
التقوي سبب من أسباب الرزق
تعريف التقوي
نماذج للمتقين الذين رزقهم الله
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لاإله إلاالله حده لاشريك له في سلطانه بسط الرزق لعباده وقدره وألهمه السعي إليه ويسره وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه طب القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفاءها ونورالأبصار وضياءها محمد صلي الله عيه وسلم القائل :"عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يا أيها الناس اتخذوا تقوى الله تجارة يأتكم الرزق بلا بضاعة ولا تجارة. ثم قرأ:"وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ"(الطبراني).
أما بعد
عباد الله:"تحدثنا في الجمعة الماضية عن أسباب الرزق وقلنا بأن الرزق بيد الله عزوجل جعله في السماء حتي لاقلق أحد وحتي لايخشي أحد فوات الرزق وحتي لايهدد أحد غيره بقطع رزقه أو يعده بأنه سوف يسوقه إليه فقال تعالي :"وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ" (الذاريات/ 22-23).
ونحن اليوم سنواصل الحديث عن أسباب الرزق وهي كثيرة ومنها التقوي
وهي أعظم أسباب الرزق, كما أخبرنا بذلك ربنا -عز وجل:"وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا"(الطلاق:2-3).
فالمعنى: ومن يتق الله في كل ما يأتي وما يذر، يجعل له مخرجا ومخلصا من غموم الدنيا والآخرة، فيندرج فيه ما نحن فيه .عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قرأها، فقال: مخرجا من شبهات الدنيا، ومن غمرات الموت، ومن شدائد يوم القيامة.اهـ. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ، فَيَقِفُ عِنْدَ حُدُودِهِ ، وَيَجْتَنِبُ مَعَاصِيَهُ : يُخْرِجْهُ مِنَ الْحَرَامِ إِلَى الْحَلَالِ ، وَمِنَ الضِّيقِ إِلَى السَّعَةِ ، وَمِنَ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ.
وَيَرْزُقْهُ
مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ : مِنْ حَيْثُ لَا يَرْجُو.
والمسلم
بتمام توكله ويقينه ، وحسن ظنه بالله : يسعد في الدارين ، ويكون له فيهما الحياة
الطيبة ، فيرزق الرزق الواسع ، ويهنأ عيشه ، وتطيب أيامه ، وذلك أن التوكل واليقين
وحسن الظن بالله، من أهم أعمال القلوب التي تطهر القلب ، وتملؤه إيمانا .
فإذا
صلح القلب صلح الجسد كله ، وإذا فسد فسد الجسد كله ، كما قال النبي صلى الله عليه
وسلم :" أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ
كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ"(البخاري ومسلم).
فيأخذ
المسلم بالأسباب التي يحصل بها الرزق ، ويكون معتمدا على الله واثقاً بأن الله
سيأتيه برزقه ، فإنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها ، كما تستوفي أجلها .
فيورثه ذلك مزيدا من الطمأنينة والقناعة والرضى ، ويبذل ماله في مرضات الله تعالى،غير خائف من الفقر ولا من قلة الرزق،
وقال تعالي:"وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"(الأعراف:96).
والتقوى
في مجملها هي الخوف مِن الله -عز وجل- بأن تخاف الله في كل عمل تعمله، تخاف الله
أن تعصيه, أو أن تترك ما أمرك به، ولقد دارت حول هذا المعنى عبارات السلف
وكلماتهم، وحقيقة التقوى كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :"التقوى هي
الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والقناعة بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل.
عباد الله:" و التقوى أن تتقي غضب الله، وأن تتقي عقابه، بأن تجعل بينك وبينه ستراً يحول دون أن تعاقب أو دون أن تدمر، هذا الستر هو التقوى، وفي القرآن الكريم ما يزيد عن ثلاثمئة آية تتحدث عن التقوى، لذلك بتعريف جامع مانع هي القيام بأمر الله وترك ما نهى الله. التقوى ليست هيئة معينة، لباس معين، حركات معينة، إيماءات، كلمات، إيحاءات، إنما هي تطبيق لأوامر الله وترك لما حرم الله. ليس الولي الذي يطير في الهواء، ولا الذي يمشي على وجه الماء، ولكن الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام، أن يراك حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى:"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"(آل عمران/102).
قال: "أن يطاع فلا يعصي ويذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر. فمن أدى حق الله تعالى في طاعته واجتناب معصيته فتح الله له أبواب الرزق وبارك له في ماله وهو الذي فسَّرها به أبي بن كعب لعمر بن الخطاب عندما سأله عن التقوي فقال له ياأمير المؤمنين :"أمشيتَ في أرض ذات شوك؟َ قال: نعم, قال: ماذا صنعت؟ قال: تجنبت الشوك واجتهدت.وشمرت عن ثيابي حتى جاوزته قال:فذاك التقوى"هي أن تشمر عَنْ سَاعِدِ الجِدِّ في طاعة الله عزوجل .
وأخذ هذا المعنى ابن المعتمر، فقال:
خـلِّ
الــذنــوب صـغــيــرهـا
وكـبـيــرهـا ذاك الـتــقــى
الخطبة الثانية :"
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين وبعد
اتقوا الله عباد الله :" يرزقكم رزقاً حلالاً طيباً مباركاً فيه فهذه هي أمنا هاجر أم إسماعيل -عليهما السلام-، التقية الصالحة فإنها لما كانت تخاف الله تعالى فما عصت ربها ولا عصت زوجها في أمر الله، ولقد أصابها ما أصابها مِن قلة الرزق (العطش والجوع) هي وولدها, فجعل الله لها سبب رزقها وحياتها هي وولدها مِن حيث لا تدري، بل جعل لها ما يكون فيه رزق وحياة الناس أجمعين في هذه البقعة المباركة؛ فتفجر بئر زمزم؛ لأنها كانت مِن المتقين :"وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ".
عباد الله :"وهناك الكثير من الصالحين المتقين رزقهم الله من حيث لم يحتسبوا وأتاهم رزقهم مغلف بالطمأنينة وبيْن الصالحين- نجد ذلك كثيرًا, أذكر مثالًا واحدًا مما ذكر لي مِن عشرات، بل مئات الحكايات في هذا المعنى على مرِّ الحياة: "هذا أخ له أداة حرفة يتحرف بها، ويتكسب بها على عياله، فأصابها عطل، فأدى هذا العطل إلى توقف أسباب رزقه، وهذه الآلة تحتاج إلى مبلغٍ كبيرٍ لإصلاحها؛ فظل يبحث عن ذلك فلا يجد، وسبحان الله العظيم! الذي لا يضيع المتقين، يحكى الأخ ويقول: وبعد أيام قليلة مِن الدعاء والتضرع إلى الله، والسعي في الأسباب، بينما أنا في بيتي ذات يوم أفكر في أمري، دق بابي، فإذا برجل البريد يحمل إلى شيكًا نقديًّا بنفس قيمة الإصلاح تقريبًا! فسألته: ما هذا؟ قال: هذا استحقاق مادي لك في جهة حكومية "كنتُ أعمل بها" بأثرٍ رجعىٍ منذ عشر سنوات تقريبًا!".
الله أكبر... ! مَن الذي بعث عامل البريد هذا في هذه الساعة؟ وفى هذه اللحظة، وبالقيمة المطلوبة؟!
إنه الله! الذي تكفل للمتقين بالرزق مِن حيث لا يخطر لهم على بال "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ"، فالتقوى مِن أعظم مفاتيح أبواب الرزق.
فالتقوي مفتاح كل خير وسبب لكل رزق
فيامن تريد رزق ربك لاتغلق رزقك بالمعاصي والذنوب فمانزل بلاء إلا بذنب ومارفع إلا بتوبة والعبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه فاتق الله يجعل لك مخرجاً ويرزقك من حيث لاتحتسب..
فاللهم
نسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى.