من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلاصلاة له
هل هذا صحيح ؟ :" مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ فَلَا صَلَاة لَهُ"
مدى صحة الحديث: (لا صلاة لمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر)
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
قال الله تعالى:"اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ"(العنكبوت: 45).
يقول الله تعالى آمرًا رسوله والمؤمنين بتلاوة القرآن وهو قراءته وإبلاغه للناس:"وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ"
يعني أن الصلاة تشتمل على شيئين: على ترك الفواحش والمنكرات -أي المواظبة على ترك ذلك-، وقد جاء في الحديث من رواية عمران وابن عباس رضي الله عنهم مرفوعًا: "مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللهِ إِلَّا بُعْدًا "المعجم الكبير".
وبناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن هارون المخرمي الفلاس، حدثنا عبد الرحمن بن نافع أبو زياد، حدثنا عمر بن أبي عثمان، حدثنا الحسن، عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: سُئِل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قول الله: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ قال: «مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الفحشاء والمنكر، فلا صلاة له» "تفسير ابن كثير" (6/ 253، ط. دار الكتب العلمية).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللهِ إِلَّا بُعْدًا»، وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لا صَلاةَ لِمَن لَمْ يُطِعِ الصَّلاةَ، وَطاعَةُ الصَّلاةِ أنْ تَنْهَى عَنِ الفَحْشاءِ وَالمُنكَرِ». "تفسير الطبري" (18/ 409، ط. دار هجر).
وعلى ذلك: فلا غبار على الحديث، ويجب العمل به.
فإن الحديث: من لم تنهه صلاته عن
الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدًا. أثر صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه
رواه عنه الإمام أحمد في الزهد، كما في كشف الخفاء ومزيل الإلباس.ولكن نسبته للنبي
صلى الله عليه وسلم لا تصح. قال الألباني رحمه الله تعالى في سلسلة الضعيفة: من لم
تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدًا. باطل، والمراد الصلاة
الصحيحة التي لم تثمر ثمرتها التي ذكرها الله تبارك وتعالى في قوله: إِنَّ
الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ[العنكبوت:45].
وأكدها رسول الله
صلى الله عليه وسلم لما قيل له: إن فلانا يصلي الليل كله، فإذا أصبح سرق.
فقال:
سينهاه ما تقول - أو قال - ستمنعه صلاته. رواه أحمد والبزار والطحاوي والبغوي
بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة.
وأما قولهم: الجنة تحت أقدام الأمهات وتتمته: من
شِئن أدخلن ومن شئن أخرجن قال الألباني في الضعيفة: موضوع ويغني عنه حديث معاوية
بن جاهمة أنه جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أردت أن أغزو، وقد
جئت أستشيرك. فقال: هل لك أم؟ قال: نعم. قال: فالزمها فإن الجنة تحت رجليها. رواه
النسائي وغيره كالطبراني وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وأقره المنذري.
وعلى هذا
فنسبة الحديثين المذكورين إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا تصح، وإن كان من النصوص
الشرعية من الكتاب والسنة ما يغني عنهما في موضوعيهما ويحمل أكثر من معانيهما.
فالحديث المشار إليه في السؤال لا يصح ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ورد من قول ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً عليه، وانظر الفتوى رقم: 35049.
وأما الفرق بين الفحشاء والمنكر، فإن المنكر كما قال القرطبي رحمه الله: هو ما أنكره الشرع بالنهي عنه وهو يعم جميع المعاصي والرذائل والدناءات على اختلاف أنواعها والفحشاء، قال ابن عباس هو الزنى.
وعلى هذا فالمنكر أعم من الفحشاء، فالفحشاء منكر، وليس كل منكر فحشاء، فالمنكر يشمل الفحشاء -الزنى- وغيره من الذنوب والمعاصي، وقد سمى الله تعالى في كتابه عمل قوم لوط بالفحشاء، فقال تعالى: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ {الأعراف:80}، وقيل إن الفحشاء هو كل عمل قبيح من قول أو فعل، وهي بهذا الاعتبار أيضاً أخص من المنكر.