
لماذا يتأخر نزول المطر عن موعده؟!
وهل انقلب حالنا مناخياً من الشمالي
إلي الجنوبي؟
نعمة الغيث نعمة جليلة علي جميع المخلوقات
منع المطرابتلاء
أهم أسباب انقطاع الغيث وانحباسه
ما الخلاص للخروج من هذا المأزق الخطير ونزول الغيث في موعده ؟
الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد
فالمطر لم ينزل في أشهر الشتاء نوفمبروديسمبر ويناير وفبرايرإلا نادراً ومعلوم أنه يبدأ الشتاء في النصف الشمالي من 7 نوفمبر إلى 7 فبراير ويتوسطهما تاريخ الانقلاب الشتوي الذي يصادف 21 ديسمبر، أما عن النصف الجنوبي فإن حلول الشتاء الفلكي يكون تقريباً يوم 7 مايو وينتهي إلى 7 أغسطس، ويتوسط هذين التاريخين يوم الانقلاب الذي يوافقه يوم 21 يونيو.
نعمة الغيث نعمة جليلة علي جميع المخلوقات
يقول الله تعالى:"وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ
الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ"(الشورى:
28).
يفتح الله علي
الناس بركات من السماء، تحيي الأرض، وتطعم البهائم، وتسقي الناس، وتدخل عليهم
السعادة والفرح. فالله عز وجل رحيم بخلقه، لطيف بعباده، يحب المتضرعين، ويرحم المخبتين.
"اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ
كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا
أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ"(الروم:
48).
وقال تعالي:" إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ
الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ
غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ
تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"(لقمان:
34).
إن الله- وحده لا غيره- يعلم متى تقوم الساعة؟
وهو الذي ينزل المطر من السحاب، لا يقدر على ذلك أحد غيره، وسمي غيثاً لأنه يغيث جميع المخلوقات والله عليم
خبير محيط بالظواهر والبواطن، لا يخفى عليه شيء منها.
منع المطرابتلاء
وعدم نزول الغيث إنما هوابتلاء لأن طبيعة زراعتنا تعتمد علي الله ثم علي الأمطار الشتوية كالقمح والبرسيم
والبنجر والكتان وغيرها مما يؤثر بالدرجة الأولي علي الإنتاج وهذا ابتلاء
فجعل الله الابتلاء سنة ماضية بين عباده
في الخير والشر والسراء والضراء والبأساء والنعماء؛ لأجل أن يبلوهم -سبحانه-! أيصبرون
ويشكرون، أم يجحدون ويكفرون؟ قال في محكم كتابه العزيز: "وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ
وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ"(الأنبياء:35).
والله -سبحانه- يبتلي من يشاء من عباده وإن مما يبتلي الله به عباده: ابتلاؤه لهم بنعمة الغيث والمطر؛ فيبتليهم بانقطاعه كما يبتليهم بنزوله؛ فابتلاهم بنزوله لتنعم به نفوسهم وأنعامهم، كما قال تعالي :"أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ"(السجدة:27)؛
أي: بأبصارهم نعمتنا وكمال حكمتنا؛ فرأوا كيف أن الله ساق إليهم الماء إلى الأرض التي لا نبات فيها؛ فأخرج به الزرع والثمار مما تأكل منه أنعامهم وأنفسهم. كما أن الله -تعالى- يبتليهم بانقطاع نعمة المطر ونزول الغيث ويؤخرها عنهم، لأسباب يقترفها العباد ومخالفات يمارسها البشر، ولعلنا نقف على
أهم أسباب انقطاع الغيث وانحباسه؛
فعدم نزول المطر وتأخير نزوله أو نزوله في موعده حتي يغيث المحلوقات له أسباب
عديدة وكثيرة فمن تلك الأسباب:"
أولاً:" فشو الذنوب وكثرة المعاصي
فشو الذنوب وكثرة المعاصي والمجاهرة بها؛ فهي موجبة
لحبس المطر عن الناس، وحلول القحط؛ لأن المعاصي سبيل لإغضاب الرب، وقد لا يقتصر أثرها
على أصحابها، بل يتعداهم إلى غيرهم؛ بل قد يتعدى شؤم المعصية إلى المخلوقات الأخرى:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رجلا
يقول: "إن الظالم لا يضر إلا نفسه". فقال أبو هريرة: "بلى والله، حتى
الحُبارَى (طائر) لَتموتُ في وكرها هزالا من ظلم الظالم"( ذكره الذهبي في
"الكبائر).
وقال مجاهد -رحمه الله-: "إن البهائم
تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة، و أمسك المطر"، وتقول: "هذا بشؤم معصية
ابن ادم"،
وقال عكرمة -رحمه الله-: "دواب الأرض
وهوامها، حتى الخنافس والعقارب يقولون: "منعنا القطر بذنوب بني آدم".
أيضمن لي فتى تركَ المعاصي *** وَأَرْهَنُهُ
الكفالة بالخلاص
أطاع اللهَ قومٌ فاستراحوا *** ولم يتجرعوا
غُصص المعاصي
قال عمر بن عبد العزيز: "كان يقال: إن الله
- تبارك وتعالى - لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عُمل المنكر جهارا، استحقوا
العقوبة كلهم" رواه مالك في الموطإ.
ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من
سوء آثار المعصية فقال: "إياك والمعصيةَ، فإن بالمعصية حل سخط الله"(صحيح الترغيب).
ومن سخط الله حبس المطر.
يروى أن سيدنا موسى (عليه السلام) خرج يومًا
يستسقي، فلم ير في السماء سحابة واشتد الحر، فقال موسى: يا رب! اللهم إنا نسألك الغيث
فاسقنا، فقال الله جل وعلا: يا موسى! إن فيكم عبدًا يبارزني بالذنوب أربعين عامًا،
فصح في القوم، وناد إلى العباد: الذي بارز ربه بالذنوب والمعاصي أربعين عامًا أن اخرج.
فقال سيدنا موسى: يا رب! القوم كثير والصوت
ضعيف، فكيف يبلغهم النداء؟! فقال الله: يا موسى! قل أنتَ وعلينا البلاغ، فنادى موسى
بما استطاع، وبلغ الصوت جميع السامعين الحاضرين.
فما كان من ذلك العبد العاصي - الذي علم أنه المقصود بالخطاب، فلو خرج من بين الجموع، عُرف وهتك ستره، وانفضحت سريرته وكشفت خبيئته - فما كان منه إلا أن أطرق برأسه وأدخل رأسه في جيب درعه أو قميصه، وقال: يا رب! اللهم إني أتوب إليك فاسترني، اللهم إني أتوب إليك فاسترني، اللهم إني أتوب إليك فاسترني، فما لبث موسى ومن معه إلا أن أظلهم الغيم، وانفتحت السماء بمطر كأفواه القِرَب، فقال موسى: يا رب! سقيتنا وأغثتنا ولم يخرج منا أحد! فقال الله: يا موسى! إن من منعتكم السقيا به تاب، وسألني وأعطيته وسقيتكم بعده، فقال موسى: يا رب! أرني ذلك الرجل، فقال الله جل وعلا: يا موسى! سترته أربعين عامًا وهو يعصيني، أفأفضحه وقد تاب إليَّ وبين يدي؟ (التوابين لابن قدامة: (ص: 55).
يا واحدًا في ملكه ماله ثاني
يا من إذا قلتُ يا مولاي لبّاني
أعصي فتسترني، أنسَى فتذكرني
فكيف أنساك يامن لست تنساني
فإذا كان سيدنا موسى (عليه السلام) وهو
نبي من أنبياء الله تعالى، ومن أولي العزم، وهو كليم الله، ومع ذلك عندما خرج ببني
اسرائيل يصلون صلاة الاستسقاء لم ينزل المطر، والسبب أن فيهم عبدًا واحدًا عاصيًا هو
الذي حبس المطر، فماذا نقول نحن والذنوب والمعاصي في اغلب المجتمع؟!
لو نظرنا إلى مجتمعاتنا اليوم سنجد: كم من المسلمين من لا يصلون بالكلية؟!، وكم منهم من ترك الجمعة والجماعات؟! وكم من المصلين من يصلي ولكنه يؤخر الصلاة عن وقتها؟! كم من المسلمين من لا يخرجون الزكاة، بل ويتفننون في الهروب منها؟! كم من ولد عاق لوالديه؟ وكم من أب ظالم لأولاده؟ وكم من أخ أكل حق إخوانه وأخواته من الميراث وغيره؟ وكم من زوج ظالم لزوجته؟ كم من أولياء الأمور من يسمحون لبناتهم وزوجاتهم وأهل بيتهم يخرجن متبرجات متزينات ويلبسن الملابس المغرية للشباب؟ وكم من الناس من يسهر كل الليل على معصية؟
ثانياً :"منع الزكاة
امتناع الناس عن إخراج الزكاة المفروضة أو التحايل في إخراجها أو إخراجها من دون طيب نفس؛ ولا شك أن هذا من أعظم الأسباب الموجبة للقحط وانقطاع القطر من السماء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا"(ابن ماجه).
يشير النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن منع الزكاة وعدم إخراجها أو التحايل على ذلك، تكون عقوبته العاجلة هي منع القطر عنهم، ولولا وجود البهائم ما نزل عليهم المطر من السماء؛ لأنهم لا يستحقونه، لكونهم لم يُخرجوا حق الفقراء في مالهم.
وهذا يوضح سبب الجدب الذي ضرب أطنابه في
الأرض، رغم أن الناس يستسقون ويستغيثون الله عز وجل ويطلبون منه المطر، وما ذاك إلا
لأن الناس صاروا يتهاونون في إخراج زكاة أموالهم، وحينما يبخل الناس بالزكاة فإن الله
تعالى يمنع عنهم المطر، الذي هو وسيلة لحياتهم، ولولا رحمة الله عز وجل بالبهائم ما
أُمطِرت الأرض أبداً.
وهذه العقوبة عادلة؛ لأن في ذلك مخالفة
لأمر الله وتفويت لحق فرضه الله للفقراء والمحرومين، قال تعالى:"وَالَّذِينَ فِي
أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ"(المعارج:24-
25). ثم قال تعالى: "وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى
بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ
فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ"(التوبة: 34-35).
أين هم اليوم من يخرجون زكاة أموالهم طيبة بها نفوسهم؟ أين أصحاب الملايين - وربما الملايير - الذين يمتنعون عن إخراج حق الفقراء، وإذا لم يستطيعوا التحايل على الدولة، دفعوا ضرائبهم، ثم احتسبوها من أموال الزكاة. يكدسون في الدنيا ما يعظم حسابهم عليه في الآخرة. قال تعالى:"وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ "(المعارج: 24، 25).
ثم قال تعالى:"وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ
فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ
فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ "(التوبة: 34، 35).
قال يحي بن معاذ رحمه الله: "إذا مات
ابن آدم أصيب بمصيبتين لم يصبهما من قبل: يترك ماله كله، ويحاسب على ماله كله".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينا رجل
بفلاة من الأرض، فسمع صوتا في سحابة: "اسق حديقة فلان"، فتنحى ذلك السحاب،
فأفرغ ماءه في حرة "أرض بها حجارة سوداء"، فإذا شَرْجَة "مسيل الماء" من تلك الشِّراج
قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته
(بمجرفته)، فقال له: "يا عبدا لله، ما اسمك؟". قال: "فلان"، للاسم
الذي سمع في السحابة. فقال له: "يا عبد الله، لِمَ تسألني عن اسمي؟". فقال:
"إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: "اسق حديقة فلان"، لاسمك،
فما تصنع فيها؟". قال: "أما إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدق
بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثا، وأرد فيها ثلثه"(مسلم).
ثالثاُ:" الكبرياء والتعالي على الخلق بالمال والجاه:
الكبرياء في الأرض، والتعالي على الخلق،
والافتخار بالمال، أو الجاه، أو المنصب، أو السلطان. فالغيث لا ينزل إلا بإظهار التضرع
لله، والانكسار بين يده. قال تعالى: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ
قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ
* فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ
لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾"(الأنعام: 42، 43).
وهذا مانع من موانع نزول المطر؛ فالغيث
لا ينزل؛ إلا بإظهار التذلل والافتقار للخالق، والتواضع واللين للمخلوقين، قال تعالى:"وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ
لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ
قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"(الأنعام:
42-43). ولهذا كان من هديه –صلى الله عليه
وسلم- إذا خروج للاستسقاء أن يخرج متذللا خاشعا،
قال ابن عباس رضي الله عنه: "خَرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم للاستسقَاء
مُتَذَلِلاً، مُتَواضِعاً، مُتَخَشِعاً، مُتَضَرِعاً"(الترمذي).
رابعاً:" انتشار الفساد
بين الناس
سواء كان تزويرا أو رشوة أو سرقة أو غشا؛ قال النبي
-صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله
أن تدركوهن"، ثم ذكر منها: "ولم يَنْقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين،
وشدة المؤونة، وجور السلطان عليهم"(ابن ماجة)،
ولما كثر فساد قريش وطغيانها؛ سلط الله عليهم سنينا
كسنين يوسف -عليه السلام-؛ فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "إن قريشا
لما غلبوا النبي -صلى الله عليه وسلم- واستعصوا عليه، قال: "اللهم أعني عليهم
بسبع كسبع يوسف"؛ فأخذتهم سَنة أكلوا فيها العظام والميتة من الجهد، حتى جعل أحدهم
يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع"(البخاري).
فالمشي بين الناس بالفساد، سواء كان تزويرا،
أو رشوة، أو سرقة، أو غشا.. ومن الغشاشين: الذين ينقصون المكيال والميزان، ولا يوفون
الناس حقوقهم.
وهذا النوع من العذاب أرسله الله على قوم
فرعون تحذيرا لهم من التكذيب، لعلهم يرعوون. قال تعالى: "ولقد أخذنا آل فرعون
بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذّكرون". وبهذا العذاب دعا النبي صلى الله عليه
وسلم على قريش لما كذبوا، وتعنتوا، وأبطأوا في إسلامهم. فعن عبد الله بن مسعود رضي
الله عنه قال: "إن قريشا لما غلبوا النبي صلى الله عليه وسلم واستعصوا عليه قال:
"اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف". فأخذتهم سَنة أكلوا فيها العظام والميتة
من الجهد، حتى جعل أحدهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع"(البخاري).
هذا جزاء الغش، والمكر، وخداع الناس، والاعتداء على الأموال والأعراض إذا عم وطم، لا ينفع معه وجود القلة من الصالحين، ولا يحجزه خوف من بقي من المتقين المخبتين. قالت زينب زوج النبي صلى الله عليه وسلم: "أنهلك وفينا الصالحون؟". قال: "نعم، إذا كثر الخبث" (متفق عليه).
ماالخلاص للخروج من هذا المأزق الخطير ونزول الغيث في موعده ؟
يجب علينا سلوك الوسائل الشرعية التي بها نستجلب النعم ونستدفع النقم، ويعم خير الله في الأرض، ومن تلك والوسائل:
تقوى الله -عز وجل-، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي،
قال تعالى:"وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ"((الأعراف:96).
ومن الوسائل التي ينال بها كل خير ويزول بها كل بلاء وضير:
كلنا أيها الناس أصحاب ذنوب، فلا بد علينا جميعا أن نقف وقفة جادة وشجاعة كما وقف ذلك العبد العاصي وأعلن توبته لله تعالى، ولم يقل هناك غيري من العصاة، ولم يقل أنا لست المعني، لا وإنما أعلنها توبة صادقة وقال يا رب أنا المقصر، أنا المذنب، فتب عليّ واسترني ولا تفضحني، فتاب الله عليه.
أنا مُخطىءٌ أنا مُذنبٌ أنا عاصي
هوَ راحمٌ هو غافرٌ هوَ كافي
قابلتهنّ ثلاثــة بثلاثـــةٍ
ولَتَغْلبَنْ أوصافُــه أوصــافي
لا بد لنا أن نفتح صفحة جديدة مع الله، ولا بد أن نكثر من الاستغفار، فالاستغفار يَفتَح الأقفَال، ويَشرح البَال، وَيُصلِح الحَال، وَيُدِّرَّ المَال، وهو سبب من أسباب نزول الأمطار، وغفران الذنوب وستر العيوب.
الاعتصام بالله وكتابه وشرعه والاستقامة عليه:
فهما طريق الفلاح والاستقامة قال تعالى: "وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا"(الجن:16).
ومنها: المداومة على الاستغفار، قال-سبحانه- على لسان نوح -عليه السلام-: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا"(هود: 52)، وقال تعالى: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا"(نوح:10-12).
التوسل إلى الله بالصالحين،
ومن الوسائل التي بفعلها ينزل الغيث:
التوسل إلي الله بالصالحين الأحياء وصالح الأعمال عن عمر بن الخطاب ر-ضي الله عنه-: "كان إذا
قحطوا، استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا
فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا"، قال: "فيسقون"، وروى ابن
عساكر -رحمه الله- بسند صحيح، "أن الضحاك بن قيس خرج يستسقي بالناس؛ فقال ليزيد
بن الأسود: "قم يا بكاء"؛ فما دعا إلا ثلاثا حتى أمطروا مطرًا كادوا يغرقون
منه".
الشعور بالاضطرار إلى الله تعالى.
ومن الوسائل التي بفعلها ينزل الغيث:
الافتقار إلى الله وإظهار الاضطرار إليه، قال تعالى:"أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ"(النمل:62)؛
فإذا استسقى الناس ولم يسقوا دل ذلك على ضعف في الاضطرار، وفتور في الارتباط بالله تعالى والتوكل عليه، وهو السر في أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يستسقي ربه فيسقيه فورا؛ فعن أنس -رضي الله عنه- قال: "أصاب أهلَ المدينة قحطٌ على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فبينما هو يخطبنا يوم جمعة، إذ قام رجل فقال: يا رسول الله، هلك الكُراع (الخيل)، هلك الشاء، فادع الله أن يسقينا؛ فمد يديه ودعا"، قال أنس: وإن السماء لمثل الزجاجة "ليس فيها سحاب" فهاجت ريح، ثم أنشأت سحابة، ثم اجتمعت، ثم أرسلت السماء عَزَالِيَهَا [فتحت أفواهها وجيوبها]، فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا، فلم يزل المطر إلى الجمعة الأخرى؛ فقام إليه ذلك الرجل أو غيره؛ فقال: يا رسول الله، تهدمت البيوت؛ فادع الله أن يحبسه؛ فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: "حوالينا ولا علينا"؛ "فنظرت إلى السحاب يتصدع حول المدينة كأنه إكليل"(متفق عليه).
بل قد استقر عند العلماء، أن المضطر لا يوصي غيره بالدعاء له، بل يدعو هو لنفسه، لأنه مرجو الإجابة أكثر من غيره. قال عبيد الله بن أبي صالح: "دَخَلَ عَلَيَّ طَاوُسٌ يَعُوْدُنِيْ، فَقُلْتُ لَهُ: ادْعُ اللهَ لِي يَا أَبَا عَبْدِ الْرَّحْمَنِ. قَالَ: ادْعُ لِنَفْسِكَ، فَإِنَّهُ يُجِيْبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ".
وَقَالَ الإمام الذهبي: "دُعَاءُ المُضْطَرِّ
مُجَابٌ فِي أَيِّ مَكَانٍ اتُّفِقَ".
فإذا استسقى الناس فلم يُسقَوْا، دل ذلك
على ضعف في الاضطرار، وفتور في الارتباط بالله تعالى والتوكل عليه. وهو السر في أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستسقي ربه فيسقيه فورا.
فعن أنس رضي الله عنه قال: أصاب أهلَ المدينة قحطٌ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينما هو يخطبنا يوم جمعة، إذ قام رجل فقال: يا رسول الله، هلك الكُراع (الخيل)، هلك الشاء، فادع الله أن يسقينا. فمد يديه ودعا. قال أنس: وإن السماء لمثل الزجاجة (ليس فيها سحاب)، فهاجت ريح، ثم أنشأت سحابة، ثم اجتمعت، ثم أرسلت السماء عَزَالِيَهَا (فتحت أفواهها وجيوبها)،
فخرجنا نخوض الماء
حتى أتينا منازلنا، فلم يزل المطر إلى الجمعة الأخرى، فقام إليه ذلك الرجل أو غيره
فقال: يا رسول الله، تهدمت البيوت، فادع الله أن يحبسه. فتبسم رسول الله صلى الله عليه
وسلم ثم قال: "حوالينا ولا علينا". فنظرت إلى السحاب يتصدع حول المدينة كأنه
إكليل"(متفق عليه).
وعن أنس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا، استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا". قال: "فيسقون"(البخاري).
وروى ابن عساكر بسند صحيح أن الضحاك بن قيس خرج يستسقي بالناس، فقال ليزيد بن الأسود: "قم يا بكاء". فما دعا إلا ثلاثا حتى أمطروا مطرًا كادوا يغرقون منه".
فاتقوا الله -عباد الله-، واستقيموا على شرعة ربكم،:"يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا"(نوح:11-12).
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريعاً مريئاً غدقاً مجللاً عاماً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل. اللهم لتحيي به البلاد، وتغيثَ به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد. اللهم سقيا رحمةٍ لا سقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا بلاءٍ ولا غرقْ. اللهم ادفع عنا الغلاء والبلاء والوباء والربا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين، يا رب العالمين.
وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم