
كيف تبني بيتك في الجنة ؟ بالتوكل علي الله
التوكل: هو صدق اعتماد القلب على الله عز
وجل في استجلاب المنافع ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة والاعتقاد بأنه لا يعطى
ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه سبحانه وتعالى.
وقيل: هو انطراح القلب بين يدى الرب كانطراح الميت بين يدي المغسل يقلبه كيف
يشاء.
التوكل سبب لبناء الغرف والبيوت في الجنة
ومن توكل على الله عز وجل في كل أموره،وفوض أمره لله بنى له بيتاً في الجنة وغرفاً ، قال سبحانه وتعالى:"وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا ۚ نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَٰمِلِينَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"(العنكبوت/58-59).
ثم قال الله سبحانه وتعالى:"الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"(العنكبوت:٥٩).، أي: أنهم عملوا الصالحات وصبروا، وتوكلوا علي الله ..
وقول الله سبحانه:"الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"(العنكبوت:٥٩)، أي: صبروا لأمر الله سبحانه وتعالى، وتوكلوا على الله سبحانه أعظم التوكل،
فهنا ربنا سبحانه وتعالى ذكر أمر التوكل عليه سبحانه وتعالى، فذكر أنه من صفات المؤمنين الذين يستحقون الجنات والبيوت فيها.
التوكل علي الله سبب الرزق
وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:"لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خماصاً وتروح بطاناً"، فلو أن الإنسان يتوكل على الله سبحانه كما تتوكل الطير على ربها سبحانه لرزقه الله كما يرزق الطير؛ فإنها تصبح فتغدو تبحث عن رزقها فالله يعطيها رزقها، فقوله:"تغدو خماصاً" خمص البطن بمعنى: ضامر البطن، قل حجمها من قلة الطعام، وقوله:"تروح بطاناً"، أي: قد شبعت وامتلأت بطونها وانتفخت من كثرة ما أكلت من طعام.
فلو أن العبد توكل على الله حق التوكل وكان واثقاً بالله سبحانه، وأن الرزق بيد الله سبحانه، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، وكل شيء بيد الله سبحانه، ولم ينسب ما هو لله لغير الله سبحانه، ولم يظن أو يحدث نفسه أن رزقي عند فلان، وفلان يعطيني الرزق؛ لرزقه الله من حيث لا يحتسب، فالرزق عند الله سبحانه، والله الرزاق العظيم الذي قال لعباده:"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ"(الذاريات:٥٦ - ٥٨).
فالعبد يتوكل على الله سبحانه، وإذا أحسن التوكل جاءه رزقه من عند الله من حيث لا يحتسب، كما قال عز وجل: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ"(الطلاق:٢ - ٣).
وقال صلي الله عليه وسلم :"يدخل الجنة
أقوام أفئدتهم مثل الطير"(مسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: " لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه
رزقه كمايدركه الموت"(أبو نعيم فى الحلية وابن عساكر والطبراني فى الأوسط وغيرهما ).
ولما قال رجل لرسول الله صلى الله عليه
وسلم: أعقلها وأتوكل أم أطلقها وأتوكل قال: "بل أعقلها وتوكل "(الترمذي).
قال بعض السلف: َتوكل تُسق إليك الأرزاق بلا تعب ولا تكلف.
قال عامر بن قيس: ثلاث آيات من كتاب الله
اكتفيت بهن جميع الخلائق:
الأولى:"وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ"
(يونس:
107).
الثانية:"مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"(فاطر: 2).
الثالثة: "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي
كِتَابٍ مُبِينٍ "(هود: 6).
قال علىّ بن بكار: شكا رجل إلى إبراهيم
بن آدهم كثرة عياله فقال له: يا أخي انظر كل من في منزلك ليس رزقه على الله فحوّله
إلى منزلي ".
التوكل علي الله أنس بالله
وقال رجل لمعروف الكرخي: أوصني فقال:
" توكل على الله حتى يكون أنيسك وجليسك وموضع شكواك واعلم أن الناس لا ينفعونك
ولا يضرونك ولا يعطونك ولا يمنعونك ".
• وعن أبى قدامة الرملي قال: قرأ رجل هذه الآية: "وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ
وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً"(الفرقان: 58).
فأقبل علىّ سليمان الخواص وقال يا أبا قدامة ما ينبغي لعبد بعد هذه الآية أن يلجأ إلى أحد بعد الله في أمره ثم قال: انظر كيف قال الله:"وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ " فأعلمك أنه لا يموت وأن جميع الخلق يموتون ثم أمرك بعبادته فقال:"وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ " ثم أخبرك بأنه خبير بصير ثم قال: يا أبا قدامة: لو عامل أحد الله بحسن التوكل وصدق النية له بطاعته لاحتاجت إليه الأمراء فمن دونهم فكيف يحتاج أحد إلى أحد والموئل والملجأ إلى الغنى الحميد".
التوكل جماع الإيمان
قال سعيد بن جبير: " التوكل جماع الإيمان "قال تعالى:"وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ"
(المائدة/22).
فهو حال المؤمن في جميع الأحوال والأحيان.
ففي مقام العبادة: قال تعالى:"فَاعْبُدْهُ
وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ"(هود: 123).
وفي مقام الدعوة: قال تعالى:"فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ
رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ"(التوبة/ 129).
وفي مقام الرزق قال الله:" وَمَنْ
يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ "(الطلاق: 2، 3).
وفي مقام الحكم والقضاء قال الله:"
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ
رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ "(الشورى: 10).
وفي مقام الجهاد:" إِنْ يَنْصُرْكُمُ
اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ
مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ "(آل عمران:
159).
وفي مقام الهجرة والسفر:"وَالَّذِينَ
هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا
حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"(النحل/
41، 42).
وفي مقام العهود والمواثيق:" قَالَ
لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي
بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى
مَا نَقُولُ وَكِيلٌ "(يوسف: 66).
وفي كل ما يقوله الإنسان ويفعله ويعزم عليه
يتوكل فيه عليه: "فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِينَ " (آل عمران: 159). وقال تعالى:" وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى
اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ"(الطلاق: 3).