recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة يرفع الله الذين أمنوا منكم والذين أتوا العلم درجات لفضيلة الشيخ عبدالناصربليح


  يَرْفَعِ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ 

فضل العلم والعلماء

بالعلم النافع يصل الإنسان إلي ربه 

ترك العمل بالعلم من أقوى الأسباب في ذَهابه ونسيانه.

اتقوا الله ويعلمكم الله 

 الحمد لله رب العالمين ، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، القائل :" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، 

أما بعد: فياأخوة الإسلام: لقد رفع الله تعالى شأن العلم وأهله، وبيَّن مكانتهم، ورفع منزلتهم، فقال سبحانه وتعالى:"يَرْفَعِ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ"(المجادلة: 11).

ولم يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستزادة من شيء إلا من العلم، فقال له سبحانه وتعالى:" وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً"(طه: 114). وما ذاك إلا لما للعلم من أثر في حياة البشر، فأهل العلم هم الأحياء، وسائر الناس أموات.

العِلْمُ يَجْلُو الْعَمَى عَنْ قَلْبِ صاحِبِهِ

كَما يُجْلِي سَوَادَ الظُّلْمَةِ القَمَرُ

فَلَولا العِلْمُ ما سَعِدَتْ نُفُوسٌ

وَلا عُرِفَ الحَلالُ وَلا الحَرامُ

فَبِالعِلْمِ النَّجاُة مِنَ المَخَازِي

وَبِالجَهْلِ المَذَلَّةُ وَالرُّغامُ

 ولقد منع الله سبحانه المساواة بين العالم والجاهل؛ لما يختص به العالم من فضيلة العلم ونور المعرفة؛ "أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ"(الزمر: 9).

فالعلم شرف لا قدر له، ولا يجهل قدر العلم وفضله إلا الجاهلون. قال عبد الملك بن مروان لبنيه: "يا بَني, تعلموا العلم؛ فإن كنتم سادة فقتم، وإن كنتم وسطاً سدتم، وإن كنتم سوقة عِشتم".

فََمَنْ لَمْ يَذُقْ مُرَّ التَّعَلُّمِ ساعَةً

تَجَرَّع ذُلَّ الجَهْلِ طُوْلَ حَياتِهِ

وَمَنْ فاتَهُ التَّعْلِيمُ حالَ شَبابِهِ

فَكَبِّرْ عَلَيْهِ أَرْبَعاً لِوَفاتِهِ

فضل العلم والعلماء

عباد الله: إن طلب العلم خير ما ضُيِّعت فيه الأعمار، وأُنْفِقت فيه الساعات، فالناس إما عالم أو متعلم، أو همج رعاع"مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاءِ وَمَن يُضْلِلِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً "(النساء: 143).

ولقد جاءت نصوص الكتاب والسنة منوهة بفضل العلم وأهله، والحث على تعلمه وكسبه، فقد شرف الله تعالى هذه الأمة؛ حيث جعلها أمة العلم والعمل معاً، تمييزاً لها عن أمم الظلم والجهل. وجاءت الصيحة الأولى المدوية التي أطلقها الإسلام في أنحاء المعمورة؛ لتنوه بقيمة العلم والعلماء، وتسمو بقدره، وتجعل أول لَبِنة في بناء الأفراد والشعوب، وكِيان الأمم والمجتمعات القراءة والكتابة.

يرفع صاحبه إلى أفضل المنازل والدرجات:

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظً وافر"(احمد وأبو داود، والترمذي، وأصله في "الصحيحين).

عن أبي كبشة الأنماريّ أنّه سمع رسول الله يقول:"ثلاثة أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد بمظلمة فصبر عليها إلّا زاده الله عزّا، ولا فتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر- أو كلمة نحوها-. وأحدّثكم حديثا فاحفظوه . قال: إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقّا. فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النّيّة يقول: لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيّته، فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما، فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتّقي فيه ربّه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقّا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو أنّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيّته فوزرهما سواء"()

خير من أموال الدنيا:عن عقبة بن عامر-  قال: خرج رسول الله ونحن في الصّفّة فقال:"أيّكم يحبّ أن يغدو كلّ يوم إلى بطحان  أو إلى العقيق  فيأتي منه بناقتين كوماوين  في غير إثم ولا قطع رحم؟ فقلنا: يا رسول الله نحبّ ذلك. قال: «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله- عزّ وجلّ- خير له من ناقتين. وثلاث خير له من ثلاث. وأربع خير له من أربع. ومن أعدادهنّ من الإبل» () ، وبطحان: اسم موضع قرب المدينة ، والعقيق: اسم واد بالمدينة ، ناقة كوماء: عظيمة السنام  

طلب العلم فريضة:  عن أنس بن مالك  قال: قال رسول الله :  طلب العلم فريضة على كل مسلم ) ( )

وقال الإمام الشّافعيّ-رحمه الله تعالى:"طلب العلم أفضل من صلاة النّافلة"

ما الفخــــرُ إلّا لأهلِ العلمِ إنّهمُ ….على الهدَى لِمَن استهدَى أدلاءُ

وقدرُ كلِّ امرئٍ ما كانَ يحسنُهُ …والجاهـلونَ لأهلِ العـلمِ أعداءُ

فـفـُزْ بعلمٍ تعشْ حيـًّا بهِ أبــدً. الناسُ موتَى وأهلُ العلمِ أحياءُ

وما فشَا الجهلُ في أمةٍ مِن الأممِ إلّا قوّضَ أركانَهَا، وصدَّعَ بنيانَهَا، وأوقعَهَا في الرذائلِ والمتاهاتِ المهلكةِ.

هو ما يبقى للميت بعد موته: 

عن أبى هريرة ؛ أن رسول الله قال: " إذا مات العبد انقطع عنه  عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" " ( )

وعن أبي هريرة  قال: قال الرسول: "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً نشره أو ولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورّثه. أو مسجداً بناه أو بيتاً لابن السبيل بناه أو نهراً أجراه أو صدقةً أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته" ( )

لطالب العلم اجر مثل أجور من تبعه على الخير: 

عن أبي هريرة أن رسول الله  قال :"من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا " ( )

وعن أبي هريرة  قال سمعت رسول الله   يقول :"إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالمأو متعلم "() وقوله وما والاه أي: طاعة الله.

عباد الله: بالعلم تبنى الأمجاد، وتشيد الحضارات، وتَسُود الشعوب، وتبنى الممالك، بل لا يستطيع المسلم أن يحقق العبودية الخالصة لله تعالى على وَفق شرعه، فضلاً عن أن يبني نفسه كما أراد الله سبحانه أويقدم لمجتمعه خيراً،أولأمته عزاًومجداًونصراً إلا بالعلم.

وما فشا الجهل في أمة من الأمم إلا قوض أركانها، وصدَّع بنيانها، وأوقعها في الرذائل والمتاهات المهلكة.

وَإِنَّ كَبِيرَ القَوْمِ لا عِلْمَ عِنْدَهُ    صَغِيرٌ إِذا التَفَّتْ عَلَيْهِ المحافِلُ

بالعلم النافع يصل الإنسان إلي ربه 

عباد الله :" ومن سلك طريقاً يظنه الطريق الموصل إلى الله تعالى بدون علم فقد سلك عسيراً، ورام مستحيلاً، فلا طريق إلى معرفة الله - سبحانه وتعالى - والوصول إلى رضوانه إلا بالعلم الشرعي النافع الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، فهو الدليل عليه، وبه يُهتدى في ظلمات الجهل، وشبهات الفساد والشكوك.

والعلم الشرعي: هو العلم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وهو القاعدة الكبرى التي تبنى عليها سائر العلوم. وحملة العلم الشرعي هم ورثة الأنبياء، والأمناء على ميراث النبوة، ومتى ما جمعوا بين العقيدة الصحيحة والعلم الشرعي المتوج بالأدلة الشرعية مع الإخلاص لله سبحانه والتأدب بآداب العلم وأهله، فهم الأئمةُ الثقات، والأعلامُ الهداة، مثلُهم في الأرض كمثل النجوم يُهتدَى بها؛ قال صلى الله عليه وسلم: "إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء؛ يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة"(أحمد).

قال الحافظ بن رجب عليه رحمة الله: "وهذا مثل في غاية المطابقة؛ لأن طريق التوحيد والعلم بالله وأحكامه وثوابه وعقابه لا يدرك إلا بالدليل، وقد بين الله ذلك كله في كتابة، وعلى لسان رسوله، فالعلماء بما أنزل الله على رسوله هم الإدلاء الذين يهتدى بهم في ظلمات الجهل والشبه والضلال، فإذا فقدوا ضل السالك.

العلماء بالله تعالى وبشرعه هم أهل خشية الله، وشهداء الله في أرضه، وخلفاء الرسول في أمته، فمن كان بالله أعرف كان منه أخوف؛ لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم الكريم، الموصوف بصفات الكمال والمنعوت بالأسماء الحسنى، كلما كانت المعرفة به أتم، والعلم به أكمل كانت الخشية له أعظم، وأكثر.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: "العالم بالرحمن من عباده: من لم يشرك به شيئاً، وأحل الحلال، وحرم الحرام، وحفظ وصية الله، وأيقن أنه ملاقيه، ومحاسبه بعمله".

فالخشية: هي التي تحول بين العبد وبين معصية الله، وتدعوه إلى طاعته والسعي في مرضاته. قال الحسن البصري رحمه الله: "العالم؛ من خشي الرحمن بالغيب، ورغب فيما رغَّب الله فيه، وزهد فيما سخط الله فيه، ثم تلا قول الله تعالى:" إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ "(فاطر: 28).

وهذا هو العلْم الحقيقي الذي ينفع صاحبه؛ فإن العلم ليس عن كثرة المعرفة والحفظ، ولكن العلم عن كثرة الخشية، فهو نور يجعله الله في القلب، ولقد أحسن من قال:

لا تَحْسَبَنَّ العِلْمَ يَنْفَعُ وَحْدَهُ   ما  لَمْ  يُتَوَّجْ  رَبُّهُ   بِخَلاقِ

 فَإِذا رُزِقتَ خَليقَةً مَحمودَةً  فَقَدِ اِصطَفاكَ مُقَسِّمُ الأَرزاقِ

فالعلم بغير ورع ولا طاعة كالسراج يضيء البيت بنوره، ويحرق نفسه. وماذا يفيد العلم جُمَّاعَ القول المصرين على معاصيهم وأخطائهم، الذين يستمعون القول ولا يتبعون أحسنه.

روى عبد الله بن وهب عن سفيان: "أن الخضِر قال لموسى عليهما السلام: يا ابن عمران، تعلم العلم؛ لتعمل به، ولا تتعلمه؛ لتحدث به، فيكون عليك بُوره، ولغيرك نوره".

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: "أخوف ما أخاف إذا وقفت بين يدي الله أن يقول: قد علمت فماذا عملت".

وفي منثور الحكم: لم ينتفع بعلمه من ترك العمل به. فثمرة العلم أن يُعمَل به؛ لأن العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل. وخير العلم ما نفع، وخير القول ما ردع، ومن تمام العلم استعماله، ومن تمام العمل استقلاله، فمن استعمل علمه لم يخل من رشاد، ومن استقل عمله لم يقصر عن مراد.

وقد أُثِر عن جماعة من السلف أنهم كانوا لا يتجاوزن عشر آيات من كتاب الله حتى يتعلموا ما فيها من العلم ويعملوا به. قال بعض السلف: "كنا نستعين على حفظ العلم بالعمل به".

فترك العمل بالعلم من أقوى الأسباب في ذَهابه ونسيانه.

قال على رضي الله عنه: "يا حملة العلم اعملوا به، فإن العالم من عمل بما علم، فوافق عمله علمه، وسيكون أقوام يتعلمون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف عملهم علمهم وتخالف سريرتهم علانيتهم، يجلسون حلقاً، فيباهي بعضهم بعضاً، حتى إن الرجل ليغضب على جليسه إذا جلس إلى غيره وتركه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله - عز وجل.

ولقد ضرب المصطفى صلى الله عليه وسلم مثلاً لطلاب العلم، وأحوالهم في الاستفادة مما تعلموا؛ فقال:"مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا؛ فكان منها نقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس؛ فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ؛ فذلك مثل من فقُه في دين الله ونفعه ما بعثي الله به فعلِم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أُرسِلت به" (متفق عليه).

ثم اعلموا رحمكم الله: أن من آفات العلم، وأسباب محق البركة عنه أن تُطلَب به الرئاسة على الخلق، والتعاظم عليهم، وأن يريد طالبه بعلمه أن ينقاد له الناس، ويخضعوا له، وأن يصرفوا إليه وجوهم؛ فيُظهِر للناس زيادة علمه على العلماء، ليعلو به عليهم، ونحو ذلك، فهذا موعده النار - عياذا بالله - فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: |من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار))؛ رواه الترمذي، وابن ماجه. وفي رواية لابن ماجه:"لا تعلَّموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا تخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار".

قال الحسن البصري رحمه الله: "لا يكن حظ أحدكم من علمه أن يقول له الناس: عالم.

كما أن عليه أن يخلص في طلب العلم لله تعالى وأن يصبر فيه وعليه ويصابر، ويحذر من الاستعجال في الحصاد؛ فإن البداية مزلة، ومن تصدر قبل حينه فضحه الله في حينه.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى واشكروه وأطيعوه، وراقبوه ولا تعصوه؛ فإن التقوى هي أساس العلم، ومفتاح الفهم؛"وَاتَّقُوا الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"(البقرة: 282).

عباد الله:

يستعد الأبناء في هذه الأيام لاستقبال عام دراسي جديد، يقضونه بين أروقة المدارس والمعاهد والجامعات؛ لينهلوا من مناهل العلم والمعرفة، على حسب مستوياتهم واتجاهاتهم، ويشجعهم على ذلك ويدفعهم أولياء أمورهم والقائمون على تدريسهم؛ من مربين ومدرسين؛ الذي يقع عليهم العبء الأكبر في تربية الناشئة التربية الإسلامية الهادفة، التي تعود عليهم بالنفع في دنياهم وأخراهم، ولا يتم ذلك إلا بالتعاون الجاد بين البيت والمدرسة، وقيام كل منهما بما له وما عليه تُجاه أبناء المسلمين.

فليعلم كل من اشتعل بالتدريس: أن أقل ما يُنتظَر من المعلم أن يكون مظهره إسلامياً، وأن يتقي الله سبحانه وتعالى في قوله وفعله وسلوكه، وأن يكون ذلك كله متفقاً مع شرع الله، في التعامل مع الطلاب، والتخاطب معهم، وأن يروا فيه القدوة الصالحة التي تحتذى.

وما اختلت موازين الأمة، وفسد أبناؤها يا عباد الله إلا حينما ضاع الأبناء بين أبٍ مفرط لا يعلم عن حال أبنائه، ولا في أي مرحلة يدرسون، ولا مع من يذهبون ويجالسون، ولا عن مستواهم التحصيلي في الدراسة - وبين مدرس خان الأمانة، وتهاون في واجبه، ولم يدرك مسؤوليته.

وهذا الحكم ليس عاماً؛ فإن بين صفوف المدرسين أتقياء بررة، ومربين أوفياء، وهم كثير بحمد الله تعالى - وإن المنصف ليدرك دور ذلك الجندي المجهول - المعلم المخلص - في تعليم الأجيال، وتربيتهم، وتقويم سلوكهم، وإن واجب الأمة نحوه: أن تشكر جهوده، وتؤدي إليه بعضاً من حقه، وأن تعرف له قدره واحترامه وفضله.

إنَّ المُعلِّم والطَّبِيبَ كِلَيهِما

لا يَنْصَحانِ إِذا هُما لَمْ يُكْرَما

فاصْبِرْ لِدائِكَ إِنْ أَهَنْتَ طَبِيبَهُ

وَاصْبِرْ لِجَهْلِكَ إِنْ جَفَوْتَ مُعَلِّماً

عباد الله: تعلموا رحمكم الله العلم النافع، وعلموه، فمن يرد الله به خيراً يفقه في الدين؛ فإن العلم منه ما هو واجب على كل مسلمٍ ومسلمة، لا يقدر أحد على تركه؛ إذ تركه مُخِل بحياته ودينه؛ كأحكام العقيدة، والطهارة، والصلوات، والزكاة والصوم، والحج، فالواجب على المسلم أن يسأل عن ذلك، ويتعلم أحكام دينه؛ فإنما شفاء العي السؤال.

ألا وإن من أعظم الواجبات على الطلاب تجاه المعلمين إجلالَ واحترامَ معلميهم؛ والتأدبَ معهم ومعرفةَ قدرِهم؛ والقيامَ بشكرهم؛ والدعاءَ لهم.

كما يجب على الآباء أن يربوا أبناءهم على ذلك، وأن لا ينسوا أن مهمةَ تربيةِ أبنائهم هي على عاتقهم قبل أن تكون على معلميهم، فيقوموا بما يجبُ عليهم من مسؤولية تعليمية وتربوية وأسرية.

وختاما نتذكر حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: الذي قال فيه:" (إنّ الله سائل كل راع عما استرعاه؛ حفظ أم ضيّع"(صحيح الترغيب).

اللهم أصلح واحفظ ووفق الأبناء والبنات؛ في دراستهم وفي سائر أمورهم. اللهم أعن ووفق واهد وسدد المعلمين والمعلمات واجزهم خير الجزاء. اللهم علمنا ما ينفعُنا؛ وانفعنا بما علمتنا؛ وزدنا علما وهدىً.

google-playkhamsatmostaqltradent