
الحياء هو خيرٌ كلُّه وكلُّه خير وإليك نماذج وصورللحياء
حياء المولى عزوجل وحياء الملائكة
حياء الرسل والأنبياء
حياء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
حياء الصحابة رضوان الله عليهم
حياء النساء السابقين والاحقين
الحمد لله رب العالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له في سلطانه
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله القائل :" الإيمان بضع وستون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان"(البخاري و مسلم). اللهم صلاة وسلاما عليك ياسيدي يارسول الله أما بعد فياجماعة الإسلام
الحياءهو خيرٌ كلُّه وكلُّه خير
عباد الله :" ولا يأتي الحياء إلاَّ بخير فهو خُلق الله عزوجل ومن أخْلاق الملائكة وسمة من سمات أنبياء الله المخلَصين خُلق من أسمى الصِّفات الإنسانيَّة وألطفِها، وأنْبلِ الأخلاق الإسلاميَّة وأشرفِها حسبُك إن كنتَ ذامًّا أحدًا أن تَسْلُب منه هذا الخلق،
الحياء -عبادَ الله- تاج الأخلاق وعنوان العفاف ورمْز الوقار يزيد الرُّجولةَ كمالاً ويكسو المروءة جمالاً.
إذا فقد العبد الحياء ما الذي يكون؟
إذا فقد العبد الحياء في الإنسان فلا تراه إلا صفيقا بليدا لا يبالي
بمشاعر الآخرين ليس عنده من رادع يمنعه من الوقوع في الإثم أو الوقوع في الدنايا،
لا يعرف ربا ولا دنيا، ولا يعرف عرفا ولا يعرف خلقا
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ:
" إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى:
إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ "(البخاري).
يعني:الغالب على أهل كل دين سجية سوى الحياء، والغالب على أهل الإسلام الحياء; لأنه متمم لمكارم الأخلاق التي بعث صلى الله عليه وسلم لإتمامها، ولما كان الإسلام أشرف الأديان، أعطاه الله أسنى الأخلاق وأشرفهاز
وإذا رُزِق العبد حياءً لازمتْه السُّمعة الطَّيِّبة والذِّكرُ الحسن، فنُشرتْ مَحاسنه ونُسيت مساوئه وقديمًا قيل: "من كساه الحياء ثوبه، لم يَرَ الناسُ عَيْبه".
هذا الخلق توارثَتْه النَّاس من أنبيائهم؛ فـ"إنَّ ممَّا أدرك النَّاس من كلام النبوَّة الأولى: إذا لَم تستح فاصنعْ ما شئت".
وعرفت العرب في جاهليَّتها هذا الخلق، فكانوا ذوي مُروءة واستحياء،
وهذا أبو سفيان قبْل إسلامه يسأله هرقل ملك الروم عن النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فأجابه بما علم من حال النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وقال: "فوالله لولا الحياءُ من أن يأثروا عليَّ كذبًا، لكذبت عليه".
ثمَّ جاء الإسلام، فأمر بالحياء وحثَّ عليه، وحضَّ الناس على لزومه والتخلُّق به، جاء في الحديث الصحيح: أنَّ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "ما كان الفحش في شيء إلاَّ شانه، وما كان الحياء في شيء إلاَّ زانه"(الترمذي وغيره).
حياء المولى عزوجل وحياء الملائكة
عباد الله :" واتصف ربنا بصفة الحياءو فَضلُ اللهِ عزَّ وجلَّ على عِبادِه كثيرٌ، وهو حَييٌّ كريمٌ وبَرٌّ رحيمٌ سُبحانَه، ومِن كرمِه ألا يَرُدَّ دُعاءَ عَبدِه، وخاصَّةً إذا كان الدُّعاءُ بخُشوعٍ وخُضوعٍ، واشتمَل على التَّوسُّلِ إلى اللهِ تبارَك وتعالى، والسُّؤالِ بأسمائِه الحسنى الجليلةِ الدَّالَّةِ على كمالِ صفاتِه العظيمةِ، وبيَّن أنَّ اللهَ يَقبَلُ دعوةَ عِبادِه
يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم:"إنَّ ربَّكم حييٌّ كريمٌ يستحيي من عبدِه أن يرفعَ إليه يدَيْه فيرُدَّهما صِفرًا أو قال خائبتَيْن"(صحيح ابن ماجه).
وفي الحديث :" إن الله ليستحي أن يعذب ذا شيبة في الإسلام. ثم بكى الرسول عليه الصلاة والسلام , فقيل له : ما يبكيك يا رسول الله ؟ قال أبكي ممن يستحي الله منه وهو لا يستحي من الله."(وهذا الأثر رواه أحمد في كتاب الزهد).
ورواه البيهقي من حديث أنس مرفوعا بلفظ : "يقول الله: إني لأستحي من عبدي وأمتي يشيبان في الإسلام ثم أعذبهما".
وقد اورد العجلوني أثرا آخر قريبا منه في كشف الخفاء ومزيل الإلباس فيما اشتهر من الحديث على ألسنة الناس وهو: إن الله يستحي أن يعذب شيبة شابت في الإسلام.
ثم قال عقبه: هكذا ذكره الغزالي في الدرة الفاخرة, ورواه السيوطي في الجامع الكبير عن ابن النجار بسند ضعيف بلفظين آخرين أحدهما: إن الله ليستحي من عبده وأمته يشيبان في الإسلام يعذبهما.
ثانيهما: إن الله عز وجل يستحيي من ذي الشيبة إذا كان مسددا كروما للسنة أن يسأله فلا يعطه..
حياء الملائكة
عباد الله :" والملائكة تستحي وعنهم حياء فعن عائشة رضي الله عنها قالت :"كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا في بَيْتِي، كَاشِفًا عن فَخِذَيْهِ -أَوْ سَاقَيْهِ- فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ، فأذِنَ له وَهو علَى تِلكَ الحَالِ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، فأذِنَ له وَهو كَذلكَ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ، فَجَلَسَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَسَوَّى ثِيَابَهُ -قالَ مُحَمَّدٌ: وَلَا أَقُولُ ذلكَ في يَومٍ وَاحِدٍ- فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ، فَلَمَّا خَرَجَ قالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ له وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ له وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ، فَقالَ: أَلَا أَسْتَحِي مِن رَجُلٍ تَسْتَحِي منه المَلَائِكَةُ!"(مسلم).
حياء الرسل والأنبياء
عباد الله :" وإذا كان الله اتصف بالحياء وكذلك ملائكته فإن رسله يلازمهم خلق الحياء فعن ابن مسعود، قال: قال النبي :"إن مما أدرك الناس من كلام النبوة
الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت "(البخاري).
وكون هذه الجملة من كلام:"النبوة الأولى" معناه أنه مما اتفق عليه الأنبياء، لأنه جاء في زمن النبوة الأولى
وهي عهد آدم واستمر إلى شرعنا ولم ينسخ في ملة من الملل بل ما من نبي إلا وقد ندب
إليه وحث عليه ولم يبدل فيما بدل من شرائعهم.
إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستح فاصنع ما تشاء
وما من نبي إلاّ وقد ندب إلى الحياء وبعث عليه، وأنه لم ينسخ فيما
نسخ من شرائعهم ولم يبدل فيما بدل منها؛ وذلك أنه أمر قد علم صوابه وبان فضله
واتفقت العقول على حسنه، وما كان هذا صفته لم يجر عليه النسخ والتبديل.
ومدح نبيُّنا -صلَّى الله عليه وسلَّم- موسى -عليْه السَّلام- بأنه كان رجلاً حييًّا ستِّيرًا.
فقال :"إنَّ موسى كان رجُلا حَيِيًّا سَتِيرًا، لا يُرى من جِلْده شيء استحياء منه، فآذاه مَن آذاه مِن بني إسرائيل فقالوا: ما يَسْتَتِر هذا التَّستُّر، إلا من عيْب بجلده: إما بَرَص وإما أُدْرة، وإما آفة، وإنَّ الله أراد أن يُبرِّئه مما قالوا لموسى، فَخَلا يوما وَحْده، فَوَضَع ثيابه على الحَجَر، ثم اغتسل، فلما فَرَغ أقْبَل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحَجَر عدا بثوبِهِ، فأخَذَ موسى عصاه وطَلَب الحَجَر، فجعل يقول: ثوبي حَجَر، ثوبي حَجَر، حتى انتهى إلى مَلَإ من بني إسرائيل، فرأوه عُرْيانا أحسن ما خلق الله، وأَبْرَأه مما يقولون، وقام الحَجَر، فأخَذ ثوبه فلَبِسه، وطَفِق بالحجر ضربا بعصاه، فوالله إن بالحجر لنُدْبا مِنْ أَثَر ضَرْبِه، ثلاثا أو أربعا أو خمسا، فذلك قوله:"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا"(الأحزاب: 69- متفق عليه).
حياء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
عباد الله :" أمَّا قدوتنا وحبيبُنا -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقد تسنَّم صُوَرَ الحياء في أعلى قاماتها فكان أشدَّ حياءً من العذْراء في خِدْرها كان إذا كرِه شيئًا عُرِف ذلك في وجهه بل بلغ من حيائه واستحيائه أنَّه كان يتحرَّج أن يُشعر زوَّارَه والمستأنسين بمجلسه بأنَّه قد طال جلوسهم عنده وحديثهم معه فأنزل الله سبحانه:"فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَئْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ"(الأحزاب:53).
وأما خلق الحياء فأشرفه حياء المصطفى –صلى الله عليه وسلم وقد كان –صلى الله عليه وسلم- أشدّ حياءً من العذراء في خدرها, فإذا رأى شيئًا كرهه عُرِفَ في وجهه جاءت إليه امرأة فسألته كيف تغتسل من حيضتها؟ فأعلمها كيف تغتسل، وقال: "خُذِي فَرْصَةً مِن مِسْك فتطهَّري بها، قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: تطهري بها -سبحان الله-!! واستتر رسول الله بيده على وجهه، قالت عائشة: "واجتذبتها إليَّ، وعرفت ما أراد النبي –صلى الله عليه وسلم-، فقلت: "تتبعي بها أثر الدم" فصلى الله عليه كم كان يفيض حياءً! استحيى حتى مَن رَبِّه فحين تردَّد بين موسى وبين ربه في ليلة الإسراء قال لموسى: "قد سألت ربي حتى استحييت منه".
ورد عنه صلي الله عليه وسلم :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها"(البخاري و مسلم).
وأول مظاهر حيائه صلى الله عليه وسلم وأولاها، يتجلى في جانب خالقه سبحانه وتعالى؛ ولهذا لما طلب موسى عليه السلام من نبينا صلى الله عليه وسلم أن يراجع ربه في قضية تخفيف فرض الصلاة، وذلك في ليلة الإسراء والمعراج، قال صلى الله عليه وسلم لموسى:"استحييت من ربي "(البخاري) ؛ فبعد أن سأل نبينا ربه عدة مرات أن يخفف عن أمته من عدد الصلوات، إلى أن وصل إلى خمس صلوات في اليوم والليلة، منع خُلق الحياء نبينا صلى الله عليه وسلم من مراجعة ربه أكثر من ذلك
ولم تكن صفة الحياء عنده صلى الله عليه وسلم صفة طارئة، بل كانت صفة
ملازمة له في كل أحيانه وأحواله؛ في ليله ونهاره، وفي سفره وإقامته، وفي بيته
ومجتمعه، ومع القريب والبعيد، والصديق والعدو، والعالم والجاهل؛ وقد روى لنا
القاضي عياض في صفة مجلسه صلى الله عليه وسلم، فقال:"مجلسه مجلس حلم وحياء" فما
ظنك بمن كانت مجالسه، مجالس تسود فيها صفات الحلم والحياء ؟!.
ومن صور حيائه ما جاء في سنن الدارمي ، قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حييًا، لا يُسأل شيئًا إلا أعطاه "وهذا من طبع الحيي أنه لا يرد سائله، ولا يخيب طالبه وقاصده..
حياء الصحابة رضوان الله عليهم
عباد الله :" وإذا تحدثنا عن حياء الصحابة كلهم فحدث ولاحرج فكان عثمان رضي الله عنه من أحسن الناس خُلقاً ، وأشدهم حياءً ،فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي : أَبُو بَكْرٍ،
وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ : عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً : عُثْمَانُ
بْنُ عَفَّانَ ..."(صحيح الترمذي) .
وعثمان -رضي الله عنه- بلغ من حيائه أنَّه ما كان يتعرَّى حتَّى في حال اغتساله، حتَّى استحتْ من حيائه الملائكة، كما أخبر عنْه النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم فكانت الملائكة تستحي من شدة حيائه.
وكذلك كان الصحابة يعظون بعضهم بعضاً مذكراً إياه بالحياء فعن ابْنِ عُمَرَ رضي اللَّه عنهما: أَنَّ رسولَ اللَّه صلي الله عليه وسلم :"مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ في الحَيَاءِ، فَقَالَ رسُولُ اللَّه صلي اله عليه وسلم :" دَعْهُ، فإِنَّ الحياءَ مِنَ الإِيمانِ"(متفقٌ عَلَيْه).
وقال صلي الله عليه وسلم :"الحياء لا يأتي إلا بخير"(متفق عليه). وفي رواية لمسلم: "الحياء خير كله"
أقول ما سمعْتُم، وأستغْفِر الله ربِّي وربَّكم من كلِّ ذنبٍ وخطيئة
فاستغْفِروه.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين
أمَّا بعد فياعباد الله :"لازلنا نواصل الحديث حول خلق الله والملائكة والأنبياء وخلق الإسلام الحياء
حياء النساء السابقين والاحقين
عباد الله :"
وأتجاوز كثيرًا من صور الحياء لأقف مع صفحة من صفحاته, وهي: حياء النساء.
وحين يكون الحديث عن الحياء فإنَّ زينة المرأة وكمالها إنما هو بالحياء وإنما تُمْدَح المرأة بحيائها ومازالت النساء في القديم وفي الحديث يضربن النماذج الرائعة في التحلِّي بذلك الخلق الذي تُمْدَح به المرأة ففي القرآن قصَّ علينا رب العزة خبر ابنة شعيب زوجة نبي الله موسى التي وصفها القرآن الكريم بالحياء..
ورحم الله امرأة كانت قد فقدت طفلها فوقفت على قوم تسألهم عن طفلها, فقال أحدهم تسأل عن ولدها وهي منتقبة فسمعته فقالت:"لأن أرزأ في ولدي خير لي من أرزأ في حيائي أيها الرجل"
نعم إذا نُزِع الحياءُ من المرأةِ فلا تَسأل عن سُوءِ عاقبتِها فحياء المرأة تاج جمالها ورأس مالها وثبات أمرها على كل خير
والحياء ليس خفض الرأس واحمرار الخدين؛ بل هو تقوى الله وطاعته ورجاحة العقل وحُسن الخلق
يقول اللَّه تعالى "فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ"(القصص- 25).
جاءت كأن الأرض تغار من تحت قدميها فهي لَيْسَتْ بِسَلْفَعٍ مِنَ النِّسَاءِ، خَرَّاجَةً، وَلاجَةٌ، براقة حداقة شداقة جَاءَتْهُ عَلَى اسْتِحْيَاءٍ، قَائِلَةً بِثَوْبِهَا عَلَى وَجْهِهَا؛ أَيْ: مُسْتَتِرَةً بِكُمِّ دِرْعِهَا"
وقد جاءت. حين ورد موسى -عليه السلام- ماء مَدين فجاءته إحدى المرأتين تمشي على استحياء لتنهي له دعوة فأتت بأخصر لفظٍ وأقصر عبارة تؤدي المعنى "إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا"(القصص: 25)، وكان دليل هذا الحياء أنها لم تَنسب أمْر الدعوة والجزاء لِنفسها بل نسبته إلى أبيها فقالت:"إن أبي يدعوك" قال ابن كثير: "وهذا تأدُّب في العبارة، لم تَطلبه طَلبًا مُطلقًا، لئلا يُوهِم رِيبة، بل قالت:"إن أبي يدعوك لِيجزيك أجْر مَا سقيت لنا يعني : لِيُثِيبك ويُكَافئك على سَقيك لِغَنَمِنَا". اهـ.
واسمع لشيءٍ من حياء أمِّنا أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- حين قالت: "كنت أدخل بيتي الذي فيه رسول الله –صلى الله عليه وسلم-وأني واضع ثوبي وأقول:" إنما هو زوجي وأبي، فلما دُفِنَ عمر معهم فو الله ما دخلتُ إلا وأنا مشدودةٌ عليَّ ثيابي حياءً من عمر رضي الله عنهما-".فإذا كان هذا حيائها من الأموات، فكيف يكون حياؤها من الأحياء"
عباد الله :" فيوم نُزِع الحياء، رأيْنا من شبابِنا مَن يعاكس النساء ويهتك حرمات
الآخَرين، وإنَّ الله يغار، وغَيْرة الله أن تُنتهك محارمه.
يوم غاب الحياء رأيْنا المرأة تُصافِح الرَّجُل وتُمازحُه وتُضاحكه
وتُجالسه وتهاتفه.
يوم ضاع الحياء رأيْنا الرَّجُل يلبس لِبسة المرْأة، والمرأة تلبَس
لبسة الرَّجُل.
:" لعن اللهُ الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرجالِ ، والْمُتَرَجِّلاتِ منَ النساءِ"(البخاري).
يوم مُزِّق الحياء رأيْنا أشباه الرجال يرقُصُون رقْصَةَ الإناث بلا
حياء من خالقٍ أو خجل من مخلوق.
ويوم فُقِد الحياء أصبحت المجاهرة بالمعاصي مفخرةً يُتباهى بها فهذا
يفخر بعلاقاتِه مع الجنس الآخر، وآخَر يَتباهى بما يشاهده من أفلام ومناظرَ مشينة
وثالثٌ يتبجَّح بنزع حجاب بناتِه خارج بلاده.
فَلا وَاللَّهِ مَا فِي العَيْشِ خَيْرٌ * وَلا الدُّنْيَا إِذَا
ذَهَبَ الحَيَاءُ
يَعِيشُ المَرْءُ مَا اسْتَحْيَا بِخَيْرٍ * وَيَبْقَى العُودُ مَا
بَقِيَ اللِّحَاءُ
قلَّة الحياء، نتيجتُها ونهايتها وقاحة وسفالة ورذالة وبذاءة، قليل
الحياء لا يأْبَه بسفول قَدْره، ولا يأنف من لصوق فعْلةِ السوء على شخصه:
عباد الله: إنَّ الحديث عن خلُق الحياء ليتأكَّد في هذا العصْر،
الَّذي تحارَب فيه الأمَّة في أخلاقها حربًا لا هوادةَ فيها،فالحرب علينا ليست اقتصادية فقط أوعسكرية فقط وإنما حرب أخلاقية قنوات تصبِّح النَّاس
وتمسيهم ببرامج ومشاهدَ تدمِّر الأخلاق، وتمزِّق الحياء، وتطبِّع الرَّذيلة،
وتغرِّب المجتمع في سلوكه وأخلاقيَّاته، وطبعه وعاداته، ثمَّ لا تسَلْ بعد ذلك عن
هُموم شبابِنا واهتِماماتهم، وثقافة أبنائِنا وسطحيَّة أفكارهم.
وإذا أصـيبَ الـقومُ في أخلاقِهمْ"
فـأقمْ عـليهم مـأتماً وعـويلا
وإذا الـنساءُ نـشأنَ فـي أُمّيَّةٍ
رضـعَ الـرجالُ جهالةً وخمولا
لـيسَ اليتيمُ من انتهى أبواهُ من
هــمِّ الـحياةِ، وخـلّفاهُ ذلـيلا
إنَّ الـيتيمَ هـوَ الـذي تلقى بهِ
أمّـاً تـخلّتْ أو أبَـاً مـشغولا
فواجب -عبادَ الله- على أهْل الإيمان والغيرة، والرُّجولة والمروءة،
أن يهذِّبوا أنفسهم بهذا الخُلُق النبيل، ويسْعَوا في تربية أولادِهِم -ذُكورِهم
وإناثِهم- على هذا المعْدن الأصيل، مع تأْكيد المجتمع دائمًا على ثقافة الحياء
والاستِحْياء، والحرص على عدم نشْر السُّوء والفحْشاء، والتَّوفيق كلّ التَّوفيق
من ربِّ الأرض والسَّماوات.
ليس من الحياء أن تتحدث المرأة مع الباعة بخضوع صوت وتضاحكهم
وتمازحهم ليخفضوا لها في القيمة؟!
أين الحياء من تلك المرأة التي تقبل بعملٍ تبقى فيه مع رجلٍ أو رجالٍ
تخالطهم وتقرب منهم وتخلو معهم في بعض الأوقات, فأين حياؤها بل أين شيمة وليها
الذي يرضى بذلك؟!
ليس من الحياء أن تخرج المرأة وحدها مع السائقين بلا مَحْرَم, فالله
حرم عليها الخلوة مع الأجنبي عنها.
ليس الحياء من المرأة أن تقف في الشارع أو البلكونة تتظهر مفاتنها للمارة والذين في قلوبهم مرض ..
أين الحياء من المرأة التي ما كفاها أن تعصي ربها حتى غدت تجاهر
بذنبها، فحادثت صاحباتها بما اقترفت، وما قالت، وبمن من الرجال صاحبت, ورسولنا
-صلى الله عليه وسلم- يقول: "كل أمتي معافى الا المجاهرين".
هل من الحياء أن تدخل المرأة لوحدها على الطبيب الرجل في حين أنها
تجد الطبيبة الكفؤة, ولربما خلعت حجابها حينها بلا أدنى حاجة وكأن الطبيب من
محارمها؟!
ما بال بعض النساء تتساهل بحجابها أمام السائق وخادم البيت ومع من
تراه من غير بلادها, ولربما تحرزت مع غيرهم فما هذا التناقض؟!
ما بال بعض النساء اليوم تجعل الرجل يخجل من حدة بصرها وسهام نظراتها
للرجال للأغراب عنها, فأين الحياء حينها