الرحمن الرحيم (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَه [الإسراء:1]

 

روى الإمام مسلم بسنده عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ»، قَالَ: «فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ»، قَالَ: «فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ»، قَالَ " ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ )

 

أما المعراج فهو ثابت بنص الأحاديث الصحيحة ، أما القرءان فلم ينص عليه نصاً صريحا

 

لكن ذكر في سورة النجم قال تعالي  ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم:1-18].

 

في حديث أبي سعيد : « ثم جيء بالمعراج الذي تعرج فيه أرواح بني آدم ، فإذا هو أحسن ما رأيت ، ألم تر إلى الميت كيف يحد بصره إليه ؟ فعرج بنا فيه حتى انتهينا إلى باب السماء الدنيا ، فاستفتح جبريل ، فقيل له : من هذا ؟ فقال : جبريل : قال : ومن معه ؟ قال : محمد ، قال : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، ففتحوا وسلموا علي ، وإذا ملك موكل يحرس السماء يقال له إسماعيل ، معه سبعون ألف ملك ، مع كل ملك منهم مائة ألف ، ثم قرأ : ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) الشريعة للآجُرِّيّ

 

فما الإسراء والمعراج ؟

 

أما الإسراء: فهي رحلة أرضية تمت بقدرة الله عز وجل لرسول الله عليه الصلاة والسلام من مكة إلى بيت المقدس.

 

أما المعراج: فهي رحلة سماوية تمت بقدرة الله عز وجل لرسول الله عليه الصلاة والسلام من بيت المقدس إلى السماوات العلا ثم إلى سدرة المنتهى ثم اللقاء

 

يقول الامام البوصيري في البردة

 

مـولاي صلـي وسلـم دائـمـاً أبــدا علـى حبيبـك خـيـر الخـلـق كلـهـم

 

يا خير مـن يمـم العافـون ساحتـه سعياً وفوق متـون الأينـق الرسـم

 

ومـن هـو الآيـة الكبـرى لمعتـبـرٍ ومن هـو النعمـةُ العظمـى لمغتنـم

 

سريت مـن حـرمٍ ليـلاً إلـى حـرمٍ كما سرى البدر في داجٍ من الظلم

 

وبـت ترقـى إلـى أن نلـت منـزلـةًمن قاب قوسين لم تدرك ولم ترم

 

وقدمـتـك جـمـيـع الأنـبـيـاء بـهــاوالرسل تقديـم مخـدومٍ علـى خـدم

 

وأنت تخترق السبـع الطبـاق بهـم في مركب كنت فيه صاحب العلم

 

ما الحكمة من الاسراء والمعراج ؟

 

الحكمة من رحلة الإسراء والمعراج منها

 

‏أولاً: توالت على رسول الله قبيل حادثة الإسراء والمعراج الحوادث والأزمات الكثيرة، فإلى جانب ما كان يلاقيه من عنتٍ وعذاب الكفار له وتصديهم لدعوته وإنزال الأذى والضرر به وبمن تبعوه، فَقَد نصيرًا وظهيرًا له هو عمه أبو طالب، وكذلك فَقَد شريكة حياته وحامية ظهره السيدة خديجة التي كانت له السند والعون على تحمُّل الصعاب والمشقات في سبيل تبليغ دعوته السامية، فكلاهما مات قبيل حادثة الإسراء والمعراج؛ ولذا سمي هذا العام "عام الحزن" ومن هنا كان إنعام الله على عبده ورسوله محمد ﷺ بهذه المعجزة العظيمة؛ تطييبًا لخاطره وتسرية له عن أحزانه وآلامه... ثم ليشهد فيها من عجائب المخلوقات وغرائب المشاهد وكان لابد من تهيئته لتلك الرحلة فجاءه الملك ليشق صدره، ويخرج قلبه ، وغسل القلب الطاهر الشريف في طست من ذهب، بماء زمزم، ثم أعاده مكانه، وقدم له البراق ينتهي حافره حيث ينتهي طرفه، وكان معه جبريل، وقد ارتحل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وكل ذلك كان في برهة من الليل.

 

وفي ليلة الإسراء والمعراج ثم ذلك الربط بين أفراد الأمة المسلمة كلها عبر الرباط ما بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وثاني المسجدين ومسرى رسول الله .

 

‏ثانيًا: ولما كان الإسراء وكذلك المعراج خرقًا لأمور طبيعيَّة ألفها الناس، فقد كانوا يذهبون من مكة إلى الشام في شهر ويعودون في شهر، لكنه -أي: رسول الله ذهب وعاد وعرج به إلى السموات العلا، وكل هذا وذاك في جزء... فكان هذا شيئًا مذهلاً، أي أنه كان امتحانًا واختبارًا للناس جميعًا، وخاصة الذين آمنوا بالرسالة الجديدة، فصدَّق أقوياء الإيمان وكذَّب ضعاف الإيمان. وهكذا تكون صفوف المسلمين نظيفة، ويكون المسلمون الذين يُعِدُّهم الله للهجرة أشخاصًا أتقياء أقوياء، لهم عزائم متينة وإرادة صلبة؛ لأن الهجرة تحتاج لأناس ‏تتوفر لديهم هذه الصفات.

 

ففي الإسراء والمعراج رأى النبي ورأى المؤمنين طرفا من آيات الله الكبرى في ملكوت السماوات والأرض جعلهم يؤمنون بقدرة الله تعالى ، وبذلك تبين إيمان الصادقين وغير الصادقين ، وصدق الله العظيم إذ يقول: ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون .

 

روي البخارى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] قَالَ: «هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ، أُرِيَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ»، قَالَ: {وَالشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ} [الإسراء: 60]، قَالَ: «هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ»

 

‏ثالثًا: لقد كان الصعود من بيت المقدس ولم يكن من مكة، ذا دلالات، إحداها الأمر بنشر الإسلام وتوسعة إطاره؛ وذلك لأنه الدين الخاتم الشامل الجامع الذي ارتضاه الله للناس كافة على اختلاف أجناسهم، وألوانهم، وشعوبهم، ولغاتهم وان هذه الامه هى الامة الخاتمه وان الحق معها .

 

‏ ‏ونشير إلى أنه لا نستطيع إحصاء ما للإسراء والمعراج من حكم وفضائل، وإنما سقنا ما أفاء الله به علينا، وعرضناه بإيجاز.

 

فضل ومكانة سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم في تلك الرحلة :

 

‏حيث صعد به رب العزة والجلالة إلى مكان عظيم لم يبلغه أحد من البشر قبله ، حيث عرج به إلى السموات السبع، وتخطاهن إلى البيت المعمور حتى وصل إلى سدرة المنتهى، ثم عرج إلى الجبار جل جلاله, وكلَّمه رب العزة والجلالة فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى

 

فلما ركب البراق تشبث جبريل بركابه وأخذ ميكائيل بزمام براقه فلم يزل يخترق الملكوت إلى أن وصل إلى سرادقات الجبروت فاخترق حجب النور وجاوز الستور وصار العرش عن يمينه والكرسي عن شماله واللوح

 

والقلم خلف ظهره ووصل إلى مقام لم يصل إليه أحد سواه وأقرب إلى محل لم يقربه عبد إلا إياه فقيل له تقدم يا خاتم النبيين فقال تقدمت يا رب العالمين فقال وعزتي وجلالي لأنشرن ذكرك لأشرحن صدرك ولأرفعنك قدرك ولأشفعنك في العصاة المذنبين ولأصلين على من صلى عليك من المؤمنين

 

 قال البغوي ألم نشرح لك صدرك أي ألم نفتح ونوسع ونلين قلبك للإيمان والنبوة والحكمة والعلم صلى الله عليه وسلم ووضعنا عنك وزرك أي وزر أمتك لاشتغال قلبه بذنوب أمته جزاه الله أفضل ما جازى نبيا عن أمته صلى الله عليه وسلم.

 

فوصوله إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام :انفرد رسول الله عن جبريل بعد سدرة المنتهى حتى وصل إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام التي تنسخ بها الملائكة في صحفها من اللوح المحفوظ .

 

سماعه كلام الله تعالى الذاتي الأزلي الأبدي الذي لا يشبه كلام البشر

 

فرؤيته لله عزّ وجلّ بفؤاده لا بعينه : مما أكرم الله به نبيه في المعراج أن أزال عن قلبه الحجاب المعنوي ،فرأى الله بفؤاده ، أي جعل الله له قوة الرؤية في قلبه لا بعينه ، لأن الله لا يرى بالعين الفانية في الدنيا ، فقد قال الرسول صلي الله عليه وسلم واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا.

 

لقد كرم الله النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء والمعراج تكريماً ما أكرم به نبياً من الأنبياء، ولا رسولاً من الرسل.

 

فقد ذكر أبو نعيم في دلائل النبوة، وابن كثير في تفسيره وفي البداية والنهاية: أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لربنا وفي رواية البزار قوله: {إذ يغشى السدرة ما يغشى} ، فقال تبارك وتعالى له: سل : يا رب! ما من نبي إلا وقد كرمته، فقد اتخذت إبراهيم خليلاً، وكلمت موسى تكليماً، وسبحت الجبال مع داود، وسخرت الجن والطير والريح لسليمان، وخلقت عيسى من روحك، ففيم فضلتني بين هؤلاء وبم كرمتني بين هؤلاء؟ فقال له ربنا: يا محمد! إن كنت كرمت هؤلاء فقد كرمتك تكريماً ما كرمته لنبي من قبلك، فقال: ما هو يارب؟ فقال ربنا سبحانه وتعالى: يا محمد! لقد رفعت ذكرك، وأعليت شأنك، فلا أذكر حتى تذكر معي، يا محمد! المؤذن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، ويقول: وأشهد أن محمداً رسول الله.

 

هل هناك تكريم أعظم من هذا التكريم؟! يذكر اسم الله فيذكر بعده اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أذكر حتى تذكر معي يا محمد! لقد قرنت اسمك باسمي فلا أذكر حتى تذكر.

 

يقول حسان بن ثابت:

 

أغر عليه للنبوة خاتم              من نور يلوح ويشهد

 

وضم الإله اسم النبي إلى اسمه   إذا قال في الخمس المؤذن أشهد

 

وشق له من اسمه ليجله فذو       العرش محمود وهذا محمد

 

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سألت ربي مسألة وددت أني ما سألته إياها، قلت: يا رب لقد اتخذت إبراهيم خليلاً، وكلمت موسى تكليماً، واصطفيت نوحاً على البشر، وجعلت عيسى يحيي الموتى فما أعطيتني؟ قال الله عز وجل له: يا محمد! ألم أجدك يتيماً فآويتك، ووجدتك ضالاً فهديتك، ووجدتك عائلاً فأغنيتك، ألم أشرح لك صدرك، وأضع عنك وزرك، وأرفع لك ذكرك، قلت: بلى يا رب! قال: (وللآخرة خير لك من الأولى)، أعطيتك الكوثر ماؤه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وألين من الزبد، وعدد آنيته بعدد نجوم السماء).

 

يقول أمير الشعراء أحمد شوقي :

 

أَســــرَى بــــك اللهُ لــيــلاً, إِذ مـلائـكُــه. والرُّسْلُ في المسجد الأَقصى على قدَمِ

 

لـمــا خـطــرتَ بـــه الـتـفُّــوا بـسـيـدِهـم كالشُّـهْـبِ بـالـبـدرِ, أَو كالـجُـنـد بالـعَـلـمِ

 

صـلـى وراءَك منـهـم كـــلُّ ذي خـطــرٍ ومـــــن يــفُـــز بـحـبــيــبِ الله يــأْتــمــمِ

 

جُـبْـتَ السـمـواتِ أَو مــا فـوقـهـن بـهــم عـــلـــى مـــنـــوّرةٍ دُرِّيَّـــــــةِ الــلُّــجُـــمِ

 

رَكـوبـة لــك مــن عــزٍّ ومــن شـــرفٍ لا فـي الجيـادِ, ولا فـي الأَيْـنُـق الـرسُـمِ

 

مَشِـيـئـةُ الـخـالـق الـبــاري, وصَنـعـتُـه وقــــدرةُ الله فــــوق الــشـــك والـتُّــهَــم

 

حَـتّــى بَـلَـغـتَ سَـمــاءً لا يُـطــارُ لَــهــاَلـــى جَـنــاحٍ وَلا يُـسـعـى عَــلــى قَــــدَمِ

 

وَقــيــلَ كُـــــلُّ نَــبِـــيٍّ عِــنـــدَ رُتـبَــتِــهِ وَيـــا مُـحَـمَّـدُ هَـــذا الــعَــرشُ فَـاِسـتَـلِـمِ

 

خَـطَـطـتَ لِـلـديـنِ وَالـدُنـيــا عُلـومَـهُـمـا يـا قـارِئَ الـلَـوحِ بَــل يــا لامِــسَ القَـلَـمِ

 

أَحَـطــتَ بَينَـهُـمـا بِـالـسِــرِّ وَاِنـكَـشَـفَـت لَــكَ الخَـزائِـنُ مِــن عِـلــمٍ وَمِـــن حِـكَــمِ

 

هو المصطفى وهو المجتبى فلقد اصطفى الله من البشرية الأنبياء واصطفى من الأنبياء الرسل واصطفى من الرسل أولى العزم واصطفى من أولى العزم الخمسة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد واصطفى محمد ففضله على جميع خلقه. شرح له صدره ورفع له ذكره ووضع عنه وزره وزكاه فى كل شىء :

 

زكاه فى عقله فقال سبحانه: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [ النجم: 2].

 

زكاه فى صدقه فقال سبحانه: وَمَا يَنطِقُ عَن الهوىَ [ النجم: 3].

 

زكاه فى صدره فقال سبحانه: أَلم نَشْرح لَكَ صَدْرَكَ [ الشرح: 1].

 

زكاه فى فؤاده فقال سبحانه: مَاكَذَبَ الفُؤادُ مَارَأىَ [ النجم: 11].

 

زكاه فى ذكره فقال سبحانه: وَرَفعنَا لَكَ ذكْرَكَ [ الشرح: 4].

 

زكاه فى طهره فقال سبحانه: وَوَضعنَا عَنكَ وزْرَكَ [ الشرح :2 ].

 

زكاه فى علمه فقال سبحانه: عَلَّمَهُ شَديدٌ القُوىَ [ النجم: 5 ].

 

زكاه فى حلمه فقال سبحانه: بِالمؤمِنينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [ التوبة :128].

 

زكاه كله فقال سبحانه: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلقٍ عَظِيمٍ [ القلم: 4 ].

 

بأبى هو وأمى . .. هو رجل الساعة، نبى الملحمة، صاحب المقام المحمود - الذى يغبطه عليه كل نبى فى أرض المحشر - الذى وعد الله به نبينا فى قوله :

 

وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء-79].

 

‏ومن فضله في تلك الليلة شجاعتة صلى الله عليه وسلم ويتضح ذلك عندما أخبر قريشا أنه أُسري به إلى بيت المقدس وعاد في نفس الليلة، ولم يتأخر ولم يتردد مع علمه بعناد كفار قريش، وعدم تصديقه في هذا الأمر العظيم حيث لا يمكن تخيل أن يتمكن بشر من الذهاب إلى بيت المقدس والعودة في نفس الليلة فيما كانوا يستغرقون في هذه الرحلة شهرين؛ شهرًا في الذهاب وشهرًا للعودة.

 الخطبة الثانية

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلينأمابعد 

‏ومن فضله  عموم رسالته صلى الله عليه وسلم:

‏لقد ثبت في الروايات المتعددة أن رسول الله صلى بالأنبياء إمامًا في بيت المقدس في ليلة الإسراء والمعراج، وفي هذا دلالات منها أن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة إلى خلقه، ودليل على عالمية الإسلام، وعموم رسالة محمد ، وأنه حامل لواء الهداية للخلق جميعًا، تحمَّلها سيدنا رسول الله بأمانة وقوة، وقام بحقها على خير وجه، ثم ورَّثها لأمته من بعده، وبذلك أصبحت خير أمة أخرجت للناس، ومسئولة عن إقامة حُجَّة الله على خلقه جميعًا، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]

 

والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((والله لا يسمع بي يهودي ولا نصراني فلا يؤمن بي، إلا دخل النار)) وذالكم لعموم رسالته -عليه الصلاة والسلام- إلى الثقلين، بخلاف غيرهم من الأنبياء، فقد كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بعث إلى الناس عامة، كما في حديث الخصائص المشهور, وفي الحديث الصحيح: ((لو كان موسى حياً ما وسعه إلا إتباعي)) وجاء ما يدل على أن عيسى -عليه السلام- إذا نزل في آخر الزمان إنما يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم.

‏ 

google-playkhamsatmostaqltradent