الصحة
الإنجابية بين حق الوالدين وحق الطفل
الإسلام
وتنظيم الأسرة
ثمرات الزواج الولد الصالح
هل الولد حق الوالدين أم حق الأمة وأراء الفقهاء في ذلك ؟
الولد نعمة وكثرة الإنجاب نقمة وأزمة صحية واقتصادية
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لاإله إلاالله
وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله اللهم صلاة وسلاماً عليك
ياسيدي يارسول الله وبعد
أخوة الإيمان والإسلام :
في هذه الآية حثنا الله سبحانه
وتعالى على العمل بطاعته واتقاء معصيته وأن نأمر أولادنا بامتثال الأوامر واجتناب
النواهي فذلك وقاية للآباء والأبناء من نار وقودها الناس والحجارة.
عباد الله:" إن أول لبنة يرسو عليها قيام أمة هي الأسرة، ولابد لهذه اللبنات التي تكون الأمة أن تكون مرتبطة بعضها ببعض، إن الأمة لا تقوى إلا بقوة لبناتها، فكلما كانت اللبنات قوية ذات تماسك ومناعة كانت الأمة المكونة منها قوة وذات تماسك ومناعة، والعكس صحيح.
من أجل
هذا كان لزاماً علي كل مصلح أن يعمل على تقوية الأسرة، ولن يتأتى ذلك إلا إذا نظرنا
إلى المبادئ التي يشيد عليها صرح الأسرة حتي تؤتي ثمارها ومن تلك الثمرات"
ثمرات الزواج الولد الصالح
عباد الله :" لاشك
أن الهدف الأول الذي يسعى إليه الآباء هو ابتغاء الولد، فهو الذي يخلد ذكرهما في
هذه الحياة.
فمن من الناس لا يرغب في أن يرى اسمه يمتد عبرالعصور بفضل نسله المنسوب إليه؟ لقد ولدت هذه الرغبة مع الإنسان منذ أقدم
العصور، فرغب أن يرزق بالأولاد، وتمنى أن يكونوا صالحين مصلحين.
فهذا نوح عليه السلام يسأل الحق سبحانه وتعالى النجاة لابنه فلذة كبده، يقول الله على لسانه."وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ"(هود/45).
لكن لما أخبره الله أن حكم الإنفاق في الدين أقوى من حكم النسب تركه لمصيره المشؤوم، وهو الغرق.
وهذا إبراهيم عليه السلام يدعو ربه أن يرزقه الولد الصالح فيقول:"رَبِّ هَبْ لي مِنَ الصَّالِحينَ فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَليمٍ"(الشعراء/101).
هل الولد حق الوالدين أم حق الأمة ؟
عباد الله:" سؤال مهم يطرح نفسه الولد حق الوالدين أم الأمة ؟
ونقول : إن الأولاد بالنسبة للناس جميعاً قرة العين كما ورد ذلك في سورة الفرقان "وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا"(الفرقان/74).
فإذا كان الولد قرةعين الوالدين معاً فإنه إذن حق مشترك بينهما، وبما أن الأسرة التي أنجبت الولد هي خلية من الخلايا المكونة للأمة، فإن الولد حق مشترك بين الأمة والوالدين، إلا أن حق الوالدين -بطبيعة الحال- أقوى.
ورغم أن هذه النقطة لم تثر بشكل صريح ومستقل عند الفقهاء، فإن الباحث
المدقق يستطيع أن يستنتج من تحليل آرائهم في المسألة أنهم لم يغفلوا تماما الخوض
حولها، بل نظروا فيها، وإننا لنستطيع نحن الآن أن نستشف من هذه النظرة الخفية رأي
كل فريق منهم في المسألة.
الرأي الأول: رأي الإمام الغزالي ومن وافقه.
يري الإمام الغزالي أن الولد حق للوالد وحده، فله إن شاء أن يحصله، وله إن شاء ألا يحصله.
ومن هنا استنتج أن منع الولد مباح ولا كراهة فيه. واستند الإمام الغزالي ومن ذهب مذهبه في قولهم بإباحة منع الولد من طرف الوالد كحق من حقوقه، إلى كون الوالد، عند هؤلاء بحق له ترك الزواج أصلاً أو ترك المخالطة الجنسية، فإذا كان هذا حقاً له فإن ما يترتب عنه وهو الإنجاب حق من حقوقه كذلك.
هذا هو
رأي الغزالي ومن سار على رأيه في منع الحمل بقطع النظر عن البواعث التي تدفع
إليه.
لكن إن
نظرنا إلى البواعث تغير الأمر عنده، فإن كان الباعث الذي يحمل الرجل على منع الحمل
هو الاستبقاء على جمال زوجته ونضرتها فليس عليه في هذا المنع شيء، لأن هذا الباعث
ليس منهياً عنه ولا مكروهاً، فلا يؤثر في حكم الإباحة كما لا يؤثر فيه الخوف من كثرة
الحرج بسبب كثرة الأولاد.
لكن إن كان الباعث منهياً عنه كخوفه من إنجاب الإناث كما كانت عادة القدماء فإن منع الولد في هذه الحال منهي عنه اعتماداً على قوله تعالى:"وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ"(النحل/58-59).
ولقد اعترض على رأي الغزالي هذا بقول رسول الله صلي الله عليه وسلم :"من ترك التزويج خوف العيلة فليس منا"(الديلمي والدارمي وأبوداود )>
لكن الغزالي رد عليهم بقوله: "إن كلمة ليس منا، في الحديث الشريف معناها:
ليس على سنتنا ولا على طريقتنا، فسنتنا هي الأكمل، أي إن مانع الحمل ليس سنياً،
لأنه خائف ما هو أكمل وأمثل، وهذا لا يعطي الكراهة والمنع، إلا أن فقهاء آخرين
ردوا على الإمام الغزالي بقول ابن عباس رضي الله عنهما قال: "العزل هو الولد
الأصغر".
رد
الإمام الغزالي رحمه الله على من اعترض عليه بقول ابن عباس، فقال: هذا قياس من ابن
عباس، قاس منع الحمل على قتل الطفل، وهو قياس ضعيف أنكره عليه علي رضي الله عنه
الذي رد: "لا تكون موؤودة إلا بعد سبعة أطوار" لقوله تعالى:"
ٱلۡإِنسَٰنَ مِن سُلَٰلَةٖ مِّن طِينٖ ثُمَّ جَعَلۡنَٰهُ نُطۡفَةٗ فِي قَرَارٖ مَّكِينٖ ثُمَّ خَلَقۡنَا ٱلنُّطۡفَةَ عَلَقَةٗ فَخَلَقۡنَا
ٱلۡعَلَقَةَ مُضۡغَةٗ فَخَلَقۡنَا ٱلۡمُضۡغَةَ عِظَٰمٗا فَكَسَوۡنَا ٱلۡعِظَٰمَ لَحۡمٗا ثُمَّ أَنشَأۡنَٰهُ خَلۡقًا ءَاخَرَۚ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ
أَحۡسَنُ ٱلۡخَٰلِقِينَ"(12-14).
الرأي الثاني: رأي الأحناف.
إن
الأحناف يرون أن الولد حق مشترك بين الزوج وزوجته، من هنا يجوزون منع الحمل، إلا
إذا عارضت في ذلك الزوجة، لأنه حث مشترك بينها وبين زوجته، ويرون تبعا لذلك أن على
الزوج ألا يعزل عن زوجته إلا بإذنها، هذا هو أصل مذهبهم الذي عليه الجم الفقير
منهم. لكن المتأخرين منهم أفتوا بجواز المنع من أحد الزوجين ولو بغير رضى الآخر
إذا خيف على الولد السوء لفساد الزمان، هذا موقف يقفونه انطلاقا من قاعدة: "تغير
الأحكام بتغير الزمان"
الرأي الثالث:
الذين يذهبون إلى أن منع الولد مكروه، لأن الأمة لها هي كذلك حق
فيه، يتعلق هؤلاء بما يرى عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم، هؤلاء
الصحابة الكرام يرون أن منع الحمل تقليل للنسل وهو مكروه شرعا، لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم "تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة حتى بالسقط" ولقوله :"سوداء ولود خير من حسناء لا تلد"(ابن حبان)هذا رأي في منع الولد من جهة حق الأمة.أما من
جهة حق الزوجين فأفتوا بالحرمة إذا عزل الرجل بغير رضى زوجته، ولكنهم يجيزونه إذا
دعت إليه حالة خاصة ومقبولة في نظر الشرع، كان يكون الزوجان في سفر طويل أو في أرض
غير آمنة.
والغريب
في الأمر أن هذا الرأي الأخير اجتمع عليه بعض علماء الحنابلة كـ: «موفق الدين بن
قدامة الحنبلي المتوفى سنة 630هـ وبعض علماء الشافعية المرموقين كالنووي الشافعي
المتوفى سنة 676هـ الذي اتخذ موقفا صارما في المسألة، قال وهو بصدد شرح لفظة
«الغزل» الواردة في الحديث الشريف الذي يرويه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن
رسول الله قال الإمام النووي: والعزل مكروه عندنا في كل حال وكل امرأة،
سواء رضيا أم لا، لأنه طريق إلى قطع النسل، ولهذا جاءت تسميته في الحديث: "الوأد
الخفي" لأنه قطع طريق الولادة كما يقتل المولود بالوأد».
الرأي الرابع:حرموا منع الولد مطلقاً
ينسب
هذا الرأي إلى ابن حزم الظاهري المتوفى سنة 456هـ وهو رأي لجماعة من الفقهاء، منهم
الإمام المحدث ابن حبان صاحب الصحيح المتوفى سنة 134هـ.هؤلاء يحرمون منع الولد
مطلقاً مغلبين حق الأمة في الولد على حق الوالدين، وهم يرون أن في العزل قطع النسل
المطلوب شرعا من الزواج.
الأمة والوالدان شركاء في صحة الولد
عباد الله :" العناية بالأطفال صحياً ونفسياً وتربوياً مسؤلية الجميع عن عبد الله بن عمر
رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ
بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ،
وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"
(متفق عليه).
وإذا كنا نتحدث عن الصحة الإنجابية فهي العناية بالنسل وفق ضوابط شرعية ويكون ذلك منذ اختيار الزوج والزوجة والكفاءة بينهما صحياً واجتماعياً وعرفت منظمة الصحة العالمية الصحة الإنجابية بأنها حالة من الكمال البدني والنفسي والإجتماعي والعافية وليست مجرد الخلو من المرض والعجز "
وهو ماحرص عليه الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان فحث علي سلامة الإنجاب وقوة النسل فقال تعالي :"وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ"(الأنعام:165).
وقدوردت بعض الروايات لم تصل لدرجة الصحة أن يحرص الانسان علي عدم الزواج من الأقارب حتي لايضعف النسل و ذكر بعض العلماء استحباب أن تكون الزوجة من غير الأقارب .قال الغزالي رحمه الله :"أن لا تكون من القرابة القريبة ، فإن ذلك يقلل الشهوة ..." انتهى من "إحياء علوم الدين" (2/41) .
وقال
ابن قدامة رحمه الله :
"يختار الأجنبية , فإن ولدها أنجب , ولهذا يقال : اغتربوا لا تضووا يعني : انكحوا الغرائب كي لا تضعف أولادكم ، وقال بعضهم : الغرائب أنجب , وبنات العم أصبر ; ولأنه لا تؤمن العداوة في النكاح , وإفضاؤه إلى الطلاق , فإذا كان في قرابته أفضى إلى قطيعة الرحم المأمور بصلتها" انتهى من "المغني" (7/83).
نكاح الأكفاء
وقد نبه النبي صلي الله عليه وسلم إلي أن الناس معادن في الخير والشر وهذا المعدن وهذه الطباع تنتقل إلي الأولاد وراثة كما تنتقل الأمراض الجسدية فعن عائشة رضي الله عنها عن النب صلي الله عليه وسلم قال :" تخيَّروا لنُطَفِكم ، فانكِحوا الأكفاءَ و أَنكِحوا إليهم" (ابن ماجه والحاكم ،والبيهقي).
فاختيارُ
الزَّوجةِ الصَّالحةِ والزَّوجِ الصالِحِ مِن أهمِّ الأُمورِ في الحَياةِ،
والكَفاءَةُ في الزَّواجِ ومُراعاةُ فُروقِ الاخْتلافِ بين الناسِ أَمْرٌ
مَطْلوبٌ، ويُعينُ على اسْتِقْرارِ البُيوتِ.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين وبعد فياعباد الله :"
أمَّا الولد، فالأصل فيه أنَّه نِعمة من الله ومَوهبة وكرامة، قال الله تعالى:" وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً "(النحل: 72).
وقال:" يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ"(الشورى: 49)، فامتَنَّ علينا بأنْ أخرج من أصلابنا أمثالَنا، وأخبر أنَّ الأنثى من الأولاد مَوهبة وعطيَّة كالذَّكَر منهم.
ثمَّ قال: فكلُّ مَن وُلد له من المسلمين ولدٌ ذَكر أو أُنثى، فعليه أن يَحمد اللهَ جلَّ ثناؤه على أن أخرَج من صلبه نسمةً مثله تُدعى له، وتُنسب إليه، فيعبد الله لعبادته، ويكثر به في الأرض أهل طاعته..
الولد نعمة وكثرة الإنجاب نقمة وأزمة صحية
عباد الله :" كثرة إنجاب الأبناء بدون وجود أي فوارق زمنية بينهم يؤدي لإصابة الأم بالكثير من الأمراض مثل: هبوط الرحم، الأنيميا الحادة، شحوب الجلد، احتمالات الإصابة بأمراض السكر وارتفاع ضغط الدم ..وغيرها من الأمراض لذلك حرص الإسلام علي :"
وجاءَ
رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ، فقالَ :"إنِّي أصَبتُ امرأةً
ذاتَ حسبٍ وجمالٍ ، وإنَّها لا تلِدُ ، أفأتزوَّجُها ، قالَ :" لا ثمَّ أتاهُ
الثَّانيةَ فنَهاهُ ، ثمَّ أتاهُ الثَّالثةَ ، فقالَ : تزوَّجوا الوَدودَ الولودَ
فإنِّي مُكاثرٌ بِكُمُ الأُممَ"(أبو داودواللفظ له، والنسائي).
ومع ذلك دعي إلي تنظيم النسل بعدة طرق منها :"
أولاً: "العزل"
روى الإمام مسلم بسند طويل، نستخلص منه أن رجلا سأل أبا سعيد الخدري فقال: "يا أبا سعيد، هل سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يذكر العزل؟ فقال: نعم، غزونا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم غزوة بني المصطلق فسبينا كرام العرب فطالت علينا، العزبة ورغبنا في الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل، فقلنا: نفعل ورسول صلي الله عليه وسلم بين أظهرنا؟ لا، نسأله: فسألنا رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال:"لا عليكم أن لا تفعلوا"(مسلم).
معناه ما عليكم الضرر في ترك العزل، لأن كل نفس قدر الله خلقها لابد أن يخلقها سواء عزائم أم لا، وما لم يقدر خلقها لا يقع سواء عزائم أم لا، فلا فائدة في عزلكم، فإنه إن كان الله قدر خلقها سبقكم الماء فلا ينفع حرصكم في منع الخلق.
وعن جابر أن رجلا أتى رسول الله فقال: "إن لي جارية هي خادمنا وسانيتنا، وأنا أطوف عليها، وأنا أكره أن تحمل. فقال: " إعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها"، فلبث الجلل ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حبلت فقال: "قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها"(مسلم)..
والعزل
ليس من حق الرجل وحده بل لابد أن تأذن الزوجة في ذلك.
جاء في
مسند أحمد، وسنن ابن ماجة من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها"(أحمد)
فهذه أحاديث صريحة في جواز العزل، وقد رويت الرخصة فيه عن عشرة من الصحابة: علي، وسعيد بن أبي وقاص، وأبي أيوب، وزيد بن ثابت، وجابر، وابن عباس، والحسن بن علي، وخباب بن الأرت، وأني سعيد الخدري، وابن مسعود رضي الله عنهم.
منع الحمل أثناء الرضاع
مع أن الإسلام دعي إلي تكثير النسل كما ذكرنا ولكن دعا الي تباعد فترات الحمل فنجد القرأن الكريم يحدد مدة الحمل والرضاع بثلاثين شهراً قال تعالى :"وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَـٰلُهُۥ ثَلَـٰثُونَ شَهۡرًاۚ"(الأحقاف/15).
فإن
معنى الآية أن مجموع مدة الحمل والرضاع ثلاثون شهراً، سنتان منها هي مدة الرضاع
الكامل، لقوله تعالى: "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ
كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ"(البقرة:233).
يبقى
من الثلاثين شهراً ستة أشهر، وهي أقل أمد الحمل الذي يعيش معه المولود.
وجاء في الحديث الشريف: أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تقتلوا أولادكم سرا، فوالذي نفسي بيده إن الغيل ليدرك الفارس فيدعثره عن فرسه "(صحيح الجامع).
لا تقتلوا أولادكم سرا، فوالذي نفسي بيده إن الغيل ليدرك الفارس على ظهر فرسه حتى يصرعه ـلما علم من الضرر الذي قد لا يظهر إلا بعد الكبر، وقال ابن القيم: أشكل الجمع بين هذه الأحاديث على غير واحد من أهل العلم فقالت طائفة قوله: لقد هممت أن أنهى عن الغيل ـ أي أحرمه وأمنع منه، فلا تنافي بين هذا وبين قوله في الحديث الآخر: ولا تقتلوا أولادكم سرا ـ فإن هذا النهي كالمشورة عليهم والإرشاد لهم إلى ترك ما يضعف الولد ويقتله، قالوا: والدليل عليه أن المرأة المرضع إذا باشرها الرجل حرك منها دم الطمث وأهاجه للخروج فلا يبقى اللبن حينئذ على اعتداله وطيب رائحته، وربما حبلت الموطوءة فكان ذلك من شر الأمور وأضرها على الرضيع المغتذي بلبنها، وذلك أن جيد الدم حينئذ ينصرف في تغذية الجنين الذي في الرحم فينفذ في غذائه، فإن الجنين لما كان ما يناله ويجتذبه مما لا يحتاج إليه ملائما له، لأنه متصل بأمه اتصال الغرس بالأرض وهو غير مفارق لها ليلا ولا نهارا، وكذلك ينقص دم الحامل ويصير رديئا فيصير اللبن المجتمع في ثديها يسيرا رديئا، فمتى حملت المرضع فمن تمام تدبير الطفل أن يمنع منها فإنه متى شرب من ذلك اللبن الرديء قتله أو أثر في ضعفه تأثيرا يجده في كبره فيدعثره عن فرسه، فهذا وجه المشورة عليهم والإرشاد إلى تركه ولم يحرمه عليهم، فإن هذا لا يقع دائما لكل مولود وإن عرض لبعض الأطفال، فأكثر الناس يجامعون نساءهم وهن يرضعن ولو كان هذا الضرر لازما لكل مولود لاشترك فيه أكثر الناس، وهاتان الأمتان الكبيرتان فارس والروم تفعله ولا يعم ضرره أولادهم. وعلى كل حال، فالأحوط إذا حبلت المرضع أن يمنع منها الطفل ويلتمس مرضعا غيرها. والله أعلم. اهـ..
التأثير
الاقتصادي
كثرة
الإنجاب دون وعي ومسئولية لا تؤثر بالسلب فقط على الوضع الاقتصادي للدولة وإنما
تؤثر سلبًا على المستوى الاقتصادي للأسرة التي تتكبد الكثير من النفقات في مختلف
الجوانب من الإنفاق على الرعاية الصحية إلى الحاجات الأساسية من ملبس وطعام وشراب
وصولاً إلى الإنفاق على التعليم وغيره.وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول
اللهم أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة خسنة وقنا عذاب النار