رحم الله رجلاً سمحاً
معني السماحة والتسامح
السماحة في جميع أمور حياتنا
فضائل السماحة في البيع والشراء
الحمد لله رب العالمين ، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، القائل :"رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى" اللهم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً،
أما بعد: فياجماعة الإسلام: حديثنا إليكم اليوم عن رحم الله رجلاً سمحاً فالحديث عن التسامح كما هو موجود في سائر أمور الدين حديث شيق ..
معني التسامح والسماحة
عباد الله:"
والتسامح هو:" اللين والتساهل، والتسامح هو: القلب النابض لحياة طيبة ونفس زكية خالية من العنف. فقد رغب الشرع في التسامح بين الناس في البيع والشراء كما قال صلى الله عليه وسلم :"رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًاسَمْحًاإِذَابَاعَ،وَإِذَااشْتَرَى،وَإِذَا اقْتَضَى"(الترمذي).
وكذلك شرع فيها بعض الأمور التي تجلب التيسير فيه، كخيار المجلس، ورد السلع للعيب كل ذلك شُرع دفعًا للضرر بين المتبايعين. وشُرع خيار الشرط للمشتري دفعًا للندم . و قال صلى الله عليه وسلم"ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار؟ على كل قريب هيِّن سهل"(الترمذي).
فلم تكن تعاليم الإسلام عبارات أو شعارات فحسب بل كانت ترجمة حرفية وفورية، أخلاق تمشي على الأرض تراها في الأسواق والمواصلات والمعاملات.
عباد الله :" والسماحةُ هي طيبٌ في النفسِ، وانشراحٌ في الصدرِ، ولينٌ في الجانبِ، وبشاشةٌ في الوجهِ، وصدقٌ في التعاملِ، ورحمةٌ بجميعِ خلقِ اللهِ -تعالى- مِمّا يعقلُ ومِمّا لا يعقلُ، والسماحةُ خلقٌ مِن أخلاقِ المعاملاتِ التي تنشرُ المودةَ والمحبةَ بينَ أفرادِ الأمةِ وتجعلُ منهُم أمةً متماسكةً مترابطةً يحنُو الكبيرُ على الصغيرِ، والقويُّ على الضعيفِ، والغنيُّ على الفقيرِ، أمَّا الفظاظةُ والغلاظةُ والشدةُ والقسوةُ في التعاملِ فليستْ مِن دينِنَا في شيءٍ، وإنِّ الجفاءَ الذي نراهُ في واقعِنَا حالةٌ طارئةٌ يجبُ أنْ يغيَّبَ وأنْ يزولَ، وأنْ يظهرَ خُلقُ السماحةِ على جميعِ جوارحِنَا، وأنْ يظهرَ في جميعِ حركاتِنَا وسكناتِنَا.
والسماحةُ خلقٌ عظيمٌ مِن أخلاقِ الدينِ، ومبدأٌ كريمٌ مِن مبادئِ الإسلامِ، وشيمةُ الأبرارِ المحسنين مِن الناسِ، وصفةٌ مِن صفاتِ المؤمنين، وهي عبادةٌ جليلةٌ، وسهلةٌ وميسورةٌ، أمرَ بها الدينُ، وتخلقَ بهَا سيدُ المرسلين ﷺ، تدلُّ على سموِّ النفسِ وعظمةِ القلبِ وسلامةِ الصدرِ ورجاحةِ العقلِ ووعي الروحِ ونبلِ الإنسانيةِ وأصالةِ المعدنِ.
السماحة في جميع امور حياتنا
عن عمرو بن عبسة قال: أتيت رسول الله صلي الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال:"طيب الكلام، وإطعام الطعام" قلت: ما الإيمان؟ قال:"الصبر والسماحة" . قال: قلت: أي الإسلام أفضل؟ قال:"من سلم المسلمون من لسانه ويده" . قال: قلت أي الإيمان أفضل؟ قال: "خلق حسن"(أحمد).
وهذا من أجمع الكلام وأعظمه برهانا، وأوعبه لمقامات الإيمان من أولها إلى آخرها؛ فإن النفس يراد منها شيئان:
1- بذل ما أمرت به، وإعطاؤه. والحامل عليه: السماحة.
2- وترك ما نهيت عنه، والبعد منه. والحامل عليه: الصبر.
وقد أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه بالصبر الجميل، والصفح الجميل، والهجر الجميل. قال ابن تيمية رحمه الله- الصبر الجميل هو الذي لا شكوى فيه ولا معه. والصفح الجميل هو الذي لا عتاب معه. والهجر الجميل هو الذي لا أذى معه.
وإذا عـــرتك بلية فاصبـر لها صبر الـكــريـم فإنه بك أعـلـم
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
لذا وجبَ علينَا السماحةُ في جميعِ شؤونِ حياتِنَا، فالدنيا لا قيمةَ لهَا ولا وزنَ لهَا إنَّمَا الدنيا إلى زوالٍ.وكيف لا؟ وقد أكرمنَا اللهُ تعالى بشريعةٍ كلِّها خيرٌ ورحمةٌ ومنفعةٌ للبشريةِ في دنياهُم وآخرتِهِم، لمَن قَبِلَهَا وآمنَ بهَا والتزمَهَا، هذه الشريعةُ تدعُو المؤمنَ لأنْ يكونَ متخلِّقاً بالسماحةِ في معاملتِهِ مع خلقِ اللهِ تعالى؛ لأنَّ السماحةَ تقوِّي الإيمانَ، وتُضاعفُ الثوابَ عندَ اللهِ تعالى، وتشدُّ أزرَ العبادِ، وتجعلُ المحبةَ بينَ الأفرادِ، والمودةَ والرحمةَ في قلوبِ العبادِ….
فكمْ ربَّى الإسلامُ على الأخلاقِ العُليَا، وآدابِهِ المُثلَى، ومنها ما نحن بحاجةٍ إلى الاتصافِ بهِ، والتحلِّي بأخلاقِهِ، والقيامِ بموجبهِ إنَّها خصلةٌ؛ هي خُلقُ السماحةِ ما أجملَ هذا الشعارَ، وتمثلهُ في ممارسةِ الحياةِ والدارِ، فاجعلْ شعارَكَ في جميعِ أحوالِكَ السماحةَ لإخوانِكَ.وكيف لا؟ والسماحةُ هي ملَّتُنَا ونهجُنَا وشرعُنَا، هي دينُنَا ومبدؤُنَا، وبها بُعِثَ النبي صلي الله عليه وسلم إلينَا، فقال صلي الله عليه وسلم:"بُعِثْتُ بِالحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ"(أحمد والطبراني).
وكيف لا؟ والسماحةُ التي جاءَ بها شرعُنَا الحنيفُ هو فوقَ مفهومِ الإنسانيةِ وحقوقِ الإنسانِ الذي رفعَهُ الغربُ في هذا الأيامِ وقد جسَّدَ ذلكَ سيدُنَا رسولُ اللهِ بقولِهِ، كما في حديثِ شدادِ بنِ أوسٍ -رضي اللهُ عنه- قال:"ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ, فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ, وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ, وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ"(مسلم).
فمِن صفاتِ النفسِ الطيبةِ السماحةُ للآخرينَ والتسهيلُ واللينُ، ويعاملُ الناسَ بالتسامحِ والعفوِ والتصافحِ، فدينُنَا دينُ السماحةِ، دينُ الألفةِ، دينُ المحبةِ، دينُ الرحمةِ، دينُ التسامحِ، وللهِ درُّ الشافعِي :
يُخَاطِبنِي السَّفيهُ بِكُلِّ قُبْحٍ .:. فأكرهُ أنْ أكونَ له مجيباً
يزيدُ سفاهةً فأزيدُ حلماً .:. كعودٍ زادهُ الإحراقُ طيبا
فضائل السماحة في البيع والشراء
والسماحةُ في البيعِ والشراءِ لها فضائلُ كثيرةٌ وعديدةٌ لا يتسعُ الوقتُ لذكرِهَا منها على سبيلِ المثالِ لا الحصر:
السماحةُ سببٌ مِن أسبابِ رحمةِ
السماحةُ سببٌ مِن أسبابِ رحمةِ الرحمنِ جلَّ جلالُهُ، فأين الذي يبحثونَ عن رحمةِ اللهِ -جلَّ وعلا-؟ أين الذي يريدونَ أنْ ينالُوا دعاءَ سيدِنَا رسولِ اللهِ ﷺ ففي صحيحِ البخارِي عَنْ جابرٍ، رضي اللَّهُ عنْهُ، أن رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: “رَحِم اللَّه رجُلا سَمْحاً إِذَا بَاع، وَإذا اشْتَرى، وَإذا اقْتَضىَ”. فيا مَن كان حريصاً على أنْ ينالَ الرحمةَ مِن اللهِ ببركةِ الدعاءِ الشريفِ: فعليكَ بالسماحةِ أثناءَ تعاملِكَ بالدينارِ والدرهمِ، كُنْ سمحاً عندَ البيعِ، وكُنْ سمحاً عندَ الشراءِ، وكُنْ سمحاً عندَ القضاءِ، وكُنْ سمحاً عندَ الاقتضاءِ.
سببٌ مِن أسبابِ النجاةِ مِن عذابِ اللهِ
ومِن فضائلِ السماحةِ في البيعِ والشراءِ :أنّها سببٌ مِن أسبابِ النجاةِ مِن عذابِ اللهِ ومِن عذابِ النارِ، عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي اللهُ عنه قال: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ ” حَرُم على النارِ كلُّ هيِّنٍ لينٍ سهلٍ قريبٍ من الناسِ” وفي رواية: "أَلَا أُخْبِرُكم بمَن يَحْرُمُ على النَّارِ، وبمَن تَحْرُمُ عليه النَّارُ؟ على كلِّ قريبٍ هيِّنٍ سهْلٍ "،
عبادَ الله: يا مَن تريدُ شهادةَ ضمانٍ لدخولِ جنةِ الرحيمِ الرحمنِ يا مَن تريدُ براءةً مِن النارِ كُنْ سمحًا سهلًا لينًا، قال القارِي: أي: تحرمُ على كلِّ سهلٍ طلقٍ حليمٍ، ليِّنِ الجانبِ، "قريبٍ". أي: مِن النَّاسِ بمجالستِهِم في محافلِ الطاعةِ، وملاطفتِهِم قدرَ الطاعةِ. "سهلٍ". أي: في قضاءِ حوائجِهِم، أو معناه أنَّهُ سمحُ القضاءِ، سمحُ الاقتضاءِ، سمحُ البيعِ، سمحُ الشراءِ، وفي مسندِ الإمامِ أحمدَ عن عطاءِ بنِ فروخٍ أَنَّ عُثْمَانَ -رضي اللهُ عنه- اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ أَرْضًا فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ, فَلَقِيَهُ. فَقَالَ لَهُ: مَا مَنَعَكَ مِنْ قَبْضِ مَالِكَ؟ قَالَ: إِنَّكَ غَبَنْتَنِي, فَمَا أَلْقَى مِن النَّاسِ أَحَدًا إِلا وَهُوَ يَلُومُنِي. قَالَ: أَوَ ذَلِكَ يَمْنَعُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاخْتَرْ بَيْنَ أَرْضِكَ وَمَالِكَ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم :"أَدْخَلَ اللَّهُ -عز وجل- الجَنَّةَ رَجُلاً كَانَ سَهْلاً مُشْتَرِيًا وَبَائِعًا وَقَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا". ، فأين مَن يريدُ أنْ يعتقَ نفسَهُ مِن النارِ؟ أينَ مَن يريدُ أنْ يحرِّمَ اللهُ جسدَهُ على النارِ؟ فمَن أرادَ فليكنْ هيِّناً ليِّناً في بيعِهِ وشرائِهِ وقضائِهِ واقتضائِهِ. فالناسُ مختلفةٌ في الطباعِ والمعاملاتِ يا سادةٌ لذا قال النبيُّ صلي الله عليه وسلم كما في حديثِ أبي موسَى الأشعرِي رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم:" إنَّ اللهَ تعالى خلقَ آدمَ مِن قبضةٍ قبضَها مِن جميعِ الأرضِ فجاءَ بنو آدمَ على قَدْرِ الأرضِ فجاءَ منهُم الأحمرُ والأبيضُ والأسودُ وبينَ ذلكَ والسَّهْلُ وَالْحَزْنُ والخبيثُ والطيبُ"فكُن لينًا سهلًا تفزْ بالجنةِ ونعيمِهَا.
سببٌ مِن أسبابِ إقالةِ العثراتِ يومَ القيامةِ
ومِن فضائلِ السماحةِ في البيعِ والشراءِ: أنَّ السماحةَ سببٌ مِن أسبابِ إقالةِ العثراتِ يومَ
القيامةِ، وكلُّنَا أصحابُ عثراتٍ فأينَ مَن يقيلُ النادمَ في المعاملاتِ الماديةِ؟ أينَ مَن يسمعُ
حديثَ سيدِنَا رسولِ اللهِ صلي الله عليه وسلم :"مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ"(أحمد وأبو داود وابن ماجة).
وفي رواية لابن حبان: " مَن أقالَ نادمًا بيعتَهُ أقالَ اللهُ عَثْرتَهُ يومَ القيامةِ"
سببٌ مِن أسبابِ تنفيسِ الكروباتِ يومَ القيامةِ
ومِن فضائلِ السماحةِ في البيعِ والشراءِ: أنَّ السماحةَ سببٌ مِن أسبابِ تنفيسِ الكروباتِ يومَ القيامةِ، فعَنْ أَبي قَتَادَةَ، رضي اللَّه عَنْهُ، قَالَ: سمِعْتُ رسُول اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يقُولُ:"مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنَجِّيَهُ اللَّه مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أوْ يَضَعْ عَنْهُ"(مسلمٌ).
فأيُّها التجارُ، يا أربابَ الأموالِ: ارحمُوا عبادَ اللهِ، ارحمُوا الضعفاءَ، ارحمُوا أصحابَ
الحاجةِ لعلكُم تُرحمون، واسمعوا حديثَ سيدِنَا رسولِ اللهِ صلي الله عليه وسلم :"اسْمَحْ
يُسْمَحْ لَكَ"(أحمد)،
فإذا تسامحتَ مع إخوانِكَ سامحَكَ اللهُ في تعاملِكَ، فاسمعْ إلى فضيلةِ المسامحةِ وخصلةِ
السماحةِ، يُلقَى رجلٌ في النارِ فيُقالُ لهُ: هل عملتَ خيرًا قط؟ فيقولُ: لا، غيرَ أنِّي كنتُ
أسامحُ الناسَ في البيعِ والشراءِ، فيقولُ اللهُ -عزَّ وجلَّ-:"اسْمِحُوا لِعَبْدِي كَإِسْمَاحِهِ إِلَى
عَبِيدِي"(أحمد).
وفي مأثورِ الحكمةِ: "السماحُ رباحٌ"، ومعناها: المساهلةُ في الأشياءِ يُربحُ صاحبُهَا الهناءَ والوفاءَ. فكونُوا سمحينَ في معاملاتِكُم التجاريةِ يسامحكُم ربٌّ البرايَا جلَّ جلاله .
المسامح خيرُ الناسِ
ومِن فضائلِ السماحةِ في البيعِ والشراءِ: أنَّ المتصفَ بهَا خيرُ الناسِ كما قال سيّدُ الناسِ فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه عَنِ النبيِّ صلي الله عليه وسلم أنَّهُ أخَذَ سِنًّا، فَجَاءَ صَاحِبُهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقالوا له: فَقالَ: إنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالًا، ثُمَّ قَضَاهُ أفْضَلَ مِن سِنِّهِ، وقالَ: أفْضَلُكُمْ أحْسَنُكُمْ قَضَاءً"( مسلم ).
وعن أبي رافع أنَّ رَسولَ اللهِ صلي الله عليه وسلم اسْتَسْلَفَ مِن رَجُلٍ بَكْرًا ، فَقَدِمَتْ عليه إبِلٌ مِن إبِلِ الصَّدَقَةِ، فأمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ، فَرَجَعَ إلَيْهِ أَبُو رَافِعٍ، فَقالَ: لَمْ أَجِدْ فِيهَا إلَّا خِيَارًا رَبَاعِيًا، فَقالَ: أَعْطِهِ إيَّاهُ، إنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً)، وأفضلُ الناسِ مَن يسمحُ عن الناسِ، فعن أبي سعيدٍ الخدري -رضي اللهُ عنه- مرفوعًا: “أَفْضَلُ الْمُؤْمِنِينَ رَجُلٌ سَمْحُ الْبَيْعِ، سَمْحُ الشِّرَاءِ، سَمْحُ الْقَضَاءِ، سَمْحُ الاقْتِضَاءِ"(أحمد) ) وكيف لا؟ ولقد كان هديُهُ أكملَ وأتمَّ الهدي -بأبي هو وأمِّي صلي الله عليه وسلم فها هو يضعُ لنَا مبدأَ السماحةِ والصدقِ في البيعِ والشراءِ، يسنُّ القوانينَ التي يحتكمُ إليها كلا الطرفينِ في بيعِهِم وشرائِهِم فبيَّنَ لهُم مشروعيَّةَ الخيارِ وبيَّنَ لهُم أسبابَ البركةِ في البيعِ والشراءِ.
فعن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم :"الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا" ومِن هديهِ صلي الله عليه وسلم يأمرُ التجارَ بالصدقةِ، فعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ قال: كان صلي الله عليه وسلم يقول:"يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ، فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ "
ومِن كرمهِ وسماحتهِ صلي الله عليه وسلم أنْ يهبَ السلعةَ وثمنَهَا
لصاحبِهَا بعدَ أنْ يشتريَهُ منهُ، فعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ
يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ قَالَ:
فَلَحِقَنِى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا لِي وَضَرَبَهُ فَسَارَ سَيْرا
لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ قَالَ:" بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ " قُلْتُ: لاَ، ثُمَّ قَالَ:" بِعْنِيهِ"، فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلاَنَهُ
إِلَى أَهْلِي فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ
ثُمَّ رَجَعْتُ فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِى فَقَالَ:"أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لآخُذَ
جَمَلَكَ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ فَهُوَ لَكَ "وللهِ درُّ الشافعيِّ رحمَهُ
اللهُ:
وَكُن رَجُلاً عَلى الأَهوالِ جَلداً
وَشيمَتُكَ السَماحَةُ وَالوَفاءُ
وَإِن كَثُرَت عُيوبُكَ في البَرايا
وَسَرَّكَ أَن يَكونَ لَها غِطاءُ
تَسَتَّر بِالسَخاءِ فَكُلُّ عَيبٍ
يُغَطّيهِ كَما قيلَ السَخاءُ
وَلا تُرِ لِلأَعادي قَطُّ ذُلّاً
فَإِنَّ شَماتَةَ الأَعدا بَلاءُ
وَلا تَرجُ السَماحَةَ مِن بَخيلٍ
فَما في النارِ لِلظَمآنِ ماءُ
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ
العظيمَ لي ولكم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أما بعد فياعباد الله
ومِن فضائلِ السماحة في البيع والشراء :
أنَّها سببٌ مِن أسبابِ تجاوزِ اللهِ عنكَ يومَ القيامةِ
يومَ الحسرةِ والندامةِ عنْ حُذَيْفَةَ، رضي اللَّه عنْهُ، قَالَ:”أُتِى اللَّه تَعالى بِعَبْد مِنْ عِبَادِهِ آتاهُ اللَّه مَالاً، فَقَالَ لَهُ: ماذَا عمِلْتَ في الدُّنْيَا؟ قَالَ: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّه حديثاً قَال: يَاربِّ آتَيْتَنِي مالَكَ فَكُنْتُ أُبايِعُ النَّاسَ، وَكانَ مِنْ خُلُقي الجوازُ، فكُنْتُ أَتَيَسرُ عَلى المُوسِرِ، وأُنْظِرُ المُعْسِر. فَقَالَ اللَّه تَعَالى:"أَنَا أَحقُّ بِذا مِنْكَ، تجاوزُوا عَنْ عبْدِي” بل تكون تحت عرش الرحمن وظله يوم لا ظل إلا ظله
فعنْ أَبي هُريرَةَ، رضي اللَّه عنْه، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّه ﷺ:” مَنْ أَنْظَر مُعْسِراً أوْ وَضَعَ لَهُ، أظلَّهُ اللَّه يَوْمَ القِيامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلاَّ ظِلُّهُ ” فتجاوز عن الناس يتجاوز عنك الملك جل جلاله .
وفي الصحيحين مِن حديثِ أبي هُريرةَ، رضي اللَّهُ عَنْهُ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "اشْتَرَى رَجُلٌ مِن رَجُلٍ عَقارًا له، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الذي اشْتَرَى العَقارَ في عَقارِهِ جَرَّةً فيها ذَهَبٌ، فقالَ له الذي اشْتَرَى العَقارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي، إنَّما اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأرْضَ، ولَمْ أبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ، فقالَ الذي شَرَى الأرْضَ: إنَّما بعْتُكَ الأرْضَ، وما فيها، قالَ: فَتَحاكما إلى رَجُلٍ، فقالَ الذي تَحاكما إلَيْهِ: ألَكُما ولَدٌ؟ فقالَ أحَدُهُما: لي غُلامٌ، وقالَ الآخَرُ لي جارِيَةٌ، قالَ: أنْكِحُوا الغُلامَ الجارِيَةَ، وأَنْفِقُوا علَى أنْفُسِكُما منه وتَصَدَّقا"
اللهم أت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.