recent
أخبار عاجلة

مستريح ومستراح منه



مستريح ومستراح منه

 الموتى ضربان وقسمان

فمنهمْ شَقيٌّ وسَعيدٌ

هلاك الظالم بين الشماتة والفرح 

عن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مُرَّ عليه بجنازة فقال: "مُستريح ومُستَراح منه" قالوا: يا رسول الله، ما المستريح والمستراح منه؟ قال: «العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد، والشجر والدواب"(متفق عليه).

وفي هذا الحَديثِ يَحكي أبو قَتادةَ الحارث بن ربعي الأنصاريُّ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَرَّت عليه  جِنازةٌ مَحْمولةٌ لتُدفَنَ، فقالَ: «مُستَريحٌ ومُستَراحٌ مِنهُ»،

فذكر أن ابن آدم لا يخلو عن أن يكون مُستريحًا أو يكون مُستَراحًا منه، فلا يختص هذا بصاحب الجنازة بل هو عام في كل ميت،

 أي: إنَّ الجنائزَ والأمواتَ عندَ انتِهاءِ آجالِهِم بيْنَ حَالين: إمَّا أنْ يَستَرِيحَ الميِّتُ، وإمَّا أنْ يَستريحَ النَّاسُ من الميِّتِ.

فاستفسر الصَّحابةُ عن معنى قَوْلِه

قالوا: يا رسول الله، ما المستريح والمستراح منه؟

 فأخْبَرَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ العبدَ المُؤمِنَ التقي خاصة، أو كل مؤمن ثبت له حكم الإسلام، بعْدَ موْتِهِ يَستَريحُ مِن تَعبِ الدُّنيا وأذاها بدُخولِه في رَحْمةِ اللهِ ورِضْوانِه، فيَنْتَقِلُ مِن حالِ التَّعبِ إلى حالِ الرَّاحةِ،  يستريح من تعب الدنيا ومشقتها وأذاها ذاهبًا إلى رحمة الله عز وجل

وأمَّا العبدُ الفاجرُ -وهوَ العاصي أو الكافرُ- فيَستَريحُ منهُ العِبادُ لما يأتي به من المنكر؛ لأنهم إن أنكروا عليه آذاهم، وإن تركوه أثموا، أو لما يقع لهم من ظلمه أو أثر معصيته، كصوت المعازف ورائحة الخمر وتبرج المرأة، وتستريح منه البلاد بما يأتي به من المعاصي، فإنه تبغض ما يبغضه الله تعالى، ولأنه يحصل بها الجدب، وهلاك الحرث والنسل، أو لما يقع من غصبها ومنعها من مستحقها،

 وكذلك الشجر لقلعه إياها غصبًا أو غصب ثمرها ولما سبق، والدواب تستريح منه لاستعماله لها فوق طاقتها وتقصيره

في علفها وسقيها.  والبلادُ، والشَّجَرُ والدَّوابُّ؛ بالخَلاصِ مِن فُجُورِه وشُرورِه وأذاهُ، وهي أفعالٌ تَضُرُّ بالعِبادِ، وتكونُ سَببًا للهلاكِ لوْ كَثُر الفُجَّارُ، فيَمنَعُ اللهُ الخيرَ والمطرَ، فيَهلِكُ جميعُهُم بما فيهِم الشَّجرُ والدَّوابُّ.

وبهذا التَّبيِينِ والتَّوضيحِ النَّبوِيِّ فإنَّ المسلمَ قدْ وُضِعَ أمامَه الاختِيارُ، فلْيَخْترْ لنفْسِهِ ما أحبَّ، ولْيَعْمَلْ ولْيَجْتَهدْ حتَّى يكونَ مُستَريحًا في الآخرةِ.

، والعبد الكافر أو العاصي يستريح منه العباد

 الموتى ضربان وقسمان:

ضَرْبٌ يستريح، وضَرْبٌ يُستَراح منه.

فالأول: المؤمن، وهو من أشار إليه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "يَستريحُ مِن نَصَبِ الدنيا وأذاها إلى رحمة الله".

والآخر: الفاجر، وهو من أشار إليه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "يستريح منه العبادُ والبلاد والشجر والدوابُّ"

فالأول: يستريح هو من نصب الدنيا وما فيها.

والثاني: تستريح منه هو الدنيا وأهلُها.

ولذلك فإنه ومع شيء من البحث والتقميش، والتأمل والتفتيش، ترَى وبوضوح، وتتبيَّن وبجلاء: أنه ليس لأحد - كائنًا من كان - أن يخرج من هذه القسمة ألبتة، أو يتجاوزها أو تتجاوزه، وأنه ولا بد أن يكون أحد الوصفين: "مستريح، ومستراح منه" مستغرقًا له، دالاًّ عليه، واصفًا لحاله.

وربما نالهم ضرره ، وإن سكتوا عنه أثموا . واستراحة الدواب منه كذلك ؛ لأنه كان يؤذيها ويضر بها ويحملها ما لا تطيقه ، ويجيعها في بعض الأوقات وغير ذلك .

واستراحة البلاد والشجر ، فقيل : لأنها تمنع القطر بمصيبته ، قاله الداودي . وقال الباخي : لأنه يغصبها ويمنعها حقها من الشرب وغيره .


هلاك الظالم بين الشماتة والفرح 

إن قصص المستراح منهم عبر التاريخ كثيرة، ولا بأس إن قام أحد بتذكير الناس بها بين الحين والحين، خاصة عند هلاك ظالم ما، والذي ليس شرطاً أن يكون هذا الظالم رئيساً أو زعيماً، بل يمكن أن ينتشر الظلم عبر آخرين أقل درجة ومرتبة، وظلمهم ربما يصل لمستوى ظلم الولاة والحكام وأمثالهم، فقد يكون الظالم على شكل وزير، مدير، مفكر، كاتب، مثقف، إعلامي، سياسي، رجل أعمال، وغيرهم كثير، لكن تختلف درجة الظلم من شخص إلى آخر، والذي نتحدث عنه ها هنا أكثر من غيره هو ذاك الظالم الذي ينتشر ظلمه ويتسع، وقد تبقى سنّته الظالمة حتى بعد هلاكه، وهنا مكمن الخطر، بل هو ما يدفع إلى ضرورة التنبيه إليه والتحذير منه، وبالطبع قبل ذلك، إظهار الفرح بهلاكه.

اشتهر الحجاج بن يوسف الثقفي بالظلم، وكان مثالاً للطغيان والاستبداد، على رغم أنه كان سبباً في فتوحات وصلت للهند والصين ونشر الإسلام في تلك البقاع، وكان يجهز الحملة تلو الأخرى ويهتم بها، وامتاز بتكليف القادة الشجعان المبدعين أو الموهوبين لقيادة حملات الفتوح، فاختار قتيبة بن مسلم الباهلي لفتح بلاد آسيا الوسطى، وأرسل محمد بن القاسم الثقفي لفتح بلاد السند والهند، على رغم صغر سنه، ويمكن القول إن وصول الإسلام إلى بلاد الصين والهند وباكستان اليوم، كان الفضل لله ثم للحجاج. لكن رغم كل تلك المآثر، كان مستبداً لا يتورع عن ظلم الآخرين والتعرض للصالحين، فقد قتل الأئمة والتابعين أمثال عبدالله بن الزبير وسعيد بن جبير وغيرهما، حتى أصابه مرض، ضيّقت عليه الأرض بما رحبت، وتمنى الموت على أن يستمر في آلامه، فشكا من حاله وما يعاني من شدة الألم إلى الحسن البصري، فقال له الحسن: قد كنتُ نهيتُك ألا تتعرّض إلى الصالحين فلججت. فقال له: يا حسن، لا أسألك أن تسأل الله أن يفرّج عنّي، ولكني أسألك أن تسأله أن يُعجِّل قبض روحي ولا يطيل عذابي. لما قبض الله روح الحجاج وانتشر خبر هلاكه، فرح الناس وخرجوا للشوارع مستبشرين، وقيل إن الإمام طاووس بن كيسان، أحد كبار فقهاء التابعين تلا عند موت الحجاج (فقُطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين)، فيما الحسن البصري كان يدعو عليه بالموت حتى تموت سُنّتُه، فلما مات فرح وسجد. 

اقرأ أيضا: ليلة النصف من شعبان وسلامة الصدور تدوين كتاب الأربعين النووية في حديث صحيح رواه البخاري، أنه مرّت على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جنازة فقال: مستريح ومستراح منه. قالوا يا رسول الله: مَن المستريح ومَن المستراح منه؟ قال: المستريح هو العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا، والمُستراح منه العبد الفاجر، يستريح منه العباد والدواب والشجر. ويُذهب غيظ قلوبهم فرح المؤمنون بهلاك رؤوس الكفر من صناديد قريش يوم بدر،

 وفرح الإمام أحمد بن حنبل بهلاك المأمون، وفرح أهل مصر بهلاك الولاة العبيدين وانتهاء الحكم الفاطمي في مصر، وقبل ذلك بكثير سجد أبوبكر الصديق – رضي الله عنه – حين سمع بمقتل مسيلمة الكذاب، والقصص في هذا الجانب أكثر من أن نحصيها.

 إن هلاك ظالم ما، فيه سعادة بالغة لا يشعر بها سوى من اكتوى بنار ظلمه من قريب أو بعيد، سعادة لا يمكن وصفها والتعبير عنها إلا من ذاق الويلات والعذاب في حياة ذاك الظالم، بصورة مباشرة أم غير مباشرة، وليس في هذا أي غرابة، لأنها فطرة في الإنسان السوي، الذي يتألم للمظلوم، ويسعد بهلاك الظالم، (ويشف صدور قوم مؤمنين، ويُذهب غيظ قلوبهم).


قد يخلط البعض في مسألة هلاك الظالم، بين إظهار الفرح والشماتة، والحقيقة أنه لا

 شماتة في الموت،. لكن هناك خيطا رفيعا بين الشماتة والفرح في هذه المسألة، وأشير

 إلى نقطتين ها هنا. الأولى، أنه لا شيء في أن يفرح الناس بهلاك ظالم، لأن فرحهم

 يقوم على أساس أن هلاك الظالم هو انقطاع  لشره وظلمه وسنّته، وليس لأن الله كتب

 عليه الموت، ذلك أن الموت يصيب كل شيء حي، ولا توجد استثناءات في هذه

 الحقيقة، والفرح بمَهلك أعداء الإسلام وأهل البدع المغلظة وأهل المُجاهرة بالفجور،

 أمر مشروع 

وهو مِن نِعم الله على عباده وعلى الشجر والدواب، بل إن أهل السنَّة ليفرحون بمرض أولئك وسجنهم وما يحل بهم من مصائب. لا شيء إذن أن تُظهر فرحتك بهلاك ونفوق فاسق داعر يجاهر بنشر فسوقه، أو مجرم آثم كذاب لا يتورع عن نشر أكاذيبه، وزرع الفتن بين الناس عبر الوسائل المختلفة، لا شيء في أن تفرح بهلاك زعيم متجبر، أو ديكتاتور ظالم زرع الآلام والأذى بين الناس لمجرد اختلافهم معه في الرؤى والتوجهات. إن من يفرح لهلاك أولئك الظلمة، ليس لأن الموت خطفهم. لا، إنما لأن الموت وضع حداً لجرائمهم وظلمهم وفسوقهم وإفسادهم حياة البلاد والعباد، وربما الشجر والدواب، والحديث الذي يستشهد به بعض أصحاب الورع البارد (اذكروا محاسن موتاكم) ليس بحديث، بل اعتبره الإمام البخاري أنه منكر الحديث. النقطة الثانية في هذه المسألة، أنه حين هلاك ظالم فاسق فاجر، الأصل ألا يفرح الناس بذلك فحسب، بل أكثر من ذلك وهو الاستمرار في التذكير بمساوئه وظلمه، كي تظل عالقة بالأذهان، يحذر الناس الاقتداء بها مستقبلاً، أما محاولة تبييض صورته لسبب أو آخر، فليس من سنّة السلف الصالح في التعامل مع مسألة هلاك الظلمة والمجرمين. 

إنه بالقدر الذي نبذل الجهد في تذكير الناس بمحاسن ومآثر الصالحين والأئمة العادلين بعد وفاتهم، والدعوة إلى الاقتداء بهم والسير على صراطهم المستقيم، فإنه بالمثل، يلزم كشف مساوئ الظلمة والمجرمين على اختلاف وظائفهم وأدوارهم في الحياة الدنيا، مع ضرورة فضح إجرامهم وألاعيبهم، والتحذير منها على الدوام،

بيان معنى الاستراحة:

فالقسم الأول: يستريح من نصب الدنيا: تعبها وأذاها، ولا سيما وهي: (سجن المؤمن) كما قال صلى الله عليه وآله وسلم.الدُّنْيا سِجْنُ المُؤْمِنِ، وجَنَّةُ الكافِرِ."(مسلم ).

الدُّنيا لِلمُؤمنِ دارُ بَلاءٍ وابْتلاءٍ، يَصبِرُ فيها عَلى الفِتنِ، ويَتحَكَّم في شَهواتِها مُقيِّدًا نَفْسَه عن لَهْوِها إِرضاءً للهِ تَعالى.

وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الدُّنيا سِجنُ المؤمِنِ؛ فكُلُّ مُؤمنٍ مَسجونٌ مَمنوعٌ في الدُّنيا مِنَ الشَّهواتِ المُحَرَّمةِ والمَكروهَةِ، يَسجِنُ نَفْسَه عنِ المَلاذِّ ويَأخُذُها بالشَّدائدِ، مُكلَّفٌ بفِعْلِ الطَّاعاتِ الشَّاقَّةِ، يَحبِسُ نَفْسَه مِن كُلِّ شيءٍ لا يُبيحُه له الإسلامُ، والإيمانُ قَيَّده في ذلكَ الحَبْسِ، فلا يَقدِرُ على حَرَكةٍ ولا سُكونٍ إلَّا أنْ يُفسِحَ له الشَّرعُ، فيَفُكَّ قَيْدَه ويُمكِّنَه مِن الفعلِ أو التَّركِ، مع ما هو فيه مِن تَوالي أنواعِ البَلايا والمِحَنِ والهُموِم، ثمَّ هو في هذا السِّجنِ على غايةِ الخوْفِ والوَجَلِ؛ إذْ لا يَدْري بماذا يُختَمُ له مِن عَملٍ؟ ولوْلا أنَّه يَرْتجي الخَلاصَ مِن هذا السِّجنِ لَهَلَكَ مَكانَه، لكنَّ اللهَ سُبحانه لَطَفَ به، فهَوَّنَ عليه ذلكَ كلَّه بما وَعَد على صَبرِه، وبما كَشَف له مِن حَميدِ عاقبةِ أمْرِه، فإذا ماتَ انقَلَبَ إِلى ما أَعدَّ اللهُ تَعالى لَه منَ النَّعيمِ الدَّائمِ والرَّاحةِ الخالصةِ مِنَ النُّقصانِ.

وأمَّا الكافرُ فَليسَ عَليه قُيودُ الإيمانِ، فهو آمِنٌ مِن تلكَ المخاوفِ، مُقبِلٌ على لَذَّاتِه، مُنهمِكٌ في شَهواتِه، يَأكُلُ ويَستمتِعُ كما تَأكُلُ الأنعامُ، ولَه منَ الدُّنيا مَع تَكديرِها بالمُنَغِّصاتِ، فإذا ماتَ صارَ إلى العَذابِ الدَّائمِ وشَقاءِ الأَبَدِ.

وفي الحديثِ: مُواساةُ أهلِ البلاءِ بأنَّ الدُّنيا سِجنُ المؤمنِ.

ويوضِّح مدى هذه الراحة والاستراحة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لما وَجَدَ مِن كرب الموت ما وَجَد، قالت فاطمة: واكرب أبتاهْ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - وهذا هو شاهدنا -:"لا كرب على أبيك بعد اليوم"(ابن ماجه).؛ وذلك أن الكرب الحقيقي عند المؤمن، ينتهي بنهاية الدنيا وانقطاعه منها؛ وذلك لأنها تحجزه عن ما بعدها من السرور والسعادة الأبدية، والتي لا ينغصها شيء.

وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم 


google-playkhamsatmostaqltradent