recent
أخبار عاجلة

خصائص الأشهر الحرم في ضوء الكتاب والسنة د/عبدالقادرسليم مديرعام الدعوة بأوقاف كفرالشيخ

 


خصائص الأشهر الحرم في ضوء الكتاب والسنة

د/عبدالقادرسليم مديرعام الدعوة بأوقاف كفرالشيخ

 الحمد لله والصلاة واتلسلام علي رسول اله وبعد.

فقد أهل علينا شهر رجب المبارك وهو من الأشهر الحرم ، والناظر في القرآن الكريم وسنة النبي العظيم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يجد أن ثمة خصائص تتعلق بتلك الأشهر المباركات، ومن أهم هذه الخصائص مايلى:

الخصيصة الأولى: اصطفاء الله تعالى للأشهر الحرم  :

يقول الله تعالى :"وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ‌وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ"(القصص: 68).

ففي اختيار الله تعالى واصطفائه بعضَ الملائكة، وأَعْمِل نظرَك في اصطفائه خُلَّصَ

 البشر؛ ليكونوا رسلًا مبشّرين ومنذرين كما قال سبحانه:" اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ

 رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِير"(الحج: 75)، وتفكّر في تفضيله واختياره بعضَ

 الأماكن على بعض، وكيف اختارَ مكة من بين البقاع لتكون محلًا لبيته الحرام، وكذا

 الحال في مسجد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وكذا اختيارُه عز وجل بعضَ الأزمان

 وتفضيلها على غيرها من أيام الدهر!

وتأمّل في اختياره ما شاء من الأزمنة، فاختص رمضان، ثم اختص ليلةَ القدر من بين ليالي الشهر بتلك الفضائل الجليلة، وجعل أيامَ عشر ذي الحجة أفضلَ أيام الدنيا، وفضّلَ يوم الجمعة من بين سائر الأيام فجعله عيد الأسبوع!

إنه الله سبحانه وبحمده عَظُمتْ حكمتُه، وكمُلَ علمُه، إنه الله الذي يخلق ما يشاء ويختار.

 ومن جملة ما اختاره الله تعالى وفضّله، وعظّم أمرَه وفخّمه: الأشهر الحُرُم، تلك الأشهر التي ذكرها اللهُ جلَّ جلاله في قوله: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ... ﴾[التوبة: 36]؛ أي: أن عدد الشهور عند الله في قضائه وقدَره الذي مضى في اللوح المحفوظ: اثنا عشر شهرًا ـ وهي هذه الأشهر الهجرية المعروفة ـ منها أربعة حُرُم، وهي ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب.

وقد بينها رسول الله -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- في خطبة حجة الوداع، ففي

 "الصحيحين": أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ

 السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ

 وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِى بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ..."(أبوداود). فالأشهر الحرم هي: ذو القعدة،

 وذو الحجة، والمحرم، وهذه أشهر متوالية، ورجب، وهو المنفرد.

الخصيصة الثانية:  لماذا سميت بذلك، وما الحكمة من تحريمها ؟

هذه الأشهر سميت بذلك لأمرين:

الأول: لأن الله تعالى حرم فيها القتال بين الناس، يقول الله جل وعلا:"يَسْأَلُونَكَ عَنِ

 الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ"(البقرة:217)، فدل ذلك على أنه محرم فيها القتال، وذلك من رحمة الله تعالى بعباده حتى يسافروا فيها ويحجوا ويعتمروا.

والثاني: لتعظيم انتهاك المحارم فيها بأشد من تعظيمه في غيرها، وتعظيم الطاعات فيها أيضا؛ وقد ذكر ابن كثير في تفسيره: وإنما ‌كانت ‌الأشهر ‌المحرمة ‌أربعة ثلاثة سرد وواحد فرد، لأجل أداء مناسك الحج والعمرة فحرم قبل أشهر الحج شهرًا وهو ذو القعدة؛ لأنهم يقعدون فيه عن القتال وحرم شهر ذي الحجة؛ لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون فيه بأداء المناسك وحرم بعده شهرًا آخر وهو المحرم ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين، وحرم رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب فيزوره ثم يعود إلى وطنه فيه آمنا.

الخصيصة الثالثة: تعظيم الأشهر الحرم:

 يجب علينا أن نعظم ما عظَّمهُ اللهُ تعالى، فإن هذهِ الأشهُرَ عظيمةَ القدرِ والمكانةِ في شرع اللهِ، ومِن تعظيمِ المؤمنِ لربِّه تعالى: أنْ يُعظِّم ما عظَّمه، بل ذلكَ مِن أمارات خيريَّة العبدِ وتقواهُ، كما قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ"(الحج: 30)، وقال سُبحانه:"ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ"(الحج: 32)، وإذا كان أهلُ الجاهليةِ يُعظِّمون هذهِ الأشهرَ بالامتناعِ عنِ القِتالِ فيها، حتى يَمُرَّ الرَّجُلُ بقاتلِ أبيهِ فلا يُؤذيهِ؛ فإنَّ المؤمِنَ الْمُعظِّمَ للهِ ورسولهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أولى بتعظيمها: لا تقليدًا! بل تعبُّدًا واتباعًا.

الخصيصة الرابعة: الإكثار من الطاعات في الأشهر الحرم:

وهذه الأشهر يضاعف الله تعالى فيها الأعمال لذا ينبغي للمسلم والمسلمة أن ينتهزوا تلك الأشهر في العبادات والطاعات تعظيمًا لها وأن يمتنعوا فيها عما يغضب الله جل جلاله ومن الأعمال التي ينبغي للمسلم أن يقول بها الصوم، لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: « أفضلُ الصِّيامِ بعدَ شَهرِ رمضانَ، شَهرُ اللَّهِ المحرَّمُ». قال النووي رحمه الله تعالى في المجموع: «قال أصحابنا: ومن الصوم المستحب صوم الأشهر الحرم، وهي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، وأفضلها المحرم".

وعن مُجِيبَةَ البَاهِليَّةِ، عن أبيها أَوْ عمها: أنه أتَى رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ انطَلَقَ فَأَتَاهُ بَعْدَ سَنَةٍ - وَقَدْ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ وَهيئَتُهُ - فَقَالَ: يَا رسولَ الله، أمَا تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: «وَمَنْ أنْتَ»؟ قَالَ: أَنَا الباهِليُّ الَّذِي جِئْتُك عام الأَوَّلِ. قَالَ:"فَمَا غَيَّرَكَ، وَقَدْ كُنْتَ حَسَنَ الهَيْئَةِ!» قَالَ: مَا أكَلْتُ طَعَامًا مُنْذُ فَارقتُكَ إِلَاّ بِلَيْلٍ. فَقَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «عَذَّبْتَ نَفْسَكَ!» ثُمَّ قَالَ: «صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ، وَيَومًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ» قَالَ: زِدْنِي، فَإنَّ بِي قُوَّةً، قَالَ: «صُمْ يَوْمَيْن» قَالَ: زِدْنِي، قَالَ: «صُمْ ثَلاثَةَ أيَّامٍ» قَالَ: زِدْنِي، قَالَ: "صُمْ مِنَ الحُرُم ‌وَاتركْ، ‌صُمْ ‌مِنَ ‌الحُرُمِ ‌وَاتركْ، ‌صُمْ ‌مِنَ ‌الحُرُمِ ‌وَاتركْ" وقال بأصابِعه الثَّلاثِ فَضَمَّها، ثُمَّ أرْسَلَهَا"(أبوداود).يعني: إشارة إلى أنه يصوم ثلاثة أيام، ويترك ثلاثة أيام، وقيل في معناه: أنه يصوم ثلاثة ثم يترك ثلاثة، ثم يصوم ثلاثة

الخصيصة الخامسة: تعلق العبادات بالأشهر الهجرية:

علق المولى تبارك وتعالى العبادات بالأشهر العربية والْآيَةُ السابقة تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ تَعْلِيقُ الْأَحْكَامِ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا إِنَّمَا يَكُونُ بِالشُّهُورِ وَالسِّنِينَ الَّتِي تَعْرِفُهَا الْعَرَبُ، دون الشهور التي تعتبر ها الْعَجَمُ وَالرُّومُ وَالْقِبْطُ وَإِنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، لِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةُ الْأَعْدَادِ، مِنْهَا مَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِينَ وَمِنْهَا مَا يَنْقُصُ، وَشُهُورُ الْعَرَبِ لَا تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِينَ وَإِنْ كَانَ مِنْهَا مَا يَنْقُصُ، وَالَّذِي يَنْقُصُ لَيْسَ يَتَعَيَّنُ لَهُ شَهْرٌ، وَإِنَّمَا تَفَاوُتُهَا فِي النُّقْصَانِ وَالتَّمَامِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ سَيْرِ الْقَمَرِ فِي الْبُرُوجِ.

والواجب الاعتماد على السنة القمرية في العبادات كالصوم والحج وغيرها، كما عرفتها العرب، دون السنة الشمسية أو العبرية أو القبطية وغيرها، وإن لم تزد على اثني عشر شهرًا. وذلك بدليل الآية التي معنا، حيث ذكر فيها: ﴿ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾؛ والأربعة الحرم من الشهور القمرية وهي: (ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب).

 وقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم عن رجب: "الذي بين جمادى وشعبان".

وبدليل قوله تعالى:"هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُورًا، وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ

 السِّنِينَ وَالْحِسابَ "(يونس: 5).

 فجعل تقدير القمر بالمنازل علة لمعرفة السنوات والحساب، وهو إنما يصحّ بالاعتماد على دورة القمر.

وبدليل قوله تعالى:"يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ "(البقرة 189). وهو

 يدل على السنة القمرية واعتبارها في الصيام والزكاة والحج والأعياد والمعاملات وأحكامها.

الخصيصة السادسة: تغليظ العقوبة في الأشهر الحرم:

 اختلف العلماء من هذا المعنى فيمن قتل في الشهر الحرام خطأ، هل تغلظ عليه الدية أم لا؟

فقال الأوزاعي: القتل في الشهر الحرام تغلظ فيه الدية فيما بلغنا وفي الحرم فتجعل دية وثلثا. ويزاد في شبه العمد في أسنان الإبل.

قال الشافعي: تغلظ الدية في النفس وفي الجراح في الشهر الحرام وفي البلد الحرام وذوي الرحم.

وروي عن القاسم ابن محمد وسالم بن عبد الله وابن شهاب وأبان بن عثمان: من قتل في الشهر الحرام أو في الحرم زيد على ديته مثل ثلثها.

ورُوي ذلك عن عثمان بن عفان أيضا.

وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وابن أبي ليلى: القتل في الحل والحرم سواء، وفي الشهر الحرام وغيره سواء، وهو قول جماعة من التابعين. وهو الصحيح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سنَّ الديات ولم يذكر فيها الحرم ولا الشهر الحرام، وأجمعوا أن الكفارة على من قتل خطأ في الشهر الحرام وغيره سواء، فالقياس أن تكون الدية كذلك.

الخصيصة السابعة: تغليظ عقوبة الظلم في الأشهر الحرم:

 ومن الأمور المتعلقة بالأشهر الحرم حرمة الظلم فيها سواء كان ذلك الظلم للنفس أو الغير قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: ﴿ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ أي في هذه الأشهر المحرمة؛ لأنها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف؛ لقوله تعالى: "وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ"(الحج:25).

قال القرطبي رحمه الله: لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب؛ لأن الله سبحانه إذا عظم

 شيئًا من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت

 حرمته متعددة، فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيء، كما يضاعف الثواب بالعمل

 الصالح، فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه

 في الشهر الحلال في البلد الحرام، ومن أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام ليس

 ثوابه ثواب من أطاعه في شهر حلال في بلد حلال، وقد أشار الله إلى هذا بقوله: " يَا

 نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ

 يَسِيرًا"( الأحزاب:30).

الخصيصة الثامنة: النهي عن القتال في الأشهر الحرم:

اختلف أهل العلم في النهي عن القتال في الأشهر الحرم هل نسخ أم لا؟

فمذهب الجمهور على نسخه وأن تحريم القتال فيها نسخ، ومن حججهم غزو النبي صلى الله عليه وسلم للطائف في شهر ذي القعدة، وقول آخر: أنها باقية ولم تنسخ، وأن التحريم فيها باقي ولا يزال.

قال القرطبي: "قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ " عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَاجِعٌ إِلَى

 جَمِيعِ الشُّهُورِ. وَعَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ إِلَى الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ خَاصَّةً، لِأَنَّهُ إِلَيْهَا أَقْرَبُ وَلَهَا مَزِيَّةٌ

 فِي تَعْظِيمِ الظُّلْمِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ "(البقرة: ١٩٧). لَا

 أَنَّ الظُّلْمَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَيَّامِ جَائِزٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ. ثُمَّ قِيلَ: فِي الظُّلْمِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا لَا

 تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ بِالْقِتَالِ، ثُمَّ نُسِخَ بِإِبَاحَةِ الْقِتَالِ فِي جَمِيعِ الشُّهُورِ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَعَطَاءٌ

 الْخُرَاسَانِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: حَلَفَ بِاللَّهِ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ

 أَنَّهُ مَا يَحِلُّ لِلنَّاسِ أَنْ يَغْزُوَا فِي الْحَرَمِ وَلَا فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ إِلَّا أَنْ يُقَاتَلُوا فِيهَا، وَمَا

 نُسِخَتْ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غزا هوازن بحنين وثقيفًا

 بالطائف، وحاصرهم فِي شَوَّالٍ وَبَعْضِ ذِي الْقِعْدَةِ».

وقال الألوسي: «والجمهور على أن حرمة المقاتلة فيهن منسوخة، وأن الظلم مؤول بارتكاب المعاصي، وتخصيصها بالنهي عن ارتكاب ذلك فيها، مع أن الارتكاب منهي عنه مطلقًا لتعظيمها، ولله سبحانه أن يميز بعض الأوقات على بعض، فارتكاب المعصية فيهن أعظم وزرا كارتكابها في الحرم وحال الإحرام» ".

لقد عظّم الإسلام شأن هذه الأشهر وحرّم ابتداء القتال فيها، وقد لام النبي (صلى الله عليه وسلم) الصحابة الذين قتلوا في الشهر الحرام ورفعوا السلاح فيه، وذلك في حادثة بعث الرسول صلى الله عليه وسلم) لعبد الله بن جحش وقد كتب له كتابًا وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا على بعد يومين من المدينة وكان معه جملة من أصحابه, فلما بلغ حيث أمره رسول الله فتح عبد الله بن جحش الكتاب فإذا فيه: “إذا نظرت في كتابي هذا فامضِ حتى تنزل بنخلة بين مكة والطائف ترصد فيها قريشًا وتعْلمُ لنا من أخبارهم”، فقال عبد الله في نفسه سمعًا وطاعةً ثم قال لأصحابه: ” قد أمرني رسول الله أن أمضي إلى نخلة أرصد فيها قريشًا حتى آتيه منهم بخبر وقد نهاني أن استكره أحدًا منكم فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق ومن أبى ذلك فليرجع, فأما أنا فماضٍ لأمر رسول الله فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف عنه منهم أحد، لكنّهم صادفوا عيرًا لقريش فقتلوا عمرو بن الحضرمي وأسروا منهم رجلين، فلما قدموا على رسول الله غضب غضبًا شديدًا ثم قال لهم: “ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام”، ولم يأخذ مما غنموا شيئًا.

وورد أنّ الإمام علي تجنّب أن تقع حرب صفين في الشهر الحرام ما أمكنه، ورغم بدء مناوشات كثيرة بين الجيشين، إلا أنّ عليًا أرسل إلى معاوية وقال له: «هل لك إلى أن نتهادن شهرًا، وأن لا يحدث فيه قتال، لعل أن نتفاوض ونتفاهم؟

فلما انسلخ المحرم بعث علي مناديًا، فنادى في عسكر معاوية عند غروب الشمس: إنا أمسكنا لتنصرم الأشهر الحرم، وقد تصرّمت، وإنا ننبذ إليكم على سواء، إن الله لا يحب الخائنين.

ذلك هو العرف السائد والمبدأ المحترم.

الخصيصةالتاسعة:اشتمال الأشهرالحرم على أمهات الفضائل والعبادات

فمن خصائص هذه الأشهر ومن أسباب تعظيمها، قُربها واتصالها بمواسم العبادات؛ فشهر رجب من أشهُر الاستعداد لرمضان، فقد قال ابن رجب: "شهر رجب مفتاح أشهر الخير والبركة"، ونقل عن أبي بكر الوراق البلخي قوله: «شهر رجب شهر للزرع، وشعبان شهر السقي للزرع، ورمضان شهر حصاد الزرع»؛ ولأن شهر رجب يكون وسط العام يكثر الناس فيه من أداء العمرة، ولعلّ هذه هي الحكمة من تحريمه.

أمّا شهر ذي القعدة وذي الحجة والمحرّم فهي أشهر الحج التي يقوم فيها المسلمون بشعيرة من أعظم شعائر الإسلام ألا وهي فريضة الحج، كما قال تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾ وفيها يعود الحجيج إلى بلادهم مستبشرين بالمغفرة والقبول.

فأعمال الحج كلها تقع في ذي الحجة، قال تعالى:"الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ" قال البخاري: قال ابن عمر: هي شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- أدى العُمرة أربع مرات كانت في الأشهر الحرم، كما يقول ابن القيم رحمه الله: وقد علق على ذلك بقوله: لم يكن الله ليختار لنبيه صلى الله عليه وسلم في عمره إلا أَوْلى الأوقات وأحقها بها، وقال: فأولى الأزمنة بها - أي العمرة - أشهر الحج وذو القعدة أوسطها، وهذا مما نستخير الله فيه، فمن كان عنده فضل علم، فليرشد إليه».

وكذلك من خصائص الأشهر الحرم أن فيها عشر ذي الحجة التي أقسم الله بها في كتابه، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها من أفضل الأيام، وأن العمل الصالح فيها أعظم من غيرها، روى البخاري والترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ" فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: "وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ».

 وفي الأشهر الحرم يوم عرفة، ويوم النحر، ويوم القر، وأيام التشريق، وهي من أعظم الأيام عند الله، وعيد أهل الإسلام، روى أبو داود في سننه من حديث عبد الله بن قرط أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ تَعَالى يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ».

-وفي الأشهر الحرم: صيام شهر الله المحرم، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ»

-وفي الأشهر الحرم : يوم عاشوراء الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن صيامه يكفر السنة الماضية، وهو اليوم الذي أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه.

فينبغي على المسلم مراعاة حُرمة هذه الأشهر التي عظّمها الله سبحانه وأن يعرف قدرها، وأن يحرص كلّ الحرص على حُسْن استغلال هذه الأوقات الشريفة، لا سيما في هذا الزمان الذي غفل كثيرٌ من الناس فيه عن حُرمة هذه الأشهر ومكانتها، فأعظم العبادات ما قام بها العبد وقت غفلة الناس وانشغالهم، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (العبادة في الهرج كهجرة إليَّ).

نسأل اللهَ سبحانه أن يجعلنا من المعظِّمين لهذه الأشهر، وأن يعيننا فيها على ذِكْره وشُكره وحُسن عبادته، ونعوذ به سبحانه أن نكون فيها من الغافلين،  كما نسأله سبحانه وتعالى أن يحفظ مصر قيادة وشعباً وأن يجعلها في أمانه وضمانه واحة للأمن والأمان والاستقرار ، 

وصلى اللهُ وسلم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه حق قدره ومقداره العظيم .

كتبه الدكتور/ عبد القادر سليم

مدير عام الدعوة بأوقاف كفر الشيخ.

google-playkhamsatmostaqltradent