قضية بناء
الوعي ومواجهة التحديات
حقيقة الوعي وماهيته
اهتمام الشريعة الإسلامية بقضية الوعي
قضايا الوعي التي يجب الاهتمام بها
قضية ومشكلة العلمانية والطوائف
قضية عدم الوعي بمسألة الأمن والأمان
قضيةعدم الوعي بقيمة الوطن والوطنية
قضية الوعي في تحقيق العدل
قضية الوعي في القيادة
الحمد
لله رب العالمين وأشهد أن لاأله إلا الله وحده لاشريك وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله قال وما
ينطق عن الهوي : " مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً فِي سِرْبِه ،مُعَافى فِي
بَدَنِهِ ،عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيا
بِحَذَافِيْرِهَا"(ابن
ماجه).
اللهم
صلاة وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله وبعد
فيقول
الله تعالي :" لِنَجْعَلَهَا
لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ"(الحاقة/12).
عباد
الله :" أي فاحمدوا الله واشكروا الذي نجاكم حين أهلك الطاغين واعتبروا
بآياته الدالة على توحيده " وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ" أي: تعقلها
أولو الألباب ويعرفون المقصود منها ووجه الآية بها. وهذا بخلاف أهل الإعراض
والغفلة وأهل البلادة وعدم الفطنة فإنهم ليس لهم انتفاع بآيات الله لعدم وعيهم عن
الله، وفكرهم بآيات الله
حقيقة
الوعي وماهيته
عباد
الله :" الذي يغيب عن كثير منا وكثير من المتحمسين المندفعين من شباب الأمة
هو ــ الوعي وحسن التصرف ـــ فحقيقة الوعي تتجلَّى في سلامة الإدراك ودقَّته
والنأْيِ بهما عن المُؤثرات المُغيبة للمنطق والحقيقة عبر الإعلام والإديولوجيات
المغرضة ،
فالوعي هو الذي يمكن من خلاله قراءةُ ما بين
السطور، ووضعُ النقط على الحروف لأن الوعيَ أمر زائد على مُجرد السمع والإبصار،
فما كل من يبصِر وعَى ما أبصر، وما كلُّ من يسمَع وعَى ما سمِع؛ لأن الله - جل
وعلا - يقول:"لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية"
اهتمام
الشريعة الإسلامية بقضية الوعي
عباد الله :" وقد اهتمت الشريعة ببناء العقل والوعي فما أورده القرآن الكريم من أخبار الأمم السابقة، والتي جاء في سياق الحديث عنها، قول الله (جل وعلا): "لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ" (الحاقة12)، في إشارة إلى أن هذه الأخبار ليست للتسلية أو للترف الفكري، وإنما المقصود منها حصول الوعي وأخذ الدروس والعبر؛ قال جل وعلا:"لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ"(يوسف111)، وقال سبحانه: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(الرعد3)، وقال عز وجل:"إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ"(الرعد4).
ومن الأمثلة من كتاب الله على الوعي وحسن التصرف قول يعقوب ليوسف- عليهما السلام- عندما قص عليه رؤياه: “ قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدًا إن الشيطان للإنسان عدو مبين” حسن تصرف يعقوب عليه السلام ووعيه اي حكمته حينما حذَّر يوسف من قص رؤياه على إخوته، فيها عبرة بتوسم يعقوب عليه السلام أحوال أبنائه وارتيائه أن يكف كيد بعضهم لبعض، وفيها أيضًا الاحتراز من كل احتمال يخشى ضرره. قال ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: ( أفرس الناس ثلاثة: العزيز في يوسف، حين قال لامرأته: “أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا” وابنة شعيب حين قالت لأبيها في موسى: “استأجره” وأبو بكر في عمر رضي الله عنه حين استخلفه) عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها"(متفق عليه).
ولقد ذم القرآن الكريم من يعطلون عقولهم عن التفكر والتدبر والوعي، قال تعالى: "وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ" (يوسف105)
كذلك
من اهتمام النبي صلى الله عليه وسلمَ بالوعي نجد أنه جعل فداء كل أسير من أسرى بدر
ممن يحسنون القراءة والكتابة أن يعلم عشرة من أبناء الصحابة رضي الله عنهم، وأمر زيد بن ثابت أن يتعلم من
اللغات غير العربية؛ ولا شك أن هذا كله له دور كبير في نشر الوعي وإعمال العقل.
قضايا
الوعي التي يجب الاهتمام بها
عباد
الله :" ولا يخفى على أحد أنّنا أصبحنا نعيش زمانا توالت فيه الفتن على أمّة
الإسلام، واختلط الحقّ بالباطل والتبست الأمور على أكثر المسلمين في قضايا الدين
والأمّة، وما عاد يسع العلماء والدّعاة والخطباء أن يكتفوا بمخاطبة القلوب،
ويحجموا عن مخاطبة العقول وخوض معركة الوعي، لتبصير شباب الأمّة خاصّة بواقع يزداد
تعقيدا عاما بعد عام، وهو ما دفع كثيرا منهم إلى الاستقالة من الاهتمام بواقع
الأمّة وقضايا الدّين، وهذا -لا شكّ- خطأ جسيم وتقصير غير مبرّر؛ فشباب الأمّة
يتعيّن عليهم أن يخوضوا معركة الوعي، ويجهدوا أنفسهم وعقولهم في البحث عمّا وراء
الأحداث الدولية والإقليمية والعالمية التي أصبحت الأمّة مدار رحاها وأرضُها ساحة
لها.
نعم،
واقع الأمّة متشعّب ومعقّد بعض الشّيء، لكنّ أحداثه مترابطة، ويراد لها أن تسير في
اتّجاه واحد هو الحيلولة دون انبعاث الأمّة من جديد.. الأمّة من المحيط إلى الخليج
فُتحت عليها أبواب الشّهوات لشغل شبابها بالعواطف والنّزوات والأزياء والألحان
والرياضة والتمثيليات، عن واقع ومستقبل الأمّة، كما قال الله: "وَاللَّهُ
يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ
أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا".. لقد وقع كثير من شباب الأمّة في حبائل
الشّهوات وأصبحوا يعيشون حياة المشاعر والعواطف في عوالم الإنترنت وعلى أرض
الواقع؛ ينظرون إلى ما تمرّ به الأمّة المسلمة من محن وإحن على أنّه أمر لا يعنيهم
وليسوا مطالبين بأن يهتمّوا به.
قضية
ومشكلة العلمانية والطوائف
عباد الله
:"وبإزاء فتنة الشّهوات، فتح العلمانيون على شباب الأمّة، خاصّة منهم
التائقون إلى السّير على طريق الصّلاح، فتن الشّبهات، وسخّروا وسائل الإعلام
لتشكيك الشّباب في دينهم الذي يعرض لهم على أنّه دين خلافات وتناقضات، ودين طوائف
وجماعات متصارعة، وأنّ أهل الدّين كلّهم هم من أتباع هذه الطّوائف المختلفة وأنّ
الإسلام هو هذه الطّوائف لا غير.. وبسبب مكر اللّيل والنّهار ما عاد كثير من شباب
الأمّة يعرفون أين يتّجهون ولا على أيّ طريق يسيرون.. وأصبحت تؤرّقهم وتفتّ من
عزائمهم فتنة الطّوائف التي تعدّدت وتكاثرت وتولّد بعضها عن بعض.. كلّ منها تدّعي
أنّها على الحقّ وغيرها على الباطل.. وكلّ منها تدّعي أنّ طريقها هو طريق الجنّة وغيرها
من الطّرق هي طرق الجحيم.
إنّها
فتنة الطّوائف التي ابتليت بها الأمّة المسلمة في مختلف مراحل تاريخها، تماما كما
أخبر المصطفى عليه الصّلاة والسّلام حينما قال: “إنّه من يعش منكم فسيرى اختلافا
كثيرا”، وقال: “إنّ الشيطان قد أيس أن يعبده المصلّون في جزيرة العرب، ولكن في
التحريش بينهم”، فتنة طويلة العمر، لكنّها في هذا الزّمان أصبحت مدلهمّة مع تطوّر
وسائل التواصل وسهولة التبليغ، وأصبح في إمكان دعاة الطّوائف المختلفة الذين
يتلقّى كثير منهم دعما ماديا ومعنويا من جهات كثيرة ومختلفة؛ أصبح في إمكانهم
مخاطبة مئات الآلاف بل الملايين من المسلمين من دون أن يحتاجوا إلى التنقل من مكان
إلى آخر، وغدا سهلا عليهم أن يغرّروا ببعض الشّباب المتحمّسين الذين لا يعلمون
كثيرا من حقائق الدّين بل وكثيرا من أبجدياته.
لو أردنا أن نختصر حقيقة الفتن في زماننا هذا لقلنا إنّها تتعلّق في أساسها بفتنة العلمانية التي تتستّر في كثير من الأحيان بالوطنيّة؛ فهي التي نفخت في فتنة الطّوائف ووظّفتها لإفساد دين الأمّة ودنياها.. بعد سقوط آخر قلاع الخلافة العثمانية أواخر الربع الأوّل من القرن العشرين، تمكّن الأعداء المتربّصون من فرض العلمانية المغلّفة على أمّة الإسلام، في إثر خديعة العلمانيّ المتطرّف مصطفى كمال أتاتورك الذي قدّم في بداياته على أنّه غازٍ يبحث عن مصلحة الأمّة، ودخل في معركة مع اليونان صنع له فيها الغرب نصرا مؤزّرا لتهتف له الحناجر، وقد كان له ذلك، حتّى إذا تمكّن كشّر عن أنيابه وأظهر حقيقته وأعلن حربه على الدّين وشعائره وشرائعه، وزرع بذرة العلمانية الخبيثة في أمّة الإسلام.. وبعد أتاتورك أُخرجت للأمّة نسخ أخرى من العلمانية غلّفت بالقومية والوطنيّة، وزيّنت للنّاظرين على أنّها لا تعادي الأديان، وإنّما تعترف بها جميعا لكنّها فقط لا تسمح لها بالتدخّل في الشّأن العامّ! وهي الكذبة التي انطلت على بعض المسلمين المنسلخين الذين أحسنوا الظنّ بالعلمانية وتبنّوها ودافعوا عنها، واستعانوا بالدول الاستعمارية لفرضها، وأخذت العلمانية تنمو في دول المسلمين وتترعرع برعاية غربية، حتى أصبحت خيارا لا بديل عنه، إليه تُحاكم الخيارات والاختيارات! مُكّنت من مصادر القرار ومن وسائل الإعلام، ففتحت الأبواب على مصاريعها للفنانين والمغنين ليصنعوا لشباب الأمّة دينا جديدا هو دين الحبّ والغرام والأزياء
قضية عدم الوعي بمسألة الأمن والأمان
ولا شك أن من أخطر التحديات التي يجب أن تواجه بالوعي بها وبمخاطرها هي التحديات التي تواجه أمن الوطن وأمانه، فالأمن والأمان رزق ونعمة من أجل النعم؛ قال تعالى:"فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) (قريش3- 4)، وقال سبحانه: "أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" (القصص 57)،
وتدبر قول النبي صلى الله
عليه وسلمَ : "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً فِي سِرْبِه ،مُعَافى فِي
بَدَنِهِ ،عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيا
بِحَذَافِيْرِهَا" ( ابن ماجه)، حيث قدم نعمة الأمن في الذكر على نعمة
الصحة، والرزق؛ لأن وجود الأمن سبب لوجود الرزق، ولأنه لا يطيب للإنسان رزق في عدم
وجود الأمن، ودليل ذلك أن الله عز وجل قدم الخوف في الابتلاء على نقص الطعام،
فقال تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ"(البقرة
155).
ومن ثم
فأن أمرا هذا شأنه، ونعمة هذا قدرها، يجب علينا شكرها بالمحافظة عليها، وقد قال
الله تعالى: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ
كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ "(إبراهيم 7)، وأن نكثر من الدعاء بدوامها
على وطننا الحبيب الغالي، وقد جعلها سيدنا يوسف (عليه السلام) دعوة لمصر وأهلها، قال تعالى:
"فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا
مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ" (يوسف 99)، وأن نعي كل التحديات والمخاطر التي
تحيط بهذه النعمة.
قضية عدم الوعي بقيمة الوطن والوطنية
عباد الله :"الوعي بقيمة الوطن والوفاء له والمحافظة عليه والاصطفاف خلفه؛ فالوطن نعمة عظيمة
ومنة كبيرة، إذ يلقى النبي (صلى الله عليه وسلمَ) في حبه درسا بليغا يقرع كل
الآذان ويتردد رجع صداه في كل زمان ومكان، عندما خرج مهاجرا، ووصل أطراف مكة،
التفت إليها، وقال: "وَاللهِ إِنَّي أَعْلَمُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللهِ
وَأَحَبَّهَا إِلَى اللهِ، وَلَوْلاَ أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُوُنِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ"،
وعندما وطأت قدمه وطنه الثاني (المدينة) إذ يتوجه إلى الله داعيا أن يحبب إليهم
المدينة كما حبب إليهم مكة، مما يؤكد مدى مكانة الوطن، ووجوب التماسك والترابط
والاصطفاف خلفه.
قضية التغيير
عباد الله:" وحتي عندما يتحمس الكثير في التغير يجب ان ندرك ان التغير لا يقوم علي مركزية الإنسان العلمانية العاملة علي تسيد الإنسان علي الطبيعة ومن ثم تسخيره لها ولا مركزية الصراع الطبقي في إدراك التغيير ولا بالدغمائية والتشرذم والإقتتال والغوغائية وتقاذف العبارات والتصنيفات وتبادل الإتهامات وتحريك التاريخ بل علي مركزية الله في التاريخ وعلي إقامة الدنيا علي الإيمان والتوحيد وتزكية النفوس بحكمة ووعي يتجلى في الإدراك بان التغير يبتدأ من لأنفس وطرق التفكير وبالتعقل فيغيرون ما بأنفسهم فيغيرهم الله "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" فالوعي يشمل كل الجوانب في الحياة وهو أساس تحقيق كل المرامي والأهداف لكن يبغي ان ينبني على تحقيق التقوى وإصلاح القلوب وتعقيل العقل بالرجوع الي الله.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين وبعد
قضية وعي البناء .
عباد الله :"قد
يتحدث المؤرخون كثيرا عن مراحل بناء الدول , وعناصر ذلك البناء , إلا إنهم غالبا
ما يغفلون عن أهم عناصره وهو الإنسان , الإنسان الذي تقوم على أساسه الأمم وتنهار
, وهوالركن الفاعل في أي حضارة تريد البقاء , وما من حضارة تهمل الإنسان إلا حملت
في ذاتها مقدرات سقوطها وفشلها مهما تقدمت ..
وهذا
العنصر هو مااختار صاحب الرسالة أن يبدأ به , لقد بنى الإنسان , وعلى أساسه بنى
دولته , واختار أن يبدأ صناعة ذلك الإنسان من داخل مصنع قلبي نفسي وهو المسجد .
فابتدأ ببناء المسجد كأول بناء في الدولة الإسلامية وأول عمل قام به المسلمون في المدينة , فهو المعبد ودار التعليم ودار الاستشفاء ودار المشاورة وإبداء الشكاوى وحل الأزمات وتقسيم الخصوصيات والماديات .
كانت
المدينة عند الهجرة قليلة الموارد , وبعد الهجرة وفد عليها أضعاف عدد سكانها
ليقيموا مع أهلها بصورة دائمة..
فكان لابد من بناء اجتماعي محكم لتلافي
ما يتوقع من مشكلات , وكان لابد على القائد أن يعي هذا الأمر , ويضع حلا للمشكلة
قبل حدوثها .
وبالفعل
ابتكر صلى الله عليه وسلم نظاما اجتماعيا فذا ما سبق إليه , يحتوي تلك الأزمة
الاقتصادية الاجتماعية , بل ويدعم البناء النفسي لعملية العقد الاجتماعي في دولته
, هذا النظام الذي نقصده هو نظام ( المؤاخاة ) ..
بهذا النظام لم يكن هناك أي مسلم لا يعرف له أخا
, وقد ظهرت نجاحات عدها المؤمنون فضائل ربانية تدل على توفيق الله لهذا النظام ,
فكان المهاجري يسعى بجهده ألا يكلف أخاه فوق طاقته , فيعمل بكد وتعب وجد واجتهاد ,
كي لا يكون عالة على أخيه , وكان الأنصاري يسعى بكل جهده أن يحسن ضيافة أخيه ,
ويكرمه حتى ولو على حساب نفسه .
لقد قامت حضارة الإسلام على جيل مثل هذا الجيل , الذي رفض الكسل والعجز , ورفض التبعية والتطفل والإحسان , وأقسم على الإيجابية في الفعل والأثر .
قضية الوعي في تحقيق العدل ..
عباد الله:" القضاء
هو محور إصلاح العلاقات بين أفراد الأمة , ولسنا هنا نتحدث عن عدالة الإسلام كصفة
من حميد صفاته , ولا كفريضة شرعية من فرائض شريعته , بل نتحدث عنه كركيزة أساسية
من ركائز الحكم .
قد وعى إليه صلى الله عليه وسلم جيدا ونفذه على
أتم وجه , فجعل قيمة العدل قيمة لا يمكن التنازل عنها في بنائه للدولة , وخاصة أن
الدولة منقسمة أصلا إلى فئتين أصحاب الأرض , والوافدين , و أية محاباة لطرف على طرف ستؤدي حتما إلى انهيار
الدولة , والى تفجر صراع داخلي فيها وقد تصل إلى حرب طائفية ..
والذي يعصم من ذلك كله هو إقامة العدل بين
أبنائها , فلا جريمة ولا عقوبة بغير نص وعند وجود الجريمة فلابد من تطبيق القانون
في غير تجاوز ولا محاباة لأي أحد كائنا من كان , ولا ترفع العقوبة إلا بطلب وعفو
من المجني عليه , أو من أهله بعد موته , فلم يفتح باب للواسطة والمحسوبية المقيتة
التي تهدم أركان الدولة .
وقد كان كثيرا ما يعلم أصحابه العدل ويقرأ لهم
ما أمره ربه به في آيات قرآنه : "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء
بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألاتعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن
الله خبير بما تعملون " فكان عادلا
مع الكبير والصغير والقريب والبعيد والضعيف والقوي .
ولم
يسمح بالتربح من وظائف الدولة بغير ما فرض له من راتب , وقد حسم هذا الأمر وأنهاه
, فيقول أبو حميد الساعدي رضي الله
عنه " استعملرسول الله صلى الله عليه
وسلم رجلا على صدقات بني سليم ، يدعى ابن اللتبية ،فلماجاء حاسبه ، قال : هذا
مالكم , وهذا هدية . فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم "فهلاجلست في بيت أبيك وأمك ، حتى
تأتيك هديتك إن كنت صادقا " . ثم خطبنا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :"أما بعد
،فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله ، فيأتي فيقول : هذا مالكم
وهذاهديةأهديت لي ،أفلاجلسفيبيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته ، والله لا يأخذ أحد
منكمشيئابغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة ، فلأعرفن أحدا منكم لقي الله
يحملبعيراله رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر". ثم رفع يده حتى رئي بياض
إبطه ، يقول "اللهم هل بلغت " . بصر عيني وسمع أذني "(البخاري)
وكان يعلم أصحابه العدل مع كل الناس حتى العبيد فيقول "من ضرب مملوكه سوطاً ظلماً
ًاقتص منه يوم القيامة "(البزار).
وكان العدل ملازما له صلى الله عليه وسلم في حله وترحاله ، فهو يكره التميز على
أصحابه , بل يحب العدل والمساواة معهم , وتحمل المشاق والمتاعب مثلهم , فيقول عبد
الله بن مسعود رضي الله عنه : كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير، وكان أبو لبابة وعلي بن
أبي طالب زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وكانت اذا جاءت عقبة -دور-
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا : نحن نمشي عنك، قال : "ما أنتما بأقوى مني ،
ولا أنا بأغنى عن الأجرمنكما"(النسائي وأحمد).
قضية الوعي في القيادة
عباد الله:" الوعي
صفة لازمة لكل قائد , والقائد فاقد الوعي دوما عرضة للمؤامرات والانقلابات ,
وبلاده عرضة للاحتلال والاستعمار والاستغلال , وكم سمعنا بقادة أفنوا جيوشهم ,
ودخلوا حروبا خاسرة , أنهت وجودهم وأضعفت أممهم , وكم سمعنا بقادة تخاذلوا وجبنوا
عن حروب لو ثبتوا فيها لكان النصر فيها حليفا لهم ..
يقول الصحابي الجليل أبو ذر قال لي رسول الله
صلي الله عليه وسلم يا أبا ذر، إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا
تَأمَّرنّ على اثنين، ولا تَولَّينَّ مال يتيم"(مسلم).
وفي رواية أخري عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله، ألا تستعملني؟ فضرب بيده على منكبي ثم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها"(مسلم).
و قول
النبي صلي الله عليه وسلم له: يا أبا ذر، إني أراك ضعيفاً، هذا فيه مكاشفة، ونُصح،
فإن الإنسان قد لا يعرف بعض الجوانب في شخصيته لاسيما إن كان لم يجرب ذلك، قد يظن
أنه يقوى على كثير من الأمور ولكنه قد يخفق عند التجربة، وقد يطلع على ذلك غيره،
يعرفون ذلك في شخصيته،
إن
القيادة فن لا يحسنه كل أحد , إنما هي خليط من الموهبة الفطرية والصفات الخاصة مع
العلم والتجربة والمثابرة والقدرة , ثم يُصهر كل ذلك في بوتقة يحسن هنا أن نسميها
بوتقة ( الوعي ) بالذات وبما يحيط , إنها القدرة على التأثير في الواقع والناس ,
وتوجيه المقدور والإمكانات لنيل أعلى ما يمكن من النصر والإنجاز ..