recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة الإيجابية من منظور إسلامي لفضيلة الشيخ عبدالناصربليح

 


الإيجابية من منظور إسلامي

 معني الإيجابية والفرق بينها وبين السلبيية ؟

 القرآن يدعو إلى الإيجابية وينهى عن السلبية

من مظاهر الإيجابية في الإسلام

الإيجابية في السنة النبوية المطهرة


تحميل الخطبة pdf

تحميل الخطبة word

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله اللهم صلاة وسلاما عليك يا رسول الله وعلى الك وصحبك وسلم تسليما كثيراً

 اما بعد فيا عباد الله يقول الله تعالى:"وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (آل عمران/ 139).

عباد الله :"إذا كنا نتحدث اليوم عن الإيجابية فهذه الآية تحثّ المؤمن على السلوك الإيجابي في عدم الوهن وعدم الحزن،وتحثه علي التمسك بالعلو والبعد ن الدونية والسلبية والتقهقر والانهزامية..

 وقبل الحديث عن ذلك لابد أن نعرف 

أولاً معني الإيجابية والفرق بينها وبين السلبيية ؟

الإيجابية حالةٌ في النفس تجعل صاحبها مهمومًا بأمر ما، ويرى أنه مسئول عنه تجاه الآخرين، ولا يألو جهدًا في العمل له والسعي من أجله.

والإيجابية تحمل معاني التجاوب، والتفاعل، والعطاء، والشخص الإيجابي: هو الفرد، الحي، المتحرك، المتفاعل مع الوسط الذي يعيش فيه، 

والسلبية: تحمل معاني التقوقع، والانزواء، والبلادة، والانغلاق، والكسل.

والشخص السلبي: هو الفرد البليد، الذي يدور حول نفسه، لا تتجاوز اهتماماته أرنبة أنفه، ولا يمد يده إلى الآخرين، ولا يخطو إلى الأمام.

والمجتمع السلبي الذي يعيش فيه كل فرد لنفسه على حساب الآخرين مجتمع زائل لا محالة، كما أن المجتمع الإيجابي مجتمع راقٍ عالٍ لا شك.

عباد الله :" والفرق بين السلبي والإيجابي:

إنه الفرق بين الليل والنهار.. الجماد والكائن الحي.. الفرق بين الوجود والعدم. والدليل على هذا قوله تعالى "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَم لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ "(النحل:76). لقد سمى الله السلبي في هذه الآية " كّلاً" والإيجابي بـ " يأمر بالعدل".. "كلّ" أصعب من سلبي. لأن سلبي معناها غير فعال أما كلّ فمعناها الثقيل الكسول وقبل هذا فهو "أبكم" لا يتكلم ولا يرتفع له صوت.

مِن هنا نُعرِّف الرجل الإيجابيَّ بأنه رجل لا يهدأ له بال، ولا تَنطفِئ له جَذوة، ولا يكلُّ ولا يملُّ؛ حتى يُحقِّق هدفه الذي يَسعى إليه وغايتَه المنشودة.

قال الشاعر:

أحزانُ قَلبي لا تَزولْ

                        حتَّى أُبشَّر بالقَبولْ

وأرى كتابي باليمينْ

                          وتقرَّ عَيْني بالرَّسولْ

 القرآن يدعو إلى الإيجابية وينهى عن السلبية

عباد الله :" القرآن الكريم جاء ليغرس الفضائل في نفوس المؤمنين ويشحذ الهمم إلى معالي الأمور وينهى عن السلبية وعن سفاسف الأمور ومن أوضح المظاهر ظاهرة الإيجابية وإليكم أيها الأحباب أحباب رسول الله بعض تلك المظاهر

إيجابية التعاون على البر والتقوى: قال تعالى:" وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ"(المائدة: 2).

فهو يدعو إلى أن يكون المجتمع مجتمع مثالي يتعاون الجميع في رقية والنهوض به ولا يكون ذلك إلا بالبر والتقوى.

 إيجابية التفاعل الاجتماعي وأن يكون المسلم عضوا فعالا في بيئته فهو يتحسس الفقراء والمساكين ويحنو على اليتامى والأرامل.

وهو يصلح بين أفراد المجتمع ويزيل الشحناء والبغضاء. ويعمل علي الصلح وفقاً للمدرسة الإسلامية في التربية، يعد خيرا يقول تعالى:"فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ "(الأنفال:1).

وهو يجود بماله ووقته من اجل ان يعيش غيره في سعادة وهناء.

قال تعالى:"لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا "(النساء: 114).

ومن أقوى المشاعر الإيجابية أن المسلم يتربى على الإيمان بأن المسلمين جميعاً إخوانه يقول تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (الحجرات: 10).

 عباد الله :" ومن مظاهر الإيجابية في الإسلام التفاؤل:"

 والتفاؤل  يزيد من مقاومة الجسم للأمراض ويمنح الإنسان السعادة في حياته. وهذا سلوك نبوي رائع، وعلى سبيل المثال هناك قاعدة إلهية رائعة للتعامل مع المصاعب والمشاكل اليومية، وحيث يعجز الطب النفسي عن إعطاء الرضا بالواقع نجد القرآن يمنحنا هذا الرضا، يقول تعالى:"وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ"(البقرة/ 216).

فلو طبقنا هذه الآية زالت جميع المشاكل والهموم وما تسببه من قلق وخوف، لأنّ المؤمن يرضى بقضاء الله ولو كان الظاهر أن فيه الشر والسوء، ولكن الخير قد يكون بعد ذلك، فينتظر المؤمن هذا الخير فيكون قد حقق التفاؤل المطلوب وابتعد عن الحزن، وهذا علاج ناجع للقلق.

إنّ المؤمن لا يخشى الشيخوخة، يقول العلماء إن إحساس الإنسان بالوهن يضعف من جهاز المناعة لديه، كذلك شعور الإنسان بالحزن الدائم يسبب له الاضطرابات النفسية المختلفة..   بل يحب لقاء الله، ولذلك قال تعالى:"مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (العنكبوت/ 5).

والمؤمن يكون سعيداً لحظة الموت فلا يخاف ولا يحزن، يقول تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ"(فصّلت/ 30).

 وتأملوا  كم تحوي هذه الآيات من رسائل إيجابية للمؤمن تجعله يعيش فرحاً سعيداً، فلا يحزن ولا يخاف وبالتالي إنّ هذه الآيات تعالج القلق حيث تفشل وسائل علم النفس..

إنّها آية مفعمة بالرحمة، ومليئة بالتفاؤل وعدم اليأس، وهذا يذكرني بقصة سيدنا يعقوب بعدما فقد ابنيه يوسف وأخاه، فلم ييأس من رحمة الله، وانظروا كيف خاطب أبناءه:" يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" (يوسف/ 87).

 انظروا كيف اعتبر القرآن أنّ اليأس هو كفر بالله تعالى!! لماذا؟ ليعطينا رسالة قوية بأنّ اليأس من رحمة الله محرم في الإسلام، وهذا ما مارسه المسلمون الأوائل فمنحهم القوة وفتحوا به الدنيا! كما أن تأثير التعامل الإيجابي مع التقدم في السن يكون أوضح من عوامل أخرى كالحفاظ على خفة الوزن والامتناع عن التدخين وممارسة التمارين الرياضية ..

 ومن مظاهر الإيجابية:التفكير الإيجابي أهم وأكثر فاعلية في علاج الأمراض من العلاج الطبي! بل إنّ أطباء الدنيا فشلوا في منح الأمل أو السعادة لإنسان أشرف على الموت، ولكن تعاليم القرآن تمنحنا هذه السعادة مهما  كانت الظروف. وانظروا معي إلى الحبيب الأعظم (ص) وهو على فراش الموت، ماذا فعل؟ هل حزن؟ هل كان يائساً؟ هل كان قلقاً أو مكتئباً أو خائفاً؟ أبداً. لقد قالت ابنته فاطمة (سلام الله عليها): (وا كرباه) فقال لها (لا كرب على أبيك بعد اليوم)!! انظروا إلى هذا التفاؤل، النبي لحظة الموت كان سعيداً وفرحاً بلقاء ربه، فماذا عنا نحن، هل نقتدي بهذا الرسول الرحيم؟

 ومن مظاهر الإيجابية:التعامل مع الواقع برضا نفس وقناعة

وذلك يجعل الإنسان أكثر سعادة، والإنسان الذي يتذمر ولا يرضى بما قسم له من الرزق نجده أكثر تعاسة ويكون نظامه المناعي ضعيفاً. وهذا يفسر لماذا التفكير بالأمراض والخوف والحزن والتفكير السلبي، كلّ ذلك يزيد من احتمال الإصابة بالأمراض المزمنة! فقد كان النبيّ  صلي الله عليه وسلم  أكثر الناس تفاؤلاً برحمة الله، وكان يحضّنا على التفاؤل والرضا وكان يقول: "رضيت بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبالقرآن إماماً" فمن قالها  كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة! إنّ كلّ ما سبق تلخصه لنا آية عظيمة خاطب بها الله نبيّه ليعلمنا  كيف نسلك سلوكاً إيجابياً في حياتنا، يقول تعالى:"وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ"(النحل/ 127).

ومن مظاهر الإيجابية:الصبر وعدم الحزن وعدم التذمر والضيق، كلّ هذا له نتيجة ولكل ما هي؟ هذا ما نجد الجواب عنه في الآية التالية:"إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ"(النحل/ 128). 

فهل هناك أجمل من أن يكون الله معك دائماً؟ومن مظاهر الإيجابية في القرأن ان يعمل المسلم ولا يكون كلا على غيره فالإسلام يدعونا للنشاط والحيوية وحب العمل يقول تعالى:" فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"(الجمعة:10). 

وفي هذا المعنى الكريم يقول رسولنا العظيم:"لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه"(البخاري)

ومن مظاهر الإيجابية: محاربة الفساد بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر:"كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ"(آل عمران: 110).

 قصص القرأن عن الإيجابية:

عباد الله :" والقصص القرآني مليء بالقصص فهو يقص علينا أحسن القصص في الإيجابية.

إيجابية النملة:

النملة رغم أنها كائن ضعيف لا يأبه به الإنسان إلا أن المك الديان سمى سورة في القران الكريم باسمه و أورد إلينا قصة النملة مع نبي الله سليمان عليه السلام- و الهدف من القصة أن يتعلم المسلم و المسلمة دراسا عظيما ألا وهو الإيجابية و المشاركة الفاعلة في الأمن و سلامة الأخرين قال الله تعالى:" وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ  حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ  فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ َ... "(النمل:17-19).

فها هو سليمان –عليه السلام – ينطلق بجيشه العرمرم الذي يشمل الإنس والجن و الطير وهو يسيرون في صفوف منتظمة وفجأة رات النملة هذا الجيش الجرار فلم يكن حالها كما يقول البعض في المثال "اذا جاءك الطوفان ضع ولدك تحت رجليك"

كلا وإنما وقفت ثابتة لم تخش على نفسها و إنما تذكر أبناء جنسها وأرادت لهم النجاة قبلها.ولقد كانت هذه النملة على درجة عالية من البلاغة، استمعوا معي لقولها تجدونه يتضمن التالي:

1- يا أيها النمل: نداء.

2- ادخلوا: أمر.

3- لا يحطمنكم: نهي.

4- سليمان: خصصت.

5- جنوده: عممت.

6- وهم لا يشعرون: اعتذرت عنهم، أي عن غير قصد منهم؛ فهذه ليست أخلاق جيش سليمان، فجيش الحق والخير لا يقتل حتى النمل، والمؤمن لا يؤذي حتى النمل.

ولهذا تبسم سليمان من قولها؛ لأنه تضمن إيجابية، والاعتذار عن الجيش. ثم شكر الله على أن وهبه القدرة على سماع ذبذبات صوت النمل.

أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين وبعد فقد تحدثنا عن الإيجابية في القرآن الكريم وإذا نظرنا إلي الإيجابية في السنة المطهرة نجد أن الرسول قد ضرب لنا أروع الأمثلة في الإيجابية 

الإيجابية في السنة النبوية المطهرة

ومن أروع مظاهر الإيجابية في حياة خير البرية -صلى الله عليه وسلم- تلك الصورة التي تنقلها لنا السيدة خديجة –رضي الله عنها- عند قالت واصفة النبي  صلى الله عليه وسلم- عن عائشة رضي الله عنها- " فرجع بها ترجف بوادره، حتى دخل صلى الله عليه وسلم على خديجة رضي الله عنها، فقال: " زملوني زملوني " فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال صلى الله عليه وسلم: " يا خديجة، ما لي " فأخبرها الخبر، وقال:" قد خشيت على نفسي " فقالت له صلى الله عليه وسلم: كلا أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق"(البخاري).

إيجابية الرسول في تطلعه للمستقبل..

لما اشتد الأذى على رسول الله بعد وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنها خرج  إلى الطائف فدعا قبائل ثقيف إلى الإسلام فلم يجد منهم إلا العناد والسخرية والأذى ورموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه فقرر الرجوع إلى مكة.

قال : { انطلقت – يعني من الطائف – وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب – ميقات أهل نجد – فرفعت رأسي فإذا سحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك وقد أرسل لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم.

ثم ناداني ملك الجبال قد بعثني إليك ربك لتأمرني بما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين – جبلان بمكة – فقال رسول الله : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً"(متفق عليه).

وقد وقع الأمر كما تمناه النبي وخرج من صلب فرعون الأمة أبي جهل عكرمة رضى الله عنه ، وخرج من صلب الوليد بن المغيرة المبشر بالنار في سورة المدثر سيف الله المسلول خالد بن الوليد .

وهكذا المسلم يرى الأمل دائما غير منقطع وينظر إلى الواقع وإن اشتد عليه بايجابية وتفاؤل .وفي الحديث الصحيح:"من قال هلك الناس فهو أهلكهم "(مسلم).

(فهو أهلكهم )أي أشدهم هلاكاً ،في هذا الحديث يبين صلى الله عليه وسلم عظم من قال في الناس أنهم هلكى، لأن في ذلك حكم على عموم الناس بالهلاك وهو أمر غيبي لا يستطيع أحد الاطلاع عليه إلا بالوحي، والوحي قد انقطع من السماء.

حض الرسول-صلى الله عليه وسلم  على الاختلاط بالناس وحضور جمعهم ومجالس الذكر وزيارة المريض وحضور الجنائز ومؤاساة المحتاج وإرشاد الجاهل.

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من السلبية والخمول والكسل والاتكالية واتباع عوام الناس في الخير والشر في الصالح والطالح فقال :" عَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ. وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا"(التِّرْمِذِيُّ).

وطن نفسك أن يكون لك رأى وحدك وموقف وحدك ومنطق وحدك واتجاه وحدك وكلام وحدك بغض النظر وافق ذلك راى الناس ومواقفهم واتجاههم أم لا .

كما أن الأحاديث النبوية تحثنا على هذه القيمة العظيمة، فيقول- صلى الله عليه وسلم " إذَا قَامَتْ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا"

"فَسِيلَةٌ" أي نخلة صغيرة. " فإن استطاع أن لا يقوم"من محله أي الذي هو جالس فيه. " حتى يغرسها فليغرسها" مبالغة في الحث على فعل الخير كغرس الأشجار فكما غرس لك غيرك فانتفعت به فاغرس لمن يجيء بعدك لينتفع وإن لم يبق من الدنيا إلا القليل.

وحكي أن كسرى خرج يوماً يتصيد فوجد شيخاً كبيراً يغرس شجر الزيتون فوقف عليه وقال له: يا هذا أنت شيخ هرم والزيتون لا يثمر إلا بعد ثلاثين سنة فلم تغرسه؟ فقال: أيها الملك زرع لنا من قبلنا فأكلنا فنحن نزرع لمن بعدنا فيأكل.

قدم رجل من أراش (اسم قبيلة) بإبل له بمكة, فابتاعها منه أبو جهل, فمطله بأثمانها (تأخر متعمدا ), فأقبل الأراشي حتى وقف على ناد من قريش, ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية المسجد جالس, فقال: يا معشر قريش, من رجل يؤديني على أبي الحكم بن هشام فإني رجل غريب, ابن سبيل, وقد غلبني على حقي, قال: فقال له أهل ذلك المجلس: أترى ذلك الرجل الجالس- لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وهم يهزؤون به لما يعلمون بينه وبين أبي جهل من العداوة- اذهب إليه فإنه يؤديك عليه.

فأقبل الأراشي حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا عبد الله, إن أبا الحكم بن هشام قد غلبني على حق لي قبله, وأنا رجل غريب ابن سبيل, وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤديني عليه, يأخذ لي حقي منه, فأشاروا لي إليك, فخذ لي حقي منه يرحمك الله قال: انطلق إليه وقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم

فلما رأوه قام معه قالوا لرجل ممن معهم: اتبعه فانظر ماذا يصنع قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فضرب عليه بابه فقال:

من هذا؟

فقال: محمد فاخرج إلي فخرج إليه وما في وجهه من رائحة, قد انتقع لونه, فقال: "أعط هذا الرجل حقه" , قال: نعم, لا تبرح حتى أعطيه الذي له قال: فدخل فخرج إليه بحقه فدفعه إليه ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقال للأراشي: الحق بشأنك

فأقبل الأراشي حتى وقف على ذلك المجلس, فقال: جزاه الله خيراً فقد والله أخذ لي حقي.

قال: وجاء الرجل الذي بعثوا معه, فقالوا: ويحك ماذا رأيت؟

قال: عجباً من العجب, والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه, فخرج إليه وما معه روحه, فقال له: أعطِ هذا حقه, فقال: نعم لا تبرح حتى أخرج إليه حقه, فدخل فخرج إليه بحقه, فأعطاه إياه

قال: ثم لم يلبث أبو جهل أن جاء, فقالوا ويلك مالك والله ما رأينا مثل ما صنعت قط, قال ويحكم والله ما هو إلا أن ضرب عليّ بابي وسمعت صوته, فملئت منه رعبا, ثم خرجت إليه, وإن فوق رأسه لفحلا من الإبل ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط, والله لو أبيت لأكلني."(السيرة النبوية لابن إسحاق 1/64 , دلائل النبوة للبيهقي 1/69 ).


google-playkhamsatmostaqltradent