recent
أخبار عاجلة

هل الوعظ قبل وأثناء وجود الجنازة وعند المقبرة بدعةغير جائز؟

 


هل الوعظ قبل وأثناء وجود الجنازة وعند المقبرة بدعة غير جائز؟

  هل تذكير الناس قبل الجنازة وعند القبر اغتناماً للفرصة واجتماع الناس وتجنباً لفضول

 الكلام واللهو يعد بدعة ًغير جائز؟ 

نرجو إفادتنا بالجواب الكافي الشافي المحفوف بأدلة الشرع ..

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فتذكير الناس بالموت وما بعده على المقبرة أثناء دفن الميت أمر مشروع محمود، إذ فيه حث للنفوس على الاستعداد لمثل هذه اللحظة، والعمل لما بعد الموت، ووهو من فعل النبي صلى الله عليه وسلم 

فقد جاءت الأحاديث الصحيحة مُصرِّحةً بأنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، كان يعظ أصحابه بعد دفن الميت وقبله، من ذلك ما رواه الإمام عليٌّ -كرَّم الله وجهه- في الحديث المتَّفق عليه، قال: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الغَرْقَدِ، فَأَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا قَدْ كُتِبَ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً" ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ العَمَلَ؟ فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، قَالَ: "أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ"، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى  وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى"(الليل: 5-6) .

وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة، وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت في الأرض، فقال: "استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثاً" ثم قال: "إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة.." إلى آخر الحديث، وهو حديث طويل بين فيه صلى الله عليه وسلم ما يلقاه العبد عند الموت وبعده."(أحمد وأبو داود والحاكم وغيرهم)

 فلا نرى مانعا من إلقاء موعظة قبل إحضار الجنازة للصلاة عليها، ولا يصح أن يقال إنها بدعة لم ترد، لأن وعظ الناس وتذكيرهم أمر مطلوب شرعا، كما قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ"(النحل: 125). وكما قال تعالى:" وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا"(النساء: 63).

ولم يقيد ذلك، أو يخصصه بوقت دون وقت، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعظ الناس في أنديتهم وأماكن اجتماعهم كما هو معلوم من سيرته، ووعظ أصحابه عند القبر وكان يتحين الأوقات المناسبة التي تكون النفوس فيها مهيأة لقبول الموعظة والتأثر بها، كما في حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتخولهم بالموعظة، وقد قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُرَاد أَنَّهُ كَانَ يُرَاعِي الْأَوْقَات فِي تَعْلِيمهمْ وَوَعْظهمْ, وقال غيره: الْمُرَاد يَتَفَقَّد أَحْوَالهمْ الَّتِي يَحْصُل لَهُمْ فِيهَا النَّشَاط لِلْمَوْعِظَةِ فَيَعِظهُمْ فِيهَا وَلَا يُكْثِر عَلَيْهِمْ لِئَلَّا يَمَلُّوا, وهذا من الحكمة في الدعوة، 

ولا شك أن وقت انتظار الناس إحضار الجنازة وقت مناسب للموعظة تكون النفوس فيه مهيأة للتأثر بالموعظة، لكونها تتفكر في ذلك الموقف العظيم الذي تحمل فيه على الرقاب ثم يهال عليها التراب, ولا تكاد تجد الناس أهيأ لقبول الموعظة من ذلك الوقت، ولذا وعظ النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في المقبرة عند قبر، وقد بوب البخاري في صحيحه بابا فقال: بَاب مَوْعِظَةِ الْمُحَدِّثِ عِنْدَ الْقَبْرِ وَقُعُودِ أَصْحَابِهِ حَوْلَهُ, ثم ساق فيه حديث عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَأَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِن الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. اهـ.

فإذا تهيأ ذلك للناس قبل الصلاة فلا مانع على أن لا يتخذ ذلك عادة وديدنا حتى تصير كالخطبة الراتبة المسنونة,

وبعد الانتهاء من دفن الميت يشرع للحاضرين الوقوف عند القبر والاستغفار للميت والدعاء له بالتثبيت.

قال ابن القيم في بيان هدي النبي صلى الله عليه وسلم:( وكان إذا فرغ من دفن الميت قام على قبره هو وأصحابه وسأل له التثبيت، وأمرهم أن يسألوا له التثبيت.) انتهى

وهو يشير بذلك إلى ما أخرجه أبو داود عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، فقال: "استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يُسأل" .

 وقد علق ابن تيمية على هذا الحديث قائلاً: ( وهذا من معنى قوله تعالى: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) [التوبة:84] .

فإنه لما نهى نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المنافقين وعن القيام على قبورهم، كان دليل الخطاب أن المؤمن يصلى عليه قبل الدفن، ويقام على قبره بعد الدفن.) انتهى

لكن يقتصر في ذلك على المشروع والمأثور، لأن الدعاء عبادة والعبادات مبناها على التوقيف، فلا يعبد الله إلا بما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، والدعاء والتأمين بشكل جماعي بعد دفن الميت بدعة محدثة، لأنه لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا من هدي أصحابه رضي الله عنهم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.

فعلى المسلم الابتعاد عن مثل ذلك، والتقيد بالمأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففيه غنية عما سواه، وسلامة من البدع والمحدثات.

وبناء عليه :" يستحب شرعًا إلقاء خطبة أو موعظة أثناء انتظار المشيِّعين حتَّى تحضر الجِنازة للصلاة عليها، وكذلك عند القبر بعد دفنها؛ فإن النفوس تكون في هذا الوقت مهيَّأةً للتأثُّرِ بالموعظة وقبولها؛ وتكون منقطعة عن الدنيا تتفكَّر في عاقبتها، وعينها على ذلك اليوم الذي تُحمَل فيه على الرِّقاب، لتُشيَّع إلى مثواها الأخير، مع مراعاة عدم الطول حتَّى لا يملُّ المشيِّعون،

 ولا يجوز رَمْيُ من يفعل ذلك بالابتداع؛ بل إنَّ تضييق ما وسَّعَه الله ورسوله صلّى الله

 عليه وآله وسلّم يُعَدُّ بابًا من أبواب الابتداع في الدين..

والله أعلم 

google-playkhamsatmostaqltradent