
ثمرات حسن الخلق
أَهَمِّيَّةِ حُسْنِ
الْخُلُقِ
تطبيقاتُ حُسنِ
الخلقِ
ثمرات حسن الخلق
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْأَخْلَاقَ مِنَ الدِّينِ، وَأَعْلَى بِهَا شَأْنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَرَفَعَ بِمَكَارِمِهَا أَقْوَامًا فَكَانُوا مِنَ الْمُتَّقِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَاحِبُ الْخُلُقِ الْقَوِيمِ، القائل :"أكْمَلُ المؤمنين إيمانًا أَحْسَنُهم خلقًا"().اللهم صلاة وسلاماً عَلَيْهك ياسيدي يارسول الله وعَلَى آلِك وصحبك وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُفياعِبَادَ اللَّهِ: خُطْبَةُ الْيَوْمِ عَنْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْأَنْبِيَاءِ، وَخُلُقٍ مِنْ أَخْلَاقِ الصَّالِحِينَ الْأَتْقِيَاءِ، بِهَذِهِ الصِّفَةِ تُنَالُ الدَّرَجَاتُ، وَتُرْفَعُ الْمَقَامَاتُ،
خُطْبَتُنَا اليوم عَنْ حُسْنِ الْخُلُقِ الَّذِي جاء به وأَمَرَ بِهِ نَبِيُّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وقال:"اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ"(الترمذي).
أَهَمِّيَّةِ حُسْنِ الْخُلُقِ
عِبَادَ اللَّهِ:
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّةِ حُسْنِ الْخُلُقِ التأسي بالنبي صلي الله عليه وسلم :
أن امْتَدَحَ اللَّهُ نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَثْنَى عليه لِكَمَالِ خُلُقِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ".
تَقُولُ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- حِينَمَا سُئِلَتْ: كَيْفَ كَانَ خُلُقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ:"كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ".فكَانَ قُرْآنًا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ؛ أَيْ: أَنَّهُ عَمِلَ بِأَخْلَاقِ الْقُرْآنِ، فَتَمَثَّلَ آدَابَهُ وَامْتَثَلَ أَوَامِرَهُ.
وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَقُومُ فِي خِدْمَةِ أَهْلِهِ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ بِيَدِهِ. وَمِنْ خُلُقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ لَا يُرَى إِلَّا مُبْتَسِمًا، فَلَمْ يُفَارِقِ الْبَهَاءُ جَبِينَهُ وَلَا النُّورُ طَلْعَتَهُ، لَمْ يَقْهَرْ يَتِيمًا، وَلَمْ يَنْهَرْ مِسْكِينًا، بَلْ كَانَ بِنَفْسِهِ يَسْعَى فِي خِدْمَةِ الْمُحْتَاجِينَ، وَيُوَاسِي الْمَنْكُوبِينَ، وَيَرْحَمُ الْمُسْتَضْعَفِينَ.
مَا كَانَ مِنْ دُعَاءِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ، حَيْثُ كَانَ يَقُولُ: "وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِى لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّى سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ"(النسائي والترمذي).
وَكَانَ
أَكْرَمَ الْخَلْقِ نَفْسًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ جَرِيرٌ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "مَا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَّا تَبَسَّمَ"(الحاكم)، وَكَانَ مِنْ حُسْنِ خُلُقِهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ صَحَابَتِهِ عَادَهُ، وَإِنِ
افْتَقَدَهُ سَأَلَ عَنْهُ.
وَكَانَ أَرْحَمَهُمْ قَلْبًا، يَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِهِ إِذَا سَمِعَ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، كَرَاهَةَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ، وَكَانَ أَلْيَنَهُمْ طَبْعًا، إِذَا دَخَلَ إِلَى بَيْتِهِ اشْتَغَلَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِ بَيْتِهِ. وَكَانَ أَعْظَمَهُمْ صَبْرًا، خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ وَالْحَجَرُ عَلَى بَطْنِهِ مِنَ الْجُوعِ، فَمَا اشْتَكَى وَلَا تَضَجَّرَ، وَكَانَ أَوْسَعَهُمْ عَفْوًا وأَوْفَرَهُمْ حِلْمًا، قَاتَلَهُ أَعْدَاؤُهُ وَأَدْمَوْهُ، وَلَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ قَالَ لَهُمْ: "اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ".
هَذِهِ بَعْضُ
أَخْلَاقِهِ السَّامِيَةِ، وَآدَابِهِ الْعَالِيَةِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَلَنَا فِيهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؛ فَبِهِ نَتَأَسَّى وَإِيَّاهُ
نَتَّبِعُ، وَعَلَى خُطَاهُ نَسِيرُ.
وتكمن أهمية الخُلق الحسن من خلال النقاط الآتية:
يُعتبر حسن الخلق من أعظم روابط الإيمان، ومن أعلى
درجات العبادة، إذ قال النبيّ محمد صلّى الله عليه وسلّم: "إنَّ أكملَ أو من أكملِ
المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا"(أبوداودوالترمذي).
يؤدي حسن الخلق لنيل محبة النبيّ محمد صلّى الله
عليه وسلّم، والقرب من مجلسه عليه السلام يوم القيامة. يجذب الناس إلى الدين الإسلاميّ،
والهداية، والطريق المستقيم، فالنبي عليه السلام كان ملازماً للخلق الحسن في جميع أحواله
وأوقاته، كما كان متخلقاً بأخلاق القرآن، الأمر الذي دفع العديد من الناس للدخول في
الإسلام بعد أمر الله عز وجل. يؤدي إلى الفوز والنجاح في جميع الأمور، سواءً أكانت
خاصةً، أو عامةً. يُحبّب صاحبه إلى جميع الناس، بما في ذلك الأعداء، بينما ينفر الناس
من صاحب الخُلُق السيئ، ويبتعدوا عنه. يُنير قلب المسلم، ويوسّع مداركه، ويهتدي إلى
مواطن الحق. يُنجي من النار، ويؤدي إلى الفوز بأعلى درجات الجنة. يزيد الأعمار، ويعمر
الديار.
يستر العيوب، حيث يُغطّي على الكثير من القبائح،
فقد يُبتلَى الفرد بالعيوب الخَلْقيّة من دمامة وغيرها، ويكون مُعرّضاً للسخرية والذم،
ولكنَّ حسن الخلق يُجمّل هذه الأمور؟
سعة الأرزاق في حسن الأخلاق يعود حسن الخُلُق بالنفع
الكبير على الفرد سواءً في الحياة الدنيا، أم في الآخرة، ومن هذا المنطلق اعتُبر أعظم
الكنوز التي يمتلكها الإنسان، بل أغلى الثروات المُكتسبة، فنجاح التجّار، ورجال الأعمال،
وأصحاب الحرف، والأساتذة، والطلاب، والمهندسين، وغير ذلك من الحرف المختلفة متوقّف
على الأخلاق؛ فمن تجمّل بالأخلاق الحسنة رزقه الله ووفّقه في عمله، ومن ساءت أخلاقه
خسر عمله، وفرَّ الناس منه.
اطمئنان المجتمع بحسن الخلق يُسهم الخلق الحسن في
تحقيق السعادة بين الناس، وذلك من خلال تحسين علاقة الآخرين مع بعضهم، حتى يُصبح المجتمع
كله كالجسد الواحد، فعندما يشتكي عضو يتداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فالأخلاق
الحسنة تجعل الكبير يحنُّ على الصغير، ويرفق الغني على الفقير، وبالتالي فإنَّ الأعراض،
والأموال، والأنفس تُحفَظ من خلال الخُلُق الحسن، ولا يكون ذلك إلّا من خلال التأسّي
بالعقيدة الإسلاميّة السمحاء.
تطبيقاتُ حُسنِ الخلقِ
عباد الله:"
إنَّ للأخلاقِ أهميةً كُبرَى في الإسلامِ، فالخُلقُ مِن الدينِ كالروحِ مِن الجسدِ،
والإسلامُ بلا خُلقٍ جسدٌ بلا رُوحٍ،فالأخلاق لاتباع ولاتشتريوإذا أردنا أن نطبق مكارم
الأخلاق فللأخلاق مجالات وتطبيقات كثيرة إذاتتبعناها ماكفانا وقت فالأخلاق في ديننا
أكثر من أن تُعدُ أو تُحصى، ولكن بعض العُلماء أرجعها إلى أربعة أُصول؛ وهي: الصبر،
والعفة، والشجاعة، والعدل، فبالصبر؛ يكون احتمال الآخرين، وكظم الغيظ، وإماطة الأذى،
والرفق، وبالعفة؛ ابتعادٌ عن الرذائل والقبائح، سواءٌ أكان في القول أو الفعل، وبالشجاعة؛
تكون عزة النفس، والتخلّق بمعالي الأخلاق، وإنّ العدل يحمل صاحبه على اعتدال أخلاقه
وتوسطه بين طرفي الإفراط والتفريط، فلا يسرف ولا يقتر، ولا يجبن ولا يتهور، ولا يغضب
ولا يهان، عباد الله، فلنُراجع أنفُسنا ومدى التزامنا بأخلاق الإسلام؛ فهي طريقنا إلى
الجنة وإلى السعادة في الدُنيا والآخرة.
إنّ من مكارم الأخلاق؛ إفشاء السلام، والسُهولة في التعامل، والبسط مع الآخرين، فالأخلاق الكريمة؛ هي شريعة جميع الأنبياء والمُرسلين، وجاؤوا لعلاج ما فسد من فطرة الناس وأخلاقهم، فبالأخلاق ترقى الأُمم، وتتفوق على غيرها من الحضارات، ففساد الأخلاق طريقٌ لانتشار الخوف في المُجتمع، وضياع الأموال، وهتك الأعراض،
وفي مكارم الأخلاق؛ انتشارٌ للأمن والخير، وحُصول الرخاء في المُجتمعات.
ومن مكارم الأخلاق التي حثنا الإسلام على التحلي بها؛ وعي المُسلم بحقوق إخوانه المُسلمين، وهي الواردة في قول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-:"حَقُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وعِيَادَةُ المَرِيضِ، واتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وإجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وتَشْمِيتُ العَاطِسِ"(مسلم).
بالإضافة إلى كف الإذى عنهم، وإخراج ما قُلوبنا من حسدٍ وغلٍ عليهم، وحُب الخير لهم، كما أننا نسعى إلى التعاون على البر والتقوى،
الخطبة الثانية
الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله أما بعد فباعباد الله
ثمرات حسن الخلق
عباد
الله :" لِحُسْنِ الْخُلُقِ فَضَائِلُ عَدِيدَةٌ، وَثَمَرَاتٌ كَثِيرَةٌ،
مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ لَا الْحَصْرِ:
أَوَّلًا:
أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَبْلُغُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ:
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ
خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ"(أبوداود)، فَهَنِيئًا، ثُمَّ هَنِيئًا، لَكَ يَا
صَاحِبَ الْخُلُقِ الرَّفِيعِ هَذَا الْأَجْرُ الْعَظِيمُ.
ثَانِيًا: مِنْ ثَمَرَاتِ حُسْنِ الْخُلُقِ: أَنَّهُ يُثَقِّلُ مِيزَانَ الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيء"(صحيح الترغيب)،
وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقِيَ أَبَا ذَرٍّ، فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ،
أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى خَصْلَتَيْنِ هُمَا أَخَفُّ عَلَى الظَّهْرِ، وَأَثْقَلُ
فِي الْمِيزَانِ مِنْ غَيْرِهِمَا؟» قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "عَلَيْكَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ، وَطُولِ الصَّمْتِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ
بِيَدِهِ، مَا عَمِلَ الْخَلَائِقُ بِمِثْلِهِمَا"(البزار والبيهقي).
ثَالِثًا:
مِنْ ثَمَرَاتِ حُسْنِ الْخُلُقِ حُصُولُ الْبَرَكَةِ فِي الدِّيَارِ
وَالْأَعْمَارِ، فَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا":إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ
أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ
وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ، وَيَزِيدَانِ فِي
الْأَعْمَارِ"(أحمد).
رَابِعًا: أَنَّ صَاحِب الْخُلُقِ يَحْصُلُ عَلَى كَمَالِ الْإِيمَانِ وَمَحَبَّةِ الرَّحْمَنِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا". وَفِي الْحَدِيثِ: "أَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا".
خَامِسًا:
أَنَّ صَاحِبَ الْخُلُقِ الْحَسَنِ يَسْتَحِقُّ بِهَذَا الْعَمَلِ الْجَنَّةَ،
كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:"أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ
لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ
الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي
أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ"، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ: مَا أَكْثَرُ مَا
يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ، قَالَ: «تَقْوَى اللَّهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ"(الطبراني وأبوداود)..
سَادِسًا: مِنْ فَضَائِلِ حُسْنِ الْخُلُقِ: أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْقُرْبِ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْقِيَامَةِ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ الْقَوْمُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "أَحْسَنُكُمْ خُلُقًا")أحمد والبخاري ومسلم).
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا،
الْمُوَطَّؤُونَ أَكْنَافًا الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ"(صحيح الجامع).
ويعظم شأن الأخلاق الحسنة حتى يكون صاحبها في عبادة دائمة يعادل درجة الصائم القائم، مع أنه قد لا يكون مجتهداً في نوافل العبادات، لكنه أدرك ذلك بخلقه، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن المؤمن لَيُدْرِك بخلقه درجة الصائم القائم"(أبو داود).
والأخلاق الحسنة تثقل ميزان العبد في وقت يكون أحوج ما يكون إلى ما يثقل موازينه؛ بل جاء الخبر بأن حسن الخلق هو أثقل الأعمال الصالحة في الميزان، قال النبي عليه الصلاة والسلام: "ما شيءٌ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن"( أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح).
وحسن الخلق كذلك من أقوى الأسباب التي تُدخل الجنة، فقد سئل النبي -عليه الصلاة والسلام-: ما أكثر ما يُدخلُ الناس الجنة؟ فقال: "تقوى الله، وحسنُ الخلق". قيل: فما أكثر ما يدخل الناس النار؟ قال: "الجوفان: الفم والفرج"(الترمذي والحاكم وابن حبان).
وقد ورد
أن المرأة إذا تزوجت عدة مرات في الدنيا، فدخلت الجنة ودخل أزواجها الجنة فإنها
تخير، فتختار أحسنهم خلقاً.
بل إنّ من أعظم فضائل الأخلاق؛ أنّ صاحب الخلق عني بالحسنات لايأتي يوم القيامة مفلساً لأنّ المُفلس يوم القيامة هو من يأتي وليس معه رصيدٌ من الأخلاق؛ لقول النبيّ صلي الله عليه وسلم: "إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّار"(مسلم).
اللَّهُمَّ
إِنَّا نَسْأَلُكَ صِحَّةً فِي إِيمَانٍ، وَإِيمَانًا فِي حُسْنِ خُلُقٍ،
وَنَجَاحًا يَتْبَعُهُ فَلَاحٌ، وَرَحْمَةً مِنْكَ وَعَافِيَةً وَمَغْفِرَةً
وَرِضْوَانًا