recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة بعنوان الحكمة من الإسراء والمعراج



في رحاب الإسراء والمعراج 

الظروف التي سبقت الرحلة:

الحكمة من الإسراء و المعراج

رحلة بالجسد والروح

لما الإسراء إلى بيت المقدس أولا؟

في رجاب المعراج أحداث ومرائي كبري

تحميل خطبة الجمعة ورد

تحميل الخطبة pdf

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أمابعدفياعباد الله 

يقول الله تعالى:"سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ"(الإسراء: 1).

 عباد الله :" كانت حادثة الإسراء و المعراج بمثابة منعطف خطير في تاريخ الدعوة الإسلامية، لما حملته من شحذ لهمة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم و تجديد لعزيمته، و ذلك بعد أن تحجرت قلوب أهل مكة فأعرضوا عن قبول الحق.

و تأتي ذكرى الإسراء و المعراج، و التي حدثت في السابع و العشرين من شهر رجب من عام الحزن، لتبين للناس كافة وللمسلمين خاصة، عظمة الله ومشيئته، بالقدر الذي توضح لهم فيها ضعف حيلة الإنسان، و عجزه أمام قوة الله و بأسه

الظروف التي سبقت الرحلة

عباد الله :" إن المتأمل للظروف التي سبقت رحلة الإسراء و المعراج، يجد أن تلك الرحلة المباركة كانت بالنسبة للرسول صلى الله عليه و سلم بمثابة الانتقال من المحنة إلى المنحة.

فعلى مدار اثنتى عشرة سنة من العمل الدؤوب المتواصل واجه النبي صلى الله عليه و سلم و الذين آمنوا معه شتى أنواع العذاب و الهوان و الحرمان فضلا عن النهي و النأي من أولئك الذين صموا آذانهم عن سماع الحق و توالت الأحداث و كأنها على ميعاد بعد موت زوجه خديجة و عمه أبي طالب، و هما العضدان المتينان في حياته الاجتماعية، و كان لكل منهما دوره المهم في تمكين الدعوة.

و كان آخر المطاف في آلام الدعوة و مشاقها، رحلة ثقيف و ما ترتب عليها من سلبيات و جهالة حيث استبدلوا بحسن القرى و كرم الضيافة إغراء العبيد والصبيان بالسخرية من رسول الله صلى الله عليه و سلم و قذفه بالحجارة و قبيح الكلام، مما اضطره للعودة إلى مكة حاملا اللوعة والأسى من مشاق تلك الرحلة، وبلغت المأساة ذروتها حين أوصدت مكة أبوابها دونه، فلم يدخلها إلا في جوار مشرك و هو المطعم بن عدي.

الحكمة من الإسراء و المعراج

إنها ليلة الإسراء والمعراج , الليلة التي عمّ بها السكون ليستيقظ صلى الله عليه وسلم على صوت يناديه : قم أيها النائم ..قم أيها النائم , فقام صلى الله عليه وسلم فرأى سقف بيته قد انفتح لينزل منه جبريل عليه السلام فينال منه هو ونفر من الملائكة عليهم السلام شقّ الصدر وغسل القلب لينتقلوا به إلى رحلة الإسراء والعروج إلى السماوات العلى .

ودون شك أنّ هذه الرحلة تحتاج إلى إعداد خاص تتلاءم مع تحقيق المعجزة الربّانية التي هي من آياته إنّه هو السميع البصير, انشقّ صدره الشريف وغسله الملائكة بماء زمزم , وبعد شق الصدر وغسل القلب وضع جبريل عليه السلام في صدره الإيمان واليقين والعلم الذي يحوي كل المعرفة به عزّ وجل .

 لتهذيب النفس وتحقيق الحق للعمل به  وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونبذ الباطل لإخراج الناس من الظلمات إلى النور,

عبادالله:" في ظل هذه الظروف القاسية و المعاناة المريرة التي عايشها الرسول صلى الله عليه و سلم، امتدت إليه يد العناية الإلهية لتمسح عن قلبه الطاهر ما علق به من أدران الحياة وهمومها، فكان الإسراء من المسجد الحرام أول بيت وضع للناس مباركا و هدى للعالمين في مكة المكرمة، إلى المسجد الأقصى. أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. في بيت المقدس في أرض فلسطين. ثم تلا ذلك معراجه صلى الله عليه و سلم من المسجد الأقصى إلى السماوات العلا، إلى حيث علم الله في مكان لم يجزه غيره من سكان الأرض أو السماء.

و كأن لسان حال تلك الرحلة يقول: يا محمد إذا ضاق بك أهل مكة و الطائف و رفضوك فهيا لترى محبيك والمتشرفين للقائك من صفوة خالقنا و أمناء شرائعنا ممن سبقوك من الأنبياء و إذا ضاق بك أهل الأرض فهيا لترى حفاوة أهل السماء بقدومك، و هيا لترى من آيات الله الكبرى ليتسنى لك الجمع بين إيمان الغيب وإيمان المشاهدة وعلم العقل وعلم التجربة، فينشرح صدرك، و تستعيد ثقتك بنفسك و تزداد اتصالاً بربك.

علاوة على كل هذا، فلعل من الحكم التي أرادها الله سبحانه و تعالى من الإسراء و المعراج، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر في سورة النحل وهي السورة السابقة على سورة الإسراء، بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، قال تعالى:"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"(النحل/).كما أمر عليه السلام كذلك بالصبر والتحمل، قال تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ} [2] . وهذه المواقف من دعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ومجادلة لطيفة مقنعة، وصبر وتمهل، تتطلب تزويد الرسول صلى الله عليه وسلم بزاد روحي معنوي، و يزيده ثباتا على طريق الله والدعوة لهداه، و يمده بالصبر الذي يلزمه لاحتمال أعدائه و مناوئي دعوته.

رحلة بالجسد والروح

عباد الله:" لما كان الإسراء ثابتا في القرآن الكريم فإن أحدا من المسلمين لم يخالف في وقوعه لأن المكذب له يكون قد ناقض القرآن في صريح آياته، غير أن البعض يذهب إلى أن الإسراء كان لروح النبي صلى الله عليه و سلم دون جسده، و الحقيقة أن الإسراء من مكة إلى بيت المقدس و من ثم المعراج إلى السماوات العلا كانا للروح والجسد معاً حيث تمت تلك الرحلة بجزء يسير من الليل و لا عجب في الأمر فأنها قدرة الله سبحانه وتعالى التي تسامت فوق كل القدرات وكل التصورات.

والآية القرآنية في صدر سورة الإسراء، واضحة في ذلك كل الوضوح:"سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ"(الإسراء: 1).

استهل الله تعالى في سورة الإسراء ( سبحان ) التي تعطي الإنسان طاقة قويّة تبعده عن كل شبه المقارنة التي تأتي بين قانون المادّة الأرضي البشري وقانون السماء من الله تعالى .

ومعنى سبحان الله  : أنّ الله منزّه في ذاته وصفاته وأفعاله فإذا صدر فعل قال الله تعالى( سبحان ) بقوله تعالى : (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنّه هو السميع البصير).

الله عزّ وجل هو الذي أسرى بعبده محمد روحا وجسدا صلى الله عليه وسلم , الله تعالى اختار لفظا حيثيّا يوازي الفاعل وهو (بعبده ) ثمّ بيّن سبب الإسراء والمعراج : ( لنريه من آياتنا) .

 لأن كلمة العبد إنما تطلق على الروح والجسد معا، كما أن آيات سورة النجم تدلل على ذلك، منها قوله تعالى:"إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى  لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى"(النجم: 16 - 18) فلا يزيغ البصر ولا يطغى إلا وهو في الجسم، ولا ينتفي عنه الزيغ والطغيان إلا وهو في الجسم أيضا، فلم يزغ البصر عن الحق، و لم يتجاوز الحقيقة بتسليط الخيال عليه، بل كانت رؤية حقيقية مدركة كما أراد الله لها أن تكون.

لما الإسراء إلى بيت المقدس أولا؟

إن الحكمة في إسرائه صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس أولا، كانت لإظهار الحق على من عانده من كفار مكة و غيرها، لأنه لو عرج به من مكة إلى السماوات العلا، لم يجد لمعاندة الأعداء سبيلاً إلى البيان والإيضاح، فلما ذكر أنه أسري به إلى بيت المقدس سألوه أعداء الدعوة، عن أشياء من بيت المقدس كانوا رأوها و علموا أنه لم يكن قد رآها قبل ذلك فلما أخبرهم بها حصل التحقق بصدقه فيما ذكر من الإسراء به إلى بيت المقدس و إذا صح خبره في ذلك، لزم تصديقه في بقية ما ذكره.

الحكمة من تخصيص الله بيت المقدس للإسراء دون غيره من الأماكن:

و أما الحكمة في كون بيت المقدس هو منتهى الإسراء و منطلق المعراج، وتخصيصه بذلك دون غيره الأماكن فهي أن مكة فيها أول بيت وضع للناس لعبادة الله قال تعالى: "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ"  .

 و أن بيت المقدس فيها البيت الثاني لعبادة الله. روى الشيخان عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام، قال: قلت ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة.

 فأراد الله سبحانه و تعالى أن يربط بين هاتين البقعتين في رحلة الإسراء و المعراج لوجود أقدم مسجدين فيهما، ليعلمنا رب العزة جل وعلا درساً جديداً بأن طريق الربط الصحيح بين الأماكن و البلدان هو عبادة الله و التوجه إليه و القرب منه، و للإشارة إلى أن على المسلمين في كل مكان وزمان، أن يعملوا على تحرير هذين البلدين من كل معتد غاصب و أن يجتهدوا و يبذلوا الغالي و الرخيص من أجل تطهيرهما، من رجز الكفرة و سموم الأعداء.

و عليه يتضح أن الحكمة من تخصيص الله سبحانه و تعالى بيت المقدس، ليكون الإسراء إليه و المعراج منه، دون غيره من الأماكن، و الله أعلم، هي إرادة الله جلت قدرته بأن تتطهر هذه المدينة من المظالم والانحراف و الفسوق و العصيان كما تتطهر مكة من الشرك و الوثنية و الظلم و الطغيان.

الخطبة الثانية

الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول وبعدفياعباد الله 

لازلنا في رجاب الاسراء والمعراج 

أحداث ومرائي كبري

ثمّ ركب الراكبة التي وصفها صلى الله علي وسلم بأنّها دون البغل وفوق الحمار بيضاء اللون وهي البراق المباركة لتنطلق إلى بيت المقدس وتطوي به الأرض طيّا وبسرعة خاطفة وبمدّة وجيزة وكان الأنبياء جميعا بانتظاره صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس ليصلّي بهم ثمّ عرج إلى السماء العلى  حتى سدرة المنتهى .

ولما وصلا إلى أبواب السماء الدنيا وهي أقرب سماء إلى الأرض فيستأذن جبريل عليه السلام بأن تُفتح لهما السماء لخير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم ثمّ يدور الحوار بين جبريل وخازن السماء ليسأله الخازن : من معك يا جبريل ؟ فيجيب جبريل عليه السلام معي محمد فيسأله الخازن هل أتى زمان بعثته ؟ فيجيب جبريل نعم ثمّ يفتح خازن السماء على الفور وهكذا في كل سماء حتّى السماء السابعة .

 وفي السماء الأولي وجد عليه السلام أباه آدم فسلم عليه صلى الله عليه وسلم , فيجيب آدم عليه السلام هو والملائكة : التحيات لله الصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي , السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين , إلى آخر الصلاة الإبراهيمية  وهكذا إلى السماء العلى مع الأنبياء والملائكة .

فينظر إلى يمينه صلى الله عليه وسلم فيضحك وينظر إلى شماله فيبكي وهذا ما استوقف النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره جبريل عليه السلام : إنها أرواح بنيه فأهل اليمين أهل الجنّة وأهل الشمال أهل النار , ثمّ يرى النبي بعض إخوانه من الأنبياء أحياء في قبورهم في السماوات العلى ومنهم : يحيى وعيسى ويوسف وهارون وإدريس وموسى وإبراهيم عليهم الصلاة والسلام .

ليصف بعضهم صلى الله عليه وسلم وصفا دقيقا ويتذاكر مع بعضهم أمر الساعة , يمر على سيدنا موسى عليه السلام كليم الله فيذكّره موسى بأنّ أمته بني إسرائيل لم يستجيبوا لدعوته الإجابة الحق فيبكي صلى الله عليه وسلم على هذه الأمّة التي جاهد معها موسى عليه السلام حقّ الجهاد إلاّ أنها عاندت واستكبرت وحُرمت من دين الله تعالى .

ثمّ رأى صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى التي عندها جنّة المأوى  كما قال تعالى في كتابه العزيز في مطلع سورة النجم التي يصف الله فيها الجنّة وثمارها وأنهارها ونعيمها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

وهناك عند سدرة المنتهى حيث يأمر الله تعالى بكتابه مقاديره وقضائه في السماوات والأرض والتي ينتهي إليها علم الله تعالى وهناك حيث فُرضت الصلاة وهي الخمسون في اليوم والليلة وهذا شأن وقدر عظيم لِعَظم الصلاة وشأنها الكبير عند الله تعالى .

وما على النبي إلاّ السمع والطاعة صلى الله عليه وسلم بما كلفه الله به , وما أن مرّ على موسى عليه السلام الذي استوقفه ليسأله عما أوحى له الله عزّ وجل فسأله موسى عليه السلام ماذا فرض الله لك ولأمّتك ؟ فقال عليه الصلاة والسلام  :

 فرض الله تعالى عليّ خمسون صلاة في اليوم والليلة فقال له موسى عليه السلام وبعد أن كانت له تجربة مع قومه بني إسرائيل ارجع إلى الله عزّ وجل واطلب منه التخفيف والله غفور رحيم بعباده لا يرد سائلا ولا راجيا من فضله وكرمه سبحانه وتعالى , فرجع النبي صلى الله علي وسلم إلى الله تعالى طالبا منه التخفيف عدة مرات حتى أن وصل الأمر إلى خمس صلوات في اليوم والليلة فيتجلى فضل الله ورحمته بعباده ولم يُنقص الثواب والأجر إنّه هو الغفور الرحيم قال تعالى في حديث قدسي :(أحصيت فريضتي وخفّفت عن عبادي , هنّ خمسة وهنّ خمسون ).لذلك يجب أن نعلم أن كل صنعة تقف أمام صانعها خمس مرات لا بدّ لها أن تكون على أطهر حال  وأوفى شيء, ليستمدّ هذا العبد العون من ربّه ليقف بين يدي صانعه الخالق سبحانه وتعالى حتى يصلحه ويهديه ويقويه على الاستقامة وأداء الواجبات الدينية الأخرى كالعبادات والمعاملات وغيرها .

كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم حينها 51 سنة و9 أشهر أسري به في ليلة الاثنين من27 رجب وكان أوّل من صدّق معجزة الإسراء والمعراج أبو بكر الصديق لذلك سُمّي بالصديق رضي الله عنه وأرضاه .

الفعل والأمر منه سبحانه وتعالى فهو الذي أسرى به صلى الله عليه وسلم , ولو قيست المسافة بزمانها بنسبة القوّة من الله عزّ وجل لتلاشى الزمن وتلاشت المسافات مع هذه القوّة الربانية الخارقة ,  

 عباد الله:" إنّ معجزة الإسراء والمعراج ما هي إلا تقديس لعبده محمد صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا حين غُسل بماء زمزم  وأودع في صدره الإيمان والحكمة, ومن شان الصلاة أن يتقدمها الطهور تناسبا من الحديث نفسه لتكون شرطية الصلاة الطهارة, حتى تكون الصلاة إعانة للمرء على التكاليف الشرعية الأخرى لأن الإنسان هو من صنع الله عز وجل.

عبادالله أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم .

google-playkhamsatmostaqltradent