حديث القرآن
عن الجبال
الجبال في منهج
القرآن الكريم
تشهد علي أعمال العباد
وجعل فيها رواسي
عبودية الجبال لله
غضبة الجبال الكونية
الحمد لله رب
العالمين وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له في سلطانه وأشهد أن سيدنا ونبينا
محمداً عبده ورسوله اللهم صلاة وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله وبعد فياعباد الله:"لَوْ
أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ
خَشْيَةِ اللَّهِ"(الحشر/21).
الجبال في منهج
القرآن الكريم:
عباد
الله:" حديثنا إليكم اليوم عن الجبال فهي خلق من مخلوقات الله العظيمة، ذكرها
الله في كتابه العزيز في أكثر من أربعين موضعاً؛ تتحدث عن صفاتها ووظائفها وخصائصها،
وتدعو إلى التأمل فيها والتدبر في كيفية خلقها، وتشير إلى شيء من عظيم قدرة الله في
تكوينه لها، وشدة بنائها، كما تتحدث عن مصيرها ومآلها يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسماوات،
وكيف تتحول هذه الجبال مع عظمتها وقوة خلقها هباء منبثاً وكالعهن المنفوش.
ذكر سبحانه في
عدد من الآيات القرآنية أنه جعل الجبال في الأرض لتثبِّتها من المَيَدان والاضطراب،وتحفظهامن
السقوط والزوال،قال تعالى:"وجعل فيها رواسي من فوقها" (فصلت:10) وقال سبحانه:
"وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم"(الأنبياء:31) وقال عز وجل: "وألقى في
الأرض رواسي أن تميد بكم"(النحل:15) وقال سبحانه: "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت"(الغاشية:17-19).
عباد الله :" جاء حديث القرآن عن الجبال على وجوه كثيرة؛ منها:
تشهد علي أعمال العباد
شاهدة على تعنّت الفئة الكافرةالتي رفضت عبادة الله عز وجل، قال تعالى: "وَهِيَ تَجْرِي
بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ
الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ
رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ"(هود: 42-43).
شاهدة على مهارة
قوم صالح في النحت والصناعة، وشاهدة على تعنتهم وعصيانهم: قال تعالى:"وَكَانُوا
يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ"(الحجر:
82-83).
وجعل فيها رواسي
فيما يخص الجبال
فثمة حقيقة؛ وهي أنها خُلقت من أجل ترسية الأرض ومنعها من أن تميد بالناس، فهي -بجذور
أوتادها المغروسة في باطن الأرض- تحفظ توازن الأرض، وتجعلها مستقرة ليستطيع البشر أن
يعيشوا فوقها
"والجبال
أوتاداً"
تشير الآية إلى
أن الجبال أوتاد للأرض، والوتد يكون جزء منه ظاهراً على سطح الأرض ومعظمه غائراً فيها،
ووظيفته التثبيت لغيره، بينما نرى علماء الجغرافيا والجيولوجيا يعرّفون الجبل بأنه
كتلة من الأرض تبرز فوق ما يحيط بها، وهو أعلى من التل.
ولقد وصف القرآن الجبال شكلاً ووظيفة، فقال تعالى: "وَالْجِبالَ أَوْتاداً"(النبأ: 7)، وقال تعالى:"وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ"(لقمان: 10)، وقال تعالى:"وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُون"(الأنبياء: 31). والجبال أوتاد بالنسبة إلى سطح الأرض؛ فكما يختفي معظم الوتد في الأرض للتثبيت كذلك يختفي معظم الجبل في الأرض لتثبيت قشرة الأرض. وكما تثبت السفن بمراسيها التي تغوص في ماء سائل، فكذلك تثبت قشرة الأرض بمراسيها الجبلية التي تمتد جذورها في طبقة لزجة نصف سائلة تطفو عليها القشرة الأرضية. وفيما يخص الجبال فثمة حقيقة؛ وهي أنها خُلقت من أجل ترسية الأرض ومنعها من أن تميد بالناس، فهي -بجذور أوتادها المغروسة في باطن الأرض- تحفظ توازن الأرض، وتجعلها مستقرة ليستطيع البشر أن يعيشوا فوقها، وينشطوا نشاطهم، ويبنوا ما يبنون من منازل ومنشآت، ولولاها لظلت الأرض تميد بالناس وترتجّ بهم ذات اليمين وذات الشمال، فتحدث الزلازل بين الحين والحين، وبصدد تلك الرواسي جاء في سورة الرعد:"وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(الرعد: 3).
عبودية الجبال
لله
دلت النصوص الشرعية
على أن الجبال تسجد لله تعالى وتُسبح وتخشع له، وأنها ثالث الكائنات التي عُرضت عليها
الأمانة لحملها، وأنها جاءت بأفعال تدل على إدراكها، وإليك بيانَها في النصوص:
الجبال تسجد لله
تعالى:
ذلك في قوله تعالى: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ
وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ
مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ
مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ"(الحج: 18)، فهذه الآية عامة
في إثبات السجود لله تعالى من جميع الكائنات، والعطف يفيد أنها جميعاً عابدة لله تعالى،
فأما الكيفية فلا يعلمها إلا هو سبحانه. يقول ابن كثير رحمه الله عن سجود الجبال:
"وأما الجبال والشجر فسجودهما بفيء ظلالهما عن اليمين والشمائل".
القرآن تحدث عن
الجبال بما لم يتصوره باحث، أو يقف عليه دارس، إنه حديث عن عبودية هذه المخلوقات لربها
وخالقها سبحانه، وذلها -على عظمتها وصلابتها- بين يدي موجدها وبارئها
الجبال تسبح
الله تعالي:
قال تعالى:"وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ"(الأنبياء: 79) وقال تعالى:"يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ"(سبأ: 10). وقال تعالى: "إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ"(ص/18).
فالتسبيح في الآيات السابقة هو على الحقيقة، فقد جعل الله سبحانه لها إدراكاً تسبّح
به، واقترانها بالتسبيح مع داوُد عليه السلام وتسخيرها لذلك هو من باب إظهار معجزة
هذا النبي عليه السلام، وكذلك استئناساً وإعانة له على التسبيح؛ بحيث تردد معه تسبيحه
أو تسبح هي بأمره لها، فجعلها الله عز وجل مُسخَّرة لأمره عليه السلام، فالنداء في
قوله تعالى: "يا جبال" للخطاب لمن يُدرك. ونورد هنا أقوال بعض العلماء: قال
القرطبي رحمه الله: ذكر الله تعالى ما آتاه من البرهان والمعجزة؛ وهو تسبيح الجبال
معه، قال مقاتل: كان داوُد إذا ذكر الله عز وجل ذكرت الجبال معه، فكان يفقه تسبيح الجبال.
ثم قال رحمه الله: وإن ذلك تسبيح مقال على الصحيح من الأقوال، وكان عند طلوع الشمس
وعند غروبها.
الجبال تخشع لله
وتخشاه
قال تعالى:"لَوْ
أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ
خَشْيَةِ اللَّهِ"(الحشر: 21). فالله عز وجل يذكّر الناس بخشيته والخوف منه سبحانه،
وذلك باجتناب المعاصي وفعل الطاعات، فيضرب الله تعالى مثلاً بقياس الأولى؛ فالجبل مع
صلابته ومع افتراض نزول القرآن عليه فإنه يخشع لله تعالى، فالبشر مع تفضيل الله تعالى
لهم على كثير من الكائنات أولى بأن يكونوا أكثر لله تعالى خشية. يقول محمد الأمين الشنقيطي
رحمه الله: فدل هذا كله على أنه تعالى وإن لم ينزل القرآن على جبل، لو أنزله عليه لرأيته
كما قال تعالى: "خاشعاً متصدعاً من خشية الله".
و من هذا التصدع
في قوله تعالى: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ
إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا"(الأحزاب: 72). فهذا نص صريح بأن الجبال أشفقت
من حمل الأمانة، وهي أمانة التكليف بمقتضى خطاب الله تعالى لها، فإذا كانت الجبال أشفقت
لمجرد العرض عليها فكيف بها لو أنزل عليها وكلفت بها؟
إن القرآن تحدث عن الجبال بما لم يتصوره باحث، أو يقف عليه دارس، إنه حديث عن عبودية هذه المخلوقات لربها وخالقها سبحانه، وذلها -على عظمتها وصلابتها- بين يدي موجدها وبارئها، بل إنها لتندك لتجلّي ربها إعظاماً وإجلالاً وذلاً وخوفاً، كما في قصة موسى عليه السلام عندما قال: "وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ" (الأعراف: 143). وذلك أن الجبل حين كشف الغطاء ورأى النور صار مثل دك من الدكاك، وقال بعضهم: "جعله دكاً" أي: فتّته. وقال مجاهد في قوله: "ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني"، فإنه أكبر منك وأشد خلقاً، "فلما تجلى ربه للجبل" فنظر إلى الجبل لا يتمالك وأقبل الجبل فدك على أوله، ورأى موسى ما يصنع الجبل فخرّ صعقاً.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين وبعد فياعباد الله
غضبة الجبال الكونية:
فلازلنا نواصل الحديث حول حديث القرآن عن الجبال فزيادة علي ماذكرنا فإن للجبال غضبة لله
قال تعالى:"وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا"(مريم: 88-91). فكانت هذه الغضبة الكونية التي اشتركت فيها السماوات والأرض والجبال حتى تحولت إلى زلزال كبير مدمّر بمجرد سماعهم لهذه الكلمة "وقالوا اتخذ الرحمن ولداً"، وكأن الكون كله قد تحول إلى أفواه مزمجرة تقول لهؤلاء المشركين: "لقد جئتم شيئاً إدّاً"، لقد اهتزَّ كل ساكن، وارتجَّ كل مستقر، وغضب كل ما هو داخل هذا الكون غضباً شديداً لبارئه وخالقه؛ لأن هذه الكلمة صدمت كيانه وفطرته، وخالفت ما وقر في ضميره وعقله وما استقر في كيانه وحسّه، وهزت القاعدة التي قام عليها الوجود واطمأن إليها، قال تعالى: "أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا" ( مريم: 91-92).
وفي وسط هذه الثورة العارمة
تدوّي في جنبات الكون اللانهائي آيات بينات، تنزيل من حكيم حميد. قال تعالى:"إِنْ
كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ
أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا"(مريم:
93-95)
زوال الجبال وفناؤهايوم القيامة
عباد الله :" جاءت الآيات القرآنية الكريمة لتبين أن هذه الجبال يوم القيامة تكون كالصوف المنفوش، وأنها تسيّر، وأنها تُفتّت حتى تكون كالهباء المنبثّ في شعاع الشمس. قال ابن القيم عن الجبال: هذا وإنها لتعلم أن لها موعداً ويوماً تنسف فيها نسفاً، وتصير كالعهن من هوله وعظمته، فهي مشفقة من هول ذلك الموعد منتظرة له، وكانت أم الدرداء رضي الله عنها إذا سافرت فصعدت على جبل تقول لمن معها: أسمعت الجبال ما وعدها ربها؟ فيقال: ما أسمعها؟ فتقول:"وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فيذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا"(طه: 105-107).
فهذا حال الجبال وهي
الحجارة الصلبة، وهذه رقتها وخشيتها وتدكدكها من جلال ربها وعظمته، وقد أخبر عنها فاطرها
وباريها أنه لو أنزل عليها كلامه لخشعت ولتصدعت من خشية الله، فيا عجباً من مضغة لحم
أقسى من هذه الجبال، تسمع آيات الله تتلى عليها، ويُذكر الرب تبارك وتعالى؛ فلا تلين
ولا تخشع ولا تُنيب، فليس بمستنكَر على الله عز وجل ولا يخالف حكمته أن يخلق لها ناراً
تذيبها؛ إذ لم تلن بكلامه وذكره وزواجره ومواعظه، فمن لم يلن لله في هذه الدار قلبه،
ولم يُنب إليه، ولم يُذبه بحبه والبكاء من خشيته، فليتمتع قليلاً فإن أمامه الملين
الأعظم، وسيُرد إلى عالم الغيب والشهادة فيرى ويعلم.
وقال تعالى:"وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا"(الكهف: 47). إنه مشهد تشترك فيه الطبيعة ويرتسم الهول فيه على صفحاتها وعلى صفحات القلوب، إنه مشهد تتحرك فيه الجبال الراسخة فتسير، فكيف بالقلوب؟ وتتبدى فيه الأرض عارية، وتبرز فيه صفحتها مكشوفة لا نجاد فيها ولا وهاد، ولا جبال فيها ولا وديان. وكذلك تتكشف خبايا القلوب فلا تخفى منها خافية، قال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ"( الحاقة: 18).
فالجبال الراسية قد
نسفت نسفاً، وتحطمت بعد أن كانت حصوناً، وتساوت بالأرض بعد أن كانت تطاول السماء، وبعضها
يبث كما يبث الدقيق، فيكون ذرات صغيرة متطايرة. وقد قال تعالى:"وَبُسَّتِ الْجِبَالُ
بَسًّا فكانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا"( الواقعة: 5-6). إنه للهول الكبير الذي
لا يبقي ولا يذر، إنها الواقعة الكبرى التي تبدل الأرض غير الأرض، والسماوات غير السماوات،
والناس أين هم؟ قال تعالى: "يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ"( عبس: 34-37). ومن مشاهد يوم القيامة العظيمة:"يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ
مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ
سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ"( الحج:
2).
اللهم أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار