
وَقُــولُــوا لِـلنــَّاسِ حُسْــنــًا
ضرب الله المثل بالكلمة الطيبة في القرآن
أونحن مؤاخذون بما نتكلم ؟
عوِّد لسانك على الخير
تحميل الخطبة Pdf
تحميل الخطبة word
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد
وَقُــولُــوا لِـلنــَّاسِ حُسْــنــًا
عباد الله :" إن من
أجل النعم التي أنعم الله بها على الإنسان هي نعمة الإفصاح والبيان فقال سبحانه:"الرَّحْمَنُ
عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ"(الرحمن: 1 – 4).
فالبيان: هو الإعراب عما في الضمير من المقاصد والأغراض وهو النطق، وبه تميز الإنسان عن بقية أنواع الحيوان فهو من أعظم النعم، وأجلها وأكبرها عليه .
ولقد خلق الله للبيان آلة وهي اللسان به ينطق ويتخاطب مع أبناء جنسه، فمن استعمل لسانه في القول النافع وقضاء الحوائج وقيده بلجام الشرع، فقد أقر بالنعمة وأدى شكرها، ومن أطلق لسانه وأهمله، سلك به الشيطان كل طريق شر وسوء حتي يكبَّه في النار على مناخِره، فعن معاذ بن جبل: "قُلْتُ: يَا رسُولَ اللَّهِ وإنَّا لمُؤَاخَذون بمَا نَتَكلَّمُ بِهِ؟ فقَال: ثَكِلتْكَ أُمُّكَ، وهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وَجُوهِهِم إلاَّ حصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ؟.(الترمذي).
وقال تعالى
:" وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ
يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا"(
الاسراء:53).
هذا
أمر من الله تعالى أن نقول للناس حسنا ، وقد أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم
كذلك وقال له:" وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " ،
ما قال حسن بل قال التي هي أحسن.
ينبغي على المسلم أن يختار أحسن الكلمات وأجمل العبارت عندما يريد أن يتكلم مع الناس، كل الناس مع الكبير والصغير، مع القريب والبعيد، مع المسلم وغير المسلم ، هذا من أخلاق الاسلام ، تتكلم مع الناس بالكلام الذي يعجبك أن تسمعه منهم ، من غير استهزاء ولا تكبر ولا تحقير ، لا يطعن في الاخرين ولا يلعن ولا يتكلم بكلام فاحش أو بذئ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ :" لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ"(الترمذي).
"إِنَّ
الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ" في كثير من الاحيان هناك من يتكلم بكلام
عادي لا يقصد به شئ فينزغ الشيطان في قلب المقابل ويقول له أنت المقصود بهذا
الكلام ، يريد أن يوقع بين الناس ، هذا الكلام العادي يؤول الى كلام مقصود ، فكيف
إذا كانت كلمة سيئة؟ لا شك أن النزغ يكون أكثر وأشد مما يوقع العداوة بين الناس ، :"إِنَّ
الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا".
علينا
أن نفكر بكلامنا قبل أن يخرج من أفواهنا ، فإذا خرج الكلام فلا نستطيع أن نرده مرة
أخرى ، أن نستحضر أوامر ربنا ووصايا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول لنا "لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع
بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ولا
يحقره ، التقوى هاهنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرئ من الشر أن يحقر
أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه"(مسلم).
وقَالَ صلي الله عليه وسلم :"مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ"
نرى
ونسمع للاسف الكثير من المسلمين عندما يتحاورون ويتناقشون في أي موضوع ، نسمع العجب
من القول ، وخاصة إذا كان الكلام مع من يخالفه الرأي فالويل لمن خالفه، يصب غضبه
عليه بشتى أنواع الاوصاف والافعال ويتهمه بأنواع التهم ، كل هذا من أجل الانتصار
للنفس وحب الانتقام ، ويسمعه الكلام الجارح و الكلام الجارح لا يلتئم بسرعة أيها
الاخوة:
جراحات السنان لها التئام .... ولا يلتئم ما جرح اللسان
حتى إن
كنت تدافع عن دينك فلا تنفعل ، فالدفاع يكون بالقول الحسن بل الأحسن :"ادْعُ
إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"(النحل : 125).
إذا
كنت تدعو الى دين الله ، هل يستجيب الناس لك إذا سمعوا منك الغلظة في القول
والتهجم والكلام الخشن؟ أم بالطيب من القول؟ أين الدعاة الى الله من الخلق الحسن
والكلمة الطيبة وعفة اللسان ولين القول وخفض الجناح ؟
أيها الاخوة : أنتم تعلمون بأنه بسبب الأخلاق الإسلامية والكلمة الطيبة دخل الملايين من الناس في دين الله ومنهم مسلمو إندونيسيا وكذلك الهند والصين وغيرها من البلدان.
النبي
صلى الله عليه وآله وسلم يقول "أحسن الناس إسلاما أحسنهم خلقا" ، ويقول :" الكلمة الطيبة صدقة"،فالكلمة الطيبة تطفئ الفتنة، و اللين يؤثر ايجابا في
المقابل ،
وضرب
أحد العلماء مثلا للكلام السيئ ، وكيف نرد عليه ، فيقول الكلام السيئ مثل الذباب ،
فاذا وضعت قطرة من العسل - وهو الكلام الطيب - تستطيع أن تجمعه و تقضي عليه ،
ولكنك اذا وضعت فوقه برميل من الحنظل لا تستطيع ان تقضي على ذبابة واحدة منه.
ويعظ
عبد الله بن عمر ابنه فيقول له: بني أن البر شئ هين .. وجه طليق وكلام لين
وخير
منه كلام ربنا تبارك وتعالى الذي يقول :" وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ
يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا
سَلَامًا"(الفرقان:63 ).
الكلمة الطيبة، هداية الله وفضله لعباده:"وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ "(الحج: 24).، وهي رسالة المرسلين، وسمة المؤمنين،
ضرب الله المثل بالكلمة الطيبة في القرآن
عباد الله:" إن
القرآن الكريم بيّن لنا أهمية الكلمة الطيبة وعظيم أثرها واستمرار خيرها، وبين
خطورة الكلمة الخبيثة وجسيم ضررها وضرورة اجتثاثها، يقول جل جلاله:" أَلَمْ تَرَ
كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ
وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا
وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ
كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا
لَهَا مِن قَرَارٍ "(إبراهيم: 24 -25 -26).
"شَبّه
الله سبحانه الكلمة الطيبة - كلمة التوحيد - بالشجرة الطيبة لأن الكلمة الطيبة
تثمر العمل الصالح، والشجرة تثمر الثمر النافع
الكلمة
الطيبة هي حياة القلب، وهي روح العمل الصالح، فإذا رسخت في قلب المؤمن وانصبغ بها
﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ
عَابِدُونَ"(البقرة: 138). وواطأ قلبُه لسانَه، وانقادت جميعُ أركانه وجوارحه،
فلا ريب أن هذه الكلمة تؤتي العمل المتقبَّل " إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ
الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ "(فاطر: 10).
والكلمة الطيبة هي كلمة الحق ثابتة الجذور، سامقة الفروع لا تُزعزعها أعاصير الباطل، ولا تحطِّمها معاول الهدم والطغيان، تقارع الكلمةُ الطيبةُ كلمةَ الباطل فتجتثّها فلا قرار لها ولا بقاء، لا " بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ"(الأنبياء: 18).
الكلمة
الطيبة حيَّةٌ نابضة، لا تموت ولا تذوي، لأن بذورها تنبت في النفوس المؤمنة
الثابتة على الإيمان، المتجددة بتجدد الأجيال، التي تعرف حقيقة وجودها ومعالم
طريقها، والتي بها"يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ "(إبراهيم: 27).
رسول
الله صلى الله عليه وسلم - هو المثل الأعلى لأمته - لم يكن فظاً غليظاً، بل كان
سهلاً سمحاً، ليناً، دائم البشر، يواجه الناس بابتسامة حلوة، ويبادرهم بالسلام
والتحية والمصافحة وحسن المحادثة، علَّمنا أدب التخاطب وعفة اللسان فقال صلى الله
عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء"(الحاكم في المستدرك على الصحيحين).
وعلماً بأن "الكلمة الطيبة صدقة" كما قال نبيُّنا صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه، وأنها تحجب المؤمن من النار؛ ففي حديث عمر بن حاتم رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: "اتّقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة" (أحمد في مسنده).
وأن الكلمة الطيبة شعبة من شعب الإيمان؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" (متفق عليه).
وبالكلمة
الطيبة تتحقق المغفرة. لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن من موجبات المغفرة بذل
السلام وحسن الكلام" رواه الطبراني، بل إن الكلمة الطيبة سبب في دخول الجنة؛
فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في
الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها لمن ألان الكلام أطعم الطعام
بات لله قائماً والناس نيام" ( أحمد في مسنده).
والكلمة
معيار سعادة الإنسان أو شقائه، فبكلمة ينال العبد رضوان الله فيرفعه بها إلى أعلى
الدرجات، وبكلمة يسخط الله عليه فيهوي بها إلى أسفل الدركات، ففي الصحيحين عن حديث
أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا
يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا
يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم".
فكم من
كلمة طيبة كتب الله بها الرضوان: تدفع عن مسلم أذى، أو تنصر مظلوماً، أو تفرِّج
كُربة، أو تعلّم جاهلاً، أو تذكّر غافلاً، أو تهدي ضالاً، أو ترأب صدعاً أو تطفئ
فتنة؟! وكم من مشاكل حُلّت، وكم من صِلات قَوِيَت، وكم من خصومات زالت بكلمة
طيبة؟!
وكم من كلمة خبيثة مزقت بين القلوب، وفرقت بين الصفوف، وزرعت الأحقاد والضغائن في النفوس وخربت كثيراً من البيوت؟ فمن ألجم لسانه بلجام الإيمان وعطّره بطيب الأقوال قاده الرحمن إلى الرضوان وأعالي الجنان، ومن لطَّخَ لسانه بقبح الكلام من زور وفُحش وكَذِب وبهتان هوى به الشيطان إلى دركات النار "وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟!"رواه أحمد والترمذي وابن ماجه
مرّ يهودي يجر وراءه كلباً بإبراهيم بن أدهم فأراد أن يستفزه فقال له: يا إبراهيم أَلِحَْيتك أطهر من ذَنَب هذا الكلب أم ذنبه أطهر منها؟ فرد عليه إبراهيم بهدوء المؤمن وأدبه وقوة حجته: إن كانت لِحْيتي في الجنة فهي أطهر من ذَنَب كلبك، وإن كانت في النار لذنب كلبك أطهر منها.. فما كان من اليهودي إلا أن قال: دينٌ يأمر بهذه الأخلاق حريّ بي أن أتّبعه، ونطق الشهادتين!!!
البِرَ
شيء هيِّن: وجه طليق وكلام ليِّن، فلنرطِّب ألسنتنا بالكلمة الطيبة التي تزيل
الجفاء، وتذهب البغضاء والشحناء، وتدخل إلى النفوس السرور والهناء والمحبة
والمودّة والوئام.
ولقد
أحسن من قال:
لسان
الفتى حتف الفتى حين يجهلُ وكلّ امرئ
ما بين فكَّيه مَقتَلُ
وكم
فاتحٍ أبواب شرٍّ لنفسه إذا لم يكن
قفلٌ على فِيهِ مُقفَلُ
إذا ما
لسان المرء أكثر هَذْرَهُ فذاك لسانٌ
بالبلاءِ مُوَكَّلُ
إذا شئت أن تحيا سعيداً مُسَلَّماً فدبّر وميّز ما تقولُ وتَفعَلُ
أونحن مواخذون بما نتكلم ؟
قال
تعالى:"مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"(ق: 18).
أي: ما ينطق بنطق ولا يتكلم بكلمة"إلا لديه رقيب
عتيد" أي: ملكًا مراقبًا لأعماله حافظًا لها شاهدًا عليها لا يفوته منها شيء.
عتيد:
أي حاضر ليس بغائب يكتب عليه ما يقول من خير وشر، كما قال تعالى:"وَإِنَّ
عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا
تَفْعَلُونَ"(الانفطار: 10 - 12) .
قال
ابن بطال: ما أحق من علم أن عليه حفظةً موكلين به، يحصون عليه سقط كلامه وعثرات
لسانه، أن يحزنَه ويُقلَ كلامه فيما لا يعنيه .
عن معاذ بن جبل قال كنتُ معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سفر فأصبحت يومَا قريبا منه ونحن نسير فقُلْت يا رسولَ اللهِ أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال لقد سألتني عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه : تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير : الصوم جنة، والصدقة تطفيء الخطيئة، كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجلُ من جوف الليل، قال : ثم تلا : { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم – حتى بلغ – يعملون } ثم قال : ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه : قُلْت : بلى يا رسولَ اللهِ قال : رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد . ثم قال : ألا أخبرك بملاك ذلك كله، قُلْت : بلى يا رسولَ اللهِ، قال : فأخذ بلسانه، قال : كف عليك هذا . فقُلْت : يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : ثكلتك أمك يا مُعاذٍ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم"(الترمذي).
فينبغي
على المرء أن يحفظ لسانه وأن ينتقي كلامه وألا يتكلم إلا بالخير، فربَّ كلمة لا
ترضي الله تُوبِقُ على المرء دنياه وآخرته، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه-،
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يقولُ:"إِنَّ الْعَبْدَ
لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، يَهْوِي بِهَا فِي
النَّارِ، أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ"(البخاري ومسلم) .
قال
النووي: "ومعناه لا يتدبرها ويفكر فى قبحها ولا يخاف ما يترتب عليها، وفي هذا
كله حث على حفظ اللسان فينبغي لمن أراد النطق بكلمة أو كلام أن يتدبره في نفسه قبل
نطقه فإن ظهرت مصلحته تكلم وإلا أمسك" .
وقال ابن القيم: "وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ
الْإِنْسَانَ يَهُونُ عَلَيْهِ التَّحَفُّظُ وَالِاحْتِرَازُ مِنْ أَكْلِ
الْحَرَامِ وَالظُّلْمِ وَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَمِنَ
النَّظَرِ الْمُحَرَّمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَيَصْعُبُ عَلَيْهِ التَّحَفُّظُ مِنْ
حَرَكَةِ لِسَانِهِ، حَتَّى تَرَى الرَّجُلَ يُشَارُ إِلَيْهِ بِالدِّينِ
وَالزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ، وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَاتِ مِنْ سَخَطِ
اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَنْزِلُ بِالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْهَا
أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَكَمْ تَرَى مِنْ رَجُلٍ
مُتَوَرِّعٍ عَنِ الْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ، وَلِسَانُهُ يَفْرِي فِي أَعْرَاضِ
الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، وَلَا يُبَالِي مَا يَقُولُ" .
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد فياعباد الله
عوِّد
لسانك على الخير:
عَن
عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاص-رضي الله عنه- أنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ
اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ؟ قَالَ:"مَنْ سَلِمَ
الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ"( ) . فلم يقل النبي-صلى الله عليه وسلم-
إن خير المسلمين من قام الليل أو صام النهار أو من حج أو اعتمر، بل ترك كل هذه
الفضائل مع حسنها وقال: " خير المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده"،
فإن سلامة المسلمين من لسان العبد ويده واجبة، وإن أذى المسلم حرام باللسان
وباليد، فأذى اليد: الفعل، وأذى اللسان القول. ومَنْ كانتْ هذه حالُهُ، كان أحقَّ
بهذا الاسمِ، وأمكنَهُمْ فيه. ومَنْ كان كذلك، فهو المسلمُ الكامل، والمتَّقي
الفاضل .
وقد
أمرنا ربنا تبارك وتعالى بحسن القول في غير موضع من كتابه فقال سبحانه: "وَقُولُوا
لِلنَّاسِ حُسْنًا"(البقرة: 83).
و "الحُسن" هو الاسم العام الجامع لجميع معاني الحسن
. فثبت أن جميع آداب الدين والدنيا داخلةً تحت قوله تعالى:"وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا "
وقال سبحانه:"وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ"(الحج: 24).
ومعناه
أن الله يرشدهم إلى أقوال، أي يلهمهم أقوالًا حسنة يقولونها بينهم . فالكلمة
الطيبة والقول الحسن هداية الله وفضله لعباده.
فالقول
الحسن والكلمة الطيبة وقاية من النار كما أخبر بذلك النبي-صلى الله عليه وسلم-:"فَلْيَتَّقِيَنَّ أَحَدُكُمُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ
يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ"(البخاري ومسلم).. وخير كلمة وأحسن قول هي كلمة التوحيد كما
قال النبي-صلى الله عليه وسلم-:"خَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ
قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ
وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"(الترمذي). فما من أحد أحسن
قولًا ممن دعا إلي توحيد الله وعبادته كما قال سبحانه:"وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا
مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ
الْمُسْلِمِينَ"(فصلت: 33).
قال
السعدي: "هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر أي: لا أحد أحسن قولا. أي: كلامًا
وطريقة، وحالة"مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ" بتعليم الجاهلين، ووعظ الغافلين
والمعرضين، ومجادلة المبطلين، بالأمر بعبادة الله، بجميع أنواعها، والحث
عليها" .
ومن
ذلك:
مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَليقل لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ "
ومن عاد مريضًا فليدع له وليقل: "لاَ بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ"(البخاري).
وإن أصابه كرب أو ابتلي ببلية فليحمد الله وليقل: "لاَ إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ"(البخاري ومسلم).
وفي
السنة أمثلة كثيرة على ذلك.
من أحق
الناس بحسن القول:
إن
القول الحسن والكلام الطيب شعار لقائلهما ودليل على طيب نفسه، فقد تستطيع بقولك
الحسن أن تحول العدو بإذن الله إلي صديق وتقلب الضغائن التي في القلوب إلي محبة
ومودة. وكم من مُشكلات حُلَّت، وكم من صِلات قَويَت، وكم من خُصُومات زالت بكلمة
طيبة.
وأحق
الناس بحُسنِ المَنطِقِ هُم:
الوالدان:فهما وصية الرحمن كما قال:"وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا"(العنكبوت: 8).
وقال:"وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا "(الإسراء: 23) أي: وقل لهما قولًا جميلًا
حسنًا ليِّنًا سهلًا من أحسن ما تجد من القول .
ومن
العجيب أن ترى بعض الشباب والفتيات يتعاملون مع آبائهم معاملة فظة فيرفعون أصواتهم
وينهرونهم ويسيئون إليهم ويؤذونهم بمنطقهم السيئ حتى لو أن إنسانًا رآهم ولم يكن
يعلم أن هذا هو الوالد أو أن هذه هي الأم لظن أنهما خادمان يعملان لدى
الأبناء من شدة غلظة وقسوة الألفاظ التي
يستخدمها بعض الأبناء مع الوالدين.
القرابات:وإنما سميت القرابات بهذا الاسم لتقاربهم وتلاصقهم بعضهم ببعض، وهم أصول الرجل وأرحامه، فمن وصلهم وصله الله، وبارك له في رزقه، ووسَّع له في عيشه، كما أخبر بذلك النبي-صلى الله عليه وسلم- بقوله:"مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"(البخاري) . فقرابة المرء هم أولى الناس بحسن القول والمعاملة.
العلماء:فهم ورثة الأنبياء كما أخبر بذلك الصادق-صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى بقوله:"إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ"(الترمذي).
قال
ابن جماعة الكناني: " وحسبك هذه الدرجة مجدًا وفخرًا وبهذه الرتبة شرفًا
وذكرًا، فكما لا رتبة فوق النبوة فلا شرف فوق شرف وارث تلك الرتبة" .
ولهذه المنزلة ينبغي المرء أن يحسن القول مع أهل العلم، وأن يتلطف في سؤاله إليهم.
الزوجان:لقد أخبر ربنا تبارك وتعالى في كتابه عن الأساس الذي تبنى عليه البيوت فقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(الروم: 21).
فيحتاج كلًا من الزوجين لاختيار أفضل الألفاظ وأحسنها للتخاطب في ما بينهم وإبداء مشاعر الحب والمودة والرحمة، وإنَّ في هدي نبينا-صلى الله عليه وسلم- خيرَ مثال على ذلك وأفضلَ دليل، فَعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:"إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى" قَالَتْ: فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: " أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قُلْتِ: لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ " قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ"(البخاري ومسلم) .
هكذا كان
النبي-صلى الله عليه وسلم- يعامل أهله فلنقتدي به فإن لنا فيه أسوة، كما قال
سبحانه:"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ "(الأحزاب:
21).
غير المسلمين:إن الله عز وجل أمر بالإحسان إلى الناس عمومًا فقال:"وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا "، فظاهر هذه الآية يدل على العموم كما قال عطاء بن أبي رباح أي: "للناس كلهم".
ومن القول الحسن أمرُهم بالمعروف، ونهيهم عن
المنكر، وتعليمهم العلم، وبذل السلام، والبشاشة وغير ذلك من كل كلام طيب. ولما كان
الإنسان لا يسع الناس بماله، أمر بأمر يقدر به على الإحسان إلى كل مخلوق، وهو
الإحسان بالقول، فيكون في ضمن ذلك النهي عن الكلام القبيح للناس حتى للكفار.
ولله در القائل:
أحسن
إلى الناس تَستَعبِدْ قُلُوبَهم
فَطَالمَا استعبدَ الإنسانَ إحسانُ
وكن على الدهر معوانا لذي أمل يرجو نداك فإن الحر معوانُ
من كان
للخير منّاعًا فليس له عند الحقيقة
إخوانٌ وأخدانُ .
وقَالَ أَحْمد بن الخصيب للمُنتصِر: يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ:
أحسنْ إِلَى النَّاس يُحبُّوكَ، وأفْشِ فيهْم العدْل يحمدوك، وَلَا تُطْلِق لغيرْك عَلَيْهِم لِساناً
وَلَا بدا فيَذمُّوك .