
ماذا نفعل إذا قيل: غدًا رمضان ؟!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ها هو قد أقبل علينا شهر رمضان شهر الرحمة والغفران شهر الخير
والإحسان والمحبة والغفران، شهر ينتظره المؤمنون من العام للعام، شهر تتنزل فيه الرحمات
من رب الأرض والسماوات، شهر تغلق فيه أبواب النار وتفتح فيه أبواب الجنة، شهر تصفد
فيه الشياطين ومردة الجن.
فعن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم
قَالَ: «إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ،
وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ،
وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَنَادَى مُنَادٍ:
يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ
مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ»
هذه هي أول ليلة من ليالي الشهر الكريم، فأحسنوا استقباله،
وأكرموا هلاله، وأروا الله من أنفسكم خيرًا، ويا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر،
وأظهروا الفرحة بقدوم شهر رمضان الكريم؛ ومن يعظم شعائر اللّٰه، فإنها من تقوى القلوب،
قال الله تعالى: "ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى
الْقُلُوبِ".
أول شيء ندعو الله بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأَمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ، وَالتَّوْفِيقِ لِمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللَّهُ) (الطبراني ).
عزيزي المسلم استقبل شهر رمضان بركعتين تخلو
فيهما بالله تعالى وتناجيه وتطلب منه أن يغفر لك كل ما مضى، حتى تستقبل الشهر الكريم
وصحيفتك نقية بيضاء.
ثم نذهب للمسجد
ونصلي مع الإمام صلاة العشاءو التراويح؛ فإن
صلاة التراويح تبدأ مِن أول ليلة، والليلة تبدأ مِن غروب شمس يوم رؤية الهلال؛ لأن
النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا،
غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (متفق عليه)، ولا يدرك العبد ذلك إلا
إذا قام رمضان مِن أول ليلة، وهذا أمر ينبغي أن ننتبه له وأن نقوم هذه الليلة، فإن
لم نستطع أن نقيمها مع جماعةٍ فلنقمها مع أنفسنا.
وينبغي أن نحرص
أن نصلي مع الإمام حتى ينصرف؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ قَامَ مَعَ
الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) (أبوداودوالترمذي). أي
ينصرف مِن صلاته. وقوله: "كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ": أي ثوابها وأجرها
مِن غروب شمسها إلى طلوع فجرها، وهذا ولا شك فضل عظيم ينبغي أن نحرص عليه.
وجوب تبييت النية لصوم رمضان
ثم ننوي الصيام؛ لأن النية ركن في الصوم، ومحلها القلب، وحقيقتها العزم على فعل الشيء، ولا يجوز التلفظ بها، فالتلفظ بها بدعة كما قال أهل العلم.
أكد علماء الدين أن النية شرط مؤكد في صحة صيام
رمضان، ولذا فإنه يجب على كل من يعزم على الصوم أن ينوي بلسانه أو بقلبه في أي جزء
من أجزاء الليل، ولو قبل الفجر بلحظة، كما أنه يجوز أن ينوي مرة واحدة لجميع أيام شهر
رمضان، أو كل ليلة، وذلك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من لم يبيِّت الصيام
من الليل، فلا صيام له»
ونصوم لله
-تعالى- إيمانًا واحتسابًا؛ إيمانًا أن الله فرضه. واحتسابًا: أي طلبا للأجر مِن الله
وحده، لا عادة وسمعة أو تقليدًا، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ
إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه).
الفائزون في رمضان
فمن الواجب على كل الصائمين في رمضان أن يغتنموه،
وأن يحرصوا على كل دقيقة فيه، حتى يخرجوا منه بالعتق من النيران، والفوز بقصور في جنة
الرحمن، فإذا أردتم أيها الصائمون أن تكونوا من الفائزين في رمضان، فعليكم الاقتداء
برسول الله «صلى الله عليه وسلم»، واهتدِوا بهديه، فلو نظرنا إلى هدي رسولنا الكريم
«صلى الله عليه وسلم» في رمضان فسنجده كما وصفه الإمام ابن القيم: [وكان يخص رمضان
من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور، حتى إنه كان ليواصل فيه أحيانًا؛ ليوفر ساعات
ليله ونهاره على العبادة].
رمضان بَين الشهور كيوسف بين إخوته
وكان أجمل وصف لرمضان قد قاله الإمام ابن الجوزي
فقال: "مثل الشُّهُور الاثني عشر كَمثل أَوْلَاد يَعْقُوب عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم
السَّلَام، وَشهر رَمَضَان بَين الشُّهُور كيوسف بَين إخْوَته، فَكَمَا أَن يُوسُفَ
أحبُ الْأَوْلَاد إِلَى يَعْقُوب، كَذَلِك رَمَضَان أحب الشُّهُور إِلَى علام الغيوب".- ونجتهد أن ننام
مبكرًا لنستيقظ وقت التهجد مستحضرين فضيلة قول الله -تعالى-:"إِنَّ نَاشِئَةَ
اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا"(المزمل:6). ناشئة الليل: هي
قيام الليل بعد نوم خفيفة. ويقول الله في ذكر المتقين أصحاب الجنة: (كَانُوا قَلِيلًا
مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ . وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ"(الذاريات:17-18)،
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم:"أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ العَبْدِ
فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ
فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ"(الترمذي،)، وهذا قرب حقيقي مِن الرب على ما يليق
بكماله وجلاله -سبحانه-، فظن خيرًا إذا اقترب الرب -سبحانه- مِن العبد، وهذا يكون في
هذه الساعة الشريفة، والله -عز وجل- ينزل في كل ليلة في ثلث الليل الآخر، وهذا بلا
شك حافز عظيم للعبد الصالح أن يغتنم هذه الساعة الشريفة ساعة جوف الليل الآخر، فيقوم
لله منقطعًا إليه متذللًا بيْن يديه، قائمًا راكعًا ساجدًا لله -تعالى-، وقد كان السلف
يستنكرون ولا يتصورون أن أحدًا ينام وقت السحر، كما ورد عن طاوس -رحمه الله- أنه قال:
"وهل ينام أحد وقت السحر؟!"، وقت نزول رب العزة والجلال، وقت نداء الرب على
عباده الصالحين القائمين.
ونبينا يرغب في
قيام الليل عمومًا فيقول:"اعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ،
وَعِزِّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ"(الطبراني، وحسنه الألباني)، فسمَّى قيام
الليل شرف المؤمن، فإذا ما قمتَ في هذا الوقت الشريف فصلِّ لله مثنى مثنى، ولا تأتي
بوترٍ آخر؛ فإن النبي صلي الله عليه وسلم قال:"لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ"
(أبو داود والترمذي).
وقبْل السحور
نجلس ونستغفر الله -تعالى-، فإنها عبادة محبوبة لله في ذلك الوقت، قال الله -تعالى-:
(وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ) (آل عمران:17).
8- ثم نتهيأ للسحور،
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً"
(متفق عليه)، وقال: "السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ، فَلَا تَدَعُوهُ، وَلَوْ أَنْ
يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ"(أحمد)، صلاة الله -سبحانه- على عبده ثناء
عليه في الملأ الأعلى، وصلاة الملائكة الدعاء للمتسحرين، وقال النبي -صلى الله عليه
وسلم-: "فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَكْلَةُ
السَّحَر"( مسلم)، والبركة المشار إليها في الحديث هنا هي اتباع السُّنة والتقوى
على عباده الله وزيادة البركة.
ثم نستعد لصلاة
الفجر في جماعة.
- ثم بعد الفجر
نجلس ونذكر الله -سبحانه- إلى طلوع الشمس وفي وقت صلاه الضحى نصلي لله ما استطعنا،
فإن النبي أخبر أن ثوابها "ثواب حجة وعمرة تامة تامة".
هذه هي ليلة العبد
المؤمن الصالح الحريص على الخير.