
الداعية الحقيقي مبتلي فاصبر
الابتــلاء طريق
الدعاة إلى الله عز وجل
الدنيا دار ابتلاء وتمحيص
طريق الداعية إلى الله مليء بالعقبات والمكدرات فعليه بالصبر
الداعية المسلم
حامل رسالة الله إلى الناس كافة، حامل أشرف رسالة، يقوم بأكرم مهمة، ويمضي على أعز
نهج، على صراط مستقيم مشرق بالحق، جلي الدرب، قوي الثقة بالله، وحسبه شرفاً أنه يقوم
بتكليف من الله - سبحانه وتعالى-، وتكليف لكل مسلم قادر، لا يعذر إلا من عذره الله،
وحسبه كذلك أنه
يحمل دعوة ورسالة هي حاجة كل إنسان، وهي حاجة البشرية كلها على مدى العصور والأجيال،
إنها دعوة الناس إلى الله ورسوله، إلى الإيمان والتوحيد، دعوة وبلاغ وبناء، وتعهٌّد
وتدريب وإعداد.
والداعية أول ما
يدعو نفسه، من خلال التذكير المستمر، والمحاسبة الدائمة، ومجاهدة النفس حتى تستقيم
على أمر الله، والشعائر والدعاء وتلاوة كتاب الله وتدارس منهاجه وتدبره، ثم الدعوة
إلى الله ورسوله، دعوة الناس وتعهدهم حتى يستقيموا على أمر الله وينجوا من فتنة الدنيا
وعذاب الآخرة· هذه كلها تكاليف ربانية.
وحين يبلِّغ الداعية
رسالة ربه إلى الناس استجابة لأمر الله، ووفاء بالأمانة التي يحملها، والخلافة التي
جُعِلَت له، والعبادة التي أُمِرَ بها، فإن عليه أن يتعهد من يدعوه كما أمر الله، والدعوة
والتعهد رفقة ومصاحبة ولقاء· إنها مدرسة تقوم على منهاج الله، تنطلق من مدرسة النبوة
الخاتمة، لتظل ممتدة مع الدهر كله، إنها دعوة وبلاغ، وتعهد وبناء، وتدريب على الممارسة
الإيمانية وإعداد، حتى تتدافع أجيال الإيمان تملأ العصور لتنقذ الناس وتخرجهم من الظلمات
إلى النور، إلى مسيرة على الصراط المستقيم ممتد إلى الهدف الأكبر والأسمى لكل مؤمن
صادق ـ الجنة والدار الآخرة ورضوان الله ـ على صراط مستقيم يجمع المؤمنين.
الدعوة إذن: بلاغ
وتذكير، ومصاحبة ولقاء، وتربية وتعهد وبناء، وأهداف ربانية، تكليف من الله - سبحانه
وتعالى-، مضت بها سنَّة النبوة الخاتمة ومدرستها الخالدة، وسيرة الصحابة والأئمة الأعلام.
الابتــلاء طريق الدعاة إلى الله عز
وجل
قال تعالى
:"إِنَّا خَلَقْنَا الأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ
سَمِيعاً بَصِيراً"( الإنسان / 2).
وقال تعالى:"تَبَارَكَ
الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ
وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ"(الملك/1-2) .
وقال الله تعالى:" إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا
لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً"(الكهف/3) .
ومن الدروس والعبر أن يدرك الداعية حقيقة ما يصبو
إليه المخالفين لدعوته، وقد نبه الله نبيه صلي الله عليه وسلم وهو قدوة الدعاة على مقاصد المناوئين له فقال:"وَإِذْ
يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ"(الأنفال/
٣٠). وهكذا كل وارث لعلم النبوة لا تكاد تخرج مقاصد المناوئين له عن ثلاث:
(ليثبتوك): أي
يقعدوك عن مهمتك بحبسك، أو بذوبانك في مستنقعهم،(أو يقتلوك): متلهفين بزوالك من الدنيا،(أو
يخرجوك) بإبعادك عن الساحة الدعوية، فإياك أن تحقق لهم ما يريدون، فتتوانى عن المضي
قُدما في مضمار الدعوة، أو تميع معهم وتجنح للغموض والتلون، فحامل الدعوة يجب أن يكون
كالدعوة التي يحملها في الوضوح والاستقامة، فإن عرَّض دعوته للغموض والتلون خاب وخسر
على قدر تلونه.
أن هذه الابتلاءات
تكشف صدق ما أنت عليه، حيث لم تجار الأهواء وأهلها، ولم توافق الباطل وزمرته، ولم تكن
سيقة للمآرب الدنية والأغراض السيئة.
فالله عز
وجل قد اقتضت حكمته أن يبتلى الرسل بأممهم ، والأمم برسلهم ، والحكام بالمحكومين ،
والمحكومين بالحكام ، والقوى بالضعيف ، والضعيف بالقوى ، والغنى بالفقير ، والفقير
بالغنى ، والصحيح بصحته ، والمريض بمرضه ، والزارع بمزرعته ، والتاجر بتجارته ، والصانع
بصناعته .. الخ . فالكل مبتلى كلٌ على قدر دينه . فعن سعد رضي الله عنه
قال : سُئل النبى صلى الله عليه وسلم
: أى الناس أشد بلاءاً ؟ قال : " الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل
على حسب دينه ، فإن كان صلباً في دينه اشتد بلاؤه ، وإن كان في دينه رقه هون عليه ، فمازال كذلك حتى يمشى على الأرض ماله ذنب
"(الترمذى ، وابن ماجة ، والدارمى).
وعن أنس رضي الله عنه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء
، وأن الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضى فله الرضا ومن سخط
فله السخط"(الترمذى وحسنه).
فطريق الدعوة هو
طريق الإبتلاء فالنبى صلى الله عليه وسلم قبل
الدعوة وهو في العبادة في غار حراء يتعبد .. قالوا عنه الصادق الأمين .. لكن لما جهر
بالدعوة قالوا ( ساحر ، مجنون ، كذاب ، كاهن
.. ) .
الذهب قبل وضعه
في الفاترينة لابد له أن يوضع أولاً في النار .
الدنيا دار ابتلاء وتمحيص
وقضت سنَّة الله
- سبحانه وتعالى- أن تكون الدنيا دار ابتلاء وتمحيص للناس بعامة وللمؤمنين بخاصة.
وأن يكون المؤمن
أشد بلوى، والمؤمن الداعية الصادق أشد ابتلاء وتمحيصاً، حتى يظل الصف المؤمن نقياً
من المنافقين والضعفاء، وحتى يحمي الله المؤمنين من الفتنة وأبوابها، وحتى ترتفع درجة
المؤمن بذلك عند ربه.
"وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ"(العنكبوت/10).
وعن أبي هريرة
- رضي الله عنه - عن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، قال: (مثل المؤمن كمثل الزرع لا
تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل الكافر كمثل شجرة الأرز لا تهتز
حتى تستحصد قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل
فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه
رقّة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح يشتد البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما
له خطيئة من طلب العلم ليباهي به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو ليصرف به وجوه
الناس إليه فهو في النارإنا والله لا نولي هذا العمل أحداً سأله ولا أحداً حرص عليهما
تركت بعد في الناس فتنة أضر على الرجال من النساء من سمَّع سمَّع الله به، ومن راءى
راءى الله به"(مسلم).
وفي كتاب الله
وسنَّة نبيه - صلى الله عليه وسلم - أمثلة كثيرة من آيات وأحاديث تكشف أبواب الفتن
ومسالك النفاق ودروب الشيطان ليحذرها المؤمن لا ليقع فيها.
لقد كان بين المؤمنين أيام الرسول - صلى الله عليه وسلم - منافقون، يسعون لدفع المؤمنين إلى الانحراف عن الصراط المستقيم، فرد الله كيدهم في نحورهم وأخزاهم، وقد عرف المؤمنون أساليبهم ومكائدهم، فحذروا منهم أشدَّ الحذر، حتى صار المنافق يعرف بسمات النفاق ولو لم يعرف اسمه:وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ۚ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ"(محمد: 30).
فكيف حالنا اليوم؟!
وقد اختل الميزان بأيدي الناس، واضطربت المكاييل، وامتدت الفتن بكل أشكالها: حب السمعة
والجاه، وطلب المركز ذي السلطة والنفوذ، والجري اللاهث وراء المال ووراء النساء.
لابد أن يصدق الميزان
اليوم بأيدي المؤمنين، حتى لا تصب جهودهم في ساحة المنافقين أو أعداء الله وهم لا يشعرون·
وقد يكتشفون ذلك بعد عشرات السنين، وفوات الفرصة ووقوع البلاء وغلبة الأعداء!.
فَلنُغَيِّر ما
بأنفسنا كلنا أيها المسلمون حتى ننجو من الفتنة والابتلاء، وحتى يغير الله حالنا إلى
النصرة والعزة والتمكين.
طريق الداعية إلى الله مليء بالعقبات والمكدرات فعليه بالصبر
فما أحوج الداعية
إلى أن يتدبر فيما ابتلي به؛ فيصبر عليه ويصابر، وينتقل به إلى مرحلة الشكر والرضا،
فيكون الابتلاء في حقه نعمة، والذلة في حقة عزة، وتسلط السفهاء والأغمار رفعة، ونبز
الخصوم شهادة.
فإليك أخي الداعية
جملة من الدروس والعبر، أسلي بها نفوس الدعاة، نفعني الله وإياك بها، فأقول:
إن ما يعترض للدعاة إلى الله من الابتلاءات وتسلط
السفهاء عليه أمرٌ يؤكد حكمة الله البالغة فيما قضى وقدر، فهو خالق العباد وأفعالهم،"وَلَوْ
شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ"(الأنعام : ١٣٧).
فأيقن أن "العباد آلة، فانظر إلى الذي سلطهم عليك، ولا تنظر إلى فعلهم بك، تسترح
من الهم والغم"كما قال ابن تيمية رحمه الله.
إن من أعظم الدروس
والعبر التي ينبغي أن يستفيد منها الداعية تجاه ما يلقاه من ابتلاءات هو أن يصبِّر
نفسه على ما يجد، اقتداءً بالنبي الكريم صلي اله عليه وسلم الذي كان إذا أُوذي قال:
"يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسى لقَدْ أُوذِيَ بأَكْثَرَ مِن هذا فَصَبَرَ"(البخاري
ومسلم).
ومن الأمور التي
تُصبِّر الداعية على كيد ومكر خصومه أن يستشعر تقصيره؛ فما وقع بلاء إلا بذنب، فليجدد
له التوبة، وليُعظم الرغبة فيما أعده الله للصابرين: من تكفير سيئة، ورفعة درجة، ولا
يُشغل نفسه بطلب الانتقام فالله يدافع عن الذين آمنوا،"ومن كان في الله تَلفُه
كان على الله خلفُه".
ومن الدروس والعبر
أن يُري اللهَ من نفسه الإخلاص والصدق، فعلى قدر صدقه سيستمر في البذل والتضحية لـمطلوبه،
ولا يفتر عن تحقيق مقصوده، كما أن معظم الابتلاءات تمحص لك الصادق من الكاذب، وتكشف
الثابت من المتلون، قال تعالى:"وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ
فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ"(العنكبوت
: ٣). فيتميز لك إخوانك الصادقين مـمن كانت
أخوتهم دعوى، وصدق الناظم حيث يقول:
جزى الله الشدائد كل خير ** عرفت بها عدوي من صديقي
فكن صابراً على ما تلقاه في سبيل الدعوة إلى الله، مثابراً على العطاء دون انقطاعٍ ولا ملل، حريصاً على ترسيخ هذه المعاني في النفوس، مستحضراً ما تعرض له المصلحون قبلك، بعيداً عن مجاراة السفهاء، أو مجادلة أهل الأهواء، مدركاً للأساليب التي تحمل صنوفاً من النبذوالتنفير والبغي والكذب والفجور، فالله ينتقم لأوليائه، وهو متم نوره ولو كره المبطلون.
الصبر سلاح الداعية
الصبر من الأخلاق
الإسلامية التي حث عليها ديننا الحنيف ورتب عليها الأجر الكثير في الدنيا والأخرة،
من ذلك قوله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ
وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"(البقرة: 153)، ومنها قوله عز وجل:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا
اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"(آل عمران: 200)..
فإذا كان الأمر
كذلك لعموم المسلمين والمؤمنين؛ فإنه يكون أولى وآكد للدعاة إلى الله تعالى؛ ذلك أنهم
يُعدون قدوات لغيرهم من الناس في هذا الأمر، فضلا عما يكتنف طريق الدعوة من عوائق وتحديات
لا يجدي معها سلاح إلا الصبر.
بين الدعوة والصبر
الدعوة إلى الله
تعالى هي مهمة الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله تعالى لأقوامهم؛ فكان كل نبي ورسول
يواجَه بكثير من التحديات والعوائق من قومه التي تنتج عن صعوبة تخلي الناس عن عاداتهم
وتقاليدهم؛ ذلك أن التعامل مع النفوس يحتاج لتنويع الأساليب والوسائل؛ لذلك جاء التوجيه
القرآني للرسول صلى الله عليه وسلم بالصبر في مرحلة مبكرة من الدعوة؛ فنجد ذلك في أوائل
ما نزل من القرآن كما في سورة المدثر في قوله تعالى:"يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ
قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ"(المدثر/1 – 7).
وفي سورة المزمل بعد أن أمر الله تعالى نبيه بالأخذ بالمعينات التي لا غنى للداعية
عنها مثل قيام الليل وترتيل القرآن، وذكر الله تعالى قال تعالى:"وَاصْبِرْ عَلَى
مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً"(المزمل: 10).
والمتتبع لسير
الأنبياء والمرسلين يجد في قصصهم الكثير من الابتلاءات والمشاق التي كانت تواجه منهم
بالصبر والتوكل على الله تعالى؛ ولذلك قال
ابن القيم -رحمه الله- عن شيخه ابن تيمية -رحمه الله- أنه كان يقول: “بالصبر واليقين
تُنال الإمامة في الدين”. ويعد هذا مصداقا لقول الله تعالى:"وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ
أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ"(السجدة:
24).. فالصبر كان عاقبته الإمامة.
ويمكن تلخيص أهمية الصبر في مجال الدعوة فيما يلي:
الداعية في حاجة للصبر للثبات على مقتضيات الدعوة
الإيمانية من صلاة وتلاوة للقرآن وقيام الليل…
الصبر على إصلاح نفسه، وثباته على فضائل الأعمال
والأخلاق القويمة باعتباره قدوة وداعية بحاله قبل مقاله.
الصبر على تعلم العلم، واكتساب المهارات الدعوية
اللازمة لتوصيل رسالته.
الصبر في التعامل مع الناس بمختلف طبائعهم وأخلاقهم
وتفاوت استعدادهم للالتزام.
الصبر على الدعوات
المناوئة والأفكار الهدامة.
الصبر على تأخر نتيجة الدعوة، وعدم تعجل ثمرتها.
معينات على الصبر
الصبر صعب على
النفس، لا تتحمله إلا النفوس القوية والعزائم الفتية التي تثق فيما عند ربها أكثر من
ثقتها فيما بين يديها. ولذلك قال الشاعر:
والصبر من اسمه
مُرٌ مذاقه *** لكن عواقبه أحلى من العسل
وقد رتب الله تعالى للصابرين أجرا كبيرا؛ حيث قال
عز وجل: "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ"(الزمر:
10)، وقال تعالى: "وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ
مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"(النحل: 96)، وقال عز وجل:"أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ
أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا"(القصص: 54).
وفيما يلي بعض
الأمور التي تعين الداعية على التحلي بالصبر:
على الداعية أن
يعرف جزاء الصابرين وما أعده الله لهم من فضل كبير في الدنيا والآخرة.
أن يدرك طبيعة
طريق الدعوة وأنه محفوف بالمخاطر والتحديات والعوائق وليس الورود والرياحين؛ ولذلك
كانت وصية لقمان لابنه وهو يعظه : "يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ
وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ"(لقمان:
17). فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا بد سيواجه بأذى يحتاج للصبر الذي يُعد من
عزائم الأمور.
أن يحرص على مراجعة
أوراده الإيمانية، وتجديد علاقته بربه؛ فقد قال تعالى: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ
وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ"(البقرة:
45).
مطالعة سير الأنبياء
والصالحين والدعاة وما تحلَّوا به من صبر ومصابرة في مواجهة العقبات والتحديات الكبيرة
التي اعترضتهم.
أن يوقن بوعد الله
تعالى ويثق فيه حتى لو لم يجد ثمرة دعوته في الحياة؛ فقد قال تعالى خير الدعاة صلى
الله عليه وسلم: "فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ
بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ"(غافر:
77).
أن يؤمن بأنه محاسب
على الأخذ بالأسباب وليس عليه إدراك النتائج؛ فقد قال الله تعالى لرسوله الكريم:"إِنَّكَ
لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ"(القصص: 56). وقال تعالى: "فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ
لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ"(الغاشية:
21، 22)
أن يعلم أن مخالطة
الناس بصورة عامة لا تخلو من أذى؛ ولذلك قال –صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن الذي
يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم"(أحمد
والترمذيُّ وابن ماجه وإسناده حسن).
أن يستعين بالصحبة
الصالحة التي تعينه على الثبات على طريق الدعوة، كما قال تعالى:"وَاصْبِرْ نَفْسَكَ
مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ
مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا"(الكهف:
28).
أن يوقن أنه مأمور
بالصبر من الله تعالى وبالله تعالى كما أخبر عز وجل: "وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ
إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ"(النحل:
127).
أن يتيقن الداعية أن هذه الدنيا زائلة وأن النعيم المقيم في الآخرة؛ فهذا يجعله حريصا على تحمل مشاق الدعوة والصبر على طول الطريق.
فالابتلاء مادة
الاختبار لأهل الإيمان .
والابتلاء للمنافق
يجعله كعود الكبريت المضىء سريع الإطفاء إذا جاءته الريح.
والبلاء للمؤمن
يجعله كالنار في الغابة كلما جاءتها الريح تزداد اشتعالاً .. وهذا يعنى أنه كلما يأتى
المؤمن البلاء يزداد إيماناً على إيمانه وفي هذا يقول الرسول المصطفي الكريم صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمن مثل السنبلة تستقيم مرة وتخر
مرة ، ومثل الكافر مثل الأرزة لا تزال مستقيمة حتى تخر ولا تشعر " (أحمد عن جابر
) .
وعن أبى هريرة رضي الله عنه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله ، ولا يزال المؤمن يصيبه
البلاء ، ومثل المنافق كمثل شجرة الأرزة لا تهتز حتى تستحصد " ( متفق عليه ).
نسأل الله تعالى أن يكتبنا في عباده الصابرين، وأن يرزقنا أجر الصبر في الدنيا والآخرة.