هل لخطيب الجمعة أن يناقش مسألةعقب الصلاة أويردعلي سؤال؟
تدعيم الخطبة بأدلة قوية وقاطعة من الكتاب والسنة والإجماع
الخطيب بين أمرين لاثالث لهما إذا وجه له سؤال
المناقشين لما في الخطبة من معلومات على أَضْرُبٍ ثلاثة
الحمد لله والصلاة والسلام علي
رسول الله صلي اله عليه وسلم
قضية مهمة جداً للسادة خطباء المساجد فكثيراً ما يتعرض الخطيب لأسئلة من الجماهير بعد الخطبة أو الدرس وخاصة إذا كانت القضية محل نزاع في المجتمع، وتتجاذبها أطراف شتى؛ كالحجاب والسفور، والاختلاط وعدمه، وخروج المرأة وقرارها في البيت، وقضايا الحرية والديمقراطية والانتخابات؛ فكل هذه القضايا ومثيلاتها محل نزاع بين التيارات العَلْمانية من جهة، والتيارات الإسلامية من جهة أخرى، وصوت الدعاة والعلماء فيها يكون في المساجد وعلى المنابر وعبر وسائل إعلام محدودة، وصوت العَلْمانيين فيها يكون في الصحف وأكثر المجلات والقنوات الفضائية والإذاعية، والناس يشهدون هذه المعارك الفكرية، ويعيشونها كل يوم..
وفي الحقيقة هناك عدة محاور ينبغي علي الخطيب فعلها والاستعداد لها جيداً ومنها:"
تدعيم الخطبة بأدلة قوية وقاطعة من الكتاب والسنة والإجماع
أن يدلل الخطيب علي ما يقوله عند طرح هذه القضاضا بأدلة قوية وقاطعة من الكتاب والسنة والإجماع و أن لا يكون استدلال
الخطباء على ما يرونه حقاً في تلك القضايا إلا بالأدلة الواضحة التي لا ينازع فيها
إلا مكابر؛ لأن من شأن الاستدلال بالأدلة المشتبهة أو المحتملة أو الضعيفة الدلالة
أن يقضي على قضيته في أذهان الناس، ولو جاء بالأدلة الواضحة معها؛ لما يلي:
أولاً: إن الأدلة الواضحة على المعنى
الذي يريده تفي بالمقصود، وهو يخاطب مسلمين مستسلمين - في أغلبهم - للنصوص
الشرعية، ويكفيهم منها دليل واحد واضح للقبول والانقياد عن عشرة أدلة ليست واضحة،
أو في الاستدلال بها عسف وتكلف.
ثانياً: إن الأدلة المحتملة قد تنسي
المصلين الأدلة الواضحة، وقد ينشغلون بالتفكير في مدى صحة الاستدلال بها أو
الإيرادات التي ترد عليها عن الاستماع إلى الخطيب، فيصرفهم أو بعضَهم عنه، وهو
يريد منهم الاستماع إليه.
ثالثاً: إن الخصوم يتعلقون بضعيف
الدلالة ويجعلونه أصلاً في المناقشة، فتنقل القضية من أصلها إلى مناقشة دليل محتمل
أو ضعيف، فيُحشَر الخطيب في زاوية الدفاع عن استدلاله، وتُنسى القضية الأصل،
وللمنحرفين مكرٌ كُبَّار في ذلك، وبراعة في التشويش على العوام من هذا الباب، ولا
سيما أن أكثرهم ممن إذا خاصم فجر.
وحتى لو لم تجرِ مناقشة ذلك مع الخطيب
في حينه؛ فليفترض الخطيب أن المصلين عقب الجمعة يناقشون في مجالسهم ما قاله
الخطيب، وفي الغالب نجد أن مجالس الناس تجمع التيارين أو المتعاطفين مع أحدهما،
فإذا أثبت المخاصم للناس ضعف استدلال الخطيب بدليل واحد من عشرة أدلة في قضيته
التي ساقها فإنه يكسب بذلك أمرين:
صرف نظر الناس عن موضوع الخطبة
وأدلتها الأخرى إلى هذا الدليل الضعيف أو المحتمل.
التشكيك في كل ما ذكره الخطيب من
القضايا الأخـرى، بل التشكيك فيما سيلقيه مستقبلاً، ونزع ثقة الناس فيه.
الخطيب بين أمرين لاثالث لهما إذا وجه له سؤال
الأمر الثاني :" إذا أنهى الخطيب صلاته، ثم سئل
عن معنى في آية استشهد بها، أو أورد أحد المصلين عليه إشكالاً في استدلاله، أو
دليلاً آخر ينقض ما قرره في خطبته، فلا يخلو الخطيب من حالين:
الأولـى: أن يكــون عنـده جـواب لهـذا
الإشكال، ويعلم ما قد يورد على استدلالاته من أدلة أخرى، ولديه أجوبة لها - ولا
يتأتَّى ذلك للخطيب إلا بالتحضير الجيد - فَلْيُزِلْ تلك الإشكالات، ويُجِبْ عنها
بما آتاه الله - تعالى - من علم وفقه وتحضير جيد لموضوعه.
الثانية: أن لا يكون عنده جواب لهذا الإشكال، ولا يعلم بالأدلة التي أوردت عليه، فلا يجوز له حينئذ أن يُخلِّص نفسه من هذا المأزق بالكذب، أو بنفي ما لا يعلم مع احتمال ثـبوته، ولا يَحِلُّ له أن يُصِرَّ على رأيه وهو غير متأكد مما أُورِد عليه،
مثال ذلك: لو تحدث الخطيب عن فوائد
الأمراض وما يحصل فيها من الأجر والثواب، وساق الآيات والأحاديث في فضل الصبر على
المصائب، ثم أورد ما جاء في المسند وغيره من أن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه قد
دعا على نفسه بالحمى، فلازمته حتى إن حرها ليوجد من وراء اللحاف، واستشهد الخطيب
بفعل أبي رضي الله عنه على جواز أن يدعو الإنسان على نفسه بالمرض ابتغاء الأجر،
ولا سيما أن أبيا رضي الله عنه من فقهاء الصحابة وعلمائهم.
ثم أورد معترض على الخطيب الأحاديث
التي فيها الأمر بسؤال الله تعالى العفو والعافية، والأخرى التي فيها النهي عن
الدعاء على الأنفس أو الأولاد أو الأموال، وذكر قصة الرجل الذي دعا على نفسه فزاره
النبي صلى الله عليه وسلم وقد أكله المرض، فأنكر عليه الصلاة والسلام عليه دعاءه
على نفسه، وقصته مخرجة في صحيح مسلم.
ولا شك في أن الخطيب في مثل هذه الحالة
مخطئ، ولا يحل له المكابرة والإصرار على الخطأ، وفعل أبي رضي الله عنه اجتهاد منه
يؤجر عليه إن شاء الله تعالى، ولكن لا يقضى باجتهاده رضي الله عنه على النصوص
الصحيحة الصريحة في هذا الباب، ولا يوافق عليه بحجة أنه من علماء الصحابة رضي الله
عنهم؛ لأنه وإن كان كذلك فهو غير معصوم من الخطأ، وقد تخفى عليه بعض النصوص، ولا
عصمة إلا للرسل عليهم السلام.
والواجب الشرعي، ثم الشجاعة الأدبية يقضيان على الخطيب بأن يراجع الحق، ويعترف بخطئه، وأن يشكر من تعقبه فيه، وبينه له، وأن يسعى إلى تصحيحه في خطبة تالية سواء صرح بخطئه، وذكر لهم أنه راجع عنه، وهذا أحسن.
فإن عجز عن ذلك قرر الصواب الذي يعارض
ما قرره من خطأ سابقاٍ، ويؤكد عليه مستشهداًبما علمه من أدلة كان من قبل يجهلها،
فإن نوقش عقب الصلاة بقوله السابق بين أنه اخطأ فيه، وأنه صححه في هذه الجمعة.
وقد يظن بعض الخطباء أن مثل هذا
الاعتراف يقلل من ثقة المصلين في الخطيب، وهذا ظن خاطئ، بل الاعتراف بالخطأ يزيد
من طمأنينة المصلين وثقتهم في خطيبهم؛ لأنهم سيتيقنون أو يغلب على ظنهم أن ما لم
يعتذر خطيبهم عنه فهو صحيح، فهو قد عودهم على الاعتذار مما يخطيء فيه.
المناقشين لما في الخطبة من
معلومات على أَضْرُبٍ ثلاثة
الأول: أهـل العـلم والفـقه والفضـل
ممن يـوقن الخطيب أو يغلب على ظـنه صـوابـهـم وخـطـؤه، وهـؤلاء يجب عليه أن يخـضـع
لهـم، ويستفيد من علمهم، ويشكرهم على تعقُّباتهم له.
الثاني: المسترشدون، وهم غالباً ناصحون
محبون للخير، متأثرون بالخطبة، ويريدون التطبيق والعمل، فيسألون عن بعض التفصيلات،
أو انقدحت عندهم إشكالات مما ذكره الخطيب؛ لوجود مقررات سابقة لديهم، أو نصوص
تعارض ما قاله خطيبهم.
وهؤلاء يجب على الخطيب العناية بهم،
والتلطف معهم، وإزالة ما لديهم من إشكالات، فإن قدر الخطيب على ذلك ساعة سؤاله
فذاك، وإلا طلب منهم إمهاله حتى يبحث مسائلهم فيجيبهم عنها، وبحثه لها يفيده هو
أكثر مما يفيدهم هم.
الثالث: المكابرون المتصيدون، وهم
غالباً لا يكونون على وفاق مع منهج الخطيب وأفكاره، أو في قلوبهم ضغينة عليه، أو
حسد له، فيريدون إسقاطه وإحراجه.
وأرى في تعامل الخطيب مع هؤلاء أن
يدرأهم عنه قدر الإمكان، ويداريهم في الحق ما استطاع، ويجتنب جدالهم ومناقشتهم؛
لأنهم ليسوا طلاب حق، والمجادلة معهم تحقق غرضهم، وقد تصل بالخطيب إلى حد المماراة
التي نهي عنها، والإعراض عنهم خير من مواجهتهم.
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم