
رمضان شهرالانتصارات
الانتصار على النفس هو أعظم الانتصارات
الصوم يربي في الإنسان الانتصار على النفس،
من مظاهر
الانتصار علي النفس
الحمدلله رب العالمين وأشهدأن لاإله الا الله وحده لاشريك له في سلطانه وأشهدأن سيدنا وحبينا محمداً عبدالله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه القائل:"من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه،من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه،من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه"(البخاري ومسلم).
اللهم صلاة وسلاماًعليك ياسيدي يارسول الله وبعد فيقول الله تعالي :" شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"(البقرة: 185).
عباد الله :"حديثنا إليكم اليوم عن رمضان شهرالانتصارات العظمي و
الانتصار على النفس هو أعظم الانتصارات
يقول سُفْيان الثوري:"ما عَالَجْتُ شيئًا أشد عليَّ من نفسي"،
ويقول الحسن البصري :"إن النفس أمارة بالسوء
.. فإن عصتك في طاعة فأعصها أنت في المعصية .."
إِني بُلِيتُ بِأَرْبعٍ مَا سُلِّــطُوا ... إِلاَّ لأَجْلِ شَقَاوَتي وَعَنَـــــائِي
إِبْلِيْس والدُنْيَا ونَفْسِي وَالهَوَى ... كيفَ الخَلاصُ وكُلُّهُم أَعْدَائِي
إبْلِيْس يَسْلُكُ في طَرِيق مَهَالِكي ... والنَّفْسُ تَأْمُرُني بِكُلِّ بَلائِي
وأرَى الهَوَى تَدْعو إليه خَوَاطِري... في ظُلْمَة الشُبُهَاتِ وَالآراءِ
وزَخَارِفُ الدُنيا تَقُولُ أما تَرَى... حُسْنِيْ وفَخْرَ ملاَبِسِي وَبَهَائِي
وعلي
لسان نبي الله يوسف:"وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ
بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ "(يوسف/53).
قال أبو جعفر : يقول يوسف صلوات الله عليه: وما أبرئ نفسي من الخطأ والزلل فأزكيها ،"إن النفس لأمارة بالسوء"، يقول: إن النفوسَ نفوسَ العباد، تأمرهم بما تهواه، وإن كان هواها في غير ما فيه رضا الله ، "إلا ما رحم ربي" يقول: إلا أن يرحم ربي من شاء من خلقه ، فينجيه من اتباع هواها وطاعتها فيما تأمرُه به من السوء ،"إن ربي غفور رحيم".
الصوم يربي في الإنسان الانتصار على النفس،
فترك الصائم كُلَّ رَغِيبَةٍ لَهُ مِنْ أَكْلٍ شهي، وشَرَابٍ عَذبٍ، وَفاكِهةٍ يانعةٍ، وَغَيرِ ذَلِكَ كَزِينَةِ زَوجةٍ أَو جَمالِهَا، وتكرار ذلك على مدار شهر كامل -لا شك- أنه ينصر المسلم على نفسه، ويقوى سلطانُه عليها، حتى يصبح هذا الانتصار خُلُقًا وطبعًا له بعد رمضان.
فالصّائم بمجاهدته نفسه بتركه ما لَذَّ وطاب من أنواع الطعام والكف عن شهوته، ينتصر على نفسه كما جاء في الحديث الذي يرويه البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: "حُفَّت الجنّة بالمكاره، وحُفَّت النَّار بالشَّهوات"، لذا اشتمل رمضان على كلِّ أسباب الانتصار على النفس، انتصار على الرياء وملاحظة الخلق بتصفية العمل للخالق، فرمضان شهر الإخلاص بلا منازع، وقد توفرت كل عوامل النجاح للمؤمن فيه على كل دواعي الرياء وأسبابه، وتنمية عنصر المراقبة والتجرد لله عز وجل لديه، فامتناع الصائم عن الطعام والشراب والشهوات المادية والمعنوية طيلة يومه، استجابة لأمر ربه هو عين الإخلاص،
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"يقول الله عز وجل: "الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي"( البخاري).
فشهر رمضان تدريبٌ عَمَلِيٌّ للمسلم على التغلب على شهواته المختلفة كشهوة البطن، والفرج، والنظر، والسمع، والكلام … وغيرها، بحيث يتحرر من أسرها له، وتقييدِها لفِكْره وعقلِه وقلبه، ويتعالى على جواذبها التي تجذبه إلى مستنقعها الآسن، ويخلص نفسه من كل دواعي الاستجابة لإغراءاتها .
وكل ذلك يحتاج إلى صبرٍ ومصابرةٍ ومداومةٍ على الطاعات، يقول الإمام ابنُ رجب الحنبليُّ رحمه الله مبيِّنًا أهميَّةَ مجاهدةِ النفس في سبيل تطويعها وإخضاعها لأوامر الله عز وجل؛ فقال: " فَإِنَّ الدَّاعِيَ إِلَى فِعْلِ الْمَعَاصِي قَدْ يَكُونُ قَوِيًّا، لَا صَبْرَ مَعَهُ لِلْعَبْدِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مَعَ فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، فَيَحْتَاجُ الْكَفُّ عَنْهَا حِينَئِذٍ إِلَى مُجَاهَدَةٍ شَدِيدَةٍ، رُبَّمَا كَانَتْ أَشَقَّ عَلَى النُّفُوسِ مِنْ مُجَرَّدِ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ، وَلِهَذَا يُوجَدُ الكَثِيرٌ ممنْ يَجْتَهِدُ فَيَفْعَلُ الطَّاعَاتِ، وَلَا يَقْوَى عَلَى تَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَقَدْ سُئِلَ عُمَرُ عَنْ قَوْمٍ يَشْتَهُونَ الْمَعْصِيَةَ وَلَا يَعْمَلُونَ بِهَا، فَقَالَ: أُولَئِكَ قَوْمٌ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ» اهـ انظر: جامع العلوم والحكم.
من مظاهر الانتصار علي النفس
عبادالله:" والانتصار في معركة الشهوات قضية مصيرية بالنسبة للمؤمن؛ لأنه إذا انهزم فيها، وفشل في مقاومتِها، وسلَّمَ لها العَنَانَ أدَّى به ذلك إلى الانهزام في كل معاركه الأخرى، فالشهواتُ حواجزُ تحجز عنه مواردَ التوفيقِ، وصوارفُ تصرفه عن النجاح في أمر آخرته التي هي رأس الأمر كله، والهدف الأسمى من وجود المرء في هذه الحياة الدنيا.
الانتصار على الرياء
وإن أهم شيءٍ ينتصرُ عليه الإنسان في نفسه هو الانتصار على الرياء الذي تهفو النفس إليه، وتحبُّ أن يَرى الناسُ ما قامت به من عملٍ صالحٍ تتفاخر به، وتُرضي غريزةَ حبِّ رؤيةِ الناس لأعمالها، ويأتي رمضان ليكون شهرَ الإخلاص بلا منازع، يأتي وقد توفرت فيه كلُّ عوامل النجاح للمؤمن على القضاء على كل دواعي الرياء وأسبابه، وتنمية عنصر المراقبة والتجرد لله عز وجل لديه، ولقد بيَّن اللهُ سبحانه وتعالى أنَّ الذي يريد بعمله عاجلَ الحياة الدنيا، فإنَّه يُعجِّل له فيها ثوابَه إذا شاء، ومصيرُه في الآخرة مفوض إلى الله عز وجل. وجعَل مُراءاةَ الناسِ بالأعمال من أخصِّ صِفات أهل النِّفاق؛ فقال سبحانه:"وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاس"(النساء:142). وبيَّن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في أحاديثَ كثيرةٍ خطورةَ الرياء على دِين العبد، وعاقبةَ المرائين في الدنيا والآخرة، فقال صلى الله عليه وسلم:"أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ؟" قَالَ: قُلْنَا: بَلَى، فَقَالَ: "الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي، فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ، لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ"(ابنُ ماجه). فهلَّا جاهدْنا أنفسَنا لتُقبَل الأعمال، وتُفتَحَ لها أبوابُ القبولِ، وتنزلَ من الله تعالى منزِلَ الرضا؟! هلَّا أخلصنا لله في السِّرِّ قبلَ العلَنِ، واستحضرنا مراقبَةَ الموْلَى سبحانه وتعالى لنكون لديْهِ من المحبوبِين؟! هلَّا علمنا أن المخلِصين لله تعالى هم أهنأ الناس عَيشًا في الدنيا، وأعظمهم أجرًا في الآخرة؟!
عدم الغضب
ومن مظاهر الانتصار على النفس عدم الغضب؛ كما جاء في الحديث الصحيح الذي يرويه مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن سابه أحدٌ أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم"؛ أي يقولها بلسان مقاله، ويقولها بلسان حاله بأن يتخلَّق بخُلق الصوم.
عدم الطمع في البيع والشراء،
ومن مظاهر الانتصار على النفس: عدم الطمع في البيع والشراء، وكما جاء في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله عزَّ وجلَّ يُحبُّ سمحَ البيع وسمح الشراء، وسمح القضاء"، فعلى التجار أن يتَّقوا الله في هذا الشهر الفضيل بعدم رفع الأسعار، بل عليهم أن يرفعوا أسعار طاعتهم بالرَّحمة والسَّماحة في البيع والشراء.
الخطبة التانية
الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد فياعباد الله
وانتصار على سوء الخلق، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ. إِنِّي صَائِمٌ"؛(البخاري ومسلم).
وانتصار بالاجتماع وعدم التفرق، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ"؛(الترمذي).
وانتصار على الشح والبخل والأثرة، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ"(البخاري ومسلم).
فليتأسَّ المؤمن به صلى الله عليه وسلم ويعلنها حربًا لا هوادة فيها على كل ما له علاقة بالشح والبخل، فالفلاح الذي هو غايته ومبتغاه في الدنيا والآخرة، لا يمكن أن يحوزه إلا إذا نجح في معركته مع الشح؛ كما قال تعالى:"وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "(التغابن: 16).
وانتصار على الشهوات، فالصَّوْم عبَادَة تكف النَّفس عَن شهواتها، وتُخرجها عَن شَبَه الْبَهَائِم إِلَى شبه الْمَلَائِكَة المقربين، فَإِن النَّفس إِذا خليت ودواعي شهواتها التحقت بعالم الْبَهَائِم، فَإِذا كفت شهواتها لله، ضيقت مجاري الشَّيْطَان، وَصَارَت قريبَة من الله بترك عَادَتهَا وشهواتها محبَّة لَهُ وإيثارًا لمرضاته وتقربًا إِلَيْهِ، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء"؛ (مسلم).
قال الحافظ ابن حجر: مقتضاه أن الصوم قامع لشهوة النكاح، واستشكل بأن الصوم يزيد في تهييج الحرارة، وذلك مما يثير الشهوة، لكن ذلك إنما يقع في مبدأ الأمر فإذا تمادى عليه واعتاده، سكن ذلك والله أعلم؛ (فتح الباري).
قال الحليمي: الصوم يقمع الشهوة فيسهل الكف عن الحرام.
يقول الرسول صلى
الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي
بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي"؛ (البخاري ومسلم)،
وانتصار على اللسان وآفاته، عندما نسمع أو نقرأ حديث النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"(البخاري).
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث"(ابن حبان وابن خزيمة).
نُدرك أهمية هذا النوع من الانتصار في شهر رمضان، فمن لم يستطع أن ينتصر في معركته مع لسانه - خاصة وهو صائم - لا يُمكنه أن ينتصر في معركته مع شيطانه وشهواته، بل إن الانهزام أمام اللسان وآفاته يؤدي بصاحبه إلى الإفلاس؛ قال ابن القيم: إن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدَمها عليه كلها، ويأتي بسيئات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدَمها من كثرة ذكر الله).
وقال بعض السلف: أهون الصيام ترك الشراب والطعام.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُهُ، ولا يستقيمُ قلبُهُ حتى يستقيمَ لسانُـهُ" (أحمد).
وقال جابر بن عبدالله في نصيحة غالية للصائمين:"إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواءً؛ (لطائف المعارف).
وانتصار بالاعتزاز بالإسلام، وخلع رِبقة التقليد المهين؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ"(مسلم).
أسأل الله أن ينفعَنا بما نقول وبما نسمع، وأن ينصُرنا على أعدائنا، إنه نعم المولي ونعم النصير.
وأقم الصلاة.