الدعاء للحاكم أم الدعاء عليه ؟
ما حكم الشرع في سب الحاكم الظالم والدعاء عليه؟
يجوز الدعاء علي الحكام الظلم الذي تبين ظلمهم
لايجوز الدعاء علي الحاكم مطلقاً سواء كان عدلاً أم ظالماً
مفهوم ومعني النصيحة لولاة الأمور
الحمد لله والصلاة
والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
هذا الأمر فيه
خلاف بين العلماء الدعاء للحاكم أم الدعاء عليه في حالة ظلمة ..
الرأي
الأول:"
يجوز الدعاء علي الحكام الظلم الذي تبين ظلمهم
فإن الحكام الظلمة
كغيرهم من الظلمة عموماً الذين جاء الدعاء عليهم في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله
صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى:"أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ"(هود:
18).
وقال النبي صلى
الله عليه وسلم:"اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي
من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به"(مسلم وغيره).
وسب الحكام الظلمة
وغيرهم يعرف حكمه من خلال قوله تعالى:"لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ
مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ"(النساء: 148).
ويتنزل كلام العلماء في الدعاء على السلطان أو له على ما تقدم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا على الولاة الذين يشقون على الأمة، كما جاء في صحيح مسلم: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به"(). فكيف يقال إن الدعاء على الظلمة من الحكام مخالف للسنة، فالحاكم الظالم يدعى عليه كما يدعى على سائر الظلمة.
فإذا كان الإمام عدلاً متبعاً للحق رحيماً بالرعية،
فإن الدعاء عليه ظلم واعتداء ومجاوزة للسنة، وإذا كان ظالماً فاسقاً مغيراً للشريعة
متبعاً لهواه، فالدعاء عليه جائز ومشروع.
وفي هذا السياق
يفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: خيار أئمتكم الذي تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم
وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم…."(مسلم)، ومعنى تصلون عليهم
تدعون لهم.
فإذا كان الإمام
عدلاً متبعاً للحق رحيماً بالرعية، فإن الدعاء عليه ظلم واعتداء ومجاوزة للسنة، وإذا
كان ظالماً فاسقاً مغيراً للشريعة متبعاً لهواه، فالدعاء عليه جائز ومشروع.
الرأي الثاني:"
لايجوز الدعاء علي الحاكم مطلقاً سواء كان عدلاً أم ظالماً
أصحاب هذا الرأي منعوا الدعاء علي الحاكم مطلقاً سواء كان عدلاً أم ظالماً
يقول البربهاري
-رحمه الله- في شرح السنة "وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى،
وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله"، لكن الرسول صلى
الله عليه وسلم يقول "...وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم..."،
فهل تَرَوْن -بارك الله فيكم- صحة ما ذهب إليه البربهاري-رحمه الله-
وفي هذا السياق
يفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: خيار أئمتكم الذي تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم
وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم…."(مسلم)، ومعنى تصلون عليهم
تدعون لهم.
قال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله:"مَن قال: الصلاة خلفَ كُلِّ برٍّ وفاجرٍ، والجهاد مَعَ كُلِّ خليفةٍ، ولم يرَ الخروجَ على السلطان بالسيف، ودعا لهم بالصلاح، فقد خَرَجَ من قول الخوارج أوله وآخره"( شرح السنة للبربهاري ص132 رقم 159).
وقال الإمام ابن بطة العكبري رحمه الله: (ونحنُ الآنَ ذاكرُونَ شرحَ السُّنةِ ووَصفها، وما هيَ في نفسِها، وما الذي إذا تمسَّكَ بهِ العبدُ ودانَ اللهَ بهِ سُمِّيَ بها، واستحَقَّ الدُّخُولَ في جُملَةِ أهلهَا، وما إن خالَفَهُ أو شيئاً منهُ، دخلَ في جُملَةِ مَن عبناهُ وذكَرناهُ وحذرنا منهُ من أهلِ البدعِ والزيغِ، مما أجمعَ على شرحنا لهُ أهلُ الإسلام، وسائر الأُمَّة، منذ بعَثَ اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا... وقدْ اجتمَعَت العُلَمَاءُ من أهلِ الفقهِ والعلمِ والنُّسَّاكُ والعُبَّادُ والزُّهَّادُ، من أوَّلِ هذهِ الأُمَّةِ إلى وقتنا هذا: أنَّ صلاةَ الجُمعةِ والعيدينِ، ومِنىً وعرفات، والغزو والجهاد والهدي مع كلِّ أميرٍ برٍّ وفاجرٍ... والسمعُ والطاعةُ لمن ولَّوْهُ وإن كانَ عبداً حَبَشياً، إلاَّ في معصيتهِ اللهَ عزَّ وجل، فليسَ لمخلوقٍ فيها طاعة، ثمَّ من بعدِ ذلكَ اعتقادُ الدِّيانةِ بالنصيحَةِ للأئمَّةِ وسائرِ الأُمَّةِ في الدِّينِ والدُّنيا، ومحبَّة الخيرِ لسائرِ المسلمينَ، تُحبُّ لهم ما تُحبُّ لنفسكَ، وتكرهُ لهم ما تكرَهُ لنفسِكَ"(الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة ص191-308. ).
وقال الإمام إسماعيل الصابوني رحمه الله:"ويرى أصحاب الحديث: الجمعة، والعيدين، وغيرهما من الصلوات، خلف كلِّ إمام مسلم، برَّاً كان أو فاجراً، ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جورة فجرة، ويرون الدُّعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح ولا يرون الخروج عليهم بالسيف، وإن رأوا منهم العُدول عن العدل إلى الجور والحيف"(عقيدة السلف وأصحاب الحديث ص294. ).
وقال البربهاري رحمه الله"إذا رأيتَ الرَّجلَ يدعوا على السلطان، فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيتَ الرجلَ يدعو للسلطان بالصلاح، فاعلم أنه صاحبُ سُنَّةٍ إن شاء اللهُ تعالى.
يقول فضيل بن عياض: « لو كانت لي دعوة ما جعلتها إلاَّ في السلطان»... قيل له: يا أبا عليٍّ: فسِّر لنا هذا؟.
قال: إذا جعلتها في نفسي لم تَعْدُني، وإذا جعلتها في السلطان صَلُح، فصَلُحَ بصلاحه العباد والبلاد».
فأُمرنا أن ندعو لهم بالصلاح، ولم نُؤمر أن ندعو عليهم وإن ظلموا وإن جاروا، لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين"(شرح السنة للبربهاري ص116-117 رقم 136.)
وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله مُعلِّقاً على قول الفضيل بن عياض رحمه الله:"يا مُعلِّم الخير مَن يجترئ على هذا غيرك"(شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/ 197 رقم 320، تاريخ مدينة دمشق 52/ 60).
قال بعضهم:"لا يجوز الدُّعاء عليهم: لأن هذا خروجٌ معنوي، مثل الخروج عليهم
بالسلاح، وكونه دعا عليهم لأنه لا يرى ولايتهم، فالواجب الدعاء لهم بالهدى والصلاح،
لا الدعاء عليهم، فهذا أصل من أصول أهل السنة والجماعة، فإذا رأيتَ أحداً يدعو على
ولاة الأمور فاعلم أنه ضالٌ في عقيدته، وليس على منهج السلف، وبعض الناس قد يتخذ
هذا من باب الغيرة والغضب لله عز وجل، لكنها غيرة وغضب في غير محلهما، لأنهم إذا
زالوا حصلت المفاسد.. والإمام أحمد صَبَرَ في المحنة، ولم يثبت عنه أنه دعا عليهم أو
تكلَّم فيهم، بل صبر، وكانت العاقبة له، هذا مذهب أهل السنة والجماعة، فالذين يدعون
على ولاة أمور المسلمين ليسوا على مذهب أهل السنة والجماعة، وكذلك الذين لا
يدعون لهم، وهذا علامة أن عندهم انحرافاً عن عقيدة أهل السنة والجماعة، وبعضهم
يُنكر على الذين يدعون في خطبة الجمعة لولاة الأمور، ويقولون: هذه مداهنة، هذا
نفاق، هذا تزلف، سبحان الله! هذا مذهب أهل السنة والجماعة، بل من السنة الدعاء
لولاة الأمور؛ لأنهم إذا صلحوا صلح الناس، فأنت تدعو لهم بالصلاح والهداية والخير،
وإن كان عندهم شرّ، فهم ما داموا على الإسلام فعندهم خير، فما داموا يُحكِّمون الشرع،
ويُقيمون الحدود، ويصونون الأمن، ويمنعون العدوان عن المسلمين، ويكفون الكفار
عنهم، فهذا خير عظيم، فيُدعى لهم من أجل ذلك، وما عندهم من المعاصي والفسق،
فهذا إثمه عليهم، ولكن عندهم خير أعظم، ويُدعى لهم بالاستقامة والصلاح، فهذا مذهب
أهل السنة والجماعة، أما مذهب أهل الضلال وأهل الجهل، فيرون هذا من المداهنة
والتزلُّف، ولا يدعون لهم، بل يدعون عليهم. والغيرة ليست في الدعاء عليهم، فإن كنت
تريد الخير فادعُ لهم بالصلاح والخير، فالله قادرٌ على هدايتهم وردهم إلى الحق، فأنت
هل يئست من هدايتهم؟ هذا قنوط من رحمة الله، وأيضاً الدعاء لهم من النصيحة.. فهذا
أصل عظيم يجب التنبه له، وبخاصة في هذه الأزمنة"(التعليقات المختصرة على متن العقيدة الطحاوية ص171-173).
ولا ننزعُ يداً من طاعتهم، ونرى طاعَتهم من طاعة الله عزَّ وجل فريضةً ما لم يأمروا بمعصيةٍ، وندعُو لهم بالصلاح والمعافاة"(شرح العقيدة الطحاوية 2/ 540.).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض، وأحمد بن حنبل، وسهل بن عبد الله التستري، وغيرهم، يُعظِّمون قدرَ نعمة الله به - أي بالسلطان - ويرون الدُّعاءَ له ومناصحته من أعظم ما يتقرَّبون به إلى الله تعالى، مع عدم الطمَع في ماله ورئاسته، ولا لخشية منه، ولا لمعاونته على الإثم والعدوان)[13].
وقال الشيخ عبد الله أبا بطين رحمه الله عن الدُّعاء لوليِّ الأمر في خطبة الجمعة: (الدُّعاء حَسَنٌ، يُدعى له بأن الله يُصلحه ويُسدِّده، ويُصلح به، وينصره على الكفار وأهل الفساد، بخلاف ما في بعض الخطب من الثناء والمدح والكذب، ووليّ الأمر يُدعى له لا يُمدح لاسيما بما ليس فيه ) [17].
مفهوم ومعني النصيحة لولاة الأمور
وقال أيضاً: ( ومن النصيحة لله ولعباده: الدُّعاء لولاة أُمور المسلمين وحُكَّامهم بالتوفيق والهداية والصلاح في النيَّة والعمل، وأن يمنحهم الله البطانة الصالحة، التي تُعينهم على الخير، وتُذكِّرهم به.
وهذا حقٌّ على كُلِّ مسلمٍ في كُلِّ مكانٍ، في هذه البلاد وفي غيرها، الدَّعوة لولاة الأمر بالتوفيق والهداية، وحُسن الاستقامة، وصلاح البطانة، وأن يُعينهم الله على كلِّ خيرٍ، وأن يُسدِّد خُطاهم ويمنحهم التوفيق لما فيه صلاح العباد والبلاد، فكلُّ مسلم يدعو لولاة أمور المسلمين بأن يُصلحهم الله وأن يَرُدَّهم للصواب، وأن يهديهم لِما يُرضيه سبحانه، هكذا يجبُ عليك يا عبد الله أن تدعو لولاة الأمور، بأن يهديهم الله ويَرُدَّهم للصواب، إذا كانوا على غير الهدى، تدعو الله لهم بالهداية والصلاح، حتى يستقيموا على أمر الله، وحتى يُحكِّموا شريعة الله، ففي تحكيم شريعة الله صلاح الجميع في كلِّ مكان، وفي تحكيم شريعة الله، واتباع كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، صلاح الدنيا والآخرة، لأن الله إذا عَرَفَ من عبده نيَّة صالحة وعزيمة صادقة، سدَّد رأيه وأعانه على كلِّ عملٍ يُرضيه، في أيِّ مكان، لأن في اتباع الشريعة، وتعظيم أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم صلاح أمر الدنيا والآخرة.
فكلُّ مسلم في
دولته عليه أن يسأل الله لها التوفيق والهداية، وينصح لها، ويُعينها على الخير، ويسأل
الله لها التوفيق والسداد، ولا يسأم ولا يضعف عليه أن يستعمل الحكمة والأسلوب الحسن،
والكلام الطيِّب، لعلَّ الله يجعله مباركاً في دعوته ونصيحته، فيكون سبباً لهداية مَن
أراد الله له الهداية، من أميرٍ أو حاكمٍ أو غيرهما، ممن له شأنٌ في الأمة، لأن هداية
المسئول وهداية مَن له شأن في الأمة، ينفعُ الله بها العباد والبلاد، ويقتدي به الكثير
من الأمة)[21].
وقال بعضهم :"إذا وجدت من ولاة الأمور شيئاً مُخالفاً، فادعُ الله لهم، لأن بصلاحهم صلاح الأمة.
لكن تسمع بعض السفهاء،
إذا قلنا: الله يُصلح ولاة الأمور، الله يهديهم، قال: الله لا يصلحهم.
سبحان الله العظيم!.
إذا لم يُصلحهم
الله فهو أردى لك!.
ادعُ الله لهم بالهداية والصلاح، والله على كلِّ شيءٍ قدير ) [22].
إن من مُوجب النصيحة لأئمة المسلمين: الدُّعاء لهم بالصلاح، وعلى هذا دَرَج أئمة السلف في أقوالهم وأفعالهم ومُعتقداتهم.
وللرسول صلى الله
عليه وسلم: بطاعته، واتباعه.
قرآن العظيم: بتحكيمه واتباعه، والإيمان بأنه كلامُ الله حقَّاً، وليس بمخلوق.
والنصيحة لولاة الأمور: بتوجيههم إلى الخير، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر بالأساليب الحسنة، وبالدُّعاء لهم بظهر الغيب أنَّ الله يُوفِّقهم، تدعو لولاة الأمور: اللهمَّ وفِّقهم، اللهم اهدهم سواءَ السبيل، اللهم اهدهم للحقِّ، اللهم أعنهم على تنفيذه، في أيِّ مكان، حتى ولو كنتَ في بلادٍ كافرة، تدعو الله بأن يهديهم للحقِّ، كما قال بعض الناس: « يا رسولَ الله، إن دوساً كَفَرَت واعتدت، قال: اللهم اهدِ دوساً وأتِ بهم»، فهداهم الله وجاءوا وأسلموا، تدعو الله لأميرك في بلدك تقول: اللهم اهده، اللهم أصلح قلبه وعمله، اللهم اهده للحقِّ، اللهم أعنه على تنفيذ الحقِّ، اللهم وفِّقه لِما يُرضيك، اللهم اكف المسلمين شرَّه، اللهم اهده للصواب)[20].
وقال أيضاً: ( ومن النصيحة لله ولعباده: الدُّعاء لولاة أُمور المسلمين وحُكَّامهم بالتوفيق والهداية والصلاح في النيَّة والعمل، وأن يمنحهم الله البطانة الصالحة، التي تُعينهم على الخير، وتُذكِّرهم به.
وهذا حقٌّ على كُلِّ مسلمٍ في كُلِّ مكانٍ، في هذه البلاد وفي غيرها، الدَّعوة لولاة الأمر بالتوفيق والهداية، وحُسن الاستقامة، وصلاح البطانة، وأن يُعينهم الله على كلِّ خيرٍ، وأن يُسدِّد خُطاهم ويمنحهم التوفيق لما فيه صلاح العباد والبلاد، فكلُّ مسلم يدعو لولاة أمور المسلمين بأن يُصلحهم الله وأن يَرُدَّهم للصواب، وأن يهديهم لِما يُرضيه سبحانه، هكذا يجبُ عليك يا عبد الله أن تدعو لولاة الأمور، بأن يهديهم الله ويَرُدَّهم للصواب، إذا كانوا على غير الهدى، تدعو الله لهم بالهداية والصلاح، حتى يستقيموا على أمر الله، وحتى يُحكِّموا شريعة الله، ففي تحكيم شريعة الله صلاح الجميع في كلِّ مكان، وفي تحكيم شريعة الله، واتباع كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، صلاح الدنيا والآخرة، لأن الله إذا عَرَفَ من عبده نيَّة صالحة وعزيمة صادقة، سدَّد رأيه وأعانه على كلِّ عملٍ يُرضيه، في أيِّ مكان، لأن في اتباع الشريعة، وتعظيم أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم صلاح أمر الدنيا والآخرة.
فكلُّ مسلم في دولته عليه أن يسأل الله لها التوفيق والهداية، وينصح لها، ويُعينها على الخير، ويسأل الله لها التوفيق والسداد، ولا يسأم ولا يضعف عليه أن يستعمل الحكمة والأسلوب الحسن، والكلام الطيِّب، لعلَّ الله يجعله مباركاً في دعوته ونصيحته، فيكون سبباً لهداية مَن أراد الله له الهداية، من أميرٍ أو حاكمٍ أو غيرهما، ممن له شأنٌ في الأمة، لأن هداية المسئول وهداية مَن له شأن في الأمة، ينفعُ الله بها العباد والبلاد، ويقتدي به الكثير من الأمة)[21].
وقال شيخنا صالح الفوزان حفظه الله: ( من أُصول أهل السنة والجماعة: وجوب طاعة ولاة أمور المسلمين، ما لم يأمروا بمعصية، فإذا أمروا بمعصية فلا تجوز طاعتهم فيها، وتبقى طاعتهم بالمعروف في غيرها.. ويرون الصلاة خلفهم، والجهاد معهم، والدُّعاء لهم بالصلاح والاستقامة، ومناصحتهم ) [23].
وذكرَ أن مما يُشرعُ
للخطيب يوم الجمعة: ( أن يدعو للمسلمين بما فيه صلاح دينهم ودنياهم، ويدعو لإمام المسلمين
وولاة أمورهم بالصلاح والتوفيق، وكان الدُّعاء لولاة الأمور في الخطبة معروفاً عند
المسلمين، وعليه عملُهم; لأن الدُّعاء لولاة أمور المسلمين بالتوفيق والصلاح من منهج
أهل السنة والجماعة، وتركُه من منهج المبتدعة، قال الإمام أحمد: «لو كان لنا دعوةٌ
مستجابةٌ لدعونا بها للسلطان»، لأن في صلاحه صلاحَ المسلمين
وقد تُركت هذه
السنة حتى صار الناسُ يستغربون الدُّعاءَ لولاة الأمور، ويُسيئون الظنَّ بمن يفعله)
[24].
وقال شيخنا عبد
الرحمن البراك حفظه الله: ( الدُّعاء لهم بالصلاح، هذا مُوجب النصيحة، قال النبيُّ
صلى الله عليه وسلم: « الدِّين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة
المسلمين وعامَّتهم».
والنصيحة أن تدعو
لهم بالصلاح، اللهم أصلحهم، اللهم أصلح بطانتهم، اللهم اهدهم صراطك المستقيم، ادعُ
لهم لعلَّ الله يُصلح حالهم، لكن جرت عادة الناس أنهم لا يلتزمون بهذا المنهج.. فأهل
العلم والإيمان والصلاح والتجرُّد عن الهوى وإيثار الدنيا، يُحبُّون الخير لإخوانهم
المسلمين، ولا سيما ولاة الأمر، سواء أعطوهم من الدُّنيا أم لم يعطوهم، وفي الحديث
الصحيح: «ثلاثة لا يُكلِّمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يُزكِّيهم، ولهم
عذابٌ أليم - وذكر منهم -:... ورجلٌ بايع إماماً لا يُبايعه إلاَّ لدنيا، فإن أعطاه
منها وفى، وإن لم يُعطه منا لم يفِ».فهو دائرٌ مع الدنيا، وهذا واقعٌ، فأكثرُ الناس
إنما يُنكرون على الولاة أمر الدُّنيا لا أمر الدِّين، فلا ينقمون تقصيرهم في حقوق
الله، إنما نقمتهم الأثرة، ويطلبون منافستهم في الدنيا، ولهذا أوصى النبيُّ صلى الله
عليه وسلم أصحابه الأنصار فقال: «إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض».
وقوله صلى الله
عليه وسلم: «أثرة»: استبداد بالولايات وبالمال.
وقوله صلى الله
عليه وسلم: «فاصبروا»: أي: لا تُنازعوا ولاة الأمر من أجل ذلك.
ويكثر الخروج على
الولاة من أجل المنازعة على السلطة باسم الإصلاح الدنيوي أيضاً، فينتج عنه شرٌّ مستطيرٌ
على الناس، فتُسفك الدماء، وتُنتهك الحُرُمات، وتذهب الأموال، وينتشر الفساد، خصوصاً
إذا لم يكن هناك استقرار في الأمر فتعمُّ الفوضى، ويتمكَّن كلُّ مجرمٍ من بلوغ مرامه،
واقتراف إجرامه )[25].
اللهم أصلح ولاة أمورنا وجميع ولاة أمور المسلمين، وارزقهم البطانة الناصحة الصالحة، آمين،وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.