مجتمع بلا إدمان المخدرات طريق الهلاك
الْحَمْدُ لِلَّهِ رب العالمين ؛ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ يبدنا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ اللهم صلاة وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله وَعَلَى آلِك وَأَصْحَابِك وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أما بعد:
فيقول الله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"(المائدة/90).
عباد الله :" حَدِيثُنَا الْيَوْمَ عَنْ آفَةٍ هُتِكَتْ بِسَبَبِهَا أَعْرَاضٌ! وَوَقَعَ بَعْضُ الْأُخْوَةِ عِلَى أَخَوَاتِهِمْ، وَتَحَرَّشَ بَعْضُ الْآبَاءِ بِبَنَاتِهِمْ، وَقَتَلَ بِسَبَبِهَا الْأَخُ أَخَاهُ، ونَحَرَ - كَمَا تُنْحَرُ النِّعَاجُ- وَالِدَيْهِ، وَرَفَعَ السِّلَاحَ عَلَى زَوْجَتَهُ، وَرَوَّعَ أَوْلَادَهُ، وَأَشْعَلَ النَّارَ فِي جَسَدِهِ. مَشَاهِدٌ مُرَوِّعَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ، لَا تَنْقَطِعُ أَخْبَارُهَا، فِي غَالِبِ دُوُلِ الْمَعْمُورَةِ، وَلَا حَوْلَ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ.
حَدِيثُنَا
الْيَوْمَ عَنْ جريمة الإدمان وآفَةِ الْمُخَدِّرَاتِ، والْمُسْكِرَاتِ؛ وَقَانَا وَإِيَّاكُمْ
وَذَرَارِينَا شَرَّهَا؛
عباد الله : إن المسكرات والمخدرات تزهق النفوس فتهلكها,, وتفتك بالعقول فتعطلها ، وتضيع الأموال فتبددها ، وتدمر الأُسر فتشتتها. وتهلك الشباب فتفقدهم إنسانيتَهم والله تعالى يقول :"وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا"(النساء/26).
ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" مَنْ تَحَسَّى سُمًّا
فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا
مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا .."(البخاري ومسلم والترمذي).
المسكرات والمخدرات يا عباد الله دمار ساحق ،
وبلاءٌ ماحق ، وموتٌ بطيء بل الموت أرحم، فكم من شاب صيرته سائلاً متشرداًوضائعاً متسكعاً
، بعد أن كان ناضجَ العقل ، عاليَ الهمة ، طموحاً إلى معالي الأمور .
فيا لله كم خربت المخدرات من بيوت كانت بأهلها عامرة ، وكم شتت من أسر وعائلات كانت ملتئمة آمنة.بسببها ضاع شباب وفقدوا هويتهم وشردت أسر وخربت بيوت وقتل الولد والديه ..
إِنَّمَا يُرِيدُ
الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ"(المائدة/).
عن عثمان بن
عفان :"اجتنِبوا أمَّ الخبائثِ فإنَّه كان رجلٌ ممَّن كان قبلكم يتعبَّدُ ويعتزِلُ
النَّاسَ فعلَقتْه امرأةٌ فأرسلت إليه خادمًا إنَّا ندعوك لشهادةٍ فدخل فطفَقت كلَّما
يدخلُ بابًا أغلقته دونه حتَّى إذا أفضَى إلى امرأةٍ وضيئةٍ جالسةٍ وعندها غلامٌ وباطيَّةٌ
فيها خمرٌ فقالت إنَّا لم ندعوك لشهادةٍ ولكن دعوْتُك لقتلِ هذا الغلامِ أو تقعُ عليَّ
أو تشربُ كأسًا من الخمرِ فإن أبيتَ صِحتُ بك وفضحتُك قال فلمَّا رأَى أنَّه لا بدَّ
له من ذلك قال اسقيني كأسًا من الخمرِ فسَقَته كأسًا من الخمرِ فقال زِيديني فلم تزَلْ
حتَّى وقع عليها وقتل النَّفسَ فاجتنِبوا الخمرَ فإنَّه واللهِ لا يجتمعُ إيمانٌ وإدمانُ
الخمرِ في صدرِ رجلٍ أبدًا وليوشِكنَّ أحدُهما يُخرِجُ صاحبَه"(البيهقي).
وَفِيْ الحَدِيْث الصحِيْحِ :"أتاني جبريلُ فقال: يا محمَّدُ! إنَّ اللهَ لعَن الخمرَ، وعاصِرَها، ومعتصِرَها، وشارِبَها، وحامِلَها، والمحمولةَ إليهِ، وبائِعَها، ومُبتاعَها، وساقِيها، ومُسقاها »، فِيْ رِوَايَةٍ: « وآكل ثمنها ». وَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ مَنْ تَعَاطَي مُسْكِرًا بِأَنْ يَسِقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ؟ لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ:"عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ" أَوْ"عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ"(مُسْلِمٌ). أَيْ: قَيْحُ وَصَدِيدُ وَدِمَاءُ أَجْسَادِ أَهْلِ النَّارِ.
معاشر المسلمين إنها والله مصيبة لا كالمصائب وداء عظيم لا كالأدواء ، بلية المسكرات والمخدرات وما أعظمها من شر وبلية إنها رحلة مريرة .. مع داء عاقبته اضمحلال الإيمان وإزهاق النفوس البريئة وانتهاك الأعراض العفيفة ، وفساد العقول السليمة ، وضياعٌ للشباب وفقدانٌ للهوية والإنسانية , إنه داء يؤدي إلى فقد كل معاني الإنسانية" وزوال كل معالم الروح البشرية فما أعظمه وربي من داء عظيم وما أشده من بلاء جسيم..
من المسؤل عن إدمان الشباب للمخدرات؟
عباد الله
:" لسنا هنا بصدد الحديث عن المخدرات وحكمها وأضرارها فذاك مما لا يخفى على أولي
الألباب والأبصار ، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: ما الذي يجعل فئةً من شبابنا تنجرف
وراء هذا الداء رغم عظيم مخاطره وتحقق مهالكه؟
ما الذي جعل فئة
من شبابنا تُقبل على إدمان المخدرات حتى أصبحت رهينة الجنون وفئة أخرى تحت أقبية السجون
وآخرون هلكى في أودية الضياع والمجون ؟
إنه سؤال نملك
الإجابةَ عليه ونعرفه، ألا وهو أننا نحن المسئولون عن ضياع أبنائنا وانجرافهم في تيار
المسكرات والمخدرات .
نعم نحن المسئولون
عنهم حينما أهملنا تربية أبنائنا وبناتنا وغفلنا عنهم وتركنا مجالستهم وجعلناهم فريسة
لأصدقاء السوء وضحايا لبث قنوات الفسق والفجور وغرقى في دهاليز النت المفتوح بلا حسيب
ولا رقيب..
نحن المسئولون
عنهم حينما غيَّبنا البُعْدَ الدينيَ والإيمانيَ في تربيتهم فلم نغرس في قلوبهم خشيةَ
الله جل جلاله ومحبتَه ومحبةَ رسوله صلى الله عليه وسلم.. ولم نعودْهم على تحري الحلال
وتوخي الحرام منذ نعومة أظفارهم ، ولم نعلقهم بالقرآن وحلق تحفيظه ، ولم نربطهم بالصحبة
الصالحة ومجالس الصالحين منذ صغرهم وفي أول نشأتهم.
نحن المسئولون عنهم إذ لم نجعل المسجد مكانا عظيما في قلوبهم يألفونه ويرتادونه في اليوم خمس مرات. قال الله تعالى :"وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ"(طه/132).
نحن المسئولون
عنهم إذا لم نكن لهم قدوة صالحة.. فالأطفال بطبيعتهم يتأثرون بوالديهم ويقلدونهم في
تصرفاتهم ، أما ترونهم كيف يقلدون آباءهم في عباداتهم وعاداتهم الحسنة كما يقلدونهم
في المقابل في العادات السيئة كالكذب والتدخين..
فالأب المدخن مثلا
هو الذي يضع أولاده عند العتبة الأولى لنفق المخدرات المظلم . فطريق المخدرات يتدرج
إليه الشاب بخطوات ومن أوائل هذه الخطوات هو التدخين وقد أثبتت الدراسات عدم وجود متعاط
للمخدرات لم يسبقها بتعاطي التدخين
نحن المسئولون
عنهم إذا أهملناهم وانشغلنا عن مجالستهم وتربيتهم
فهذا أب مشغول بتجارته وصفقاته وآخر بأسفاره أو بسهراته في الاستراحات مع رفقائه..
ومن عجيب ما سمعنا في هذه الأيام أن بعض الآباء يسافرون مع زوجاتهم فقط ويتركون صبيتهم
هربا من ضجيجهم !!
فلماذا إذن ينجبونهم إذا لم يكونوا قادرين على تحمل مشاق تربيتهم ورعايتهم .. وإحاطة الوالدين لهم بلطفهم وعنايتهم .. ألا فليعلم الآباء والأمهات أن انشغالهم عن أولادهم لهو من أعظم الأسباب المؤدية إلى ضياعهم وانحرافهم.
نحن المسئولون
عنهم حينما تكون مشاكلُنا الأسرية وصراخنا ونزاعنا وشتائمنا أمام ناظريهم .. وقد يضرب
الرجل زوجته وأمَ أولاده أمام أبنائها وبناتها وربما حدثت الفرقة بالطلاق ثم يكون الصبية
ضحية لذلك الفراق والشتات
نحن المسئولون
عنهم حينما نهمل تعليمهم ثم تكون البطالة نصيبهم ، ونحن المسئولون عنهم إذا علمنا بأن
أحد الأقارب متورطاً في الإدمان وله علاقة بهم ، أو أننا لا نعرف رفقاءهم وقد نتركهم
في الخارج يسهرون ولا نعلم مَن يجالسون ومع مَن يذهبون .
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن دورنا كآباء ومربين هو الدور الأكبر في تحصين أبنائنا وحمايتهم من الانجراف وراء المخدرات من قبل أن يأتي يومٌ نعض فيه أصابع الندم ونتحسر فيه على أكباد ضيعت وأصبحت فريسة للمفسدين نسأل الله تعالى أن يحفظ أبناءنا وبناتنا من كل سوء وشر ومكروه..
عباد الله أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين وبعد فيا
ماذا ينبغي علينا تجاه هذه الجريمة ؟
عباد الله :"
علينا معشر الآباء
قبل كل شيء الوقوف بحزم أمام المخدرات الفكرية قبل المخدرات الحسية من قنوات فاسدة
ومفسدة ، ومن دهاليز الانترنت المظلمة ومقالات وكتابات ونقولات وحوارات منجرفة تهدف
إلى زعزعة الإيمان وبث الشكوك والإلحاد وزرع الانحلال وإضعاف صلة المسلمين بدينهم وسلخ
الشباب من هويتهم
فاتقوا الله معشر
الآباء وقوا أهليكم وأنفسكم نارا وقودها الناس والحجارة
وارعوا أبناءكم وبناتكم أيها المسلمون ربوهم على الإيمان والتقوى وكونوا حولهم ولا تنشغلوا عنهم حاوروهم وجالسوهم وحادثوهم واعرفوا أصدقاءهم وحولوا بينهم وبين سبل الفساد والانحراف وخذوا بحجزهم عن الفساد وقبل ذلك علقوا قلوبكم ورجاءكم بالله , والله لن يضيع لكم جهدا , حفظ الله أبناءنا وبناتنا ونسائنا من كل شر ومكروه ...
فَعَلَى الآبَاءِ
وَالْمُرَبِينَ أَنْ يَتَنَبَّهُوا لِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَيُحَاوِلُوا أَنْ يَجِدُوا
لَهَا عِلَاجًا. وَمِنْ ذَلِكَ: إِحْيَاءُ الرَّقَابَةِ الذَّاتِيَّةِ في قُلُوبِ النَّاسِ
عَامَّةً، وَغَرسِهَا في أَفئِدَةِ النَاشِئَةِ خَاصَّةً، وَتَسلِيحِهِم بِالإِيمَانِ
بِاللهِ، وَالخَوفِ مِنهُ -سُبحَانَهُ- وَتَقرِيرِهِم بِنِعَمِهِ؛ لِيَحمَدُوهُ وَيَشكُرُوهُ،
وَلابُدَّ مِن تَكثِيفِ التَّوعِيَةِ بِخَطَرِ المُسكِرَاتِ وَالمُخَدِّرَاتِ عَلَى
الدِّينِ وَالأَخلاقِ، وَنَشرِ الوَعيِ بِأَضرَارِهَا عَلَى العُقُولِ، وَبَيَانِ شِدَّةِ
فَتكِهَا بِالأَجسَادِ، وَمَلءُ أَوقَاتِ الشَّبَابِ بما يَنفَعُهُم وَيَنفَعُ مُجتَمَعَهُم،
فَإِنَّهُ لا أَفسَدَ لِلعُقُولِ مِنَ الفَرَاغِ، وَالنُّفُوسُ لا بُدَّ أَن تُشغَلَ
بِالطَّاعَاتِ، وَإِلاَّ شُغِلَتْ بِالْمَعَاصِي. فَلْيَحْرِصِ الآبَاءُ عَلَى إِدْخَالِ
أَبْنَائِهِمْ حَلَقَاتِ التَّحْفِيظِ الْمُنْتَشِرَةِ فِي بِلَادِنَا وَللهِ الْحَمْدُ.
وَتَعْلِيمِهِمُ الْعُلُومَ الشَّرْعِيَّةَ، وَتَشْجِيعِهِمْ عَلَى حُضُورِ الدُّرُوسِ
وَالْمُحَاضَرَاتِ الْمُفِيدَةِ، وَتَعْلِيمِهِمُ الْعُلُومَ الْمَادِيَّةَ النَّافِعَةَ.
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَاخْتِمْ بِالصَّالِحَاتِ آجَالَنَا.