recent
أخبار عاجلة

وعَّيد الله لمَنْ صدَّ عن المساجد، وعطَّل مآذنها ومحاريبها


وعَّيد الله لمَنْ صدَّ عن المساجد، وعطَّل مآذنها ومحاريبها

المساجد لا يعمرها إلا المؤمنون حقًّا

أفضل الأعمال عمارة المساجدوبنائها

فضل عمارتها بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن

فضل التبكير إلى الصلاة ولاسيما صلاة الجمعة

عمار المساجد جيران الله وفي ظله يوم لاظل إلاظله

 

الحمد لله رب العالمين واللاة والسلام علي أشرف الخلق أجمعين وبعد

المساجد لا يعمرها إلا المؤمنون حقًّا،

فالمساجدُ بيوتُ اللهِ، وأحبُّ البقاعِ إليه، أُعِدَّتْ للعبادة والصلاة وذِكْر الله، وإليها يأوي مَنْ آمَن به وتولَّاه،"إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ"(التَّوْبَةِ: 18)،

قال تعالى:"مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ"(التَّوْبَةِ: 17)، وقال: "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ  رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ"(النُّورِ: 36-37).

والمساجد أفضل الأماكن والبقاع، ومثوى مَنْ تعبَّد ربَّه وأطاع، من مآذنها تتردَّد شهادة التوحيد كل يوم على الآذان، أشهد ألَّا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، ومن مآذنها يتردَّد النداء إلى الصلاةِ عمودِ الإسلام، وثاني أركانه العظام، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، ومن محاريبها ومنابرها انطلقت رسالة الإيمان، ففتَحت القلوب والآذان، ومحَت ظلام الشرك والأوثان، فهي أول مدرسة تربوية وعلمية في الإسلام، تخرَّج منها جيل الصحابة الكرام، فكانوا أحقَّ الناس بالعلم والعمل، وهي أول صَرْح تأسَّست فيه المنابرُ الدعوية، فنشرت الإسلام في جميع الآفاق، بالدعوة والجهاد والأخلاق.

أفضل الأعمال عمارة المساجدوبنائها

 إنَّ من أفضلِ وأجلِّ الأعمالِ وأعظمها منزلةً عند الله عمارةَ المساجد؛ بيوت الله، "إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ"(التَّوْبَةِ: 18).

وعمارة المساجد تكون ببنائها والعبادة فيها، وقصدها لإقامة الصلاة، وإجابة مناديها إذا نادى: "حي على الصلاة"،

وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على بناء المساجد فقال: "مَنْ بَنى مسجداً يبتغي به وجَه الله، بني الله له بيتاً في الجنة"(البخاري ومسلم وغيرهما)، وقال صلى الله عليه وسلم: "من بنى لله مسجداً يُذكرُ فيه بنى الله له بيتاً في الجنة"(ابن ماجة وابن حبان في صحيحه).

ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً كان أول عمل قام به بناء المسجد؛ مما يدل على أهمية المساجد ومكانتها في الإسلام، فهي بيوت الله ومأوى ملائكته ومهابط رحمته ودور عبادته، وملتقى عباده المؤمنين، لا تبنى لأجل المباهاة والزينة، ولا تتخذ آثاراً ومتاحف، ومظاهر للمفاخرة، وإنما تبنى لإقام الصلاة وذكر الله فيها، ولا تبنى المساجد لتغلق معظم الساعات كأنها مستودعات أموال. وإنما تبنى لترتفع إليها فيها الدعوات والأذكار، ويشع منها نور العبادة، ولتتوافد إليها جموع المسلمين وضيوف الرحمن، في كل وقت وأوان. 

المشي إلي المساجد يكفر الذنوب والسيئات

وممَّا يرفع الدرجات، ويكفِّر السيئات، كثرة الخطى إلى المساجد، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أدلُّكم على ما يمحو اللهُ به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذلكم الرباط، فذلكم الرباط"(مسلم)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ غدَا إلى المسجد أو راح، أعدَّ الله له في الجنة نُزُلًا كلما غدَا أو راح"(متفق عليه).

رُوَّادَ بيوتِ اللهِ، عُمَّارَ المساجدِ: هنيئًا لكم أوفر الظلال، وبشرى لكم أحسن وأتم الأنوار، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: سبعةٌ يُظلهم الله -تعالى- في ظله يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه -وذكَر منهم-: رَجُلًا قلبُه معلَّقٌ بالمساجد"(متفق عليه)، وعن بُرَيدةَ الأسلميِّ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بشِّر المشائينَ في الظُّلَم إلى المساجد بالنورِ التامِّ يومَ القيامة"(أبوداود، والترمذي)؛ فاجعَلُوا -عبادَ اللهِ- لبيوت الله من وقتكم جزءًا مقسومًا، ومن عبادتكم نصيبًا مفروضًا، وقدِّموا لأنفسكم ما ينفعكم ويرفعكم الله به يومَ القيامة،"وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ"(الْمُزَّمِّلِ: 20).

فضل عمارتها بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن

عبادَ اللهِ: أداء الفرائض في الجماعة من شعائر الإسلام، وعلامات الإيمان، فاركعوا مع الراكعين، صلاة الجماعة -عباد الله- من أفضل الأعمال وأجلِّ الطاعات، وأزكى القُرُبات والدرجات، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "مَنْ سرَّه أن يلقى الله غدًا مسلمًا، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهنَّ، فإنَّ الله شرَع لنبيِّكم -صلى الله عليه وسلم- سُنَنَ الهدى، وإنهنَّ من سنن الهدى، ولو أنَّكم صليتُم في بيوتكم كما يصلِّي هذا المتخلِّفُ في بيته لتركتُم سنةَ نبيِّكم، ولو تركتُم سنةَ نبيكم لضللتُم، وما من رجل يتطهَّر فيُحسن الطهور، ثم يعمَد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتَب اللهُ له بكل خطوة يخطوها حسنةً، ويرفعه بها درجةً، ويحطُّ عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلا منافقٌ معلومُ النفاقِ، ولقد كان الرجل يؤتَى به يُهادى بين الرجلين حتى يقام في الصفِّ"(مسلم)، 

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة"(مسلم)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: صلاة الرجل في الجماعة تضعَّف على صلاته في بيته وفي سوقه، خمسًا وعشرينَ ضِعفًا؛ وذلك أنَّه إذا توضَّأ فأحسَن الوضوءَ، ثم خرَج إلى المسجد لا يُخرِجُه إلا الصلاةُ، لم يَخْطُ خطوةً إلا رفعت له بها درجة، وحطَّ عنه بها خطيئة، فإذا صلَّى لم تزل الملائكة تصلِّي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صلِّ عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدُكم في صلاة ما انتظر الصلاة"(البخاري).

اعتياد المشي إلى المساجد علامة على الإيمان بالله واليوم الآخر، والمشي إليها تكتب به الحسنات وتمحى به السيئات؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ راح إلى مسجدِ الجماعة فخُطْوَةٌ تمحو سيئة وخطوة تكتب له حسنة، ذاهباً وراجعاً"(أحمد). 

المشي إلى المسجد في ظلمة الليل يكون نوراً لصاحبه يوم القيامة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة"(أبو داودوالترمذي).

قال صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان". قال الله عز وجل: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ"(الترمذي).

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو يعلم الناس ما في النداء والصفِّ الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لَاستَهَمُوا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا"(متفق عليه).

الذي يجلس في المسجد ينتظر الصلاة يكتب له في انتظاره أجر المصلي وتستغفر له الملائكة مدة انتظاره -قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة" رواه البخاري ومسلم. وروى البخاري: "إن أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه والملائكة تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه ما لم يقم من مصلاه أو يحدث".

عباد الله: إن الله سبحانه أمر بالتوجه إلى الصلاة والذهاب إلى المسجد حينما ينادى لها وأمر بترك البيع والاتجار، لأجل ذلك قال تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ"(الجمعة:9).

 وقال تعالى:"فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ" (النور 36: 37).

قال ابن كثير رحمه الله: "يقول الله تعالى: لا تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها وملاذ بيعها وربحها عن ذكر ربهم الذي هو خالقهم ورازقهم، ويعلمون أن الذي عنده هو خير لهم وأنفع مما بأيديهم لأن ما عندهم ينفذ وما عند الله باق، وعن ابن مسعود أنه رأى قوماً من أهل السوق حيث نودي للصلاة المكتوبة تركوا بياعتهم ونهضوا إلى الصلاة فقال عبد الله بن مسعود: هؤلاء من الذين ذكر الله في كتابه:"رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ" وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد فقال ابن عمر: فيهم نزلت:"رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ" وقال مطر الوراق: كانوا يبيعون ويشترون ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانه في يده خفضه وأقبل إلى الصلاة".

أيها المسلمون: وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على التبكير بالحضور لصلاة الجمعة واستماع الخطبة؛ فقد روى الإمام أحمد بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها"(قال ابن كثير رحمه الله: وهذا الحديث له طرق وألفاظ، وقد أخرجه أهل السنن الأربعة وحسنه الترمذي).

وعن أبي هريرة، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحملتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده "(مسلم).

فضل التبكير إلى الصلاة ولاسيما صلاة الجمعة :

كم في المبادرة والتبكير إلى صلاة الجماعة في المسجد من الأجر العظيم فمن ذلك:

- أن الجالس قبل الصلاة في المسجد انتظاراً لتلك الصلاة هو في صلاة - أي له ثوابها - مادامت الصلاة تحبسه. ففي الصحيحين عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لما أخر صلاة العشاء الآخرة ثم خرج فصلّى بهم، قال لهم: "إنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة ". وفي الصحيحين أيضاً من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: " ولا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة ". الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة رباط في سبيل الله قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط". رواه مسلم وغيره.

 - الملائكة تدعوا له ما دام في انتظار الصلاة، ففي الحديث: " ومن ينتظر الصلاة صلّت عليه الملائكة وصلاتهم عليه اللهم اغفر له وارحمه ". وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه مالم يحدث اللهم اغفر له، اللهم ارحمه ".

قوله: " مصلاه ": المراد به موضع الصلاة التي صلاها في المسجد دون البيت كما يدل عليه آخر الحديث.

أما المرأة فقال أهل العلم: " لو صلت في مسجد بيتها، وجلست فيه تنتظر الصلاة فهي داخلة في هذا المعنى إذا كان يحبسها عن قيامها لأشغالها انتظار الصلاة ".

 - المبكر يتمكن من أداء السنة الراتبة - في صلاتي الفجر والظهر - ويصلي نافلة في غيرهما ففي الصحيحين عن عبدالله بن مغفل المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بين كل أذانين صلاة قالها ثلاثاً قال في الثالثة لمن شاء ".

 - أن المبكر للصلاة يمكنه استغلال ذلك الوقت لقراءة القرآن فقد لا يتيسر له ذلك في أوقات آخر.

 - أن هذا الوقت من مواطن إجابة ففي الحديث عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الدعاء لا يُرد بين الأذان والإقامة فادعوا ".

- أنه يدرك الصف الأول، ويصلي قريباً من الإمام، عن يمينه، في الحديث: " إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول ".

- أنه يدرك التكبيرة الأولى مع الإمام، والتأمين معه، ويحصل له فضل صلاة الجماعة.

فضل البقاء في المسجد انتظاراً للصلاة الأخرى:

في جلوس المرء في المسجد بعد الصلاة انتظاراً لصلاة أخرى فضل عظيم وأجر كبير، فمن ذلك:

 - أنه في صلاة لما سبق في الحديث: " لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة ".

وهو الرباط في سبيل الله للحديث: " وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط "(مسلم)، قال ابن رجب:"وهذا أفضل من الجلوس قبل الصلاة لانتظارها، فإن الجالس لانتظار الصلاة ليؤديها ثم يذهب تقصر مدة انتظاره، بخلاف من صلى صلاة ثم جلس ينتظر أخرى فإن مدته تطول، فإن كان كلما صلّى صلاة جلس ينتظر ما بعدها استغرق عمره بالطاعة، وكان ذلك بمنزلة الرباط في سبيل الله عز وجل ).

  تصلي عليه الملائكة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " مُنتظر الصلاة من بعد الصلاة كفارس اشتد به فرسه في سبيل الله على كشحة تصلي عليه ملائكة الله مالم يحدث أو يقوم وهو في الرباط الأكبر ".

   سبب لتكفير السيئات ورفع الدرجات ففي الحديث: " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ " فذكر منها: " وانتظار الصلاة بعد الصلاة " (أخرجه مسلم). وفي الحديث: " الكفارات: مشي الأقدام إلى الجماعات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء في المكروهات ".

قال ابن رجب: يدخل في قوله: " والجلوس في المساجد بعد الصلوات " الجلوس للذكر والقراءة وسماع العلم وتعليمه ونحو ذلك، لا سيما بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، فإن النصوص قد وردت بفضل ذلك، وهو شبيه بمن جلس ينتظر صلاة أخرى لأنه قد قضى ما جاء المسجد لأجله من الصلاة وجلس ينتظر طاعة أخرى. أ. هـ.

عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من صلّى الفجر ثم جلس في مصلاه صلت عليه الملائكة وصلاتهم عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه ".

قال ابن رجب:"وإنما كان ملازمة المسجد مكفراً للذنوب لأنه فيه مجاهدة النفس، وكفاً لها عن أهوائها فإنها تميل إلى الانتشار في الأرض لابتغاء الكسب، أو لمجالسة الناس ومحادثتهم، أو للتنزه في الدور الأنيقة والمساكن الحسنة ومواطن النزه ونحو ذلك، فمن حبس نفسه في المساجد على الطاعة فهو مرابط لها في سبيل الله، مخالف لهواها وذلك من أفضل أنواع الصبر والجهاد ".

لذلك كان أحد الصالحين يجلس في المسجد وكلما هوت نفسه للخروج يقول :" ويحك يانفس أنت تجلسين في بيت الله وفي جوار الله أتريدين أن تخرجي لتري دار فلان ودار فلان "

الجوار المبارك:

في الحديث: " إن الله لينادي يوم القيامة: أين جيراني، أين جيراني؟ فتقول الملائكة: ربنا! ومن ينبغي أن يجاورك؟ فيقول: أين عمّار المساجد ".

وعيد الله لمن صد عن المساجد وعطَّل مآذنها ومحاريبها

وتوعَّد اللهُ مَنْ صدَّ عنها، وعطَّل مآذنها ومحاريبها فقال: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ"(الْبَقَرَةِ: 114).

ومع هذه الفضائل العظيمة التي يحصل عليها المبكر في الذهاب إلى المساجد والذي يجلس فيه ينتظر إقامة الصلاة مع هذا فإن كثيراً من المصلين اليوم يتأخرون عن الحضور للصلاة، فلا يأتون إلا إذا أقيمت الصلاة وربما يفوتهم أول الصلاة أو معظمها، ويبخلون بأوقاتهم أن يصرفوا شيئاً منها في المساجد وهذا حرمان عظيم وتعرض للوعيد الشديد؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم -لما رأى قوماً يتأخرون عن الحضور إلى المساجد-: "لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله" رواه مسلم وأصحاب السنن إلا الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار"(أبو داود وابن خزيمة وابن حبان).

إن هذا العمل يدل على التكاسل عن القيام للصلاة وهو من صفات المنافقين، قال الله تعالى في وصفهم:"وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى"

 قال ابن كثير رحمه الله: "هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها وهي الصلاة إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها لأنهم لا نيَّة لهم فيها ولا إيمان لهم بها ولا خشية ولا يعقلون معناها"، ثم ساق بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "يكره أن يقوم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان، ولكن يقوم إليها طلق والوجه عظيم الرغبة شديد الفرح؛ فإنه يناجي الله، وأن الله تجاهه يغفر له ويجيبه إذا دعاه ثم يتلو هذه الآية: "وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى"(النساء:142).

وكثير من الناس يفرطون في هذا الأجر العظيم ويضيعونه ولا يحضرون لصلاة الجمعة إلا عند الإقامة، أو فوات بعض الصلاة، ويتركون استماع الخطبة التي فيها توجيههم وإرشادهم وموعظتهم وتنبيههم- قال ابن القيم رحمه الله: "الثانية والعشرون، من خصائص يوم الجمعة: أن فيه الخطبة التي يقصد بها الثناء على الله وتمجيده والشهادة له بالوحدانية، ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وتذكير العباد بأيامه، وتحذيرهم من بأسه ونقمته، ووصيتهم بما يقربهم إلى جنته ونهيهم عما يقربهم من سخطه وناره، فهذا هو مقصود الخطبة والاجتماع لها؛ فالاستماع للخطبة أمر مقصود، وترك استماعها مخالفة للسنة وتضييع لفائدتها، وذلك مما يورث قسوة القلوب والإعراض عن ذكر الله، وفشو الجهل والغفلة، نسأل الله العافية".

اللهم اجعلنا من عمار المساجد المحافظين على الصلاة فيها، وارزقنا اللهم الإخلاص في القول والعمل، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل المرسلين وآله وصحبه أجمعين

google-playkhamsatmostaqltradent