
التبعية والإمعة مذلة ومهلكة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف الخلق أجمعين أما بعد فياعباد الله
نقف مع صفتين من صفات النقص وخاصة لو اجتمعتا في مجتمع ما لابد أن تحل عليه المذلة والمهلكة ..التبعية والإمعة هل هما صفة واحدة أم هناك خلاف بينهما هذا ماسنتعرف عليه في هذا المقال
أولاً:"من هو الشخص التابع؟
التابع هو:"
شخص يُنظر إليه على أنه لديه التزام متبادل تجاه
سيد أو ملك ، في سياق النظام الإقطاعي في أوروبا في العصور الوسطى . بينما يُطلق
على الطرف التابع اسم تابع، يُطلق على الطرف المهيمن اسم صاحب السيادة . تُسمى
حقوق والتزامات التابع بالتبعية ، بينما تُسمى حقوق والتزامات صاحب السيادة
بالسيادة .
إن الذي يسلم عقله لغيره لكي يصير مفكرا عنه بالنيابة سيظل عبدا غير حر فكريا، لأنه يتبع وينفذ دون وعي ويردد ما يلقن بلا فهم ونقد، فلا مبرر لذلك، وإن مر الفرد بأوقات عصيبة وأحاطت به ظروف قاهرة لا تكفي لكي تكون عذرا لتسليم عقله لغيره سواء بسطوة الترهيب الفكري أو بغلبة سياسة القطيع والخوف من الاتهام بالشذوذ الفكري، فالذي يكبح تفكيره طواعية أو عجزا منه على التفكير الحر هو مفرط في أعظم النعم التي وهبها الله للإنسان وميزه بها عن غيره من المخلوقات، وهذا كله ما يجعله رهينا للخنوع والتقديس الفكري.
إن لم تحرر عقلك من الخنوع لفكر الآخرين وتقديس أفكارهم، فلا أحد يستطيع أن يفعل ذلك سوى أنت، لهذا فالأمر يحتاج إلى قدر كبير من شجاعتك العقلية، فالتمرد الفكري عن هذه العبودية الدنيئة صعب ولا يمكن أن يقوم به من يفتقد لتلك الشجاعة، ولكي تصير حياتك مليئة بالتميز والإبداع لابد من تحطيم قيود الخنوع وتكسير أغلال التقديس، لتنطلق بعيدا عن الزنزانة التي أعتقل فيها عقلك وصار مسجونا، عليك أن تكون أنت بلا خلفيات وتصورات خارجية تحكم فكرك، لا كما يريد الآخرون أن تكون، فلن يموت تفكيرك ولن تهلك إن فكرت خارج القطيع أو حلقت خارج السرب
أكد القرآن الكريم على حظر التبعية
العمياء، الأمر الذي من شأنه فتح نافذة للمسلمين نحو الإزدهار والتطور.
وتتصف المجتمعات التقليدية بإتباع أساليب وأنماط الآباء والإحتذاء حذوهم في كل شؤون الحياة ولكن هذه الصفة لم تكن حصراً علي المجتمعات القديمة بل إنها الصفة الأبرز للمجتمعات الحديثة.
والنقد الموجه لأنواع التبعية العمياء هو أنها تتسبب في كتم الحقيقة كما تحول دون إصلاح الإنحرافات التي تكمن في حياة البشر.
ومن آيات القرآن الكريم في رفض التبعية هي الآية 170 من سورة البقرة المباركة "وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ".
وفي الآية الكريمة دروس كثيرة يشير إليها المفسر القرآني الشهير حجة الإسلام والمسلمين "الشيخ محسن قرائتي" في تفسير "النور" قائلاً: إن الآية تحذرنا من إتباع الشيطان ومن مصاديق الشيطان هي التبعية العمياء.
وبحسب الشيخ قرائتي من تعاليم الآية الكريمة النقاط التالية؛
أولاً: تمنع العودة إلي الوراء وإتباع سنن الأولين لقوله "مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا".
ثانياً: العصبية والعنصرية والعرقية تؤدي إلي رفض الحقيقة " بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا".
ثالثاً: تقاليد السابقين تترك أثراً علي اللاحقين "ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا".
رابعاً: لا يُعثر علي طريق الحق إلا بالعقل والوحي "لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ".
خامساً: إن في نقل التجارب منفعة ولكن لا قيمة ولا منفعة في نقل الخرافة من الأجيال السابقة إلي الأجيال اللاحقة " آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ".
سادساً: العقل يهدينا نحو الوحي ويحثنا علي إتباعه " اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ ... أَ وَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ".
ثبت عنِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه أنَّهُ قالَ:"اغدُ عالمًا أو
متعلِّمًا ولا تغد إمَّعةً بين ذلك". وعنه -أيضًا- قال:"لا يكون أحدكم إمَّعة،
قالوا: وما الإمَّعة يا أبا عبد الرَّحمن؟ قال: يقول: إنَّما أنا مع النَّاس، إن
اهتدوا اهتديت، وإن ضلُّوا ضللت، ألَا ليوطِّن أحدكم نفسه على إن كفر النَّاس، ألا
يكفر"(الطبراني).
كما ذم علي بن أبي طالب ذلك النوع من الناس حين قسم الناس ثلاثة
أقسام، قال في ثالثها:"وهمج رعاع أتباع كلِّ ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم
يلجؤوا إلى ركن وثيق).
إن هذا النوع من الناس لا ينتفع بكثير مما ينتفع به غيره من أصحاب الرأي والعزيمة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارْحمُوا تُرحَمُوا، واغْفِرُوا يُغفَرْ لكُمْ، ويْلٌ لأقماعِ القولِ، ويلٌ للمُصِرِّينَ الذين يُصِرُّونَ على ما فعلُوا وهمْ يَعلمُونَ"(أحمد، والبخاري).
وأقماع القول هم الذين يَسْمعون القولَ ولا يَعْمَلون به، شَبَّههم
بالأقْماعِ التي تُجعَلُ برأسِ الإناءِ الضيِّقِ حتى يُملأَ، ويُصَبُّ فيها الماءُ
فيمرُّ منها إلى غَيرِها ولا يَمكُثُ فيها ولا تنتفعُ به؛ وكذلك هؤلاء -الذين
يَستمِعون القولَ ولا يَعونَه ولا يَحفظونه ولا يَعملون به- يمرُّ القولُ على
آذانِهم ولا يَعمَلون به.
لايكن احدكم إمعة
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول اللهُ - صلى الله عليه وسلم :"لا تَكُونُوا إِمَّعَةً "، تَقولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ
أَحْسَنَّا، وَإنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ
النَّاسُ أَنْ تحْسِنُوا، وَإنْ أَسَاءُوا فَلا تَظْلِمُوا". رواه الترمذي،
وقال: حديثٌ حسنٌ غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع
الصغير.
تعريف الإمعة :
قال ابن الأثير:"الإمَّعة: الذي لا رأي له، فهو يتابع كلَّ أحد على رأيه، وقيل: هو الذي يقول لكلِّ أحدٍ: أنا معك"
ليس له قيمة ، مع الناس ، ، بل مع مصلحته ، يتلون كالحرباء ، إن جلس مع
أهل الإيمان قال آمنت معكم :
"
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى
شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ "
وذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً . قيمة الإنسان بمبدئه .
الإمعة شخص يُشترَى ويباع من
الصعب جداً أن تشتري إنساناً صاحب مبدأ ، لا يلين ، و لا يقبل بأنصاف الحلول ، و
لا يباع ، و لا يشترى ، رجل مبدأ ، رجل المبدأ إنسان عظيم ، و رجل المصلحة إنسان
تافه يعبد مصلحته من دون الله ، مع هؤلاء و مع هؤلاء ، مذبذب لا إلى هؤلاء و لا
إلى هؤلاء ، هو مع مصلحته الحقيقية
الإمعة شخص ليس له استقلالية الرأي
الإمعة هو الذي لا رأي له ، فهو يتابع كل أحد على رأيه ، و قيل : هو
الذي يقول لكل الناس : أنا معك .
من مضار أن يكون الإنسان إمعة :
ـ الإمعة يؤكد ضعف شخصه و عقله و دينه ، .
ـ و الإمعة يعيش ذليلاً ، هو تابع .
ـ و الإمعة منبوذ من الله ، ثم من الناس .
ـ و الإمعة الأتباع بهذه الصفة يصنعون بطلاً من لا شيء :
" فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ"( الزخرف : 54).
المجتمع الذي فيه صفة الإمعة هذا المجتمع يصنع إنساناً لا قيمة له
إطلاقاً .
ـ و الإمعة قد يقع في مهاوي الضلالة .
ـ و هذا السلوك سلوك الإمعة يقوي روح التبعية و الرذيلة في المجتمع ،
فيعيش عالة على المجتمعات .
ـ و يضعف الإنتاج الفكري و المادي .
ـ و الإمعة إنسان يتأذى و يؤذي ، يَضِل و يُضِل ، يَذل و يُذل .
الإمعية قال الجوهري:"رجل إمعٌ وإمعة أيضاً للذي يكون لضعف رأيه
مع كل أحد، وقول من قال امرأة إمّعة غلط،لا يقال للنساءذلك .
وقال ابن الأثير: "الإمّعة الذي لا رأي له، فهو يتابع كل أحد
على رأيه، وقيل: هو الذي يقول لكل أحد أنا معك".
مضار وعاقبة الإمعيّة:
فمن مضارها:
أولاً: مخالفة الآيات والأحاديث والآثار المذكورة في أول الرسالة.
فهو يُعدُّ عصياناً، والعصيان له آثاره السيّئة في الحياة الدنيا على
الفرد والأسرة والمجتمع والأمة، وأما في الآخرة ففاعله متوعّدٌ بالعذاب المهين كما
قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ
يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [النساء: 14].
ثانياً: الإمّعة تدل على ضعف الشخص عقلياً ودينياً فهو أقرب إلى
البهيمية، كما قال:تعالى:"وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ
وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا
يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ
كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ" (الأعراف: 179).
ثالثاً: يعيش الإمّعة ذليلاً، لأنه مسلوب الإرادة، ضعيف العزيمة.
رابعاً: الإمعّة منبوذُ من الله ثم من الناس.
خامساً: تُوقع في مهاوي الضلال؛ فإن الإمّعة قد أعمى بصيرته فلا
يستطيع التمييز بين الحقِّ والضلال بل تجده يتعصّب للضلال ويدافع عنه، كما قال
تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ
نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا
يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة: 170].
سادساً: الإمّعة تجعل من يتصف بها عالة على المجتمع لأنه متبلّد
فكريّاً وعقليّاً.
فالإمّعيّة -وهي التبعيّة العمياء- صفة ذميمة تتنافي مع الرجولة
والشهامة
أما عاقبة الإمعيّة -التبعيّة العمياء- في الآخرة:
أولاً: الذل والهوان والحسرة والتأسف:
وإليك بعض المشاهد القرآنية التي تظهر ذلك:
قال الله تعالى:"إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ
اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ
الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا
تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ
عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ"(البقرة: 166-167).
وقال الله تعالى:"وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ
عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ
اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ *
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ
عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ
الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ
أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا
الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ"(سبأ: 31-33).
وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ
يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى
لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ
بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان: 27-29].
ثانياً: العذاب المهين:
قال الله تعالى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ
الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ
أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ
اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ}
[غافر: 47-48].
وقال الله تعالى: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ
لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ
عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ
لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ
مَحِيصٍ * وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ
وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ
مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي
وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ
إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم: 21-22].
وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ
لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا
نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا
أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا
سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ
ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب: 64-68].
وهكذا يصوّر لنا القرآن الكريم المشاهد المؤلمة والمخزية لمن لم
يوطّنوا أنفسهم في اتباع الهدى واتبعوا الزعامات الضالة والرئاسات الظالمة.
فما الذي يجعل الإنسان وخاصة المسلم حتى يكون إمّعة والله هداه
بالإيمان ونوّر عقله بالإسلام فبين يديه كتاب الله وسنة ورسوله وعلماء يستنبطون ما
أُشكلَ على الناس من أحكام ويبصرونهم.
فحُقَّ لمن تعجب أن يتعجّب!
وللوصول للإجابة:
اذكر جملة من الأسباب للتبعيّة العمياء:
السبب الأول: الجهل:
فالجهل مرض فتّاك يورد صاحبه إلى المهالك، لا يسلم منه إلا من سلك
سبيل العلم، وللعلم سبيلان:
الأول: ملازمة أهل العلم.
الثاني: سؤال أهل العلم كما قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، وقال صلى الله عليه وسلم:
«إنما شفاء العي السؤال» [رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 4362]،
والعي: الجاهل، فوصف النبي صلى الله عليه وسلم الجهل بالمرض، وأن شفاء الجاهل من
جهله هو سؤال أهل العلم بل وملازمتهم واتباعهم، وهؤلاء ليسوا إمعة لأنهم يتبعون
أهل القرآن والسنة على بصيرة، ويتبعونهم اتباعاً للقرآن والسنة للوصول إلى رضا
الله ودخول الجنة، لا لأشخاصهم ولا لمالهم ولا لوجاهتهم ولا لدنيا كما يفعل
الإمّعة.
وقد وصف الله في القرآن الجهّال بالذين لا يعلمون فهم تبع عن غير
تبصّر، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ
وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ
الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ
يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}
[البقرة: 113] وموضع الشاهد قوله تعالى: {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا
يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ} متابعة عمياء.
السبب الثاني: الشهوة: وأخطرها شهوة المال، أو الجاه أو السلطان، أي
المنصب.
فكم من الناس جعلوا أنفسهم أبواقاً للباطل، وللحاكم الظالم الفاسد
المفسد، لا جهلاً بحاله وإنما تحقيقاً واستجابة لشهوة المال والجاه والسلطان،
فباعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ
بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ
فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 7]، وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص
المرء على المال والشرف لدينه» [رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي:
حديث حسن وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب رقم (1710)].
وقال صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم؛
يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً؛ يبيع دينه بعرض من
الدنيا» [رواه مسلم].
السبب الثالث: الاغترار –الانخداع- بالكثرة:
فليس من الضروري أن الكثرة يكون معها الحق، ولكن الحق يُعرف من خلال
طرقه، فقد تكون الكثرة غثاء كما جاء في الحديث: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل
أفق كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قيل: يا رسول الله! أفمن قلة يومئذ؟ قال: لا
ولكنكم غثاء كغثاء السيل يجعل الوهن في قلوبكم وينزع الرعب من قلوب عدوكم لحبكم
الدنيا وكراهيتكم الموت» [رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم
8183].
فالحقُّ أحقُّ أن يُتّبع حتى ولو كنت وحدك، قال تعالى: {إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ} [النحل: 120-121].
ولذلك كان توجيه النبي صلى الله عليه وسلم في توطين الإنسان نفسه
للحقِّ، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تكونوا إمّعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنّا
و إن أساءوا أسأنا، ولكن وطّنوا أنفسكم إن أحسنوا أن تحسنوا وإن أساءوا أن لا
تظلموا» [رواه الترمذي وحسنّه محقق جامع الأصول].
وكما قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "اتّبع طريق الهدى ولا
يضرّك قلّة السالكين، وإيّاك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين".
أما المقولة التي يستدل بها بعض الناس: "مخطئ مع الناس ولا مصيب
لوحده" فهي مقولة باطلة عقلاً وشرعاً؛ فإن الخطأ يبقى خطأً قل فاعلوه أو
قائلوه أو كثر، فليس هو كالماء إذا كان قلتين أو أكثر لم يحمل الخبث، أو أنّ الماء
المتنجّس يطهر بالتكاثر إذا لم يتغيّر طعمه أو لونه أو رائحته، بل هو إنسان له قلب
ومشاعر يؤثّر ويتأثر بغيره فتفطّن هداك الله ورعاك.
نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل
باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله ملتبساً علينا فنضل.
وصلى الله عليه وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب
العالمين
ومن أراد الاستزادة حول هذا الموضوع فما عليه سوى الضغط على الرابط
أدناه
و أرجو الله سبحانه و تعالى أن يعافينا من هذا الخلق الذميم ، أن يكون الناس إمعة ، و سوف أذكركم ثانية بالحديث الشريف الذي رواه الترمذي ، و قال محقق جامع الأصول : حديث حسن :" لا تكونوا إمعة ، تقولون : إن أحسن الناس أحسنا ، و إن ظلموا ظلمنا ، و لكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا ، و إن أساؤوا فلا تظلموا "
قَوْلُهُ (تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ) أَيْ إِلَيْنَا أَوْ
إِلَى غَيْرِنَا (أَحْسَنَّا) أَيْ جَزَاءً أَوْ تَبَعًا لَهُمْ (وَإِنْ ظَلَمُوا)
أَيْ ظَلَمُونَا أَوْ ظَلَمُوا غَيْرَنَا فَكَذَلِكَ نَحْنُ (ظَلَمْنَا) عَلَى
وَفْقِ أَعْمَالِهِمْ أي أنا مقلد الناس في إحسانهم وظلمهم ومقتفي أَثَرَهُمْ.
قوله(وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ
تُحْسِنُوا) والمعنى وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى الْإِحْسَانِ إِنْ أَحْسَنَ
النَّاسُ فَأَحْسَنُوا
وقوله: (وإن أساؤوا فلا تظلموا) أي: إن أساؤوا فأحسنوا، ويحتمل أن يكون معناه -واللَّه أعلم- وإن أساؤوا فلا تعتدوا وتجاوزوا الحد.
فلا يجوز للمسلم أن يكون إمعة ينقاد لكل من يراه أو يصاحبه، بل ينبغي
أن يكون ذا رأي وعزيمة، مجانبا صحبة السوء ومواطن السوء، حريصا على صحبة الأخيار.
فكم من شاب وقع في حبائل المخدرات والمسكرات تقليدا لغيره! وكم من شاب وقع في الفاحشة تأثرا بصحبته! وكم من مضيع للصلاة لأنه مفتون بهذا أو ذاك مشغول بهم!.
ولا ينبغي للإنسان الذي كرمه الله بالعقل أن يكون تابعا مقلدا على
غير هدى ولا بصيرة، فقد ذم الله تعالى المشركين الذين امتنعوا عن الإيمان والهداية
تقليدا للآباء والأجداد: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ
قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ
آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ وَمَثَلُ الَّذِينَ
كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ}(البقرة: 170-171).
قال السعدي رحمه الله: (أخبر تعالى عن حال المشركين إذا أُمِروا باتِّباع ما أنزل الله على رسوله -ممَّا تقدَّم وصفه- رغبوا عن ذلك، وقالوا: بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا، فاكتفوا بتقليد الآباء، وزهدوا في الإيمان بالأنبياء، ومع هذا فآباؤهم أجهل النَّاس، وأشدُّهم ضلالًا، وهذه شبهة -لردِّ الحقِّ- واهيةٌ، فهذا دليلٌ على إعراضهم عن الحقِّ، ورغبتهم عنه، وعدم إنصافهم، فلو هُدُوا لرُشْدِهم، وحسن قصدهم، لكان الحقُّ هو القَصْد، ومن جعل الحقَّ قصده، ووازن بينه وبين غيره، تبيَّن له الحقُّ قطعًا، واتَّبعه إن كان مُنصفًا.
ثمَّ قال تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي
يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ
لاَ يَعْقِلُونَ}(البقرة: 171).
فلمَّا بيَّن تعالى عدم انقيادهم لِمَا جاءت به الرُّسل، وردَّهم لذلك بالتَّقليد، عُلِم مِن ذلك أنَّهم غير قابلين للحقِّ، ولا مستجيبين له، بل كان معلومًا لكلِّ أحدٍ أنَّهم لن يزُولُوا عن عنادهم، أخبر تعالى أنَّ مَثَلَهم عند دعاء الدَّاعي لهم إلى الإيمان، كمَثَل البهائم التي ينعِق لها راعيها، وليس لها علمٌ بما يقول راعيها ومناديها، فهم يسمعون مجرَّد الصَّوت الذي تقوم به عليهم الحجَّة، ولكنَّهم لا يفقهونه فقهًا ينفعهم، فلهذا كانوا صمًّا لا يسمعون الحقَّ سماع فهمٍ وقبول، عُمْيًا لا ينظرون نظر اعتبار، بُكْمًا فلا ينطقون بما فيه خيرٌ لهم).
ومما يدل على ذم التقليد الأعمى قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ
تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا
وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا
وَلاَ يَهْتَدُونَ}(المائدة: 104).
فهؤلاء المقلدون التابعون بلا رأي ولا هدى ولا بصيرة عند دعوتهم إلى
الحق والخير والهداية والنور يقولون: يكفينا ما وجدنا عليه الآباء والأجداد مِن
الطَّرائق والمسالك، قال الله تعالى: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
شَيْئًا..} أي: لا يفهمون حقًا، ولا يعرفونه، ولا يهتدون إليه، فكيف يتَّبعونهم
والحالة هذه؟! لا يتَّبعهم إلَّا مَن هو أجهل منهم، وأضلُّ سبيلًا. والآيات في ذم
التبعية والتقليد كثيرة.
وهؤلاء الإمعات سيتبرأ منهم من قلدوهم في الباطل، قال الله تعالى:"إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ"(البقرة: 166، 167).