
ماهوالرزق الخفي؟ وأسبابه؟
أولاً :" البركة في الرزق وأسبابها
ثانياً :" الطمأنينة رزق وسببها الذكر
ثالثاً :" التوفيق .. رزق الأبرار الخفي
رابعاً :" دفع البلاء عن العبد رزق خفي
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن
لاإله إلا الله وحده لاشريك له في سلطانه قسك الأرزاق والأقوات بين عباده ولم ينسي
أحد :" إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ"(الذاريات:
58).
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله القائل :"لو أنَّ ابنَ آدمَ هرب من رزقِه كما يهرُبُ من الموتِ ، لأدركه رزقُه كما يُدرِكُه الموتُ"(أبونعيم في الحلية.السلسلة الصحيحة).
اللهم صلاة وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله وبعد فياعباد الله يقول الله تعالى:"وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا"(الطلاق: 2، 3).
عباد الله :" الرزق هو
النصيب يكون به تَقَوُّتُ الأبدان، ونماء العقول، وغذاء الأرواح، فالمأكول رزقٌ،
والمشروبٌ رزقٌ، والمكتشفات من العلوم ونظرياتها، ومن الفنون وتطبيقاتها، من حيث
لا يحتسب العبد، هي رزقٌ يأتيه به الله تعالى من غير ارتقاب، وعلى رفقٍ في وقت
الحاجة إليه. والرزق ما يحمل المرزوقُ على أن يصرفه في وجه القُربة، لأنه من الله،
وإلى الله ينبغي أن يتوجه.والرزَّاق هو الله تعالى، وهو الكافي، وهو الطاعم، وهو
الذي خلق المعايش يسع رزقه الجميع.
قال تعالى:"إِنَّ اللَّهَ
هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ"(الذاريات: 58).
لا تعجِلنَّ فليس الرزقُ بالعجَلِ الرزقُ في اللوحِ مكتوبٌ مع الأجل
فلو صبرنا لكان الرزقُ يطلبنا لكنّه خُلِقَ الإنسانُ مِن عَجَلِ
وقابلِ الهمّ بالتسليم تغلبُهُ فما أصابك مكتوبٌ مِن الأزلِ
دنياك زائلةٌ فازهد بأصفرها تجد مرارتها في النّفس كالعسلِ
ولا تفتّش بها عن راحة أبداً فاللهُ قدّرها للجِّد والعملِ
ولو أرادَ لنا أن نستريحَ بها لكان أولىٰ بهذا سيّدُ الرّسلِ
الرزق رزقان رزق ظاهر ورزق خفي أنواع الرزق الظاهر لاتعد ولاتحصي الصحة رزق والحكمة رزق ..والفهم رزق والكياسة رزق والابن الصالح رزق والزوجة الصالحة رزق وكل ماتنتفع به رزق وكل عطاءات الله رزق
أما الرزق الخفي فهو أربعة أنواع وهي البركة والطمأنينة والتوفيق ودفع البلاء
أولاً:" البركة في الرزق وأسبابها
عباد الله :" والبركة رزق خفي :وهي النماء والزيـادة، وهي الرخاء والسعة في الأرزاق المعنوية والمادية المشروعة، وهي كل شيء يدخل البهجة والفرحة على النفس وينشرح له الصدر ويُسعَدُ به الفؤاد.
والمعنى الدارج للبركـة في الــرزق بين النـاس هـو الزيـادة والسعة في المال والربح والكسب وهذا فهم قاصر حيث يركـز على الماديات فقط ويهمل الروحانيـات والمشاعـر والعـواطف، كما لا يأخذ في الاعتبار الرزق الخفي مثـل الحفظ من السـوء والمكـاره والأذى والتعب النفسي .
"البـــركــة" جند خفي من جنود الله يرسلها لمن يشاء فالبركة إذا حلّت في المال كثّرته وفي الولد أصلحته وفي الجسم قوّته وفي الوقت عمّرته وفي القلب أسعدته "
اللهم اجعلنا مباركين أينما كنا
أسباب البركة الإيمان وتقوي الله :"
عباد الله ومن أسباب البركة تقوى الله،فالتقوى تجلب البركة في الرزق. يقول الله تعالى:" وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا"(الطلاق/2، 3).
فالتقوى مفتاح الرزقين: رزق
الدنيا ورزق الآخرة.
الانفاق لوجه الله :"
ومن أسباب البركة الإنفاق فالمؤمن سخي جواد بماله فلا يبخل به بل ينفقه على نفسه وعلى أهله وعلى خلق الله المحتاجين. فالإنفاق لوجه الله تعالى سراً وعلانية مجلبة للرزق.:" قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ"(سبأ: 39)."وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ "(النور/38).
وقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بركة الإنفاق والتصدق في سبيل الله تعالى. بقوله: صلى الله عليه وسلم "مَن تَصدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسبٍ طَيّبٍ، ولا يَقبَلُ الله إِلا الطَّيِّبَ، وإنَّ الله يَتَقَبَّلُه بِيَمينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّها لصاحِبِهِ، كما يُرَبِّي أَحَدُكمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلّ"(البخاري ومسلم).
وهذه البركة تكون للمال حيث يضاعف الله المعطي لعباده أموالهم التي ينفقونها في سبيله سواء كان الإنفاق على أنفسهم، أم على الفقراء والمساكين. والبركة أيضا تكون للصحة الجسدية والنفسية؛ لأن "من أسباب شرح الصدر الإحسان إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال والجاه والنفع بالبدن وأنواع الإحسان فإن الكريم المحسن أشرحهم صدراً وأطيبهم نفساً وأنفعهم قلباً، والبخيل الذي ليس فيه إحسان أضيق الناس صدراً وأنكرهم عيشاً وأعظمهم هماً وغماً"
البعد عن المعاصي والشهوات:"
ولعل من حكمة الله في بسط الرزق على بعض الناس، وتضيقيه على البعض، أن وجدان المال سبب للانغماس في الشهوات، كشهوة الطعام، والشراب، والسهر، وهذا منهي عنه بالنص القرآني.
قال تعالى:"كُلُوا مِنْ
طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي
وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى"(طه/ 81).
فقد أمر الله تعالى عباده أن يأكلوا من اللذائذ التي أنعم بها عليهم من غير إسراف لأن الإسراف في تناول الطعام والشراب والسهر يؤدي إلى الإصابة بالأمراض.
وليست العبرةُ بالنعمة، وإنما العبرةُ بالبركة في النعمة، والبركة هي النفع والزيادة..
والشكر على الرزق مجلبة للرزق:"
فبالشكر تدوم النعم، "وبالشكر على النعمة يزيد الإنعام والإكرام، والكفر بها يستوجب الحرمان والهجران. وشكر النعمة وصال ونوالٌ". "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ"(إبراهيم: 7).
وإتمام النعمة على العباد أن يختم لهم المُنعم بالخير، ويكفيهم أمور دينهم ودنياهم، ويصونهم عن إتباع الهوى، ويسدّدّهم حتى يؤثروا ما يوجب رضاه تعالى... وإذا أنعم الحق سبحانه على قومٍ بنعمةٍ أمهلهم ليشكروا، فإذا شكروا فبقدر الشُكر تدوم النعم.
قال أحد الحكماء: اِغلبْ هواك على الفساد وكُنْ مقبلاً على القصدِ، يُقبل عليك المالُ..
وقال ابن عباس رضي الله عنه : إن للحسنة ٍ ضِياءٌ في الوَجهِ ونُوراً في القَلبِ، وَسِعَةٌ في الرزقِ وقوةٌ في البَدنِ ومَحَبةٌ في قُلوبِ الخَلقِ، وإِنَّ للسيئةِ سَوادٌ في الوَجهِ وظُلمةٌ في القَلبِ ووَهنٌ في البَدنِ ونَقص في الرِزقِ وبُغضٌ في قُلوبِ الخَلْقِ.
قال أبو سليمان الواسطي: ذكر النعمة يُورث الحبَّ لله.
وهذا ما يجب أن يكون عليه المسلم الشكر على كل نعم المُنعم علينا، وعندما نعد الفرد الصالح لنفسه وللمجتمع إعداداً دينياً سليماً، ونغرس في نفسه الإحساس بالمسؤولية تجاه مجتمعه، يتولد لدينا أفراد صالحون معتدلون في سلوكهم وتصرفاتهم وقيمهم الدينية والدنيوية.
ثانياً:"الطمأنينة رزق خفي وسببها الذكر
عباد الله ومن أنواع الرزق
الخفي الطمأنينة فهي رزق من الله قال تعالي:" الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ
قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"(الرعد/28).
من أسباب الطمأنينة ذكر الله:"
ومن أسباب الطمأنينة وجلب الطمأنين هو ذكر الله والأنس به ولهذا قال :"ألا بذكر الله تطمئن القلوب" أي : هو حقيق بذلك الشعور بالطمأنينة والراحة ثمرة عظيمة من ثمرات الذكر، الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله" أي : تطيب وتركن إلى جانب الله ، وتسكن عند ذكره ، وترضى به مولى ونصيرا"
ولكن هذه لا تحصل من غير تحقيق أمور، ومن هذا الأمور:
وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا
من أعظم أسباب امتلاك الطمأنينة
أن تنشرها بين الناس بالقول والعمل: بالقول بألا تنشر الأكاذيب والشائعات والهلع
بين الناس؛ إذ إن هناك فرقًا بين نشر الوعي وترويج الهلع،
وبث الطمأنينة بالفعل بين الناس يتمثَّل في منح الفقراء والمهمشين فرصًا للعمل والثراء؛ فنقطع الحبل الواصل بينهم وبين بحور القلق على المعاش والحياة، فينبغي على كل راغبٍ في التمتع بالطمأنينة أن يبذل في مجاله ما يخفف به الأوجاع والهموم التي تقلق الناس وتفقدهم الاستمتاع بالطمأنينة والسكنية. كانت هذه خواطري الأربعة حول الطمأنينة، عسى أن تحدث مساحة من التفكير والتناقش حولها وفيها، ومن يجد لديه تجربة وخبرة في بناء الطمأنينة يتواصل بها هنا عبر التعليقات والإضافات.
ثالثاً:"التوفيق
.. رزق الأبرار
عباد الله :" ومن الرزق الخفي توفيق العبد المؤمن في حله وترحالة لا
يستغني إطلاقا عن معية الله تعالى وهدايته ومدده، وهذا عين الفلاح الذي يقابله
الخذلان والبوار جراء سخط العزيز الجبار على أهل الضلال، فالله جل شأنه إذا غضب
على عبد لا يبالي به في أي واد هلك، وفي الحديث النبوي الشريف: "إِنَّكَ إِن
تَكِلنِي إلى نفْسي تَكِلنِي إلى ضَعْفٍ، وَعَوْرَةٍ، وَذَنْبٍ، وَخَطِيئَةٍ،
وَإِنِّي لا أَثِقُ إِلا بِرحمتِكَ، فَاغْفِرْ لِي ذُنوبِي كُلَّهَا، إِنَّهُ لا
يَغفِرُ الذُّنوبَ إِلا أنتَ، وَتُبْ عليَّ إِنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ
الرَّحيمُ"(أحمد).
قال أبو داود للإمام أحمد بن حنبل: جمعت هذا العلم لله؟ فقال: "لله عزيز، ولكن حبب إلى أمر ففعلته" .. وتلك إشارة جامعة لنعمة"التوفيق" الذي هو من أجل نعم رب العالمين لعباده المخلصين.
والتوفيق جعل الشيء وفقا لآخر، أي طبقا له، ولذلك عرفوه بأنه خَلْق القدرة الداعية إلى الخير والطاعة، وقال الراغب: "والاتفاق مطابقة فعل الإنسان القدر، ويقال ذلك في الخير والشر، يقال: اتفق لفلان خير، واتفق له شر. والتوفيق نحوه لكنه يختص في التعارف بالخير دون الشر".
وحقيقة"التوفيق" إمداد الله
تعالى العبد بعونه وإعانته وتسديده وتيسير أموره وتسخير الأسباب المعينة عليها.
والتوفيق بيده سبحانه هو لا بيد من سواه. وأعظم التوفيق: التوفيق إلى الحق وقبوله، وإلى الخير والعمل به، وتلك نعمة لا يملكها إلا رب العباد، ومقلب القلوب والأبصار، والذي يحول بين المرء وقلبه .. قال تعالى: "وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بْاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ"(هود:88).فالله تعالى يوفّق من يشاء، ويخذل من يشاء ..
التوفيق: فَضْل لأنَّهُ إعانة.
وأما الخذلان: فهو سلب الإعانة .. التوفيق إعطَاءٌ، مَنٌّ، كَرَمٌ، .. وأما
الخذلان فهو عَدْلٌ وسلبٌ.
وعن أبي سليمان الضَّبِّي، قال: "كانت تجيئنا كتب عمر بن عبد العزيز إلى خراسان فيها الأمر والنهي فيكتب في آخرها: "وما كنت في ذلك إلا كما قال العبد الصالح:"وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بْاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ".
وأما قوله تعالى:"والله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ" أي لا يوفقهم للإيمان، مثل قوله:"والله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالمين"،"والله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ".. فالهداية المنفية: هداية التوفيق، أما هداية البيان والإرشاد فهذه موجودة، فالله هدى كل النّاس مؤمنهم وكافرهم ببيان معالم طريق الخير من طريق الشر.. أما هداية التوفيق والإيمان فهي خاصة بالمؤمنين.
حتى فتنة الدجال آخر الزمان لا
ينجو منها إلا أهل التوفيق الذين لا يغترون ولا ينخدعون بما معه من الدلائل
المكذوبة، مع ما سبق لهم من العلم بحاله، ولهذا يقول المؤمن الذي يقتله الدجال ثم
يحييه: "ما ازددت فيك إلا بصيرة ".
بل إن دخول الجنَّة بسبب
الأعمال، ثمّ التوفِيق للأعمال والهداية للإخلاص فيها، وقبولها برحمة اللَّه تعالى
وفضله.
وجاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبدٍ خيراًاستعمله" قالوا:"يا رسول الله، وكيف يستعمله؟ قال:"يوفقه لعمل صالح قبل الموت ثم يقبضه عليه"(أحمد والترمذي).
أسباب التوفيق الدعاء والتضرع لله :"
عباد الله:" أما الدعاء فهو من أعظم الأسباب
لحيازة التوفيق، خاصة إذا اقترن بالتوكل على الله تعالى وبذل الداعي الوسائل التي
تقربه من محبة الله تعالى، وفي الحديث القدسي الصحيح: "فإذا أحْبَبْتُهُ,
كُنتُ سَمْعَهُ الذي يسمع به, وبَصَرَه الذي يُبصِرُ به، ويده التي يبطش بها,
وَرِجْلَه التي يمشي بها, وإن سَأَلني لأُعْطِيَنَّه، ولَئِن استعاذني
لأُعِيذَنَّه"( البخاري).
والعلماء أجمعوا على أن التوفيق
أن لا يكلك الله إلى نفسك، وأن الخذلان هو أن يخلي بينك وبين نفسك.
قَالَ غِذَاء بْنُ عِيَاضٍ رحمه
الله: "مَنْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الْهَوَى وَاتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ،
انْقَطَعَتْ عَنْهُ مَوَادُّ التَّوْفِيقِ".
وقيل لحكيم: ما الشيء الذي لا يستغني عنه المرء في كل حال؟ فقال: "التوفيق .. من حرم التوفيق، فأقطع ما يكون إذا اجتهد".
وقال شقيق بن إبراهيم: أغلق باب
التوفيق على الخلق من ستة أشياء: اشتغالهم بالنعمة عن شكرها. ورغبتهم في العلم
وتركهم العمل. والمسارعة إلى الذنب وتأخير التوبة. والاغترار بالصالحين وترك
الاقتداء بأفعالهم. وإدبار الدنيا عنهم وهم يتبعونها. وإقبال الآخرة عليهم وهم
معرضون عنها.
يقول الشيخ الشعراوي:
"وهكذا نعلم أن هناك فرقاً بين العمل؛ وبين التوفيق في العمل؛ لأن جوارحك قد
تنشغل بالعمل؛ ولكن النية قد تكون غير خالصة؛ عندئذ لا يأتي التوفيق من الله. أما
إن أقبلت على العمل؛ وفي نيتك أن يوفقك الله سبحانه لتؤدي هذا العمل بإخلاص؛ فستجد
الله تعالى يصوِّب لك أيَّ خطأ تقع فيه؛ وستنجز العمل بإتقان وتشعر بجمال الإتقان،
وفي الجمال جلال".
فعلينا معاشر المسلمين أن نبتهل
ونتضرع إلى ربنا أن يُثبتنا، وأن لا يزيغنا، وأن لا يُحوِّل قلوبنا إلا لما يرضيه
جل وعلا .. فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل إنسان قلبه بين أصبعين من
أصابع الرحمن جل وعلا يصرفه كيف يشاء .. فيا مقلب القلوب، مثبت من شاء، ومضل من
شاء، وهادي من شاء، ومضل من شاء، ثبت قلوبنا على دينك، ولذا أثنى جل وعلا على
عباده الراسخين في العلم بأنهم يقولون: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا}
إلى أن قال عنهم: "رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ
لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً"(آل عمران: 7- 8).
فالرزق هو ما يرزقه الله تعالى للعبد من مال وغيره، وهو مكتوب ومقدر لا يزيد ولا ينقص في علم الله تعالى؛ كما هو الشأن في المقادير كلها.
والتوفيق قد عرَّفه أهل العلم "بأن لا يكلك الله إلى نفسك"، ومن التوفيق أن ييسر الله للمرء ما يبتغيه مما ينفعه، وأكبر سبب لعدم التوفيق هو ارتكاب الذنوب والمعاصي، نسأل الله العافية، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ"(الشورى:30)، وقال سبحانه:"ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"(الروم:41). وقال صلي الله عليه وسلم :" إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه."(أحمد وابن ماجه وحسنه السيوطي).
الخطبة الثانية
الحمدلله والصلاة واسلام علي رسول الله وبعد فياعباد الله :"
رابعاً"دفع
البلاء عن العبد رزق خفي
عباد الله :" ومن الرزق الخفي دفع البلاء عن العبد بسبب رجوعه إلي الله والبعد عن كل أسباب نزول البلاء
كما ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من الأحاديث، وعن صاحبته والتابعين أنّ هناك عباداتٌ تدفع البلاء بإذن الله، منها :
الخشوع في الصلاة يدفع البلاء
عباد الله ومن الأمور التي تدفع البلاء عت العبد تحقيق الخشوع في الصلاة؛ فالنبيّ -عليه السّلام- عدّ الخسوف من الكُرب تصيب البشر، ثمّ قال بعدها موجّهاً أصحابه:"فصَلُّوا، حتى يُفَرَّجَ عنكم"
ملازمة الاستغفار،
وهو من أهمّ أسباب دفع البلاء، وقد ذكر ذلك في القرآن الكريم قال تعالى: " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا"(نوح10- 12).
والسنّة النبويّة. عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضِي اللَّه عنْهُما قَال: قالَ رَسُولُ اللَّه صلي الله عليه وسلم :" منْ لَزِم الاسْتِغْفَار، جَعَلَ اللَّه لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مخْرجًا، ومنْ كُلِّ هَمٍّ فَرجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ"(أبو داود).
كثرة ذكر الله سبحانه؛
فبالذكر يُدفع البلاء كما ذكر ابن حجر رحمه الله. الإلحاح بالدعاء، والتوجّه إلى الله سبحانه بدفع الضرّ. وفي صحيح مسلم عن عمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في إجابته عن الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. والدعاء من قدر الله تعالى، فإذا أصاب العبد ما يكرهه أو خشي ما يصيبه فمن السنة أن يدعو الله تعالى أن يرفع عنه البلاء ويصرف عنه شر ما يخشاه.
الصدقة والإنفاق في سبيل الله :"
فقد ذُكر في فضلها كثيرٌ من الأحاديث عن النبيّ عليه السّلام، وعن أهل العلم أمثال ابن القيم وغيره، وقد ورد عن ابن القيم قوله: "للصدقة تأثيرٌ عجيبٌ في دفع أنواع البلاء".
وقال صلى الله عليه وسلم: إن الصدقة لتطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء"( الترمذي). وغيره. قال العلماء: والمراد بميتة السوء أو مصارع السوء: ما استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم ـ كالهدم والتردي والغرق والحرق، وأن يتخبطه الشيطان عند الموت، وأن يقتل في سبيل الله مدبرا.
عدم المجاهرة بالمعاصي
فالبلاء يتنزّل البلاء على الناس على شكلين أو صنفين: مؤمنٌ كمُل إيمانه، ومتهاونٌ متساهلٌ في شرائع ربّه وطاعته، وفيما يأتي توضيح الحكمة من إنزال البلاء على كلٍّ منهما: نزول البلاء على المؤمن يكون لأجل رفعة منزلته، وعلوّ درجاته عند الله تعالى، وهذا ما ذكره النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في أحاديث نبويّةٍ شريفةٍ.
نزول البلاء على أهل المعاصي والتهاون في الطاعات، المتساهلين في إتيان الحرام، المطلقين ألسنتهم في اتّهام الناس في أعراضهم، هؤلاء يتنزّل عليهم البلاء لأسبابٍ كثيرةٍ، يُذكر منها: الاستخفاف بالذنوب ومدوامة إتيانها.
المجاهرة بالمحرّمات. ظلم الناس وأكل حقوقهم والاعتداء عليهم. قطيعة الرحم وعقوق الوالدين. تعيير المسلمين وإظهار الشماتة بهم. نصرة أهل الفساد. اعتياد أكل الحرام
الحكمة من نزول البلاء على الناس تتعدّد حِكم الله تعالى من إنزال البلاء على الناس، وفيما يأتي ذكرٌ للحكم من نزول البلاء:
تحقيق العبوديّة لله سبحانه. إعداد المؤمنين للتمكين لهم في الأرض، فإنّ الصبر على البلاء يسبق التمكين. تكفير الذنوب عن المُبتلى. رفع الدرجات في الآخرة. تحقيق درجةٍ أعلى عند المرء بالتوكّل على الله سبحانه، فهو يُعلّم المرء أنّه لا حول له ولا قوة إلا بالله سبحانه. إخراج العُجب من النفس، وتذكيرها بالحاجة إلى الله تعالى. إظهار حقائق النفوس بالابتلاء؛ فبالمحن يظهر أهل الفضل من غيرهم من الناس.
اللهم ارزقنا الحلال وبارك لنا فيه وباعد بيننا وبين الحرام كما باعدت بين المشرق والمغرب يارب العالمين ..