
خطورة التكفير وأثره على الفرد والمجتمع
نهي القرآن عن الغلو والتطرف
الوسطية في السنة المطهرة
من أسباب التكفير ومظاهره
علاج الفكر التكفيرى
تحذير الرسول من التكفير
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداَعبده ورسوله اللهم صلاةوسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد :فياعباد الله حديثنا إليكم اليوم عن خطورة التكفير وأثره على الفرد والمجتمع
لأن الفكر التكفيري من أخطر مايواجه بلاد المسلمين ويسعي في تدميرها ويزهق وسطية الأمة التي أثنى الله على وسطيتها، قال تعالي:"وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا"(البقرة:143).
ونهي عن اللغو والتطرف والاسراف والتبذير في غير موضع؛فعندما تحدث عن اجتناب الغلوواستشعار خطر الغلو، وذم الشرع للغلو والغالين، قال تعالى: "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ"(النساء:171)،
وقال تعالى: "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا"(هود:112).
الوسطية في السنة المطهرة
عباد الله:" وكما حذر القرأن الكريم من الغلو حذرت السنة المطهرة أيضاً فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه. فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة"(البخاري).
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هلك المتنطعون" قالها ثلاثا"(مسلم)..
قال النووي في شرح صحيح مسلم: أي: المتعمقون الغالون، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم. اهـ.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين"( ابن حبان في صحيحه،).
فهذا النبيُّ الأكرم صلى الله عليه وسلم يؤكد سماحة الإسلام ويسره وأنَّ المتشددين والمتطرفين لن يستطيعوا أن يقفوا أمام يسره واعتداله وسماحته، وعلى المرء أن يروِّح عن نفسه بين الفينة والأخرى بما لا معصية فيه، وألا يملأ وقته كله بالعبادة حتى لا تسأم النفس وتمل، يقول سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوَّلنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا"(البخاري).
وهذا درس للوعاظ والمفتين وأهل التربية والإرشاد فيما يجب عليهم حيث ينبغي لهم أن يختاروا للناس الأيسر والأسهل والأنسب من الأقوال، وأن يعملوا على التبشير والترغيب لا على العنف والشدة والإرهاب.
فالمسلم ينبغي أن يكون أبعد ما يكون عن الإرهاب والشدة؛ لأن الأصل في الدين البشارة واليسر والتيسير. تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: ما خيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن فيه إث"(متفق عليه).
وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها في وصف رسول الله إنه كان أكرم الناس وألين الناس ،ضحّاكًا، بسّامًا. أخرجه ابن سعد وابن عساكر. فاللين من صفات هذا النبي الكريم الذي قال الله عز وجل فيه"وإنّك لعلى خلقٍ عظيمٍ"(القلم: 4).
يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: جاء ثلاثة رهطٍ إلى بيوت أزواج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلمَّا أخبروا كأنَّهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي وقد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر؛ قال أحدهم: أمَّا أنا فإنِّي أصلِّي الليل أبدًا؛ وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر؛ وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوَّج أبدًا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"أنتم الذين قلتم كذا وكذا؛ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوَّج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني "( متفق عليه)،
من أسباب التكفير ومظاهره
اتباع الهوى:
إن اتباع الهوى هو آفة من أعظم الآفات؛ فالهوى يستعبد الإنسان ويأسره ويجعله في ضلال، قال الله تعالي:"أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (الجاثية: 23).
إن كثيرا من هؤلاء الذين يسارعون إلى تكفير المسلمين بغير بينات هم في الحقيقة فعلوا ذلك اتباعا لأهوائهم ونفوسهم المريضة، ولم يكن ذلك منهم لعلم اكتسبوه ليس عند غيرهم، بل تبعا لهواهم، والهوى يعمي ويصم. وانظر إلى أحد قتلة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، فإن هذا المجرم طعن عثمان تسع طعنات، وقال: ثلاث لله، وست لما في نفسي. ولو صدق لقال: تسع لما في نفسي.
الجهل:
عباد الله:"إن القاسم المشترك بين كثير ممن يسارعون إلى تكفير المسلمين هو الجهل بشريعة الله تعالى، يقول ابن تيمية رحمه الله:"والمبادرة إلى التكفير إنما تغلب على طباع من يغلب عليهم الجهل".
ولقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج – وهم أول من خرج على الأمة بهذه البدعة المنكرة – بقوله "يقرءون القرآن، لا يجاوز تراقيهم"والمراد: أن تلاوتهم باللسان دون استقرار الإيمان والفهم في القلب.
وإذا أردت مثالا عمليا على جهل هؤلاء فارجع إلى قصة ذي الخويصرة ذلك الأعرابي الجاهل الذي جاء يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد اعدل، فقال صلى الله عليه وسلم: "ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل؟!"(متفق عليه).
ولو جلس هؤلاء إلى أهل العلم وأخذوا عنهم لنجوا من هذه الآفة العظيمة ومن غيرها من الآفات: "إنما شفاء العي السؤال"رواه أبو داود.
تصدر من ليس أهلا للإفتاء:
إن من أهم أسباب انتشار هذه الظاهرة التضييق على العلماء الراسخين ومنع الناس من الوصول إليهم، فيضطرون إلى التماس العلم عند الأصاغر الذين يتجرأون على ما يقف عنده العلماء، وقد قال رسول الله صلى الله: "إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر"(الطبراني).
وقد استشعر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا الخطر فحذر من هؤلاء الأغرار: "ما أخاف على هذه الأمة من مؤمن ينهاه إيمانه، ولا من فاسقٍ بَيِّن فسقه، ولكني أخاف عليها رجلاً قد قرأ القرآن حتى أذلقه بلسانه، ثم تأوله على غير تأويله".
يقول ابن قتيبة: "لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ، ولم يكن علماؤهم الأحداث، لأن الشيخ قد زالت عنه حِدَّة الشباب ومتعته وعجلته، واستصحب التجربة في أموره، فلا تدخل عليه في علمه الشُّبه، ولا يستميله الهوى، ولا يستزله الشيطان، والحَدَثُ قد تدخل عليه هذه الأمور التي أمنت على الشيخ، فإذا دخلت عليه، وأفتى هلك وأهلك".
ومن أهم العلاجات لهذه الآفة ألا يحال بين العلماء وبين الناس حتى يبينوا للناس دينهم ويزيلوا شبهات هؤلاء المنحرفين عن الجادة.
الاستهزاء بالدين
إن الاستهزاء بالدين ومهاجمته في وسائل الإعلام، وانتقاص المتدين بسبب هديه وسمته، بل والجرأة على ثوابت الدين دون خوف من عقوبة رادعة، قد تدفع بعض الغيورين – مع قلة العلم – إلى العزلة والشعور بأنه لا يمكن أن يقوم بهذا أو يسمح به مسلم، فيقع في تكفير المجتمع.
ومن أهم العلاجات لذلك: حماية جناب الدين من المعتدين عليه، والأخذ على أيديهم، وتطبيق القانون عليهم بحزم، وعدم السماح بالتطاول على الدين أو مظاهر التدين في المجتمع؛ حتى لا يتخذ ذلك ذريعة لوصم المجتمعات بالكفر.
الاغترارببعض المعروفين بالصلاح والاستقامة من وقعوافي التكفير:
مما يوقع بعض الشباب في تكفير الأفراد والمجتمعات اغترارهم بصدور ذلك ممن يبدو عليه سيما الصلاح والاستقامة، فيقلدونهم في ذلك ثقة بهم، ولعل هؤلاء لم ينتبهوا إلى تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الخوارج حين قال: "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية""متفق عليه". فهذا الصلاح الظاهر صاحبه انحراف في الفهم وصل بهؤلاء الخوارج إلى حد العمى، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (قوم أصابتهم فتنة فعموا وصموا).
إنهم لضلالهم عمدوا إلى الآيات التي نزلت في الكافرين فجعلوها على المؤمنين؛ لهذا قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم : (هم شرار الخلق والخليقة"(أحمد وأبوداود وابن ماجه).
ومن أهم أسباب العلاج لهذا السبب أن يتربى الشباب على أيدي أهل العلم الراسخين، وأن يستقر في نفوسهم أن الحق لا يعرف بالرجال، بل الرجال يوزنون بالكتاب والسنة،
علاج الفكر التكفيرى
ومن تلك المفاهيم التي حرص النبي صلى الله عليه وسلم على بيانها وتوضيح معالمها "مفهوم التدين" الذي كان ولا يزال عرضة للتصور المغلوط، والفهم القاصر، مما يؤدي إلى ممارسات خاطئة ولو كانت مع حسن النية، والرغبة في الخير، ويزيد البلاء أن بعض الناس قد ينسب أخطاء التدين إلى الدين نفسه، فيزداد الالتباس، مما يجعلنا بحاجة إلى ترشيد التدين في حياتنا من خلال التوجيهات النبوية الكريمة.
أولا: بيان طبيعة الدين
ركز النبي صلى الله عليه وسلم على توضيح طبيعة الدين ليتحدد بناء عليه طبيعة العلاقة بين الإنسان وبين هذا الدين، وهو ما نسميه "التدين"، فالتدين هو تمثل الدين، من خلال فهمه، وتطبيقه، وإعماله في الحياة العامة والخاصة، ففهم الدين يعتبر أهم ركائز التدين، ولا يمكن تطبيقه إلا بعد فهم طبيعته ومقاصده وخصائصه.
ومن ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ"(البخاري).
وحديث ابن الأدرع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة"(أحمد في المسند).
وغيرها من الأحاديث التي وردت في هذا المعنى وهي كثيرة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر بهذا الأصل بين كل فترة وأخرى، لا سيما إذا لمس من بعض الصحابة جنوحا إلى الغلو أوالتشدد، وإلزام النفس بما لم يلزمها به الشرع، فيذكرهم بأن الدين بطبيعته لا يقبل مثل تلك التشددات التي تجعل المتدين عرضة للانقطاع والانقلاب على الدين بالكلية، وتلك قضية في غاية الأهمية في صدد ترشيد مفهوم التدين، وهي كالأساس الذي ننطلق منه إلى غيره.
ثانيا: التحذير من التدين المشوه
يمكننا القول بأن من صور الانحراف في مفهوم التدين التي عالجها النبي صلى الله عليه وسلم، هو "التدين المشوه" إن صح التعبير، وله صور كثيرة، فالتدين المجتزأ الذي يحصل من البعض، بحيث يقتصر في تدينه على الشعائر الظاهرة، ثم لا يرى للتدين أثرا في معاملته مع الخلق، وهذا للأسف الشديد من أبرز صور الانحراف التي نبه عليها النبي صلى الله عليه وسلم من وقت مبكر، وذلك من خلال الحديث المشهور بحديث "المفلس"، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "أتدرون ما المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال:"إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار"(مسلم).
ثالثا: الاستقامة أحد ركني التدين
تمثل الاستقامة أحد ركني التدين الحقيقي، وذلك بعد تحقيق الركن الأول الذي هو الإيمان الجازم، ولذلك أكد النبي صلى الله عليه وسلم على ضرورة الاقتران بينهما حتى يكون التدين مستوفيا لحقيقته، وذلك في مقالته الجامعة للرجل الذي جاء يسأله خلاصة يستقيم عليها دينه، بحيث لا يحتاج إلى سؤال غيره، كما في حديث سفيان بن عبد الله الثقفي، قال: قلت: يا رسول الله: قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك، قال: «قل: آمنت بالله، ثم استقم"(ابن حبان).
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علي اشرف المرسلين وبعد
لازلنا نواصل الحديث حول خطورة التكفير
تحذير الرسول من التكفير
فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته أيضا فقال: "إذا قال
الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما".
ويقول صلى الله عليه وسلم: "لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا
يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك".
قال ابن عبد البر: فقد باء القائل بذنب كبير وإثم عظيم، واحتمله بقوله ذلك، وهذا غاية في التحذير من هذا القول والنهي عن أن يقال لأحد من أهل القبلة: يا كافر.
ولقد شَبَّه النبي صلى الله عليه وسلم تكفير المسلم بكبيرة من أعظم الكبائر وهي القتل العمد، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله".
من أقوال العلماء في التحذير من التكفير:
لقد حذر علماؤنا قديما وحديثا من الوقوع في هذا الأمر الخطير – تكفير المسلمين – وسنذكر هنا شيئا من أقوالهم في ذلك:
- قال الطحاوي - رحمه الله - عند حديثه
عن أهل القبلة وتقريره لعقيدة السلف الصالح: "لا نشهَد عليهم بالكفر ولا
بشِرك ولا بنفاق، ما لم يظهر شيءٌ من ذلك، ونذَر سرائرهم إلى الله تعالى".
وقال: " ما تيقن أنه ردة يحكم بها، وما يشك أنه ردة لا يحكم بها، إذ الإسلام الثابت لا يزول بشك، مع أن الإسلام يعلو، وينبغي للعالم إذا رفع إليه هذا أن لا يبادر بتكفير أهل الإسلام".
- قال ابن تيمية : "ليس لأحد أن يكفِّرَ أحدًا من المسلمين، وإن أخطأ وغلِط، حتى تقام عليه الحجة وتُبيَّنَ له المحجة، ومَن ثبت إسلامه بيقين لم يزُلْ ذلك عنه بالشكِّ، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة".
فإنه ينبغي لجميع أفراد الأمة أن يحرصوا على التفقه في أمور التوحيد، ويبتعدوا عن كل ما يخل به، وأن يكثروا من الدعاء الذي أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر إليه حيث قال له: والذي نفسي بيده للشرك أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك على شيء إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره، قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم"(لبخاري).
وقال أيضاً في مجموع الفتاوى: وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة.
وقال ابن عبد البر في التمهيد: فالقرآن والسنة ينهيان عن تفسيق
المسلم وتكفيره ببيان لا إشكال فيه، ومن جهة النظر الصحيح الذي لا مدفع له أن كل
من ثبت له عقد الإسلام في وقت بإجماع من المسلمين ثم أذنب ذنبا أو تأول تأويلاً
فاختلفوا بعد في خروجه من الإسلام لم يكن لاختلافهم بعد إجماعهم معنى يوجب حجة ولا
يخرج من الإسلام المتفق عليه إلا باتفاق آخر أو سنة ثابتة لا معارض لها، وقد اتفق
أهل السنة والجماعة وهم أهل الفقه والأثر على أن أحداً لا يخرجه ذنبه وإن عظم من
الإسلام وخالفهم أهل البدع، فالواجب في النظر أن لا يكفر إلا أن اتفق الجميع على
تكفيره أو قام على تكفيره دليل لا مدفع له من كتاب أو سنة.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه